فوزي الاتروشي
تسنى لي معرفة (مريم الريس) عن قرب مرتين، في بغداد اثناء انعقاد مؤتمر القانونيين العراقيين الاول في صيف (2003) بدعوة من جمعية القانونيين العراقيين، و من ثم في اربيل خلال انعقاد المؤتمر الثاني للقانونيين في عام (2004).
في المرة الاولى كنت رئيساً للوفد الكوردستاني القانوني الى بغداد، و في الثانية كنت عضواً في اللجنة التحضيرية لمؤتمر اربيل.
تسنى لي معرفة (مريم الريس) عن قرب مرتين، في بغداد اثناء انعقاد مؤتمر القانونيين العراقيين الاول في صيف (2003) بدعوة من جمعية القانونيين العراقيين، و من ثم في اربيل خلال انعقاد المؤتمر الثاني للقانونيين في عام (2004).
في المرة الاولى كنت رئيساً للوفد الكوردستاني القانوني الى بغداد، و في الثانية كنت عضواً في اللجنة التحضيرية لمؤتمر اربيل.
وخلال هذين اللقاءين و الاتصالات التليفونية بيننا للتحضير لمؤتمر اربيل الآنف الذكر لم أجد في (مريم الريس) اي من صفات التعالي و الغرور التي اوردها الكاتب (شورش رشيد) في مقال في موقع (صوت العراق) تعليقاً على ما أدلت به الزميلة المذكورة مؤخراً من تصريحات عن صلاحيات رئيس الجمهورية أثارت زوبعة اعلامية، وإذ أختلف أنا أيضاً معها إلا ان الكاتب الكوردي (شورش رشيد) ألحق بها نعوتاً لاتليق بها و صفات قبيحة مثل الغرور و الفجاجة وعدم النضوج و التعالي وهي كلها مواصفات لم أعثر عليها في الزميلة مريم الريس و التي بالعكس تتصف بالمرونة و الثقافة العالية و الكفاءة في الأداء و اختلافنا معها لايجوز ان يصل الى حد كسر العظم، واجد من الضروري قول مايلي:
1- كانت (مريم الريس) سواء في مؤتمر بغداد الذي ضمَّ (250) مندوباً من القانونيين و الحقوقيين و اساتذة الجامعات العراقية، او مؤتمر اربيل، كتلة من العمل و الجهد و التفاعل مع الآخرين، و أثبتت جدارة في الكلام و التفكير الناضج، مثلما استوعبت كمثقفة طبيعة الخطاب السياسي العراقي الجديد الذي لايمكن ان يفرِّط بالحقوق الكوردية و الطموح الكوردي المشروع، وكانت –والحق يقال- في بغداد من أبرز المدافعين عن الفيدرالية وعن الحضور الكوردي، وهي التي أصرَّت ان يكون كاتب هذا المقال عضواً في لجنة البيان الختامي للمؤتمر وفي لجنة رئاسة المؤتمر.
ولولاها مع زملائها لما استطعنا تثبيت كلمة الفيدرالية في البيان الختامي.
فكان المؤتمر يضمُّ حشداً من القانونيين وبعضهم اساتذة القانون الدولي العام و القانون الدستوري يرون ان الفيدرالية تقسيم للعراق، وان الطرف الكوردي يحاول الاستقواء بالاجنبي لاستغلال هشاشة الوضع العراقي الجديد بعد التحرير، و الى ذلك من تهم ما انزل الله بها من سلطان.
كانت النقاشات ساخنة و ممتدة في اكثر من غرفة نقاشية، وقد اضطررت ان اصف احد “الاساتذة” القادم من تكريت بالاعمى مردداً له البيت الشهير لابي العلاء المعرِّي:
اعمى يدلُّ بصيراً لا أباً له
قد ظلَّ من باتت العميان تهديه
لان هذا القانون الفقيه أصرَّ ان الفيدرالية تعني التقسيم في حين ان الترجمة العربية للفيدرالية لاتعني سوى الدولة الاتحادية.
