مشعل التمو عن مستقبل تيار المستقبل وأزمة الحركة وكارثة سوريا

  حاوره علي الحاج حسين

 احتل “تيار المستقبل الكردي” الناشيء موقعا متقدما في ساحة المعارضة السورية، ولفترة لا تزيد عن عامين من تأسيسه بقيادة المهندس مشعل التمو ضاهى أعتق الأحزاب الكردية وأطولها عمرا، ومازال يغذ السير قدما… فهل حان خريف “التيار” وشاخ الشاب مشعل مبكرا وانتقل لجوقة الحرس القديم في المعارضة
هل تعصف بأحزاب الكرد أعاصير “أبو جاسم” فتحتضر في مقتبل العمر، هل تحول “التيار” لبضاعة كردية كاسدة في دكان التمو، أم هي مجرد زوبعة في فنجان، هل يستسلم التمو ويعود لكرسي الأغواتية متخليا عن مقود التيار، أم يصلح بعامين ما أفسده أبو جاسم في أربعين، هل يتحول “التيار” لرقم جديد في قائمة الأحزاب الكردية التي “لا تهش ولا تكش”، أم هي محطة للتزود بالوقود، هل نسخ الكرد تجربة أحزاب الجبهة التقدمية وبدأت أحزابهم تفقس في غير موسم التفريخ أم هو نداء للوحدة كرديا والتكامل سوريا؟.
من يتحمل وزر تفتيت الكلمة الكردية “المفتتة” وما دور زعامات الكرد الأبدية بتشتيتها؟
* هل يتمزق “التيار” وتنفرط مسبحة مؤسسيه؟
* هل ينحني مشعل للعاصفة أم يحلق مع أوراق الخريف؟
* هل من مصلحة العرب والسريان النفخ في رماد أزمة الحركة الكردية وصب الزيت على نار أزمتها، أم هم معنيون بصلاحها وإصلاحها؟
* التمو يتلاعب بالعربية والكردية ويؤلف بهما معا، فهل سيسير بين حبات المطر أم يظل وفيا لصراحته وفصاحته وثقافته؟
* هل يصبر جالسا على كرسي الاستنطاق أمام نبال أسئلة لا تجامل ولا ترحم، أم يهب غاضبا ككل “العجول والأبقار المقدسة” في المعارضة والنظام ويصر على تفصيل أسئلة بمقاسه؟
عودنا مشعل التمو أن يكون قويا بعباراته غير مسرف بتوصيفاته صريحا بدلالاته، فهل نحن اليوم أمام الشخص-الحزب القائد الملهم الذي لا يخطئ؟
هذا وكثير من إشارات الاستفهام التي نقرأها في الشارع السوري عموما والكردي خصوصا نتناول فيها دوره الشخصي مرورا بالمشاكل التنظيمية والحزبية، وأزمة الحركة الكردية وصولا للأزمة السورية العامة التي تخنق البلاد، نضعها بكومة واحدة أمام المهندس مشعل التمو المنشغل منذ أشهر بفصل الحنطة عن الزيوان.

فتعالوا نتابع نص الحوار لنرى معا كيف عثر على الإبرة الضائعة في البيدر؟

نص الحوار:

س: مشعل التمو متعلم ومثقف من عائلة مرموقة، من أثرياء الجزيرة، وبوسعك كوجيه عشيرة أن تكون آغا كردي ممالئ وتحظى بليالي الأنس الكردية مع أبو جاسم وليس معارض مناوئا ينالك الذم ونادرا الثناء، فما الذي دهاك وماذا جنيت أو ستجني على الصعيد الشخصي من العوم عكس التيار؟
ج: في ظل نظام امني يصبح الفرد مجرد رقم لا قيمة معنوية أو إنسانية له , والممالئ يرضى بالعبودية , وأنا ازعم باني امتلك نوعين من القيم , الأول ما اكتسبته من عائلتي وأبي الذي أطعمني كبرياء وقوة إرادة وعزم وتصميم وعلى إن الحياة هي موقف , والثاني ما اكتسبته من الوسط المحيط بي أثناء الشباب وفترة الجامعة وكانت فترة تكون الشخصية , وإرساء الجذر الثقافي لها , وللأعزاء في حزب العمل الشيوعي ورفاقي في الاتحاد الشعبي فضل كبير في ذلك , ودائما الإنسان يسعى إلى الدفاع عن إنسانيته , وأنا امتلك هذا التصميم , إذ ما فائدة ليالي الأنس بدون إنسانية , فقيمي العائلية وما اكتسبته من وعي وثقافة ترفض الخنوع والاستسلام والتزلف , وارفض أيضا الرد على ترهات هذا أو ذاك , وازعم باني لن انحني لأتساوى مع الأقزام , رغم ما كلفني ذلك من ضريبة متعددة الأشكال والأحجام , ضريبة لا زلت ادفعها يوميا , والبحث عن الإنسانية مسالة ليست شخصية , بل هي حالة مجتمعية , وأنا اكتسبت وربحت الكثير على الصعيد الشخصي أكثر من حالة الخنوع التي اتبعها غالبية أبناء العشائر الكوردية والعربية أيضا , أنا ربحت كرامتي وإنسانيتي وثقة الجيل الشاب من أبناء شعبي , وما خسرته من متاع الدنيا , لا يشكل بالنسبة لي أية قيمة , بل هي سلاسل العبودية , وهي سلاسل ليست فقط أمنية بل تتعلق بالموروث الاجتماعي وذهنية المقموع الذي يجد في التدمير واللعب بهوائيات الإرسال الموجه تنفيسا لحالته المأزومة , واعتقد بان لدي قدرة مواجهة تفوق ما يتصوره حاملي البث المباشر وغير المباشر,  فانا ابحث عن الخلود بكل تجلياته , ولا خلود بالتزلف , بل بالتضحية والصمود .
 س: مشعل التمو الذي تعلم ودرس وتخرج من الجامعات البعثية هل يمكن أن يكون ديمقراطيا مثاليا في النظرية والممارسة؟
ج: الدراسة في أي جامعة هو علم وتعلم وتعليم , والديمقراطية هي وعي ومعرفة وسلوك , والعلم يفسح المجال للمعرفة , وان يكون الإنسان ديمقراطيا في ظل نظام استباح العقل والحجر , أمر يتطلب أولا امتلاك الوعي بالديمقراطية , وهو وعي تراكمي وليس وليد لحظة واحدة , ثانيا امتلاك القدرة على تجسيد ذلك الوعي في الواقع الممارس , وفي الحالة السورية هناك تداخل وترابط وتشابك بين مجموعة قيم استبدادية وعشائرية وقبلية , تقف إلى حد كبير حجر عثرة أمام تشكل وتبلور الوعي بالديمقراطية , والنظام يغذي القدرية والعبودية وينسف أية قيم حداثية أو تنحى نحو الديمقراطية , بل يعمل بكل جهد على ترسيخ الاستنساخ البعثي بكل سلوكياته البشعة , لذلك أنا لا ادعي الكمال , بل ازعم بأنني امتلك طرف الخيط الذي أسير بتوجهه نحو تثبيت الوعي بالديمقراطية , واعتقد بان ما ادفعه كضريبة لذلك واضحة لكل مراقب حيادي , يعتمد معيارية الفهم والتفهم وإدراك خطوط اللعبة الجارية .
س: يقول بعضهم أصبح تيار المستقبل الكردي دكانا يدار من قبل شركة خاصة يديرها حصرا مشعل التمو يقيل من يخالفه ويربت على كتف من يهادنه؟ وما هي نسبة صحة المقولة أن “التيار هو مشعل ومشعل هو التيار” وما المسافة التي تفصلك عن بقية قياديي التيار، وما هو نصيبك الشخصي من التصدع الحاصل في جدار التيار؟
ج: تيار المستقبل ومنذ نشأته , كاتفاق بين مجموعات متنوعة الأفكار لكنها تتوافق على غطاء أو سقف محدد تعمل بموجبه , والاتفاق بهذا الشكل يطابق مفهوم الشراكة وليس الحزبية , وطبيعي إن أي حالة ثقافية أو سياسية أو شركة خاصة , سيكون لها من يديرها , وطبيعي أكثر أن المرحلة تتسم بسمة تلك الإدارة , فمرحلة طوني بلير في قيادة بريطانيا , تتسم باسمه وليس في هذا من مشكلة , وكذلك في كل الدول والأحزاب والمنظمات العالمية والدولية , فلماذا لدى الوعي المتخلف وغير القادر على إدراك أهمية الفرد ودوره في صنع التاريخ , تصبح مشكلة ؟ واعتقد بان من يمتلك ضميرا حيا وبقية وعي خال أو غير ملوث بهواء الاستبداد , يدرك بان في التيار خطان سياسيان , احدهما أمثله أنا ويوسم بالمنحى الكوردي وآخر يوسم بالتوجه السوري ويمثله الأستاذ خليل حسين وكان هذا واضحا في أول مجلس إدارة عقده التيار بعد ستة أشهر من الاجتماع التأسيسي العام , والتيار بعد عامين لا زال بذات التوجه ومن حق أي تيار سياسي أن يطرح أفكاره , ويتعلق الأمر بالكثير من المعطيات والأحداث والتداعيات , وبالتالي أنا واحد من قيادة التيار انتخبني الاجتماع العام الأول ناطقا رسميا ومن حق الاجتماع العام فقط أن يستبدلني في حال وجدت أسباب لذلك , أما مسالة الانسحابات أو الانتقالات , فانا حقيقة لا أجد فيها تصدعا , قدر ما هي سمة للمرحلة التي تمر بها الحركة الكوردية ككل , من حيث نوعية الاصطفافات الجديدة , ونوعية الفرز الذي تفترضه المعطيات والقيم النضالية التي أوجدتها انتفاضة آذار , حيث لا خيار أمام الفرد الكوردي العامل بالشأن السياسي أو الثقافي أو الحزبي , سوى أما بالموالاة السياسية للنظام الأمني أو المعارضة السياسية , أو ترك العمل بالشأن العام , وطبيعي إن يبحث كل فرد عن الموقع , أو الإطار الذي يناسب أفكاره وطموحاته وتطلعاته .


