الـ «ب ، ي ، د»، بين المطرقة والسندان

ابراهيم محمود
في العراق، وجرّاء الاستفتاء في إقليم كردستان ” 25-9-2017 “، توحّدت مختلف القوى السياسية والطائفية والمذهبية ضداً على الكرد دونما استثناء، وأفصحت عن أنها معنية في عمومها بردّ كيد هذا ” العدو ” الرئيس إلى نحره، وهذا ما حصل طبعاً، وربما ما نشهده اليوم، كما يلوح في الأفق، هو أن كلاً من النظام السوري وقوى كثيرة في المعتبَرة: معارضة سورية ترفض أي تصور لوجود جغرافي كردي مستقل في المنطقة عموماً، وفي سوريا على وجه التخصيص، وإزاء ذلك، فإن موقف الـ” ب، ي، د “، وهو بين مطرقة النظام، وسندان المعارضة إجمالاً لا يحسَد عليه، وهو يعلِم بقادم أيام لا يطمئِن أحداً .
ألا ينبغي أن يستعيد كرد ” سوريا ” ومن هم في واجهة الجاري وعي الواقع الشديد التلون أكثر من واقع وعي يؤخَذ به على أنه هو المرجع، وهو الفاصل بين سياستين: رغبية ومتحولة؟
قبل عدة أشهر تناقلت وكالات أنباء عالمية ومحلية، وصحف ومواقع مختلفة حديث السفير الأميركي السابق في دمشق : روبرت فورد، وهو يحذّر ” أكراد ” سوريا من عواقب ” الانفصال “، أو أي استئثار كردي بالمكان، وأن أميركا لن تدعمهم في مشروعهم. طبعاً كان كلامه يتركز أساساً على الـ” ب، ي ، د “، وعموماً يوجَّه إلى الأكراد ولزوم تنبُّههم إلى طريقة تعامل أميركا معهم من باب الابتزاز، في العراق ” كما تبيَّن ذلك : وفيما بعد في سوريا، وربما كان تحذير بشار الأسد قبل يوم، بانسحابهم من المناطق التي سيطروا عليها أو سيواجهون بالقوة العسكرية، ولن تكون هناك كردستان أخرى في سوريا ترجمة لكلام روبرت أو تأكيداً له .
وإذ أسمّي ” ب، ي ، د “، فلأنه الطرف الكردي الأكثر حضوراً بمدده وعدده، والأكثر استحقاقاً بالتسمية بعيداً عن أي مساءلة جانبية: أخلاقية، مثلاً !
هنا يمكن القول أن السالف ذكره لا يعني أن كل ما يُسمَع يؤخَذ به، سوى أن مجريات الأحداث تظهر أن ” جهينة ” السياسة القائمة في المنطقة هذه تملك أكثر من الخبر اليقين، أو على الأقل، يستدعي ذلك إلى وجوب ” فتْح ” العين على وسعهها وفي الاتجاهات كافة.
فالدول الكبرى التي جزَّأت المنطقة، ماتزال مواظبة على عهدها بهذا التقسيم وهي تزيدها تفتيتاً وتخريباً من الداخل، إنما الأهم، هو أن هذا التفكك الداخلي الذي يشهَّر فيه غالباً لا ينبغي أن يستهان بقوته وهي مسنَدة من جهات شتى، أي من خلال شراكة إقليمية وأبعد، كما حصل في التعامل مع استفتاء الإقليم، والمخاض العسير الذي يمر به، مع فارق في المكان والقوة القائمة على الأرض بالتأكيد، وتوقع ما يصدم المعنيين بالوضع في سوريا وفي المناطق الكردية فيها، أي ما ينبغي التحضر له وعلى أعلى مستوى، حيث الوعود وحيثيات الإعلام والطمأنة المؤقتة لا تسمح بالنوم في الهواء الطلق، وتجنب كوابيس الأحلام.
عدا عن ذلك، إذا كان في وسع المقيم في الإقليم أن يذكّر بالحامل الجغرافي ويضعه في حسبانه” الجبل “، رغم رومانسية العلاقة راهناً، فإن الجغرافيا التي يشار إليها كردياً تري عراء، ومن هم فيها كردياً مكشوفون من الجهات كافة، ذلك يحفّز على المزيد من الإسراع ولملمة شتات المعاني، والنظر في الحسابات الجارية، لأن ما يتردد أو يقرَأ يعزز مثل هذه المقولة التي لا هدف لها إلا السعي الحثيث إلى التفكير ملياً فيما يجري وبسرعة لافتة، ولا بد أن هذه السرعة إذا كانت تخدم أي كان، فإنها لا تخدم الكرد، وممن يراهنون على جغرافيا عائدة إليهم سورياً، وبالتالي، فإن أي انقسام فيهم يذكّر بالجاري في الإقليم وأكثر في وخامة المردود، ومن ثم فإن ” الفلقة ” التاريخية في عراء المكان سوف تكون أكثر إيلاماً للكرد عموماً، ولمن يعرّفون بأنفسهم منهم قاب قوسين أو أدنى مما يخططون له، في الموعود كردياً، إن لم تكن مميتة، وحينها يكون كل حديث عن التضحيات الكردية المقدمة أكثر من كونه مأساة تاريخ يضحك جرّاء شر البلية !
دهوك، في 6-11/ 2011 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…