عراق برئيس كوردي .. عجيب امور..غريب قضية !

فوزي الاتروشي

   قامت الدنيا ولم تقعد و زلزلت الارض زلزالها و حان موعد القيامة لدى بعض القوميين العرب لان رئيس العراق كوردي لأول مرة منذ تأسيسه عام 1921 على عرف سياسي سيء و متهرِّئ يقتضي ان يكون الرئيس عربياً سنياً.

علماً ان هذا مجرد عرف و ليس قاعدة او قانوناُ و الاعراف البالية تستبدل بما يحمل هواء العصر و نكهة الراهن و اشتراطاته.

فما كان في عشرينات القرن الماضي صالحاً أصبح الآن جزءاً من التراث أَثبتَ خلوَّه من العقلانية.
   ولكن لا حياة لمن تنادي فبعض العرب معلَّق الى حد العبادة بالايام الخوالي و بشعر امريء القيس و المعلقات السبع في الشعر الجاهلي، و الوقوف و البكاء على الاطلال.
   لان الرئيس كوردي فالعراق سينقسم وفق زعم هذا البعض العروبي و سينفصل عن محيطه الهادر و خليجه الثائر، فتارة يلجأون الى الاستخفاف بتواضعه لانهم تعودوا على حاكم مستبد ظالم يحكم بشكل مطلق و يردد مثل الملك الفرنسي “الدولة أنا و أنا الدولة”.

و تارة أخرى يلجأون الى التقليل من شأن تمكنه من اللغة العربية، ومدى معرفته بشعر الجواهري و المتنبي، وهذا طرق على حديد بارد و تلاكم مع الهواء لان من عايش الرئيس العراقي الحالي و اقترب منه يعرف ان قدرته على التكلم و الحديث و الكتابة و الخطابة بالعربية أقوى بكثير من قدرة عدد من زعماء و رؤساء و ملوك عرب و من أم و أب عربيين و يعجزون عن صياغة جملتين مفيدتين بلغتهم الأم حيث ينصبون الفاعل و يرفعون المفعول به، و يجرُّون المرفوع و ينصبون المجرور و يصرفون الممنوع من الصرف ولا يبقى في جعبتهم إلا الفعل الماضي الناقص.

الرئيس العراقي كوردي و لكنه يحفظ الكثير من شعر الجواهري و المتنبي عن ظهر قلب وقد سمعناه مراراً يستشهد بها، علماً أنه لايشترط في رئيس الجمهورية ان يكون مؤرخاً للأدب و حاملاً لسلَّة الاشعار في ذاكرته، فالشرط ان يكون خبيراً في السياسة و العمل الوطني، و حائزاً على ثقة العراقيين و محترماً لإرادتهم و منتخباً من بينهم لا مسلَّطاً عليهم، وهذه شروط و مؤهلات متوفرة في الرئيس الحالي.

و لكن بعض القوميين العرب لاترضيهم صورة الرئيس، لأنه يحكم و لا يتحكَّم، و يتواضع و لا يترفَّع، و يلين و لا يتصلَّب، و يجلس مع أرفع مستوى و مع أبسط مواطن، يطلق الطرائف و يمزح دون اخلال بجدية الموقع و هيبة العمل، وهذا يخلُّ –كما يبدو- بالصورة للرئيس عند بعض القوميين الذين تعودوا ان يكون الرئيس عبوساً و متربِّصاً و حاملاً في خاصرته مسدساً و يده على الزناد.
ألم يقل عبدالله القصيبي ان العرب ظاهرة صوتية، ومن دون تعميم نقول انه صدق في وصف التيار العنصري الماضوي المتآكل للقومية العربية، الذي يعشق المظهر و يزدري الجوهر و يتعلق بالألفاظ و المباني و يبتعد عن المقاصد و المعاني، ويردد الأناشيد و القصائد ومافيها من شوق و هوى ولا يبذل العناء للبحث عن الفكر و المحتوى.

فما أحوج هذا التيار لاعادة قراءة كتابات صادق جلال العظم و نجيب محفوظ و توفيق الحكيم، و عبدالرحمن منيف، و نزار قباني، و محمود درويش، و أدونيس، و غادة السمان و ليلى العثمان، و أحلام مستغانمي، و علي الوردي و د.

سعدالدين ابراهيم صاحب الكتاب الذي منع عشر سنوات لأنه تطرق بمنهجية عالية المستوى الى قضايا الملل و النحل و الاعراق في الوطن العربي و كتب بنهج علمي عن القضية الكوردية، و غيره من الاسماء اللامعة في الثقافة التجديدية التنويرية العربية، ولكن لأن هذا البعض لا يغادر محطة الماضي نراه يحكم على صورة الرئيس العراقي وعلى ظاهر كلامه و تقاسيم وجهه، و لايحاول التعمق فيما وراء الجلد و الملبس من مكنونات، لذلك يسكت هذا البعض عن الحقيقة وهي بحجم الشمس و يغمض عينيه كيلا يرى القمر، وإلا فان الرئيس العراقي الكوردي و حدوي وهم تقسيميون مزقوا الوطن على مدى (35) عاماً.