 س: كم بلغت ضخامة “الأنا” لدى القيادي مشعل التمو، وهل تعذر تحجيمها لدرجة أنك لا تأخذ برأي رفيق ولا صديق في القرارات الحزبية وتفصل من تشاء وتقبل من تشاء في الهيكل التنظيمي؟
ج: الأنا تفترض دائما الآخر , فلا أنا بدون آخر ؟ وتضخم الأنا العبثية تختلف عن الثقة بالنفس وقوة الإرادة والتصميم على مواجهة الخطر , , وأنا اعتز بأنني واثق من نفسي ومقدرتي , قد يستغرب البعض , ولكن لو تتبعنا مسار التيار منذ نشأته وما ادخله على الخطاب السياسي الكوردي من مفردات جديدة تحمل معان سياسية مختلفة عن ما هو متداول في الأطر الكلاسيكية , لاعترف بحيادية , بالمستوى الحداثي والنهضوي الذي يسير وفق خطاه تيار المستقبل , وطبيعي أن هذه الحالة ليست نتاج أو تصور فرد محدد , بل هو نتاج حالة جمعية , تشارك في صنعها الكثير من الأفراد والشخصيات , سواء من داخل التيار وحتى من خارجه , ومن يعرف كيف يصنع القرار في التيار , يدرك السوية الجمعية ورقي الحالة التشاورية فيه , بغض النظر عن الأخطاء التي حصلت هنا وهناك , وهي أيضا حالة صحية فلا احد منزه عن الخطأ , فمن يعمل يخطئ , ولكنني امتلك مثل أغلبية رفاقي في التيار , مقدرة الاعتراف بالخطأ وإصلاحه , وطبعا بالضد من سلوكيات ونثريات وإشاعات مطابخ السلطة الأمنية وملحقاتها .
 س: هل مزقتكم الخلافات حول الموقف من المشاركة بالانتخابات البرلمانية أم الصراع على المناصب الحزبية، وهل فعلا فصلت وطردت وجمدت كل من اتتقدك أو عارضك أو خرج على قرارك؟
ج: لا فصل أو طرد أو تجميد في النظام الداخلي للتيار , بل فقط الإبعاد وهو يأتي في حالات نسبية , تتعلق أما بحجم الأخطاء التي ارتكبها العضو , وسوية الخلفيات الناظمة لذلك , أو أن يبتعد هو عن التيار بمحض إرادته ورغبته , مثلما حصل في انسحاب الأعضاء الخمسة , وفي الحالتين كانت الأمور تجري بدون أية إساءة أو ضجة , بل بكل احترام وتقدير , وأنا بشكل فردي لم أساهم بأي حالة منها , بل كنت ادعوا دائما إلى المحافظة على أي عضو مهما كانت خطوطه عالية المستوى , بمعنى أن يتم المحافظة على العلاقات الاجتماعية على الأقل , خاصة وأننا كتيار ومجموعات مختلفة , كنا نحتاج إلى مرحلة زمنية نتعرف فيها إلى بعضنا , ويمكن تسميتها بمرحلة بناء الثقة , ومعرفة كل أو بعض من خلفيات بعضنا البعض , وطبيعي إن التعامل اليومي والاختلاط يوضح الكثير من هذه المسائل , وطبيعي أكثر أن يترجل الكثير في المحطات المتنوعة , وان يصعد الكثير أيضا وخاصة من الجيل الشاب , بمعنى أننا تيار متنوع ولسنا حزبا حتى نفصل أو نطرد أو نجمد , لكننا نواجه حالة حزبية قبلية ونظاما امنيا قمعيا وتسلطيا , فطبيعي أن ينفجر لغم هنا أو هناك , لكن القطار وضع على سكته الصحيحة واعتقد بان أي من هذه التفجيرات لن توقفه عن إكمال رحلته , واجزم أن الانسحاب والانتقال حق شرعي لاي فرد كان , واختيار أي توجه سياسي حق شخصي نحترمه من موقع الاختلاف والتباين , ويجب أن لا ننسى بان الكثيرين من مجتمعنا لا يمتلكون قدرة أو مرتكز معرفي يستطيع عبره تجسيد أو بناء حالة صحية , هو قادر على التدمير والفبركة وتدبيج الأقاويل وتقديم ما هب ودب من خدمات مجانية , وقد يكون السبب بسيط جدا , فأي اقتراب من شخصه كلية القدرة والجبروت , تضع الآخر بين لحظة وضحاها في الضفة القاتمة الأخرى , وهذا دليل إضافي على فقر الدم الثقافي وغياب آداب الحوار , ناهيك عن إن مدعي الثقافة كثر في مجتمعات الاستبداد وحاملي الإشاعة وعبر مطابخها المنتشرة بكثرة كثر أيضا , خاصة من لدن البعض , الموسومين بالشذوذ الاجتماعي والضحالة الإنسانية , وطبيعي إن التحليق خارج السرب أمر بالغ الصعوبة , ومواجهة إرهاصات هذه الحالة , بحالة نوعية , فكرية وسياسية , لا يكون فقط النظام القمعي في مواجهتها , بل الكثير من رجالات وحواشي الأطر البطركية المتوهمة بثقافتها أو وجودها السياسي , ورغم كل الهجمات والعداءات التي يثيرها الجديد دائما , سيبقى تيار المستقبل محافظا على نهجه المقاوم والمعارض فإنهاء احتكار حزب البعث للسلطة والثروة والمجتمع , وإقرار وجود الشعب الكوردي في هذا الجزء من كوردستان كشريك كامل الشراكة , هما من أولوية أهدافنا وعملنا السياسي والميداني , ونحترم من يختلف معنا حتى ولو كان شخص واحد له إمراضه الخاصة به.


 س: هل من خرجوا عنكم يعتبرون مطرودين أم مفصولين أم مجمدين تنظيميا، أم هم مدسوسين تخلصتم منهم، وما صحة أنهم يمثلون حزبا آخرا داخل تنظيمكم، فقمتم بتقليم أظافيرهم لئلا تخمشكم قوتهم المتنامية، أم أن باب العودة بقي مفتوحا؟
ج: هناك من ابتعد بمحض إرادته ونحن نحترم رأيه وقراره , وهناك من ابعد لأسباب متعددة , سواء كان ذلك سلوكيا أو مرضيا , بحكم أن مجتمعنا , مجتمع متخلف , فيه الكثير من مرضى الوهم , مثلما فيه الكثير من العبث والخدمات المجانية ولعل البعض ممن امتهنوا الوهم سبيلا لخدمة أهداف محددة شخصية أو جانبية , عبر التشويش والإساءة , وهو عمل لا يدخل ضمن أي مجال أو فضاء سياسي أو وطني , بل فقط للتشويش والتشويش والتشويش ؟؟  فما نحمله من فكر ومشروع سياسي وما نناضل من اجله في مواجهة نظام امني , قمعي , يمتلك الكثير من الوسائل والأساليب , يفترض نتاج ضريبي نعتبره أمرا طبيعيا ودليل على صحة التوجه السياسي المعارض لهذا النظام , وبالتالي فالتيار ليس ملكا لصانعه , بل هو حاضنة وأداة نضالية تتسع لجميع  من يؤمن بخطه ونهجه السياسي وسيبقى مفتوحا لجميع من خرج منه , ممن خرج بإرادته وحافظ على مصداقيته بعدم الإساءة إلى من شاركهم إنشاء المشروع .
 س: خرجت من حزب الاتحاد الشعبي بعد أن تقطعت أوصاله وأسست مع آخرين التيار، فهل ستعتزل السياسة أم تفتح دكان سياسي يحمل (14) أو أكثر وتبقى قابضا على مقود الريادة فيه؟
ج:خرجت من الاتحاد الشعبي وأنا افتخر به , كفضاء سياسي اكتملت فيه شخصيتي , ولم أحاول الإساءة إلى ماض كنت أنا احد المشاركين في صنعه , بل تمنيت له كل الموفقية , بعد أن عجزنا عن إصلاح ما وجدنا بأنه أخطاء قاتلة , ولعل تجربتنا في الخروج بدون أي إساءة تجربة رائدة ولها معان سياسية كبيرة لمن يمتلك حدا أدنى من الفهم والعقلانية والتجرد في الرؤية السياسية , وأنا اعتز بالماضي بقضه وقضيضه , ولست مثل البعض الذي يسيء للتجربة بعد خروجه منها , واعتبر ذلك حالة قبلية متخلفة بكل مقاييس التخلف ومجانية الفعل الممارس , وبالتالي لا زال من اعتز بصداقتهم ومشاركتهم هموم الحياة وصعوباتها الكثير منهم من خريجي مدرسة الاتحاد الشعبي , ومنهم الصديق العزيز صلاح بدر الدين , فالخلاف بالرأي ليس مشكلة , قدر ما العقل القروي ورؤيته لذلك الخلاف هو المشكلة , وبالنسبة لي أؤمن واعمل الآن على تربية وتهيئة مجموعة شبابية من الجنسين , لتصبح مهيأة خلال السنوات القادمة , ولتكون أفضل مني معرفيا وثقافيا وسياسيا وهو ما اعتبره أهم نجاح أحققه , وقتها سأنصرف إلى الكتابة والراحة وأشياء خاصة بي وحدي .


