صبري رسول
الكلمة التي ألقاها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني اليوم الثلاثاء 17/10/2017م يمكن بوصفها بـ«المقتضبة» لأنها لم تزد عن 330 كلمة (وفق الترجمة العربية لها) ركّز في بداية كلمته على تذكير الشعب الكردستاني بالتاريخ المليء بالمآسي التي حلّت به ((… على مر التاريخ، كان شعب كوردستان دوما تحت تاثير التهديد والظلم وسلب حقوقه، ودافع شعب كوردستان وطوال هذا التاريخ عن هويته، وتعرض للإبادة الجماعية…))
هذا التذكير نوعٌ من تخفيف حدة انعكاس الكارثة على الناس، فكانت أخبار كركوك وقعها كالصاعة على الناس. فذكّر بعض الأحداث القريبة لأنّ المحطات السوداء كانت كثيرة جداً وصلت إلى درجة الإبادة الجماعية بلا تمييز كما حصل في ((…الهجمة الوحشية لإرهابيي داعش ضد كوردستان والجينوسايد الذي تعرض له الكورد الايزيديون…))
فقد طغت مشاعر الإحباط على نفوس الشعب الكردي، حتى شبّه الكثيرون «نكسة كركوك» باتفاقية الجزائر 1975م التي أكّد وقتها صدام حسين بأنّه ((لن تكون هناك قائمة)) لهم، ويقصد بالشعب الكردي.
والنقطة الجوهرية في هذا الأمر التي ألقى الضوء عليها هي أنّ الكُرد لم يكونوا مبادرين إلى القتال. وهذه حقيقة تاريخية، حيث لم يشهد التاريخ واقعة واحدة كان الكُرد معتدياً على غيره، فقد كان هذا الشعب مسالماً، ومطالباً حقوقه بالحوار. وجميع الوقائع التاريخية الحديثة منذ جمهورية مهاباد 1946 وحتى «نكسة كركوك» 16/10/2017م تؤكد أن الحروب فرضها أعداء الكُرد عليهم وأكد السيد البارزاني في كلمته ((لم نرد الحرب يوما لكنها فرضت علينا…)) وهذه الرسالة يجب أن تفهمها الشعوب، ويقف عندها قادة العالم، بأننا لسنا «طلاب سفك الدماء» ولم يتجاوز ما يطلبه الكُرد حقوق الشعب الكردي، بينما الآخرون يقومون بالاعتداء للنيل من حقوق الآخرين بينما أكّد البارزاني أنّه ((وكانت أهدافنا الاساسية دوما حقوق شعب كوردستان وأمنه وأمانه)).
أما توضيح السيد البارزاني عن حادثة كركوك فجاء مقتضباً مكثفاً وبلغة سياسية في غاية الموضوعية، بعيداً عن استخدام الألفاظ التي يسمعها الناس كثيراً من قادة بغداد الذين تقترب لغتهم من لغة «الشارع السوقي» وبعيدة عن الدبلوماسية السياسية حيث وصف الحدث الكركوكي: ((كان نتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الافراد التابعين لجهة سياسية داخلية في كوردستان…)) قرار انسحاب القوات التابعة لهيرو وأبنائها كان فردياً، حيث لم يستشر هؤلاء أحداً بهذه الخطوة، وخالفوا الاتفاق الذي شاركته هيرو في «اجتماع دوكان». فالقرارُ كان انفرادياً، ولم يكن قرار الاتحاد كاملاً ((اتخذه بعض الأفراد)) وهذا القرار انعكس على الوضع العسكري الميداني كاملاً من شنكال حتى خانقين فتغيّر موقع خط التماس جغرافياً بين البيشمركة والقوات العراقية ((نتيجة لهذا الانسحاب تحول خط التماس الذي تم الاتفاق عليه قبل عملية تحرير الموصل في 2016/10/17 بين بغداد واربيل إلى اساس للتفاهم حول كيفية نشر القوات العراقية والقوات في اقليم كوردستان)).
في متن الكلمة وجّه السيد البارزاني رسالة الاطمئنان إلى الشعب الكردستاني للحفاظ على ثلاثة أمور هامة أقلقت الشعب كثيراً: 1-المكتسبات، 2-الأمن، 3-الاستقرار. فأكد قائلاً: ((أننا سنبذل كل جهدنا وسنفعل كل ما هو ضروري من أجل الحفاظ على مكتسباتنا وحماية الأمن والاستقرار لشعب كوردستان)).
من جانب آخر كان حرص البرزاني كبيراً على وحدة الصّف الكردي، لأنه الضامن الوحيد لدعم الصمود الكردي. جميعنا يعلم أنّ عوامل الضعف هي التشتت والتفرقة والتمزق، والخاصرة الرخوة هي دوماً زعزعة الوحدة الكردية. ((ونؤكد اليوم على الحفاظ على وحدة الصف وصمود شعب كوردستان والقوى السياسية)) أما عن عملية الاستفتاء التي قام به الشعب وأحدثت كل هذه الضجة، وكأن «القيامة» ستجتاح الكون، فأكّد البارزاني على التمسك بنتائج الاستفتاء كخيارٍ استراتيجي لا يمكن التضحية بها، الاستفتاء كان الصوت الكردي إلى العالم أجمع، سمعته الشعوب والدول ((إن الصوت الصارخ والمدوي الذي اطلقتموه لاستقلال كوردستان واوصلتموه لشعوب العالم ودولها، لن تهدر في يوم من الايام ولن نضحي بها)). التمسك بنتائج الاستفتاء بحد ذاته ورقة قوية لأي عملية تفاوضية قادمة، وحادثة كركوك جاءت لضرب الاستفتاء ونتائجه.
البارزاني واثق تماماً أنّ الشعب الكردي سيحصل على حقوقه آجلاً ام عاجلاً، وهذه الثقة يجب أن تكون السند القوي لأبناء الشعب الكردي.