نارين عمر
أطالبُ الأمم المتّحدة والجهات الدّوليّة المعنيّة والمسؤولة بوضع قانون صارم وإجباريّ يمنع في شكل إلزامي اغتصاب المرأة المعتقلة أو الأسيرة أو التي يتمّ استجوابها منعاً باتاً في الحروب والمواجهات المسلّحة وغيرها، وأن تغرّم الدولة التي يعتدي جنودها أو سجّانوها جنسيّاً على المرأة بعقوبة صارمة، وأن تعتبر جريمة حرب أو جريمة إنسانيّة تمسّ الإنسانيّة والبشريّة في الصّميم.
عار على العالم أن يصمت على اغتصاب المرأة أو أسرها كعبدة دنيئة ذليلة، وإجبارها على ممارسة الدّعارة، واستخدامها كأداة ضغط على الرّجل وإهانته وإلحاقِ المذلّة به، باعتبارها شرفه وعرضه.
عار على الرّجل المغتصِب أن يرى رجولته وفحولته في اغتصاب امرأة أسيرة، ضعيفة، مقيّدة اليدين والقدمين. عار على الحكومات والدّول أن تغري شبابها بالنّساء الأسيرات، الضّعيفات لينضموا إلى مؤسّساتها العسكريّة وحروبها وغزواتها، خصوصاً تلك الحكومات التي تنادي بحرّية المرأة ومساواتها، والتي تعيب على الدّول الأخرى عدم إنصافها المرأة، وجعلها شرفاً وعرضاً للرّجل، وهي التي يجب أن تتمتّع بشخصيتّها المستقلّة وكيانها الخاص بها؟ لماذا يتناسون، ويتجاهلون هذه الحقيقة وهذه الدّعوة العظيمة في الحروب والغزوات والنّكبات؟
نعيش القرن الواحد والعشرين ونعيد تاريخ القرون الماضية، قرون الرّق والنّخاسة والاستعباد؟
صحيح أن النّظام الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة يضع الاغتصاب وأشكال العنف الجنسيّ الأخرى، ضمن قائمة جرائم الحرب والأفعال التي تشكّل جرائم ضدّ الإنسانيّة عند ارتكابها كجزء من اعتداء واسع النطاق وممنهج ضدّ أيّ سكان مدنيّين، وينبغي على جميع أطراف النّزاع المسلّح الالتزام بمنع العنف الجنسيّ، والتزام كلّ الدّول بمحاكمة مرتكبيه. صحيح أنه تمّ التطرّق إلى هذا الموضوع الخطير في المؤتمرات الدّولية العالميّة كالمؤتمر العالميّ الرّابع للمرأة عام 1995 الذي أقيم في بكين وفي مؤتمر «بكين + 5» و «بكين+10»، إلا أنّ هذه الجرائم لاتزال ترتكب من دون أن يهتزّ ضمير الأمم المتّحدة أو يرفّ جفن للدول والقوى الدّاعية الى حرّية الإنسان والحقوق الإنسانيّة، بل إنّ هذه الدّول والقوى هي التي تمارس أقسى أنواع العنف الجنسيّ ضدّ المرأة، فقط لتغري شبابها ورجالها المقاتلين بالانضمام إلى صفوفها أو عدم ترك الصّفوف.
وقد أكّدت لجنة الأمم المتّحدة حول وضع المرأة، في تقريرها إلى الأمين العام على ذلك صراحة بالقول:
«إنه يجري أحياناً على نحو منتظم تجاهل القانون الدوليّ الإنسانيّ الذي يحظّر الاعتداء على المدنيّين بصفتهم تلك، كما أنّ حقوق الإنسان غالباً ما تُنتهك في حالات النّزاعات المسلّحة، ما يؤثّر في السّكان المدنيّين، خصوصاً النساء والأطفال وكبار السّنّ والمعوقين».
وفي تقريرها الصّادر في عام 2002 عن المرأة والنّزاعات، في اليوم العالميّ للمرأة أكّدت منظّمة العفو الدّولية أن «الحروب والنّزاعات تحمل خوفاً كبيراً للمرأة، ولا تقتصر مخاوف المرأة على الدّمار والاضطرابات والإصابات والموت، بل تمتدّ لتشمل خوفها من عمليّات الاغتصاب والتّعذيب والأذى الجسديّ والجنسيّ والعبوديّة الجنسيّة أو الاقتصاديّة والعلاقات أو الزيجات الجبريّة». فهل تحتاج المرأة إلى مثل هذه التّقارير والتّصريحات من الجهات المعنيّة، أم هي في حاجة إلى إنقاذ فعليّ لجسدها وروحها؟
جيوش ومسلّحو وميليشيات كلّ حكومات ودول العالم لجأت، ولاتزال إلى مثل هذه الأساليب، التي تحمل في مضمونها عجزهم وضعفهم وشعورهم بالنّقص والاستسلام أمام المرأة التي تظلّ تقاومهم بروحها وفكرها، وتحتقر ضعفهم أمامها.
لقد صدرت قوانين ووثّقت من جهات ومنظّمات دوليّة رسميّة، تدعو إلى منع العنف الجنسيّ ضدّ المرأة والرّجل والطّفل، لكنّها لا تزال لا تساوي حبر القلم الذي خُطّت به، لذلك أكرّر دعوتي الأمم المتحدة والقانون الدّوليّ والمنظّمات والهيئات والأطراف التي تدّعي تبنّيها الإنسان والإنسانيّة والمنظّمات والجمعيّات الخاصة بالمرأة، في كلّ العالم إلى أن تسارع إلى إنقاذ إنسانيّتها من عنف الضّعف والمذلّة والعجز الذي تشعر به أمام جسد المرأة وهو في حالة القيد والانكسار، وتقرّ وبقوّة وإرادة منع تكرار مثل هذه الأفعال التي لا علاقة لها بالعواطف الإنسانيّة.