 س: من وكيف يتخذ التيار قراراته ويصدر بياناته ويعلن مواقفه، ما هي آلية تعامل مشعل التمو مع الهيكل التنظيمي؟
ج: في التيار مكاتب متنوعة وهيئات مختلفة , اغلبها علني , وأي قرار أو موقف يخضع للدراسة والتوافق , ليس باليات الحزب المتخلفة , وإنما وفق معايير التيار وخطه السياسي وهيكله اللامركزي في التنظيم , وفضاء الحرية في اتخاذ القرار بما يتوافق مع سقف التوافق السياسي , بمعنى أي بيان أو موقف لا فردية فيه , بل جماعية , توافقية , أما تعاملي مع الهيكل التنظيمي فانا اعتبر نفسي لا افهم في المسائل التنظيمية , لذلك لا أتدخل في هذا المجال إلا إذا طلب مني المكتب التنظيمي ذلك , للمساعدة في أمر ما أو ندوة معينة .
 س: هل فعلا أنت سريع الاقتناع بالفكرة وتستصعب التراجع عنها، مما أوقعك في فخ المشاركة في الانتخابات الصورية لما يسمى مجلس شعب سوري؟
ج: الاقتناع بأي فكرة لا يأتي عبثا , بل هو ربط موضوعي وعقلاني بين الفكرة والحدث الذي أنتجها , والية التعامل معه , وبالتالي عندما اقتنع بفكرة محددة , اعمل من اجل تنفيذها , وقد يظهر خلال التنفيذ بعض العقبات وهو أمر طبيعي , لا يرتبط بصوابية أو خطا الفكرة , قدر ما يرتبط بمعيقات متنوعة , تتعلق بالمجتمع وما يسود فيه من وعي ومعرفة , أما مسالة الانتخابات الصورية , فانا لا اعتبره فخ , بحكم أننا كنا مقتنعين تماما بأنه أسلوب نضالي و ميداني يمكن عبره مواجهة النظام الاستبدادي , وكانت رؤيتنا إلى الانتخابات على أنها عملية للتوظيف السياسي والية لدفع قطاعات شعبية إلى العمل بالشأن العام , من خلال إسقاط المادة الثامنة من الدستور , وطبيعي إن من يرى في الانتخابات البعثية وسيلة للوصول إلى البرلمان , يقاطع وهو موقف صحيح , ونحن لا نجد في سوريا أي برلمان ولا توجد أية انتخابات , وبالتالي نراها مجرد عملية يمكن توظيفها لمواجهة ما هو سائد , بمعنى هناك خلاف في زاوية النظر من جهة , وفي الهدف من جهة ثانية , وفي الأسلوب النضالي من جهة ثالثة  ويتعلق بالعمل المدني والمقاوم لتغيير النظام والتوجه نحو الديمقراطية.


س: ما تفسيرك لأن يكون خطاب التيار الكردي يزيد شبرا عن قامة خطاب زملائه من عرب وكرد ولم يزج بكم في السجون لا بالجملة ولا المفرق؟
ج: الأنظمة الأمنية تتبع أساليب متنوعة في مواجهة الراي الآخر المعارض , ويتعلق الأمر بالحالة نفسها ونوعيتها ومكان تواجدها ومن هم حامليها , وطبيعي انه لا حالة نقية مهما ادعت ذلك , وأي حالة جديدة تتابع وتحصى أنفاسها , وعندما تبدأ مرحلة الخطورة أو لحظة التصادم تتحرك الأجهزة الأمنية وفق خطتها سواء بالترهيب أو بالترغيب , ويجب أن لا ننسى بان التعامل الأمني مع الحالة الكوردية يختلف عن الحالة العربية والأسباب واضحة ومتعددة , ونحن وبسبب خطابنا المعارض والعلني والمواجه , دفعنا الكثير في مواجهة القبضة الأمنية , فلدينا شهيد ولدينا معتقل وحكم بعشر سنوات ولدينا سحب جوازات سفر ومنع بالجملة ولدينا تشويش متعدد الأوجه , وأشياء كثيرة لضرب المصداقية , والكثير من خطوط الكواليس الأمنية التي نلمسها ونواجهها يوميا , إذ ليس بالاعتقال فقط تواجه العقلية الأمنية دعاة الحرية والديمقراطية , بل بكل الوسائل القمعية والاجتماعية والاقتصادية , وتبدأ من تهديم القيم الاجتماعية ونشر الإشاعات والاستدعاءات وترهيب الشباب وزرع الرعب والخوف والى ما هنالك من أساليب متعددة , وبالتالي اعتقد بأننا دفعنا ولا زلنا ندفع ضريبة مواقفنا وهي  ورغم عمرنا القصير , تفوق ما دفعه غيرنا خلال عشرات السنين.
 س: هل فعلا فشلت بتقليد الميجانا والدلعونا ونسيت “لاوكي” وإلا بماذا نفسر كونك الكردي الأكثر حضورا في الوسط العربي تجلى بنشاطك في ربيع دمشق ثم انكفأت في قوقعتك الكردية وحيدا؟
ج: هناك قول لنتشه يقول فيه (ما اشد سعادتنا نحن الباحثين عن المعرفة , شرط أن نحسن التزام الصمت وقتا طويلا) بمعنى الجعجة لا تعني وجود طحن وطحين , وأنا ازعم بأنني أتمتع بصفة الفعل والعمل وليس الذوبان في النوم , وعندما انخرطت في العمل المعارض ومنذ بدايته , في ربيع دمشق , كانت لدي قناعة وأراء وهدف محدد اسعي إلى تجسيده , والمعرفة واحترام الاختلاف هما السبيل لتحقيق الهدف , وبالتالي الاختلاط مع المثقفين والنخب السورية اكسبني الكثير من المعرفة , مثلما توضحت لدي الكثير من نقاط الاختلاف , وخاصة تلك المتعلقة ببنية الوعي العروبي الناظم للكثير من المفاهيم والمواقف المعلنة وغير المعلنة , ورغم أنني اعتبر ما جمعني ولا زال بالكثيرين , هو أولويات العمل المعارض وإمكانية إنهاء الاستبداد وبناء دولة مدنية , وبالمقابل كانت نقاط الخلاف تظهر بمجرد الحديث عن الكورد كشعب وقومية مختلفة , نحن سوريين نعم , ولكننا لسنا عربا , وهذه إشكالية لا زالت تعشش في رؤؤس الكثيرين من النخب العروبية , فالكثير يجاهد لإثبات بأننا عرب سوريين ,  وان أصولنا عربية , والأمثلة كثيرة , كهيثم المالح وعزيز العظمة , وآخرين يجاهدون بأننا لسنا شعبا , إذ لا يمكن أن يكون هناك شعبان في دولة واحدة , كميشيل كيلو وغيره , وآخرون يبدعون في إيجاد مصطلحات تغنيهم الاعتراف الواضح والصريح , كمصطلح السوريين الأكراد أو الأكراد السوريين , كفايز ساره وغيره , والجميع يرتبط مباشرة أو مواربة برفض الاعتراف بوجود شعب كوردي مختلف ومتمايز عن الشعب العربي , وهما معا مع شعوب أخرى تعتبر من مكونات الشعب السوري , وهذه الإشكالية تجعل من الصعوبة إيجاد بيئة وطنية قادرة على احتضان المختلف قوميا , فمن بديهيات البيئات والحواضن الوطنية هو الاعتراف بمكوناتها , ولا خيار أو مواربة في ذلك , وهذا لم المسه حتى هذه اللحظة ومن لدن الكثير من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل المعارض , وطبيعي عندما يصطدم الإنسان بحجم الوعي الرافض لوجوده القومي , يجد صعوبة في التالف حتى وان كان التواصل موجودا , لكنه يتراجع بشكل آلي , إلى الحدود الدنيا , وبطبيعتي ارفض أن أمحو قوميتي ليقبلني هذا أو ذاك , أو ليصفني هذا بالاعتدال وذاك بالديمقراطي , فلا مساومة على وجودي القومي وهويتي , سواء رضي العروبي أم رفض , أما من يريد شراكة فعلية ومساواة عملية فاعتقد بأنني لا زلت بشكل أو بآخر أجد نفسي شريكا كامل الشراكة معه , وطبيعي أيضا أن المرء عندما لا يجد حاضنة وطنية ينكفئ إلى حاضنته الكوردستانية , وفيها لست وحيدا , وهي ليست قوقعة , بل فضاء قومي , حدوده الوطن السوري , غير الملتبس أو المعربن .


