محاولة في فهم الموقف الأمريكي من كردستان العراق (2)

عدنان بدرالدين

 
الإستفتاء الكردي والخديعة الأمريكية
لم تعارض الولايات المتحدة الأمريكية الإستفتاء على إستقلال كردستان عن العراق من حيث المبدأ، لكنها عارضت توقيت إجراءه. وقد كان بمقدور واشنطن دفع القيادة الكردستانية إلى تأجيل الإستفتاء، إما بتقديم بديل مناسب، وهو المطلب الذي ظل الرئيس مسعود بارزاني يردده حتى عشية يوم الإستفتاء ذاته، أو ممارسة ضغط حقيقي على الإقليم الكردي، مثل التهديد بإغلاق القنصلية الأمريكية في هولير، أو سحب الخبراء العسكريين الذين يقومون بتدريب البيشمركة، أو دخول الرئيس الأمريكي نفسه على الخط، بدل إسناد المهمة إلى السيد – بريت ماكغورك – الذي يظل، رغم كل الدور الخطير المناط به، مجرد موظف رفيع في الإدارة الأمريكية.
نص الموقف الأمريكي المعلن على “إحترام التطلعات المشروعة للشعب الكردي” مع إبداء التخوف من أن الإستفتاء قد يؤثر سلبا على المعركة التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهو مافنده الإقليم من خلال التأكيد على أن المساهمة الكردية في الحرب الدولية ضد الإرهاب لن تتأثر بالإستفتاء. كما قدم الجانب الكردي إلى الأمريكان والمجتمع الدولي تطمينات إضافية، عندما أكد بوضوح لايقبل الإلتباس، بأن الإستفتاء على الإستقلال لن يعني الإنفصال الفوري عن العراق من طرف واحد، بل أن ذلك يمكن أن يحدث فقط إثر محادثات هادفة وبناءة مع سلطات المركز قد تستمر لسننتين أو أكثر.
 لم يكن، إذن، هناك أي سوء تقدير من جانب القيادة الكردستانية للمواقف الدولية والإقليمية، وعلى الخصوص الأمريكية منها، كما يتشدق صبية قاسم سليماني وجوقاتهم البائسة. وعلى الرغم من أن الكرد يحتفظون بذكريات مؤلمة عن مواقف واشنطن من قضيتهم في عامي 1975 و 1991، فإن أكثرالتوقعات تشائما لم تكن تذهب إلى الحد الذي إنزلقت الأمور إليها بعد يوم السادس عشر من أوكتوبر المشؤوم : أن يختار الأمريكان دور المتفرج في عملية الإحتلال الإيراني وأذرعه العسكرية من ميليشيات الحشد الشعبي ووحدات حزب الله اللبناني ل- كركوك -، وهي تمتطي ظهر الدبابات الأمريكية، أو أن تقوم مجموعة حاقدة داخل الإتحاد الوطني الكردستاني بتسليم ما أطلقت عليه طويلا – قدس كردستان – إلى الإيرانيين على طبق من فضة، وهو مايهيئهم لدخول التاريخ من “أزفت” أبوابه – النسبة هنا تعود إلى الزفت طبعا – .
هناك خديعة أمريكية جلية للكرد، وإستدراج متعمد لهم إلى كمين محكم .
 من المبكر إطلاق حكم جازم فيما إذا كانت هذه الخديعة الدنيئة التي تؤشر إلى تواطؤ أمريكي – إقليمي على إجهاض الحلم الكردي في الحرية، أو على الأقل تحجيمه، قد إتخذ على مستوى الإدارة الأمريكية كلها، أم أنها من فعل أزلام أوباما في الإدارة الحالية ممثلين بالثنائي تيلرسون – ماكغورك وجماعتهما . لكن الثابت أن الجريمة قد وقعت، وأن على واشنطن أن تبادر فورا إلى التكفير عن خطيئتها، وإصلاح موقفها من قضية الشعب الكردي، هذا إن هي أرادت حقا أن تحتفظ بالكرد حلفاء إستراتيجيين لها في هذه البقعة المضطربة من العالم، كما تزعم. 
للبحث صلة
4/11/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

رياض علي* نظرا للظروف التاريخية التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، وانتهاء حالة الظلم والاستبداد والقهر التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية، وبهدف الحد من الانتهاكات التي ارتكبت باسم القانون وبأقلام بعض المحاكم، وبهدف وضع نهاية لتلك الانتهاكات، يتوجب على الإدارة التي ستتصدر المشهد وبغض النظر عن التسمية، أن تتخذ العديد من الإجراءات المستعجلة، اليوم وليس غداً، خاصة وان…

ادريس عمر كما هو معروف أن الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات بين الدول أو الأطراف المختلفة من خلال الحوار والتفاوض لتحقيق المصالح المشتركة وحل النزاعات بشكل سلمي. المطلوب من الكورد دبلوماسيا في سوريا الجديدة بعد سقوط طاغية دمشق بشار الأسد هو العمل على تأمين حقوقهم القومية بذكاء سياسي واستراتيجية دبلوماسية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التوازنات…

نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المراسلين ، معلومات مغلوطة، بشأن موقف المجلس الوطني الكردي حول الحوار الكردي الكردي ، فإننا نؤكد الآتي : ١- ما ورد في المناشير المذكورة لا يمت للواقع بأي صلة ولا يعكس موقف المجلس الوطني الكردي . ٢- المجلس الوطني الكردي يعتبر بناء موقف كردي موحد خياراً استراتيجياً، ويعمل المجلس على تحقيق ذلك بما ينسجم…

إبراهيم اليوسف ليس خافياً أن سوريا ظلت تعيش، بسبب سياسات النظام، على صفيح ساخن من الاحتقان، ما ظل يهدد بانفجار اجتماعي واسع. هذا الاحتقان لم يولد مصادفة؛ بل كان نتيجة تراكمات طويلة من الظلم، القمع، وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، إلى أن اشتعل أوار الثورة السورية التي عُوِّل عليها في إعادة سوريا إلى مسار التأسيس ما قبل جريمة الاستحواذ العنصري،…