خلاصة كلامي ان الزميلة (مريم الريس) وزملاؤها وفروا لنا في ذلك المؤتمر جواً تضامنياً حاراً بين المندوبين ومازلت أتذكر التعاطف الحار الذي أبداه مندوبات و مندوبي محافظة البصرة بالذات مع الطروحات الكوردية في الفيدرالية.
وفي (اربيل) كانت مريم الريس بنفس الرؤية و الجرأة في التفكير و التعبير، واذا كنا اختلفنا معها في الرأي و الاجتهاد فان ذلك سنة الحياة، فالتطابق الكلي و التماهي و ذوبان الشخص في الآخر لا وجود له في عالم الفكر و الثقافة الحرة و التفكير الديمقراطي التعددي، واذا كانت (الريس) قد أدلت رأيها في مسألة دستورية فذلك لايعني التهجم عليها بهذا الشكل العنيف و القاسي الذي يفسد الود و يقطع جسور التراجع و يحوِّل المسألة من نقد جميل و هادئ الى موقف ثأري انتقامي لاضرورة له، لذلك أتمنى على الاقلام الكوردية ان تؤمن بتعددية الآراء و تفاعلها و اختلافها الطبيعي وان لاتلجأ الى اشعال حريق في الاخضر قبل اليابس، خاصة وان الكورد هم النموذج الأمثل للقمع و الاضطهاد فقد كانوا ضحايا على مر السنين، ولا يجوز ان نتجاوز الخطوط الحمر و نشتبك في معركة تناحرية مع الآخرين لمجرد تصريح أدلي به.
2- ان السيد جلال الطالباني هو رمز العراق وقد استطاع بمرونة و حنكة سياسية تمثيل وجه العراق الجديد، و بالطبع فان الشعب الكوردي يفتخر بان تكون هذه الشخصية المناضلة رئيساً منتخباً للعراق الجديد لاول مرة منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921، وصلاحيات رئيس الجمهورية منصوص عليها في الدستور ولايمكن لأحد نكرانها او نفيها، فالرئيس هو الموقع الأول و المقام المؤثر الأول، ولايمكن لاي مفصل سياسي او إداري في الدولة العراقية التنكر لهذه الحقيقة او تجاوز او الانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو كما قلنا رمز لكل العراق، وهو رمز حقيقي وجوهري و ليس صورياً او مظهرياً، وحين ندافع عن الطالباني كرئيس فان ذلك واجب و حق، وحدث ان دعيت مرتين في الفترة القليلة المنصرمة الى برنامج (الاتجاه المعاكس) في قناة الجزيرة، وفي كلا المرتين حاول ضيف البرنامج من منطلق قومي عربي شوفيني ان يستهتر و يتهجم على الرئيس العراقي، فوجدت ان واجبي كعراقي و كوردستاني وكإنسان ديمقراطي حر يستدعي الدفاع المنصف عن رئيس العراق، ولكن بايراد حقائق و بطريقة اسقطت الضيف الآخر في هاوية الاحراج.
اما (مريم الريس) فانها تحدثت عن مسألة دستورية باجتهاد قانوني و القانونيين ضليعون عادةً في فن التخريج اللغوي و تكييف النص وفق قواعد المنطق.
ويبدو ان الحظ لم يحالفها هذه المرة فنطقت بما لايجوز النطق به صراحة حتى لو كانت تؤمن به ضمناً، وقد أُغلق باب الموضوع بصدور تصريح عن مكتب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي يعتبر كلامها رأياً شخصياً لاعلاقة له برأي موقع رئاسة الوزراء.
ان الناطقون الرسميون يشعرون برهبة الكلام الكثير و الخوف من التزحلق على جليد الكلمات وفي الحياة السياسية ثمة ناطقين كثيرين ينسون احياناً صفتهم الرسمية الحافلة بالتحفظ و الزهد في الكلام، فينطلقون قبل ان يشعروا ان حبل كلامهم زاد عن اللزوم وان حريتهم في الحديث محدودة و مشروطة و مقيدة بالسلاك السياسية و دهاليزها.
أخيراً فان دعوتي للكاتب (شورش رشيد) ان يضع اعصابه ولو قليلاً في الثلاجة فقد يكون الآن في بغداد و حرِّها اللاهب او في اربيل التي لاتختلف جمرات حرارتها عن بغداد الا قليلاً.