س: لو استثنينا نشاطكم على الشبكة الافتراضية أين نجد تيار المستقبل الكردي على الأرض؟
ج: تيار المستقبل الكوردي , اقتحم ليس فقط الشارع وتواجد في كل الأعمال الميدانية المواجهة لنظام الاستبداد والقمع , بل بات يحتل حيزا لا باس به من العقل السياسي لدى قطاعات كبيرة من الشباب الكورد , وحتى إن الكثير منهم بات حاملا لفكر ونهج التيار , وهو متواجد إما في حزب آخر أو لا نعرفه نحن , والفكر السياسي الشفاف والواضح والعلني للتيار , متواجد في كل ركن وزاوية كوردية , وله في كل الأماكن وجود شبابي , يعمل بصمت وبدون ضوضاء , وليس سرا بأننا نعمل بأشكال وحلقات متنوعة ومختلفة , وحتى انه هناك خطوط شبابية لا يعلم بها أحدا , وسيأتي اليوم الذي سيفاجأ به ليس النظام الأمني , بل حتى حاملي الإشاعة وصانعي التشويش , بمعنى نحن نعمل بصمت في المجال التنظيمي , وبحركة قوية في المجال السياسي والإعلامي , وعندما نطرح فكرة جديدة أو نعمم رأيا يعتمل في الصدور , دون أن يمتلك صاحبه جرأة إخراجه إلى حيز العلن , نعرف ماذا نفعل , ونعرف أيضا كيف تنتشر الفكرة بمجرد إخراجها للعلن , وكيف تجد حاملها الذي يصبح من وجهة نظرنا حامل لفكر التيار وسياسته بغض النظر عن مكان تواجده , وهذا دليل على صحة توجهنا السياسي والقطاعات الكثيرة التي بات فكرنا يحتلها .
س: يقال أن الخارجين من التيار أفواجا والمنخرطين آحادا، فهل كان القيادي مشعل التمو يصب الزيت أم الماء على نار الخلافات التنظيمية ولماذا دخانها مازال متصاعدا؟
ج: كلمة يقال ؟ دلالتها تشكك بها , ويقال أيضا بأننا في التيار كنا مجموعة مثقفين لا أكثر ؟ وحسب الـ يقال ؟ ذاتها من أين أتت الأفواج لتخرج ؟ وفي كل الأحوال الأمور لا تقاس بالـ يقال , بل بما هو موجود وبما يتم تنفيذه على ارض الواقع , وبما أننا نعيش في ظل نظام امني ألغى من ضمن ما ألغاه , الضمير والأخلاق والقيم والشفافية والكثير من محددات وجود الإنسان , وبالتالي محددات قوة وفعالية أي إطار سياسي لا معايير عملية لها , بل تخضع للقيل والقال , والقيل يطال دائما من يتحرك في وجه النظام الأمني , بينما السكون والعطالة والرضوخ المتعدد الجوانب يقي الإنسان كل أنواع القيل والقال ؟ وبمناسبة الـ يقال , فانا لا اعمل في المجال التنظيمي ولم أتدخل فيه يوما ما , إلا بمقدار ما يطلب مني , وبالتالي اجزم بان هذا الدخان المتصاعد إجباريا لا يمت بصلة إلى تلك النار الخامدة ؟.
 س: أليس خروجا على نظامكم الداخلي الذي يسمح بالتكتل داخل الهيكل التنظيمي حين تتخلصون من الكتلة وتسعون للتماهي والتماثل ككل الأحزاب الشمولية؟
ج: نعم يسمح النظام الداخلي بوجود كتل داخل التيار , ويبيح لها عرض أفكارها وأرائها , والعمل أيضا من اجل نشرها في أدبيات التيار وبشكل علني , وما حصل من انسحاب بعض الأخوة لا علاقة له بالكتل ومفهومها السياسي , بل انسحاب طوعي لمجموعة من كتلة محددة , وبناء التيار التنظيمي واللامركزية التي يعتمدها تمنع تحوله إلى حزب , ناهيك إلى شمولي , واجزم بان التيار إذا أصبح شموليا سأكون أول من يغادره .
 س: بماذا بررتم لمؤيديكم أولا وللشارع السوري ثانيا انخراطكم في التحضير لانتخابات لا يحدد فيها الناخب المنتخب؟
ج: اعتقد بان مسالة تدوير الزوايا في الموقف من ما يسمى بالانتخابات , حالة تغطي فشل أو عدم امتلاك قدرة المواجهة مع النظام الأمني , بمعنى لا توجد انتخابات من وجهة نظرنا , وبالتالي نحن نحضر للمواجهة وإسقاط ركائز محددة يستند إليها النظام المستبد , وهدفنا واضح ولا لبس فيه , وبما أننا نؤمن بالتغيير السلمي والديمقراطي المدني , فلا تغيير يأتي بهذا الشكل بدون تحضير وسائل المقاومة المدنية واستثمار وتوظيف أي عملية كاريكاتيرية يجريها النظام , ووضعها في سياق سياسي , مجتمعي تراكم الفعل النضالي , واذا كان الأغلبية يرفضون التدخل الخارجي , ويرفضون أي عمل عنفي , ويرفضون المواجهة والمقاومة , فكيف يمكن تغيير النظام سلميا ؟ نحن نؤمن بالمقاومة المدنية وبالمواجهة الميدانية السلمية , ونعتبر التوظيف السياسي لاي عملية بعثية , حق مشروع نثبت فيه وجودنا وقدرتنا على مواجهة النظام , واثبات أننا حالة وطنية معارضة تسعى إلى تغيير النظام وليس إلى دخول مهزلته المسماة برلمان ؟.


 س: ما سر الانكفاء على الذات والتركيز على الخطاب الكردي المحض بدل السوري العام خلافا لبيان تأسيس تنظيمكم؟
ج: لا أجد أي انكفاء , وإنما هناك أولويات مرحلية تبرز من خلال العمل اليومي , تجعل التركيز على قضية محددة أمرا ضروريا , وعندما نركز على الخطاب الكوردي فلان حاملنا كوردي , لكننا نعرف أي وجهة يسير , ويبدوا أن البعض ينسى بأننا تأسسنا والى جوارنا دزينة من اطر وأحزاب لها قواعدها وخطابها وألاعيبها المستندة على العاطفة , وعندما نخاطب العقل الكوردي فنحن نسعى إلى عقلنة الفعل السياسي وجعله في خدمة التحول نحو الديمقراطية , بحكم أننا نجد في الدولة المدنية الضمانة الوحيدة لتثبيت هويتنا ووجودنا القومي , وبالتالي لا يمكن فصل العقلنة الكوردية بشكلها وفضاءها الواضح والصريح , عن المنحى السوري العام , واعتقد بأننا لا زلنا نؤمن بذات الأهداف التي تضمنها بيان التأسيس , بل نسعى إلى تحقيقها , بغض النظر عن سبل ومنعرجات هذا التحقق.
 س: كانت الانتخابات التشريعية في سوريا مصممة النتائج أما الاستحقاق الرئاسي فأخذ شكله المسخ المعتاد منذ نصف قرن، أما في الحقل الكردي لوحظ حينها خروج الحمائم لصيد الصقور الكردية، فأين أنتم من هذه المفارقات؟
ج: ما يسمى بالانتخابات التشريعية كانت مصممة النتائج وهذا جزء من العقل الأمني وكيفية مصادرة المجتمع وتغييب العقل الإنساني فيه , وعندما قررنا مواجهة السلطة , كان هدفنا بان هناك معركة سياسية يجب إرساء أسسها المدنية والسلمية , وهي حالة تختلف عن حالة الاستحقاق الرئاسي , الذي تم الابتهاج به بالرصاص هذه المرة , رغم ما يحمله ذلك من دلالات عنفية , والحركة الكوردية التي وقعت على المقاطعة مع إعلان دمشق , عادت وقررت المشاركة في الاستفتاء بصيغة مواربة , وكأن الرئيس السوري في دمشق يختلف عنه في قامشلو , أو أن قامشلو وعفرين والمناطق الكوردية ليست جزء من سوريا , ولذلك تمايز موقفنا واختلف جذريا عن المهزلة الكوردية هذه , فقاطعنا الاستفتاء بكل وضوح وعلنية , ولعل موقفنا ذاك سرع بالضريبة التي ندفعها الآن , وهذا أمر طبيعي عندما يكون التيار هو الوحيد كورديا الذي يتطابق موقفه مع موقف المعارضة السورية في استحقاق يرتعب الكثيرين عند الحديث عنه , واجزم بان المتابع الحيادي يدرك الربط الجدلي لدى التيار بين القضية القومية للكورد كشعب يعيش على أرضه التاريخية وبين الديمقراطية كهدف استراتيجي نسعى إليه .