و الرئيس عقلي و هم نقليون يستحضرون فكر الخوارج، وهو متصالح و متسامح و هم عنيدون تكفيريون ظلاميون لايعرفون معنى التحية و السلام، وهو متوازن و هم منحدرون الى الدرك السفلي من التفكير الأناني، وهو متعايش و هم اقصائيون لا يؤمنون إلا بالعمليات الجراحية و البتر و القطع وكل ما ينتمي الى مهنة الجزارين.
   هم يدَّعون الوحدة و الحرية و الاشتراكية وقد تحققت فعلاً ولكن لتجزئة الوطن العربي الى المزيد و المزيد من الدول و الدويلات الجزئية و الشبحية، و لجعل الوطن العراقي أكبر سجن للحرية في العالم و أوسع مقبرة جماعية، أما اشتراكيتهم فحدث عنها و لا حرج، وليس أبلغ من الشاعر العربي المبدع الراحل نزار قباني حين قال:
وحدويون و البلاد شظايا
كل جزء من لحمه أجزاء
ماركسيون و الجماهير جياع
فلماذا لايشبع الفقراء
اما سيادة الوطن العراقي فقد قسَّمها “حزب البعث” القومي العربي الى هدايا ملفوفة بعناية بورق الزينة و سلمها الى تركيا عام 1982 لمطاردة الثوار الاكراد داخل الاراضي العراقية، والى شاه ايران بموجب اتفاقية 6-آذار-1975 و شنَّ ثلاث حروب مجنونة افترست الوطن و جيرانه و كادت تفترس العالم لولا سقوط صنم الطاغية يوم 9-4-2003.

ورغم ذلك فان النشيد البعثي مازال يعزف في الصحف الموالية دون الغاء اي مقطع موسيقي منه، وقبل ايام كتب أحدهم في ملحق “العرب” الاسبوعي مقالاً حافلاً بعنوان البلاغة و البيان بعنوان “سيدي الرئيس” وقد تصوَّرتٌ ان الكاتب عاد الى رشده وان هواء لندن النقي أهداه الشفاء و العافية وهو يعترف بان في العراق رئيس كوردي وهو بعراقيته أكثر أصالةً من العربي القلب و اليد و اللسان صدام حسين، فاذا به في خاتمة المقال يسجل سيدي الرئيس عزت ابراهيم الدوري.

ألا يعني هذا ان “حزب البعث” ومن يحالفه اليوم، ينامون نومة أهل الكهف و لايرون العالم و تغيُّره الزئبقي الذي لايقاس بالايام، بل بالساعات، وان هذا الحزب الذي يحرض و يعبئ الصحف الفاقدة البصر و البصيرة على الكورد وعلى الرئيس الكوردي العراقي قد شاب على ما شبَّ عليه و شاخ جسده و تسمَّر فكره و غرقت أوراقه في مستنقع الوحل الى غير رجعة.

اما أبواقه في بعض الصحف في بغداد فلا أحد يسمعها ولا أحد يراعي مايرد فيها لانها أكثر من جاهلة و أكثر من أميَّة و يكفيها انها في عهد الرئيس العراقي الكوردي تقول ما تشاء وان عقوبة بتر اليد و قطع اللسان التي اخترعها عدي صدام حسين قد اختفت الى الأبد، ام ترى ان حنين البعض الى هذه العقوبات السادية أكثر من شوقهم الى بساتين الحرية و الديمقراطية!.
   نقول لحزب البعث و مناصريه من القوميين و التكفيريين ان القومية العربية بسلام ولكن بدونهم، وهي خضراء الغصون و مثمرة ولكن بعيداً عن معاولهم، وهي باقية اذا أبعدوا عنها أحزمتهم الناسفة التي ترد عبر الحدود من أشقائهم في الفكر و الممارسة.

ألم يقل الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدة “كوردستان” عام 1965:
لن تبصري يا عروبة
ان كنتِ من ثقب المدافع تنظرين
في الختام نقول لهؤلاء اننا نتطلع ان يكون خلف الرئيس الحالي تركمانياً و الآخر آشورياً، لان العراق جميل بكل ألوانه و تنويعاته، وهو قاتم و مريض و قبيح اذا عاد –لا سمح الله- حزب البعث الى الواجهة ليحتكر العروبة و الوطنية العراقية.
   بعد كل هذا و رغم كل ما حدث و سيحدث فأنا على يقين ان بعض القوميين العرب سيردد الى الأبد “عراق برئيس كوردي، عجيب امور..غريب قضية”.

و لهؤلاء نقول ان الارض تدور سواء كنتم في فلكها أم لا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…