مأساة شعوب المنطقة تكمن في البنية الفكرية والعقائدية المشتركة بين الجلاد والضحية

 دلكش مرعي 
 قبل الثورة  السورية كانت – البيدا – ضحية ممارسات النظام واضطهاده فقد سجن النظام أعداد كبيرة من كوادر هذا الحزب  ومنعت البيدا  من النشاط السياسي وحتى من إقامة خيمة العزاء لشهداء الحزب ولكن عندما سيطرت – البيدا – على بعض المناطق أصبحت هي تمارس نفس ممارسات النظام  وتسلك سلوكه وأعتقد لو سيطرت بقية الأحزاب الكردية على السلطة لسلكت نفس سلوك  – البيدا – فأنك تجد بعض قيادات الأنكسة في هولير تتغذى في أفخر مطاعمها وتحتسي الوسكي ليلاً وتتحدث في ذات الوقت عن مأساة الكرد في غربي كردستان .. والتحول من حالة الضحية إلى حالة الجلاد  ينطبق على ستالين وفرانكو وموسوليني وصدام والمالكي و والسيسي وأسد الأب وعلى بقية رؤساء المنطقة فيمكن القول بأن هذه الظاهرة هي نتاج المنهل الفكري المشترك للضحية والجلاد فمن يحل محل الآخر يمارس الممارسات ذاتها  . 
فما يأخذه الإنسان في الست السنوات الأولى من حياته تبقى حاسمة  وتبقى الأساس لمنطلقه الفكري والقيمي وتتحكم بصيرورته وسلوكه فالمشكلة ليس في الإنسان الذي يحمل نفس كتلة الدماغ  بل فيما يحمّل هذا الدماغ من فكر وعقيدة وقيم لأنها هي التي تحدد ماهية الإنسان من هنا نعتقد بأن الصيغ والوصفات الجاهزة التي يقدمه المثقف والسياسي لن تنجز تلك  التحول التاريخي في حياة هذه الشعوب ولن تتمكن هذه الوصفات من تحرير الإنسان من قيمه وعقائده عبر تغليف هذه القيم والعقائد  بقناع الحداثة والديمقراطية   … فمن المؤسف القول بأن معظم المثقفين والسياسيين هم لم يتحرروا من تلك القيم وهنا تكمن جوهر المشكلة ومأساتها   … 
فالبنية الفكرية القبلية والطائفية والأثنية والداعشية التي يرضع منها الإنسان في الصغر في هذه المنطقة هي القوة الفاعلة والمحركة لنشاط الأفراد داخل هذه المجتمعات وهي المحركة لسلوك المثقف والسياسي والمنظمات والجمعيات وغيرها . فالبنية الفكرية المذكورة تشكل معوّقاً فعليا على جميع أصعدة التطور والتقدم والتنمية البشرية فقيم التخلف التي يرضع منها الفرد هي التي تصنع واقعه وتنتج أزماته ومآسيه فصراع قبائل العرب التي كانت تجري بين  بني هلال مع  بني تميم  لم تتغير من حيث الجوهر وتجري الآن بين قبائل اليمن وليبيا والعراق وصراع بني هاشم وبني أمية حول من أحق بخلافة المسلمين هي الأخرى لم تتغير وتجري بين السنة والشيعة الآن وصراع الأنا الكردية التاريخية مع أخيها لم تتغير هي الأخرى قيد أنملة وهذه الأمور لا تولد مع الإنسان بالفطرة بل هي نتاج التربية المذكورة فقيم الشعوب وعادتها وعقائدها تبقى مقدسة لديها وغير قابلة للنقد والجدل والتغير فهي عبارة عن مجموعة نظم مغلقة تعيد أنتاج ذاتها وشخوصها باستمرار وكل جيل يورّث هذا القيم للجيل الذي يليه بأمانة وعبر مئات السنين ولكن مع كل ذلك تجد قلة من الناس تشذ عن هذه القاعدة نتيجة التربية السليمة ولكنها تبقى أقلية مبعثرة لا تستطيع عمل الكثير

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…