 س: هل ما يجري من خلافات تنظيمية عندكم هو رائحة الوحدة الاندماجية بينكم وبين يكيتي أو آزادي أو كليهما معا؟
ج: الضجة الانترنيتية لا تعطي الصورة الفعلية , فما يحدث من انتقال وانسحاب , من هنا وهناك , نجده حالة صحية ترتبط برأي وقناعة صاحبها , وقبول الاختلاف , ثقافة نسعى إليها , ونحاول تكريسها في مجتمع نخرته الحزبية الضيقة وضيق الأفق السياسي والمعرفي , وهذا لا علاقة له بأي مشروع مستقبلي بيننا وبين حزبي يكيتي وازادي , وللعلم فنحن في التيار لم نفكر حتى تاريخه في أي وحدة اندماجية , لسبب بسيط هو أننا لسنا حزبا بالمعنى الدقيق للكلمة , والياتنا تختلف ولا نعتقد بان أي حزب يستطيع العمل وفق لامركزيتنا , لكن نسعى إلى تطوير التجربة التنسيقية وصولا إلى اتحاد سياسي نعتقد بصوابيته في المرحلة الراهنة .
 س: يبدو أن الأكراد أستفادوا من العرب بالنسخ والتجانس والتعايش الحنث والقول دون الفعل، وتجلى ذلك بانحرافكم عن البيان التأسيسي لتيار المستقبل الكردي والخروج على الرؤية الكردية المشتركة، فهل تطبخون وجباتكم الحزبية على الطريقة البعثية؟
ج: نحن والعرب نعيش في مجتمع واحد , ونعاني معا من تسلط نظام امني استلب المجتمع وعمم ثقافته الخاصة , وطبيعي أن كل منا يحمل بشكل أو بأخر الكثير من أمراض وتعفنات هذا النظام , والتطابق بين العرب والكورد نسبي ويختلف من حالة إلى أخرى , فحجم المرض ونسبته تختلف من حالة إلى أخرى , ونحن في تيار المستقبل نزعم بأننا الأقل حملا لتلك الأوبئة , ولعل حالة التيار وعلنية معارضته وخطابه السياسي ذو السوية الوطنية جعل منه في خلال عامين حالة سياسية عامة , في مقابل هجوم السلطة عليه من جهة ورفض الكلاسيكية الكوردية له من جهة ثانية , وبالتالي نحن لم ننحرف عن البيان التأسيسي بل نسعى إلى تجسيده , ودائما في العمل المجتمعي وبوجود هذا الكم من القمع والتغييب ونفي الأخر , لا يكون المسار ذو توجه واحد , بل يأخذ أحيانا شكلا تصاعديا وأحيانا أخرى تنازليا وأحيانا يأخذ شكل السكون , ودائما اللحظة السياسية المناسبة وامتلاك القدرة على التقاطها هو معيار تجسيد البيان التأسيسي والرؤية السياسية له .


 س: ما عمر زواج المسيار الذي جمع: التيار- آزادي – يكيتي، وهل يصح الطلاق فيه، سيما وأنكم مختلفين حول قضايا كثيرة مثل المرجعية الكردية، الموقف من السلطة، الانتخابات، النظرة الكردستانية، الموقف من المعارضة العربية، فهل حسمتم مواقفكم بالتساوي؟
ج: أي تحالف هو اتفاق على جملة أهداف تشكل القاسم المشترك في تلك المرحلة , وأي اتفاق رضائي هو آني ومرحلي ومرتبط بتحقيق تلك الأهداف المتفق عليها , وفي حالة لجنة التنسيق هناك جملة من التوافقات قد تشكل أرضية لاستمرار التنسيق وتطوره إلى صيغ أكثر رقيا كاتحاد سياسي أو يكون مرحليا ينفرط عقده بمجرد تحقيق تلك الأهداف , إضافة إلى انه ليس هناك تحالف بدون اختلاف , ولان الاختلاف يولد وينتج التحالفات , فمن الطبيعي أن المواقف تحسم بالتوافق على الحد الأدنى المشترك , وهي سمة مميزة لكل التحالفات في العالم , فلا ضير من التباين والاختلاف , لكن المهم هو توحيد المواقف في مرحلة محددة ولهدف محدد .
 س: هل تغيرت مواقفكم من يكيتي بعد مؤتمره الأخير ومن آزادي بسبب ظهور اتحاد الشعب مجددا؟
ج: لا لم تتغير مواقفنا , بل نحن ننظر إلى حزب يكيتي وازادي على إنهما من اقرب حلفائنا رغم التباين في الراي وعدم التوافق السياسي خاصة فيما يتعلق بالنظام الأمني وعدم المراهنة عليه , ناهيك عن أننا نختلف أيضا في أولوية الأهداف فنحن نعتبر إنهاء الاستبداد وبناء دولة مدنية والتحول نحو الديمقراطية من أولويات نضالنا , ورغم هذا التباين لكننا نتفق على الكثير جدا فيما يخص المسالة القومية الكوردية وضرورة تصعيد النضال وتنوعيه لمواجهة السياسة العنصرية , بمعنى موقفنا لم يتغير من الحزبين الحليفين لأننا نتعامل كنهج وسياسة وليس كشخصيات أو أفراد .
 س: أين نجد التوفيق بين النظرية والتطبيق، إذ يبيح التيار حرية التكتل، ومتى حمل بيانا واحدا موقف التيار وموقف كتلة فيه؟ لماذا يعلن موقف متجانس فقط؟
ج: حرية التكتل والتباين في الراي مباحة في التيار , وهذا لا يعني أن يتضمن أي بيان موقفين أو أكثر لان هذا ليس حرية بل هو تهريج , فأي بيان يحمل موقفا , هو موقف الأكثرية ومن حق الراي الأخر أن يعمل وينشر رأيه في جريدة التيار وبين قواعده , وحقيقة في اعتى الديمقراطيات لا يتضمن بيان سياسي , موقفين متباينين , فلماذا يجب أن يتضمن بيان التيار هذا ؟.


س: تيار المستقبل الكردي إلى أين، ما هي رؤيتك لمستقبل هذا الفصيل على الصعيد الكردي والسوري العام، ومستقبل العلاقة مع القوى العربية؟
ج: تيار المستقبل الكوردي , مشروع ثقافي سياسي , نهضوي , يتجذر بهدوء في المجتمع الكوردي ويتغلغل بصمت في الوعي السياسي وتأخذ أفكاره مجالها ومكانها المناسب في الخطاب السياسي , واعتقد بان الأمثلة كثيرة , وسأذكر واحدة فقط للدلالة , فموقفنا المعارض والعلني من النظام , جعل من كلمة المعارضة تحتل الخطاب السياسي لبعض الأطر الكوردية التي كانت تبتعد عن استخدام المفردة , وبات المرء يجدها في الكثير من كتابات الشباب الكورد وحتى بيانات بعض الأحزاب الكوردية , وأيضا الكثير من المفاهيم التي كانت غائبة , كالنظام الأمني والشمولي والربط الجدلي بين المسالة الديمقراطية والمسالة القومية , بمعنى هناك ثقافة سياسية , حداثية , ينشرها التيار , قد تواجه من قبل الكثير من الكلاسيكية الحزبية , لكنها تجد حواملها في الوسط الشاب وتنتشر وتترسخ في العقل والوعي الكوردي , وأنا اعتبر بان تيار المستقبل بما يحمله ويمثله , من فكر ورؤى سياسية وثقافة مدنية , ناهيك عن الشفافية والوضوح الذي يبدي فيه مواقفه , سيكون له شان في صناعة مستقبل ليس فقط الحالة الكوردية بل حتى الحالة الوطنية السورية , واعتقد بان أي علاقة بين التيار والقوى العربية ستتحدد بمدى الاعتراف بالأخر القومي , مع قبول الاختلاف السياسي والتمايز القومي , وعلى أن سوريا بلد متعدد القوميات , وهي لكل شعوبها , وعلى هذه الأرضية من التشارك الوطني والمساواة في الحق والواجب , نعتقد بان ركائز علاقاتنا مع الأطر العربية ستتحدد , أما ما هو قائم اليوم فاعتقد بأنه سيتبدل بمجرد تغير الحالة الراهنة وتغير النظام الأمني , وعندما نقول بان العلاقات القائمة الآن غير سوية ولا تعبر عن المضمون الفعلي لقناعات الطرفين , فنحن نسعى حقيقة إلى كشف المبطن والتوافق عليه , وهو أفضل من أن يتراكم ويتحول إلى حالة أخرى غير صحية ولا تخدم المستقبل المشترك , لذلك فأي علاقة مع القوى العربية نجدها ضرورة وطنية أن كانت على أرضية الاعتراف بالوجود والتساوي في الحقوق .


