آزاد عنز *
أريد دولةً :
رددها الكُردي بعد أن تنفس الصعداء من باطن رئته اليمنى لم يجُهد رئته اليسرى لرشق المسامع الشريكة أو الجارة جملته المليئة بالحسرات و النكبات ، لا آذان شريكة ناصتة تسعف النطق المقذوف من الألسنة الكُردية المطالبة بدولة كُردية ، لا آذان جارة صاغية دافئة تدفئ كلماتك المستورة بالبرودة ، كلماتك المغطاة بالألم ، برد لسانك المنطوق سيبقى أبداً ما لم يحظى بآذان دافئة أو عليك أن تستعير آذان ناصتة للشريك أو الجار بل الصواب أن تستعير آذان صاغية للكون برمته كي يحيا النطق الكُردي المنزلق من الألسنة الكُردية ، و كيف لك أن تُرمم الإصغاء برمته في هذا الكون الكُلي ؟
لا جدوى من صُراخٍ يطلق العنان في الفراغ الشاغر ، ذاك الفراغ الذي يبسط أنامله في الجغرافية الكُردية المليئة بالمنافع ، منافعٌ ممتلئة يلتحفها فراغٌ شاغر ، كُردستان : الأرض الحلم ، الأرض الخيال ، الأرض الظلّ ، الجغرافية المتوارية عن الأنظار أبداً ، الرقعة الكُردية المهمشة ، الأرض التي نُحرت بعد الخديعة في المطبخ البريطاني الفرنسي و قُدمت وليمة عشاءٍ للعربيّ و التركيّ و الفارسيّ فنهشوا اللحم الطازج و ارتشفوا الدماء الكُردية حد الارتواء حتى شبعوا و بطروا النعمة و ركلوا مؤخرتها بعيداً لتبقى جثة مرمية على قارعة الطريق ، عظام غير مستورة لا تصلح إلّا للكبّ ، أيّ دفءٍ سيكسيكِ أيتها العظام الباردة ، و أيّ غطاء ؟كُردستان التراب المخدوع المُلحق أبداً ، ميراث الكُردي و ظلّ الكُردي و ظلّ أبيه و ظلّ ظلهِ ، كُردستان الأرض الحُبلى بالجبال برهان الكُرديّ على التشبث بيقين التراب ، كُردستان الأرض الخلاص التي أنجدت الكون برمته على كتِفيها بل الصواب على كتِفيّ الجودي ، الطور الشامخ أبداً ، الطور الذي حمل السفينة و عبء السفينة أثناء غضب الله على ملّة نوح فطغى السيل على الآدميّ و لم ينجيه إلّا الجودي ، الطور الكُردي الشامخ ، و لكن من سينجيك أيها الكُرديّ الغريق ؟
دولٌ رُمّمت على عجلٍ ، كياناتٌ ، رؤساء ، وزراء ، مواطنون ، دساتير ، قوانين ، زنازين لحجز الأفواه و الأدمغة ، حدود اصطناعية و غير اصطناعية ، و غير ذلك من مستحضرات بناء الدولة ، رُمّموا على عجلٍ و بقيت كُردياً تائهاً وحيداً كجبالك الوحيدة ، فكيف للشريك و الجار العربيّ أن يجيز لنفسه دولةً و للكُرديّ لا ؟ كيف للشريك و الجار التركيّ أن يجيز لنفسه دولةً و للكُرديّ لا ؟ كيف للشريك و الجار الفارسيّ أن يجيز لنفسه دولةً و للكُرديّ لا ؟ أليس من الإنصاف و الصواب أن تجيز لغيرك ما تجيزه لنفسك ؟ أم أن القضية برمتها صواب ناقص فيما يتعلق بالكُردي و رقعة الكُردي أم أن الكُردي لا يليق به كيان دولة ؟
أريدُ دولة : نطقها الكُرديّ مجدداً من أسفل حنجرته فتلقفتها أوتارٌ كُردية برؤوس أصابعها كي يحيا النطق بالعزف ، عزفٌ كُرديّ يطارد المقام و هذا العزف لا يحيا إلّا إذا تناولته أجساد الكُرديات ليرقصن طرباً على ترانيمه و تراتيله ، فالأكراد يرقعون الخيبات بالرقص و يرقعون الانتصارات أيضاً بالرقص ، ملّة لا تتقن إلّا العزف و الرقص كوطنها الجريح الذي يرقص طرباً على أنغام المدافع ، قطرات من البارود التركي في أسطوانة عربية و صاعق فارسي و هذا المزج لم و لن يتنفس الهواء إلّا على ترابٍ كُردية مضيافة ، فكيف للكُرديّ أن يبقى و هو لا يستضيف إلّا البارود .
* كاتب كُردي سوري