ولكني اكتب في البرِّ الاوروبي حيث الماء و المطر و الخضراء و الشمس الدافئة الحنونة و المناخ الذي يحرِّض على الكتابة بهدوء و طمأنينة.
مثلما ادعو الزميلة (مريم الريس) ان تجعل وظيفتها كمستشارة لرئيس الوزراء فرصة جديدة تستثمرها في تعميق صداقاتها مع كل التنويعات العراقية التي اصبحت الحساسية بين ألوانها كبيرة، وان تتوخى –وهي البليغة في الكلام و الانيقة في انتقاء الالفاظ الجميلة- في أحاديثها حكمة “خير الكلام ما قلَّ و دل”.
هذا ما دامت مستشارة رئيس الوزراء، اما اذا عادت قانونية سياسية فالكلام حينها مباح ولا احد يمكن ان يصدها عن التعبير كما تشاء ومتى تشاء.
1- كانت (مريم الريس) سواء في مؤتمر بغداد الذي ضمَّ (250) مندوباً من القانونيين و الحقوقيين و اساتذة الجامعات العراقية، او مؤتمر اربيل، كتلة من العمل و الجهد و التفاعل مع الآخرين، و أثبتت جدارة في الكلام و التفكير الناضج، مثلما استوعبت كمثقفة طبيعة الخطاب السياسي العراقي الجديد الذي لايمكن ان يفرِّط بالحقوق الكوردية و الطموح الكوردي المشروع، وكانت –والحق يقال- في بغداد من أبرز المدافعين عن الفيدرالية وعن الحضور الكوردي، وهي التي أصرَّت ان يكون كاتب هذا المقال عضواً في لجنة البيان الختامي للمؤتمر وفي لجنة رئاسة المؤتمر.
ولولاها مع زملائها لما استطعنا تثبيت كلمة الفيدرالية في البيان الختامي.
فكان المؤتمر يضمُّ حشداً من القانونيين وبعضهم اساتذة القانون الدولي العام و القانون الدستوري يرون ان الفيدرالية تقسيم للعراق، وان الطرف الكوردي يحاول الاستقواء بالاجنبي لاستغلال هشاشة الوضع العراقي الجديد بعد التحرير، و الى ذلك من تهم ما انزل الله بها من سلطان.
كانت النقاشات ساخنة و ممتدة في اكثر من غرفة نقاشية، وقد اضطررت ان اصف احد “الاساتذة” القادم من تكريت بالاعمى مردداً له البيت الشهير لابي العلاء المعرِّي:
اعمى يدلُّ بصيراً لا أباً له
قد ظلَّ من باتت العميان تهديه
لان هذا القانون الفقيه أصرَّ ان الفيدرالية تعني التقسيم في حين ان الترجمة العربية للفيدرالية لاتعني سوى الدولة الاتحادية.
خلاصة كلامي ان الزميلة (مريم الريس) وزملاؤها وفروا لنا في ذلك المؤتمر جواً تضامنياً حاراً بين المندوبين ومازلت أتذكر التعاطف الحار الذي أبداه مندوبات و مندوبي محافظة البصرة بالذات مع الطروحات الكوردية في الفيدرالية.
وفي (اربيل) كانت مريم الريس بنفس الرؤية و الجرأة في التفكير و التعبير، واذا كنا اختلفنا معها في الرأي و الاجتهاد فان ذلك سنة الحياة، فالتطابق الكلي و التماهي و ذوبان الشخص في الآخر لا وجود له في عالم الفكر و الثقافة الحرة و التفكير الديمقراطي التعددي، واذا كانت (الريس) قد أدلت رأيها في مسألة دستورية فذلك لايعني التهجم عليها بهذا الشكل العنيف و القاسي الذي يفسد الود و يقطع جسور التراجع و يحوِّل المسألة من نقد جميل و هادئ الى موقف ثأري انتقامي لاضرورة له، لذلك أتمنى على الاقلام الكوردية ان تؤمن بتعددية الآراء و تفاعلها و اختلافها الطبيعي وان لاتلجأ الى اشعال حريق في الاخضر قبل اليابس، خاصة وان الكورد هم النموذج الأمثل للقمع و الاضطهاد فقد كانوا ضحايا على مر السنين، ولا يجوز ان نتجاوز الخطوط الحمر و نشتبك في معركة تناحرية مع الآخرين لمجرد تصريح أدلي به.
