كُردستان أبو جيجو

ابراهيم محمود
ليس ذنب أبو جيجو حامل الجنسية الأوربية أن يظهر في لقطات وعبر مقاطع مستهجَنة، وهو يستخدم حركات وكلمات لا تخلو من بذاءة، ظناً منه أنه بذلك ينال من ” عدوّه ” القومي ، إنما ذنب الذين أفرزوه وصاروا متابعين له ومعجبين به، وما أكثرهم من سياسيين كرد؟ إلى مثقفين كرد؟ إلى حملة رايات كردية؟ ليعرّفنا بظاهرة تفرض نفسها وهي ” الجيجوية “، وفي أوربا بالذات من قبل نسبة كبيرة من الكرد، هنا وهناك، وعبر مواقع الكترونية وفيسبوكيات شائنة، ليؤكّد جميع هؤلاء أنهم غالبُو العدو بامتياز، وهم مجلبَبون بالهزيمة داخلاً وخارجاً.
تقودنا الجيجوية كمفهوم نفسي عميق الدلالة إلى مدى النخر النفسي الكردي وكيف يُتلاعَب بمشاعر الكردي البسيط، وأفكار الكردي البسيط وخيالاته وأحلامه، والإطاحة بهدوئه النسبي جرّاء هذه القشمرة الكردية المتنامية، وكيف أنها تستفحل في جهات شتى، لأن ثمة من يريدها ويشجّع عليها، ثمة من يفصح عن جيجوية تتملكه في عقله المتداعي ونفسه المتداعية، إلى جانب تصوره أنه بالطريقة هذه يؤكد وجوده وينتصر على العدو السالف الذكر، وفي هذه الأيام العسيرة حيث بات كل شيء على المحك أكثر من أي يوم آخر، ورغم ذلك يظهر أبو جيجو وما يؤكد تجلّي الجيجوية في وجهنا وأنّى نلتفت في طريقة بث الأخبار الكردية وطريقة التعامل مع العدو، ومع الجاري، وهذا العدو يناور ويصول ويجول داخل كردستان المسماة بحدودها، وأولو أمرها معنيون بنقاش حامي الوطيس إلى درجة الشك في أن ” البيزنطي ” صفة للنقاش ذات يوم، لم يكن إلا كردياً بأكثر من معنى، ليزدادوا انقساماً وانهداماً وحطاميةً، وليتخندق كل منهم داخل ” حفرة ” إيديولوجية وهو يذم المقابل كردياً، حتى داخل حارته، فلا يعود للبيت الكردي من أثر، والعدو يضحك ويضحك بشكل غير مسبوق، ويطوَّح بالبيت الكردي عالياً. أهذا ما وعدنا به أهل الحل والعقد الكرد، من أن كردستان المنشودة قاب قوسين أو أدنى من التحقيق؟
إنها الجيجوية التي لها نسب وحسب منذ عهود طويلة، ولعلها انتظرت هذا العصر الحديث لنجد في رجل هو أبو جيجو يكون له أبناء جيجويون، إنما يكون له أسلاف جيجويون لا أفضل ولا أمثل ولا أصدق تعبيراً من هذه التسمية التي عنونتُ بها مقالي” الجيجوية ” التي يسهل تلفُّظها وما لها من صدى وقابلية للإضحاك، إنما لإعلام من يقدّر الموقف الراهن، وما أقل هذا حضور هذا المقدّر، أن ما هم عليه الكرد المقهورون المهدورون كردياً، يستحقون الهزء وليس الشفقة، أن عليهم التنبه إلى الحد البليغ الذي بلغوه من الجيجوية، دون أن يدروا عريهم الداخلي أمام العدو وفيما بينهم، طالما أنهم لم يواجهوا صورتهم المتداعية في مرآة الواقع الذي يفرض عليهم اعترافاً بما آل إليهم أمرهم، قبل أن يودى بهم كلياً، وتحديداً من يتبنى الجيجوية، من تأورب ويتلمس في الجيجوية عملَ دعاية وظهوراً بقالب جيجوي في الشارع الأوربي مستعرضاً كردستانية مفلسة، دون إدراك أن الحد الأدنى والمتبقي من كردستانه يضيَّق عليها الخناق داخلاً وخارجاً، رغم أن حدود الداخل والخارج لم تعد قابلة للقياس .
للعلم، فإن أبو جيجو يستحق الجائزة الأولى للقشمرة على الطريقة الكردية من العدو المرسوم خارجاً، والتي أفادت العدو هذا على خلفية من تداعيات الظاهر السلبي إجمالاً فيه، طالما أن الكرد يعتقدون أن مواجهة العدو جيجوياً ناجعة، بمعنى أنهم جديرون بالبقاء خارج التاريخ.
دهوك، في 26 -10 / 2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…