كردستان وعقارب بغداد

ماجد ع  محمد
 
عندما تختار طريقاً واضحاً وسط القراصنة لا بد لك من معرفة الدروب الملتوية أيضاً، ليس لكي تخدع الآخرين أو مَن كانوا معك، إنما لكي تقي نفسك والقرناء والأتباع من  فخاخ المتربصين بك من كل حدبٍ وصوب، وتُفهمهم في الوقت عينه بأنك اخترت المستقيم حباً وليس رغماً، ولكنك بنفس الوقت ومن باب الاحتياط لا تمتنع قط عن معرفة الملتويات حفاظاً على الذات من مكاره المجبولين بثقافة الخداع والشحناء. 
حقيقةً رغم الغيوم الكالحة التي تحيق بإقليم كردستان إلا أن ثمة مَن لم ينل منهم سلطان الجحود، ولا يزالون فيما يظهرونه ويصرحون به غير مناهض لمستبطناتهم، ولا يتكلمون إلاّ وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم الحية بعكس مَن تأسرهم مخانق الأيديولوجيا،
ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر، الخبير العسكري والاستراتيجي مؤيد الجحيشي الذي أشار إلى أن كردستان لم ترتكب جرمًا واحدًا ضد أهل السنَّة، بخلاف الميليشيات الطائفية “ماعش” التي دمرت مدينة الموصل بحجة محاربة تنظيم داعش، مضيفاً بأنهم يؤمنون على عوائلهم وشرفهم في كردستان أكثر من بغداد، ولكن بالرغم من وجود أمثال هذا الرجل الذي يحاول أن يكون منصفاً مع الآخرين في ساعات الحشر، إلا أنه وبالضد منه فثمة مَن يجيِّش الأتباع والمريدين والعامة ليل نهار ضد الكرد بناءً على أحقاده القومية أو الطائفية أو السياسية، كما أن بعض من يعادون شعب كردستان لا إشكال لديهم في أن يحاربوا الكرد بكل ما يمتلكون من الأسلحة حتى تنتشي فصول الضغينة في دواخلهم، بل ونكاد نؤكد من خلال الاستوحاش الإعلامي الذي سبق وأعقب الاستفتاء بأن بعض قادة العراق الحاليين لو كانوا ممتلكين أسلحة وقوة النظام البعثي البائد لما وفروه قط لإنهاء الوجود الكردي كما حاول من قبل جلاوزة ميشيل عفلق ولأكثر من مرة.
ولكن يبقى أن أقبح ما لدى ساسة بغداد الذين نتحدث عنهم من جهة السلوكيات الدالة على الرداءة القيمية، هو ذلك الجحود الدال على اللؤم في السجية، إذ معروف أن أغلب من يبغون اليوم إنهاء الكرد إو إمحاءهم وجودياً، كانوا ممن ارتموا على أقدام الشمال يوماً، منهم هرباً من عسس نظام صدام حسين، ومنهم خوفاً على حياتهم وحياة أسرهم من جلاوزة الميليشيات الطائفية المنتشرين في عموم العراق، إلا أنهم من باب إسداء الدّين الذي عليهم راحوا يحاربون الإقليم وشعبه حتى بلقمة عيشه! وحقيقة فإن هذه الممارسات الدالة على لؤم الطبائع من قبل أهل الجحود من ساسة العراق لا تذكرنا إلا بقصة الحكيم والعقرب.
إذ يُحكى بأن حكيماً كان جالساً على ضفة نهرٍ يتأمل الجمال المحيط به، وفجأة لمح عقرباً وقد وقع في الماء، وراح العقرب يتخبط محاولاً أن يُنقذ نفسه من الغرق، عند ذاك قرر العجوز الحكيم أن ينقذه، فمدّ له يده، فما كان من العقرب إلا أن يقوم بلسعه، فسحب العجوز يده صارخاً من شدة الألم، ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ الحكم يده ثانيةً لينقذ العقرب، فقام العقرب ولسعه مرة ثانية، فسحب الحكيم يده مرة أخرى صارخا من شدة الالم، وبعد هنيهةٍ راح الحكيم يحاول إنقاذه للمرة الثالثة، بينما كان على مقربة منه ثمة رجل آخر يراقب المشهد من بعيد، فصرخ به الناظر قائلاً: “يا رجل لم تتعظ من المرة الأولى، ولا من المرة الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة!!” ولكن لم يأبه الحكيم لتوبيخ الرجل وملاحظته، بل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلا: يا بني… من طبع العقرب أن يلسع، ومن طبعي أن أحب وأعطف… فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟.
وهو بالضبط ما يحصل بين كرد الإقليم والكثير من ساسة بغداد، إذ في الوقت الذي لا يزال الإقليم يحافظ فيه على شرف وكرامة وأمن ما يقارب مليونين عراقي، وفي الوقت الذي يحض فيه رئيس الإقليم وقيادته البيشمركة والأسايش والشعب بأن يحافطوا على أمن وسلامة الفارين من مدن العراق إلى الإقليم، وفي الوقت الذي تحرص فيه قيادة الإقليم على الفصل بين الشعب العربي وبين المواقف القميئة للساسة، يقوم أصحاب السخائم من زعماء الطائفية بشحن الشارع العربي برمته ضد الكرد في عموم العراق، بل وعدا عن زناخة ميليشياتهم راحوا يحرضون فوقها حتى دول الجوار لشد الخناق الاقتصادي على الإقليم وناسه، لذا فأمام هذه المعادلة وهذا الجحود الصلف لساسة بغداد، وبناءً على المقارنة بين الطرفين ألا يحق للمرء القول بأن موقف بعض ساسة بغداد ومؤآزريهم في الشرِ من الأنظمة الإقليمية هو عملياً أخسُ بكثير من فعل ذلك العقرب؟. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…