 س: رغم كل ما يتعرض له الشعب الكردي في تركيا، هناك هامش ديمقراطي أكبر بكثير مما هو واقع الأكراد في سوريا، ومع ذلك لم يخل خطابكم من توصيف تركيا بالطورانية، أليس عقلنة الخطاب تقتضي أشد منه حيال النظام السوري أم جركم الحماس والعاطفة لهذا التناقض في خطابكم؟
ج: هذا صحيح حقيقة , لان ما تحقق في تركيا نسبي لكنه جيد , حيث ما تم انتزاعه يشكل خطوة في اتجاه تحقيق المزيد من حقوق الشعب الكوردي , ورغم ما يتعرض له من قبل الدولة التركية ومؤسستها العسكرية , فهناك مكاسب لم تتحقق في سوريا مثلا , وأنا متفق بان الحماس والعاطفة أحيانا تغلب العقلانية في الخطاب السياسي , ومن الضرورة لنا جميعا أن نعيد النظر في الكثير من المصطلحات المستخدمة التي أما تجاوزها الزمن أو تخطتها المتغيرات والموجودات .
 س: السادة جمعة وعليكو رفيقاك بالأمس، فما يمنع عودة المياه لمجاريها وتخيبون ظن وآمال أبو جاسم وتندمجون؟
ج: المسالة ليست مسالة آمال أبو جاسم وتحطيمها , لان رفاق الأمس ليس بالضرورة أن يكون تفكيرهم وممارستهم في نفس السوية , وإلا كنا نؤمن بالسكون وليس بالتطور وتغير الرؤى والقناعات , فليس بالضرورة أن تستمر قناعة محددة , بل هناك الكثير من مؤثرات التغيير التي يفرضها منطق الحياة وتبلور الوعي ومستجدات الأحداث , والسيدان فؤاد عليكو ومصطفى جمعة هما رفيقا الأمس وقد يكونا رفيقا اليوم أو شريكا اليوم , وهذا لا يعني عدم وجود نقاط اتفاق , بل يفترض وجود نقاط اختلاف , والمسالة ليست مسالة مياه تعود إلى مجاريها , بل مسالة رأي سياسي ومشروع ثقافي وسلوكيات وممارسات تجسد هذا أو ذاك الراي , وأعود لأقول كلما توحدت الرؤى والممارسات , كلما تقاربت الأطر .


س: ما مدى حضور أبو جاسم على السفرة الكردية، وهل يستمر بحقن خلافاتكم بمصل الحياة والديمومة؟
ج: في الأنظمة الأمنية , التي تحصي أنفاس الحجر والبشر , طبيعي أن تحضر الرمزية الأمنية بشكلها وحضورها ورعبها وثقافتها في أي سفرة وليس الكوردية فقط , وطبيعي أيضا أن أي نظام امني اختزل سياسة فرق تسد وجوع الناس واقمع وانهب وانشر الفساد وافعل ما تشاء من تهديم للقيم وتخريب للمنظومة الأخلاقية , تديم سيطرتك, وكل هذا وأكثر هو سمة للنظام البعثي , لذلك فالمسالة ليست أبو جاسم وإنما المصنع الذي أنتجه ؟ والذي لا زال يعمل وينتج ؟ وعادة طي التناقض الرئيسي وإحلال الثانوي عوضا عنه , تعويضا عن الهروب من استحقاقات المواجهة وهذا حال جميع أو أغلبية الفصائل الكوردية والسورية بعامة , واعتقد بان نوعية النظام وطبيعته تعمم سلوكها وما تريد على المجتمع الذي تحتكره , وطبيعي أن المصول تستمر طالما استمرت ثقافة الاستبداد وعقلية التناحر والتجازر.
 س: النظام يعيش عزلة خانقة وقد ينفتح على الشعب ويراضيكم واعدا بحل الملف الكردي، فهل ستكونون عونا له على المعارضة ام ستستمرون بالمطلب الديمقراطي بعد القومي؟
ج: النظام الأمني المأزوم لا يمتلك القدرة على الانفتاح على الشعب , لأنه بالأساس مبني على قمع وتغييب ذاك الشعب , وبالتالي أنا لا أجد معنى لكلمة قد ؟ وهي تختلف مع بنية النظام والعقل الأمني الذي يديره , وقد هنا لا تعني الانفتاح قدر ما تعني محاولة تحييد الكورد بوعود لن ترى النور , لان النظام الأمني لا يملك القدرة على تجسيد أي وعد مهما كان هامشيا وصغيرا , وبالنسبة لنا الديمقراطية هي هدف مركزي نسعى لتحقيقه , ولا نجد أي مصداقية أو حل لقضيتنا القومية بدون وجود نظام ديمقراطي , دستوري وتعددي .


 س: الأكراد لم يعجبكم العجب وكأني بكم تريدون أحزاب عربية معارضة على مقاسكم لتعاونوا معها، فلا ساندتم إعلان دمشق ولا انخرطتم بجبهة الخلاص ولم تدعموا معارضة شقيق وعم الرئيس.

