انتكاسة كركوك جزء من الانتصار

الان حمو
قد يتسأل القارئ للعنوان: هل بدأ الكوردي بترويض خيباته؟ وقَبِل الخسارة على مضض كجزء مألوف من تاريخه؟ ومرة أخرى تشعب في فلسفةٍ سفسطائية تعينه في مرحلة الانكسار، ليعود ويستوي إلى واقعه المعروف بالخسارة الضمنية دون إظهارها للعيان؟ ولكن هذه المرة لا تقاس على هذا النحو، فالانتصار البلاغي والخطابي عند الكوردي قد أصبح من الصفات الذميمة. عند الكوردي أصبح لكل تصرف بُعد تاريخي وعمق استراتيجي، فالحديث عن اتفاقية سايكس بيكو واتفاقيتي سيفر ولوزان هما استهلالٌ لنقاشه البسيط. فأفق تفكير الكوردي يبقى ملازماً سياقه التاريخي ومتجاوزاً به الحاضر إلى المستقبل، وانتكاسة كركوك لها من التبعيات التاريخية والتأسيس المستقبلي في خارطة فكر الكوردي الكثير من المرتكزات التي يمكن أن تغني منهجية تفكيره، فما حصل عليه فكر الكوردي من مفاهيم ومعاني فكرية “سياسية، اجتماعية، اقتصادية” وهو منشغل بموضوع الاستقلال ومفهوم الدولة، عززت براغماتيتها ما حصل في كركوك وما بعده.
ليس بخفي عن أحد أننا نُعاصر مرحلة تكاد تطابق مرحلة الحرب الباردة (شكلاً ومضموناً) من حيث سياسة الأقطاب المنافسة لبعضها، وعودة المعسكرين الامريكي والروسي للتشكل، ولكن ليس ببرودتها التاريخية (حسب التسمية في القرن الماضي) فالسلاح يستعمل بالوكالة عنهم، لكن مع الحفاظ على مستوى الحرارة لعدم وصولها إلى مرحلة الانفجار، فباستطاعتنا تسمية المرحلة بالحرب الفاترة (في مقارنة تاريخية). فالحمار والفيل الامريكيان يواجهان الدب الروسي، ويظهر الطرفين انتصاراتهم بعدد الدول (الموالية) الخادمة لمصالحهم، وبذلك تنقسم الدول المنضوية في أي المعسكرين إلى تصنيفين، فمنها دول وجماعات تكون الخادم المباشر، ودول وجماعات تكون خدم بصفة غير مباشرة، أو عن طريق الخدم المباشرين، أي خادمي الخدم. فللقطبين وكلاء من منطقة الشرق الاوسط يأخذون صفة الخدم المباشر وهما (ايران الروسية وتركيا الامريكية). وبالعودة إلى موضوع كركوك والتدخل الايراني السافر في مجريات العملية (احتلال كركوك) وجر قسم من الكتلة الكوردية (بعض قيادات حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني) إلى حظيرته بعد محاولاته الفاشلة بالسيطرة على الكتلة الكوردي ككل، وإصرار الديموقراطي الكوردستاني المضي بقراره حتى النهاية. هي إشارة واضحة بقبول قيادات اتحاد الوطني الكوردستاني بأن يكونوا خدماً للخدم، وما يوضح هذا الموقف هو حديث آلا طالباني في مقابلة لها قبل أيام على إحدى القنوات العراقية، عندما سألها المذيع: لماذا كل هذا الإصرار من قبل مسعود برزاني على موقفه؟ لتجيب طالباني: الدول من فعلوا بالبرزاني هذا، فهم استقبلوه كرئيس دولة، وهو استقبل الوفود الدولية كرئيس دولة. جوابها يكشف مدى الدونية التي تقبلها القيادات في الاتحاد الوطني الكوردستاني على ذواتهم كأشخاص، وصغر حجمهم سياسيا في الخارطة الاقليمية والدولية. لنرى في الطرف الكوردي الأخر (حكومة كوردستان) بأنها تحاول جاهدة الخروج من هيمنة الخدم (ايران، تركيا). فقيام حكومة كوردستان بعقد اتفاقية مع شركة الطاقة الروسية العملاقة “روسنفت” المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي رسالة لايران قبل أن تكون لأمريكا، والرسالة مفادها، إننا لا نقبل أن نكون خدماً للخدم. وتلويح من الحكومة الكوردية بأنها تملك القرار في عقد الاتفاقيات دون الرجوع إلى وكلاء المنطقة.
ما يفيد قوله في ظل هذه المتغيرات السريعة، هي أن القيادة الكوردية تسعى إلى إزالة الصورة النمطية عن الكورد، وتكوين شخصية سياسية منفصلة عن هيمنة الجوار، وترسيخ فكرة أن للكوردي في المنطقة ما للتركي والفارسي والعربي، ولا يمكن لأحد الاستئثار بقراره.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بناءً على دعوة كريمة من فخامة الرئيس مسعود بارزاني، عقد وفد من هيئة رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا لقاءً مع فخامته ، حيث جرى في هذا اللقاء تبادل وجهات النظر حول المستجدات الإقليمية والدولية، وبشكل خاص الأوضاع في سوريا بعد سقوط النظام السابق. وتم خلال اللقاء التأكيد على أهمية مشاركة الشعب الكردي في رسم مستقبل البلاد ، وضرورة وحدة…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* مثل العديد من الألعاب، تعتبر لعبة “الدومينو” لعبة مثيرة وهادفة تعكس حقيقة قاسية للبشر. عندما تبدأ، تنتهي. ربما يشير مصطلح “بداية النهاية” إلى هذا الأمر. إلا إذا كان هناك عامل يمكن أن يوقفها. عامل عادة ما يكون في يد مصممها! لكن هل هناك قائد في الشرق الأوسط يستطيع قلب الطاولة لصالحه؟ إن إطلاق شرارة لعبة الدومينو…

د. محمود عباس في لقائه الصحفي الأخير اليوم، وأثناء رده على سؤال أحد الصحفيين حول احتمالية سحب القوات الأمريكية من سوريا، كرر خطأ مشابهًا لأخطائه السابقة بشأن تاريخ الكورد والصراع الكوردي مع الأنظمة التركية. نأمل أن يقدّم له مستشاروه المعلومات الصحيحة عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تاريخ الأتراك والصراع بين الكورد والأنظمة التركية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. للأسف، لا…

إبراهيم اليوسف ليست القيادة مجرد امتياز يُمنح لشخص بعينه أو سلطة تُمارَس لفرض إرادة معينة، بل هي جوهر ديناميكي يتحرك في صميم التحولات الكبرى للمجتمعات. القائد الحقيقي لا ينتمي إلى ذاته بقدر ما ينتمي إلى قضيته، إذ يضع رؤيته فوق مصالحه، ويتجاوز قيود طبقته أو مركزه، ليصبح انعكاساً لتطلعات أوسع وشمولية تتخطى حدوده الفردية. لقد سطر…