2- ان السيد جلال الطالباني هو رمز العراق وقد استطاع بمرونة و حنكة سياسية تمثيل وجه العراق الجديد، و بالطبع فان الشعب الكوردي يفتخر بان تكون هذه الشخصية المناضلة رئيساً منتخباً للعراق الجديد لاول مرة منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921، وصلاحيات رئيس الجمهورية منصوص عليها في الدستور ولايمكن لأحد نكرانها او نفيها، فالرئيس هو الموقع الأول و المقام المؤثر الأول، ولايمكن لاي مفصل سياسي او إداري في الدولة العراقية التنكر لهذه الحقيقة او تجاوز او الانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو كما قلنا رمز لكل العراق، وهو رمز حقيقي وجوهري و ليس صورياً او مظهرياً، وحين ندافع عن الطالباني كرئيس فان ذلك واجب و حق، وحدث ان دعيت مرتين في الفترة القليلة المنصرمة الى برنامج (الاتجاه المعاكس) في قناة الجزيرة، وفي كلا المرتين حاول ضيف البرنامج من منطلق قومي عربي شوفيني ان يستهتر و يتهجم على الرئيس العراقي، فوجدت ان واجبي كعراقي و كوردستاني وكإنسان ديمقراطي حر يستدعي الدفاع المنصف عن رئيس العراق، ولكن بايراد حقائق و بطريقة اسقطت الضيف الآخر في هاوية الاحراج.
اما (مريم الريس) فانها تحدثت عن مسألة دستورية باجتهاد قانوني و القانونيين ضليعون عادةً في فن التخريج اللغوي و تكييف النص وفق قواعد المنطق.
ويبدو ان الحظ لم يحالفها هذه المرة فنطقت بما لايجوز النطق به صراحة حتى لو كانت تؤمن به ضمناً، وقد أُغلق باب الموضوع بصدور تصريح عن مكتب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي يعتبر كلامها رأياً شخصياً لاعلاقة له برأي موقع رئاسة الوزراء.
ان الناطقون الرسميون يشعرون برهبة الكلام الكثير و الخوف من التزحلق على جليد الكلمات وفي الحياة السياسية ثمة ناطقين كثيرين ينسون احياناً صفتهم الرسمية الحافلة بالتحفظ و الزهد في الكلام، فينطلقون قبل ان يشعروا ان حبل كلامهم زاد عن اللزوم وان حريتهم في الحديث محدودة و مشروطة و مقيدة بالسلاك السياسية و دهاليزها.
أخيراً فان دعوتي للكاتب (شورش رشيد) ان يضع اعصابه ولو قليلاً في الثلاجة فقد يكون الآن في بغداد و حرِّها اللاهب او في اربيل التي لاتختلف جمرات حرارتها عن بغداد الا قليلاً.
ولكني اكتب في البرِّ الاوروبي حيث الماء و المطر و الخضراء و الشمس الدافئة الحنونة و المناخ الذي يحرِّض على الكتابة بهدوء و طمأنينة.
مثلما ادعو الزميلة (مريم الريس) ان تجعل وظيفتها كمستشارة لرئيس الوزراء فرصة جديدة تستثمرها في تعميق صداقاتها مع كل التنويعات العراقية التي اصبحت الحساسية بين ألوانها كبيرة، وان تتوخى –وهي البليغة في الكلام و الانيقة في انتقاء الالفاظ الجميلة- في أحاديثها حكمة “خير الكلام ما قلَّ و دل”.
هذا ما دامت مستشارة رئيس الوزراء، اما اذا عادت قانونية سياسية فالكلام حينها مباح ولا احد يمكن ان يصدها عن التعبير كما تشاء ومتى تشاء.