فما هي المواصفات المقبولة لديكم للتعاون وطنيا؟

ج: تشكيل الجبهات المعارضة وخاصة في الدولة المستلبة والمستباحة , يكون بالتوافق على خطوط عريضة تضمن تجميع اكبر عدد ممكن من القوى , وعادة تكون برامج هذه الجبهات أولويات نضالية تخص كل الشعب السوري , وأي دخول في التفاصيل يشرع الأبواب أمام الاجتهادات والفرضيات والموروث وما إلى هناك من اختلافات تحتاج إلى فضاء حر وديمقراطية ممارسة لتجاوزها أو الاتفاق عليها , وكان إعلان دمشق احد الجبهات التي غاصت في تفاصيل مستقبلية غير مستعجلة الوجود , مما أوقعه في تناقضات كبيرة بين الكثير من الرؤى القوموية والعروبية والإيديولوجية , وأيضا جبهة الخلاص ومؤسسيها ومدى إمكانية التعامل مع الملموس وليس الانترنت , ونحن حقيقة في تيار المستقبل نحتاج إلى جبهة معارضة حقيقية , تضع نصب عينيها عدد من الأهداف العاجلة كإنهاء الاستبداد وبناء دولة مدنية تعددية , ديمقراطية تؤمن بالتعدد القومي والديني ويكون لها دستور جديد , عقد اجتماعي يعترف بالمكونات السورية وأحقية تمتعها بحقوقها القومية في إطار سوريا تشاركية واحدة , وكل هذه أهداف يمكن الاتفاق عليها , وهي ليست تعجيزية كما يصورها البعض , بل لأننا نرفض المشاركة في جبهات معارضة لنظام الاستبداد لا تعترف صراحة وبكل علنية بوجودنا القومي وتحاول دائما تحويلنا إلى أقلية مهاجرة سواء عبر اللعب بالألفاظ أو بان هذا هو الممكن , والممكن هذا نعتبره تعبير عن ثقافة وفكر ورأي لا يمتلك الحد الأدنى من مقومات الفكر المدني بل هو نتاج مشوه لما زرعه الفكر العنصري للنظم الأمنية بغض النظر عن أساسها ومرتكزها الإيديولوجي.
 س: أمريكا في ذروة تصعيدها ضد النظام وربما القادم اكبر، فهل بدأتم بالتوازي تصعدون خطابكم أيضا؟
ج: أمريكا تملك أجندتها الخاصة ونحن لنا أجندتنا أيضا , وطبيعي أن الخطاب السياسي والفعل الميداني المرافق له والمواجه لأنظمة القمع , يرتبط بالكثير من العوامل وتوافق المصالح , وأي تغيير يفترض التقاء ثلاثة محاور الداخلي والإقليمي والدولي , وببساطة التصعيد يتوافق مع الوضع العام المرتبط بالوقت ذاته مع أجندتنا في ضرورة تغيير وإنهاء احتكار السلطة .
 س: بدل أن تعدلوا وتصلحوا إعلان دمشق خرجتم عليه جنينا وكدتم تشاركون بالولادة القيصرية لإعلان حلب، ألا تتحملون خطيئة وفاته المبكرة وكان بوسعكم تقويته، وهل تعدون للمشاركة بولادة إعلانات جديدة؟
ج: إعلان دمشق كان من الممكن أن يكون أكثر فاعلية واتساعا لو لم تعمل بعض القوى المؤسسة فيه إلى فرض نمطية برامجها وطابعها المستديم , وطبيعي انه في التحالفات المعارضة والتي تفرضها الوقائع بعد فترة طويلة من التفتت والسكون والقمع , أن يكون الاتفاق على خطوط عريضة وأهداف عامة تستقطب اكبر قدر ممكن من القوى والشخصيات العاملة في الشأن العام , خاصة في مجتمع تعددي , متنوع الطوائف والقوميات , ولكل منها طموحها وأوهامها , فما فعله إعلان دمشق ليس برنامج جامع ومتوافق عليه , بل إصرار على تفاصيل خلافية ناتجة من خلفيات عروبية واصولية وإيديولوجية , وهذا جعل الإعلان كسرير بروكوست , وبالتالي لم نجد لنا مكانا فيه رغم احترامنا للقوى المؤسسة له , بحكم إصرار الجميع على عدم الاعتراف بوجود شعب كوردي واعتباره مجرد أقلية بدون ارض , فأما أن نكون شركاء كاملي الشراكة , أو سنعمل من خارجه ليس على إضعافه بل على دفعه باتجاه أن يكون حاضنة وطنية , يكون هاجسها إنقاذ وطن مهدد بالانهيار وليس تكديس شعارات قوموية أو أصولية أو ادلجات غادرها قطار الزمن.
 س: أسس الأكراد في أواسط القرن المنصرم أحزابهم القومية في سوريا، وظلت تتصاعد مطالبهم من الحقوق الثقافية والمواطنة وصولا للإدارة الذاتية والاستقلال عن سوريا، فهل يمكن للأكراد أن يكونوا فتيل التغيير في سوريا أم حطبا لحرق مرحلة تالية؟
ج: حقيقة أن أول حزب كوردي كان باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكان هدفه الأساس توحيد وتحرير كوردستان , ولم يكن حق ثقافي , وبالتالي المطلب القومي لم يتصاعد بل تنازل بنتيجة القمع من جهة وزيادة الوعي القومي من جهة ثانية , وعقلنة المطالب من جهة ثالثة , وحتى مفهوم المواطنة الذي بات يحتل حيز كبير من الخطاب السياسي , يطرح ليس على أرضية الفهم المدني له , أو كما هو موجود في الكثير من البلدان بل يحمل في الحالة العربية إصرار على التعريب باسم المواطنة , ونحن نقبل بالمواطنة المدنية بكل تجلياتها , وهي المواطنة التي على أساسها يذهب سكان كوبيك إلى استفتاء الاستقلال عن كندا كل أربع سنوات , فهل يقبل العقل العروبي هذا النمط من المواطنة ؟ ام يستخدم المفهوم بشكله المجزأ والمعربن , ثم لم يكن في أي يوم مطلب الاستقلال عن سوريا موجودا , بل هناك دعوة إلى التشارك في وطن متعدد القوميات , واعتقد بان الشعب الكوردي والحالة النوعية التي تجمع الأغلبية الشبابية , تؤهله ليكون حاملا للتغيير الديمقراطي , وأنا ارفض مفهوم الحطب والوقود , لان الديمقراطية هي التي ستحقق الهوية القومية وهي التي ستحدد حجم التشارك في الوطن , وسيحصل الجميع على حقه سواء القومي أو الإنساني أو الديني
س: لماذا تتكرر ولادة الحجاج فقط في بلداننا، لماذا لم يفلح الحاكم العربي أن يطور ويتطور، ولماذا لا تنبت شتلة الحجاج في الغرب ولم تنوجد نسخة رديئة عنه في بلاد الفرنجة التي نعيبها باستمرار؟
ج: الحجاج لم يولد ولم يتكرر , بل هو موجود دائما في الموروث الثقافي لهذه الشعوب , بحكم بنية العقل الشرقي والمؤثرات المحددة لنمط تكونه , سواء البيئية أو الدينية أو القبلية , وكلها محددات تضمن ديمومة وجود الحجاج , وأي حاكم عربي هو نتاج لهذه البيئة , وبالتالي فهو يملك القدرة على إعادة إنتاج ذاته القمعية , ولا يملك القدرة على التحول أو التطور إلا في اتجاه واحد , واعتقد بأنه ليس صدفة أن يوسم الاستبداد لدينا بالاستبداد الشرقي ؟ وهو تمييز واضح الدلالة , أما في الغرب فقد عانى من حجاج أو أكثر لكن بنية العقل هناك وضعت حدا لتكراره عبر فصل الدين عن الدولة والتحول نحو الديمقراطية وتداول السلطة السلمي .
 س: لماذا يتكرر فشل المعارضة السورية منذ أربعين سنة وتزداد تشرذما ووهنا ولم تربح الشارع السوري لجانبها وخسرت كل الجولات ضد النظام، هل تم تدجين الشعب السوري لدرجة أنه لا يستطيع رد الحيف عن نفسه أم أن السوريات غير قادرات على إنجاب أفضل مما هو راهن في المعارضة والنظام؟ وهل يمكن أن يكون الشعب مخطئا والنظام على حق، ولماذا تبدو معظم أطياف المعارضة كطفل مشاكس منبوذ في ملعب النظام وفي الشارع الشعبي؟
ج: ما عدا فسحة الخمسينات لم تعرف سوريا أي فضاء ديمقراطي يتيح وجود أو تكون أحزاب ديمقراطية , وبالتالي النظام الأمني والاستبداد ينتج أحزاب على شاكلته أو يقمع ويذيب أي معارضة تطمح للحرية والديمقراطية , ومن الإجحاف أن يكون تقييمنا للمعارضة السورية على أنها فشلت أو لم تنجح باستقطاب الشارع السوري , بدون أن نعُرف طبيعة النظام الأمني وما فعله في المجتمع , وسوية القمع وهدر الإنسان وإلغاء الحريات الذي مارسه النظام ومنع عنها التواصل أو حتى التنفس الصحي , ففي أجواء كهذه طبيعي أن تنزوي المعارضة رهينة القبضة الحديدية من جهة , وأسيرة ناظمها الفكري الذي هو أيضا نتاج المرحلة المؤدلجة بتجلياتها المرضية , واعتقد بان الشعب السوري يمتلك الكثير من الطاقات والإمكانات وهو بأغلبيته الصامتة معارض لنظام الاستبداد وعندما تأتي اللحظة السياسية المناسبة سنجد الكثير من الايجابيات والأفعال الوطنية , ومن الضرورة أن لا نقيم المعارضة استنادا إلى بعض الشخصيات أو الأطر التي تجاوزها الزمن , بل ما يموج في المجتمع من حراك وتبلور رؤى هو المقياس .


 س: أسس حزب الأخوان ميثاق لندن وصاغوا برنامجا حضاريا لسوريا المستقبل، وأخيرا جبهة خلاص مع نائب الرئيس الأسبق المحامي عبد الحليم خدام.

وينادون بالدولة المؤسساتية وهجروا الدعوة لخلافة تقليدية، ويتحالفون مع خصوم الأمس والأكراد، هل نجحوا أم أنهم فقط أضافوا رقما جديدا في جوقة الأسماء الفاشلة من أحزاب وحركات ومنظمات سورية منذ أكثر من أربعين سنة، وهل يعول على حزب ديني حمل لواء التغيير الديمقراطي وإقامة دولة علمانية؟

ج: النجاح يقاس بالتأسيس النظري ومن ثم التطبيق العملي , وأي حالة نظرية باتجاه تبني الدولة المدنية بكل مفرداتها أمر صحي , وأي برنامج سياسي يقاس بمحتوياته وليس بنوايا أصحابه , ولعل حزب البعث بنى إمبراطورية استبدادية , ولم يلتزم بكل برنامجه العلماني , بل خرب القيم والأخلاق والعلم والإنسان وكل ما له صلة بالحياة الإنسانية , وأي حزب ديني أن كان يمتلك برنامجا سياسيا يعتمد الوضعية أساسا وليس الشريعة ونصوصها الثابتة , له الحق في ممارسة السياسة وتداول السلطة , كحالة اردوغان في تركيا , واعتقد بان فصل الدين عن الدولة واعتماد ذلك هو معيار التغيير الديمقراطي وهو من يعطي مصداقية لأية جهة سياسية تتنطح لحمل لواء ذلك التغيير .


