تركة السيد مسعود بارزاني وشركة ما بعد مسعود بارزاني

ابراهيم محمود
سيتذكر الكرد عموماً وكرد إقليم كردستان العراق هذا اليوم: الأحد” 29-10/ 2017 ” كاستثناء تاريخي، باعتباره انعطافة تاريخية، حيث إن السيد مسعود بارزاني أعلن، ومن برلمان الإقليم أنه لن يستمر في السلطة، إنما سيعود إلى موقعه المختار : مقاتلاً بيشمركياً. استفتاءً مسمى في لحظته، ومنفَّذ، كما هو مقرَّر في لحظته، ليكون منتمياً إلى تاريخ آخر، هو وتركتُه بكل مكوناتها السياسية، لتغدو الكرة في مرمى شركة ما بعد هذا الإقرار: من يأتي بعده، وما يكونه هذا الـ” بعد “، وما إذا كان في مقدوره أن يمارس تحوُّلاً في تاريخ مرتقب، آخذاً بالآتي، وليس مأخوذاً بـ” قلقلة: قال وقلت ” الماضي، تأكيداً على عقد سياسي كردي جديد مثمر.
السيد مسعود بارزاني من كرسي الرئاسة إلى ساحة النضال الآخر والمفتوحة: البيشمركة، مسافة تستحق النظر والتقدير لهذا الإجراء، ولا بد أن أهل النظر يعطون لهذه اللحظة الحاسمة والخطيرة أو المفصلية قيمة استثنائية، وهم يجدون أنفسهم في مواجهة جديدة، وتصورات جديدة، ومعايشة أحداث أو مستجدات بصورة مغايرة، كما هو المتردد، وخطورة التحدي في الآتي وبدءاً من لحظة تسمية ” طلاق ” السلطة، واختيار الموقع المقدَّر خارج قبة البرلمان، لا بد أن كل من يعرف دلالة اللغة ومعناها، يشعر فجأة بأن شيئاً ما ليس كأي شيء معهود، يفتح أمامهم بوابة تاريخ كبرى، ليقدموا برهانهم ذا العلاقة بالمأمول ليس عبر كرسي سلطة تقليدي، وإنما كرسي سلطة يجب أن يثبت الجالس فيه أنه في مستوى التحدي، حيث لا يعود في مقدور المشدّد على لزوم تنحية بارزاني لزوم تكرار التنحّي، وإنما إظهار مقدرة أخرى، لشعب تواق إلى ما يعينه ويعنيه في آماله الكبرى، وثمة تحديات حدودية وداخلية.
السيد مسعود بارزاني منذ إقراره التنحي عن الرئاسة ورفضه الاستمرار، سيصبح في عهدة ماض، في ذمة كتّاب التاريخ، أو مؤرخيه، ورجالات السياسة، والمحللين السياسيين، وكل من له صلة نسب بالسياسة عموماً، وبما هو كردي، وداخل الإقليم خصوصاً، اعتماداً على ما هو قائم في التاريخ وليس عبر سرديات عواطف بالتأكيد، ولا بد أن الرهان الأكبر لمن سيكون رئيس الإقليم المنتظر، هو مدى أهليته لأن يدخل منطقة العواصف الكبرى، كما هو التاريخ المعاش، أن يرسم علامات سلطة جديدة، ويحفّز كرده على التفكير في اتجاه رحب يشدهم معاً إلى المستقبل. 
إن أي انشغال بما كان، وبطريقة الغمز واللمز، ولو عن بعد، سوف يُلهب الذاكرة الكردية الجمعية، ويُسهم في المزيد من النزف في الوجدان الكردي الذي يكفيه ما هو فيه ألماً، حيث مصالحة التاريخ، ومصادقة الأفضل فيه، واعتماد التسامح معبراً إلى الآتي، أضمن سبيل إلى رحابة التاريخ، لا بل إلى كسب الخصوم قبل الأصدقاء، ومن المؤكد أن ما جرى اليوم ليس فلتة تاريخ حصراً، إنما خطوة لا تخفي جرأتها في زمانها ومكانها، وأن تحدي الراهن لا يحتاج إلى إقامة حفلة هنا أو هناك لما تم، إنما كيفية الوصل مع أفضل ما يمكن تعزيزه في الواقع، والتأكيد على أن شعباً حياً، أي شعب، يمكنه أن يقدّم من هو قادر على إدارة دفة المرحلة الجديدة ومخاطرها، والاحتفاظ بمحاسن ما كان، إن أريدَ له أن يستمر شعبَ الزمان والمكان !
دهوك، في 29-10/ 2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…