 س: هل تعتبر المعارضة التي يقودها نائب الرئيس الأسبق رفعت الأسد معارضة موالاة، أو نسخة رديئة عن الجبهة التقدمية وهل المعارضة التي تضم البيانوني وخدام هي بالضرورة معارضة معاداة وخروج عن النواميس، ومالذي يفرقهما ولا يتفقون على التغيير المزعوم، وهل يمكن أن يعني تحالف البيانوني والخدام ورفعت أسد والأكراد في تيار واحد بمثابة بداية لتغيير حقيقي، ولماذا هو غير محقق حتى الآن، ولماذا لا يوجد ملكة نحل تجمع كل المعارضة حولها وظلت متناطحة على الدوام؟
ج: من حق أي مواطن سوري أن يعارض النظام , وحتى مسالة الانتقال من الموالاة إلى المعارضة  طبيعية فيما لو جاءت في سياقها الوطني العام , وأي اسم كان في السلطة وتحول إلى المعارضة , يجب النظر إلى أفعاله ومدى مصداقية هذا التحول , أما ماذا فعل عندما كان في السلطة , فهذه من اختصاص القضاء العادل بعد تغيير النظام , فنحن نعمل في السياسة والمحاسبة من اختصاص القضاء , أما من هو معارضة موالاة ومعارضة معاداة فاعتقد بان هذه التصنيفات غير موجودة في القاموس السياسي , هناك معارضة وموالاة , وليس هناك معاداة بمعنى العداء , قدر ما هو هاجس وطني ورؤية سياسية تنحو نحو العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية في مواجهة رؤية سياسية تقصي المجتمع وتحتكر السلطة , واعتقد بان التناطح غير مبرر , ولكن التباين السياسي حالة صحية , وتعبر عن سوية الأطر المعارضة ومدى امتلاكها لبرامج متنوعة تكون بديلا عن النظام القائم , أما لماذا لم تتوحد هذه المعارضات , فالأمر يعود إلى الكثير من العوامل المانعة , منها ما يتعلق بالرؤى السياسية ومنها ما يتعلق بماضي هذا وذاك , ومنها ما يتعلق بالمفهوم المدني لقبول الأخر والاعتراف بوجوده , واجزم بأنه في اللحظة السياسية المناسبة سنجد الأغلبية الصامتة للشعب السوري متوحدة وهي التي ستشكل عماد المعارضة وستفرز الصالح من الطالح .


 س: المعارضة السورية فشلت في إحداث أي تغيير وكما يختلق النظام مبررات فشله في إدارة البلد، تختلق المعارضة المبررات لتحافظ على هياكل تنظيمية خاوية، فهل يمكن أن تحصل استقالات جماعية للزعامات الأبدية وتضخ دماء شابة في الطاحونة العتيقة؟ وما هو شكل صلاح المعارضة لتقوى على الوقوف بوجه هكذا نظام وتصبح فعلا مثلا لأكبر قدر ممكن من الشارع السوري الذي لم يسمع بمعظمها؟
ج: المعارضة السورية الكلاسيكية هي نتاج واقع مرير وسياق قمعي , وبما أنها وليدة ثلاثة مدارس أصولية فقد بقيت مرتبطة إلى حد كبير بجذرها الثقافي بدون أن تستطيع أن تواكب حركية العصر ومتطلبات المرحلة السياسية , وهي بهذا تختلف عن النظام الأمني الذي لا هم له سوى إعادة إنتاج ديمومته القمعية , وفي الحالتين هناك سكون وعطالة في الفكر والرؤى السياسية وحتى في نوعية الشخوص التي أوقفت تعاقب الأجيال , ومعلوم أن أي جيل يختلف عن ما سبقه , لكن ثقافة من المهد إلى اللحد والروح الأبدية , أقصت أجيال كاملة وبالتالي أجهضت أي ديناميكية داخلية للتطور , واعتقد بان أي حركة أو حزب لا يمكن أن يتطور ويواكب مستجدات العصر إذا لم يمارس الديمقراطية الداخلية وتداول السلطة مهما كانت صغيرة أو كبيرة , بمعنى المعارضة الشائخة الآن قامت بدورها وتشكر عليه سلبا ام إيجابا , ومن الضرورة أن تتحول إلى لجان استشارية وتفسح المجال لطحانين شباب , وإعطائهم فرصة أن يحولوا الجعجة إلى طحن .
س: لماذا توصم المعارضة السورية الناشطة خارج الوطن بأنها ربيبة الاستعمار والصهيونية، والداخلية بالشريفة وتتلقف الألقاب متسابقة لجني شهادات حسن السلوك من النظام الذي يفترض أنها تعارضه؟
ج: النظام الأمني هو صاحب الفكرة وناشرها , والمعارضة هي معارضة سواء كانت هنا أو هناك , واذا كانت العولمة ألغت الحدود والسيادة , ألغت كذلك الفوارق بين الداخل والخارج , واجزم بان مفهوم الداخل والخارج نسبي ولكل ساحة دورها ولا معارضة في ساحة واحدة وإنما تكامل الساحات وتوحدها هو من يعطي قوة للمعارضة , وعلى العموم المعارضة ليست بحاجة لشهادة حسن سلوك , وثقافة النظام ومحاكمه الاستثنائية توسم من تشاء من الداخل أو من الخارج بما تحتاجه من نعوت للحكم عليه وإلقائه في السجون , صحيح أن الداخل هو الحامل الأساسي ولكن الصحيح أن ترابط المصالح الإقليمية والدولية والداخلية جعل من جميع الساحات حاجة موضوعية يفترض توافقها وتكاملها حتى يمكن تحقيق التغيير المنشود .


 س: لولا عصا النظام الغليظة ما هي ضمانة الوحدة الوطنية والوئام السلمي في ظل دعوات تهجير العلويين للجبال والحزام العربي والإحصاء العنصري والفيدرالية الكردية واستبعاد السرياني من منصب الرئاسة والدعوات الطائفية والمذهبية والتكفيرية؟ هل أدمن السوريون القمع والذل والإهانات اليومية مع الفقر والبطالة؟
ج: عندما كان المسيحي يمثل العربي والكوردي أو العكس , هل كانت هناك عصا ؟ بالعكس ما يصون الوحدة الوطنية ويحافظ على السلم الأهلي هو عقد اجتماعي يؤسس لوطن مشترك يجمع كل أبنائه على أرضية الحق والواجب واعتراف بمكونات المجتمع وتساويها أمام القانون , ولعل سيطرة واحتكار حزب البعث للسلطة والثروة هو من فتت المجتمع السوري وأعاده إلى نمواته قبل المدنية وزرع حالة عداء تستفحل يوما بعد آخر بين جميع طوائفه وشرائحه الدينية والقومية , بمعنى الملموس من انكفاءات وكانتونات هو صناعة أمنية , وليست صناعة وطنية , وحتى المشاريع والسياسات العنصرية هي أيضا صناعة بعثية , وحتى إبعاد الكوردي والمسيحي واختزال الجميع بحزب واحد احد , كلها فرضت على المجتمع السوري بقوة القمع , واعتقد بان الشعب السوري يستحق حالة ديمقراطية أفضل من الاستبداد وهراوة المالك الخاص .


 س: ما هي إمكانيات التغيير الفعلية في سوريا، وهل يمكن أن يتصالح النظام مع الشارع السوري، وكيف يمكننا أن ننظر إلى سوريا المستقبل في ظل ولاية قديمة متجددة ومحكمة دولية سارية وبرلمان جديد قادر على التصفيق وفقر مدقع؟
ج- إمكانية أن يتصالح النظام مع الشعب السوري , لا تتوافق مع بنية النظام والعقل الأمني الذي يديره , وإمكانات التغيير الفعلية ترتبط بتوافق المصلحة الداخلية مع الحالة الإقليمية وتاليا الحالة الدولية , واعتقد بان الراهن السوري وعجز النظام داخليا سوى عن زيادة وتيرة القمع وكم الأفواه , يجعل من فرص التغيير قائمة في أي لحظة , لكن ما تم زرعه في المجتمع من بؤر توتر وبراكين تنتظر فوهة لتنفجر , قد يجعلنا ندفع فاتورة محددة , وأنا لا أجد أي تغيير في نمط الولايات ولا حتى في موهبة التصفيق , فهي باتت حالة ثقافية يتقمص فيها الضحية صفات الجلاد ويصفق له بذات الوقت , ويبقى برأيي الأمر مرتبطا بوعي الشعب السوري وتعبيراته المدنية في إمكانية عقلنة الشارع ودفعه باتجاه تغيير تدريجي وهادئ , على الرغم من أن  أي مراقب حيادي يدرك حجم المخاض الذي يعتمل في المجتمع السوري , والذي أن لم يفهم النظام رسالته , فاعتقد بأننا مقبلون على أيام هي الأشد سوادا منذ استقلال سوريا.


 
شكرا أستاذ مشعل التمو لصبركم وتجاوبكم..!
 

إعداد وتقديم علي الحاج حسين

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…