الاستفتاء بين أفعال PYD وأقوال ENK-S

إدريس سالم
إن إقليم كوردستان يبحث منذ سقوط النظام العراقي بقيادة صدام حسين عن تثبيت حدوده التاريخية وحقوقه الشرعية، قبل أن تجرفها صفقات الساسة وبنادق المليشيات ومصالح الدول، وسط حرب هدم حدود قديمة وبناء حدود جديدة المندلعة الآن في سوريا والعراق، ولم ينسَ الكورد أيضاً طعنات هنري كيسنجر “وزير سابق للخارجية الأمريكية“، وإيقافه للحركات الثورية التحرّرية في اتفاقية الجزائر عام 1975 «هل يتكرّر هذا السيناريو اليوم حيال مسألة بديل الاستفتاء؟»، لذا فبات واضحاً أن لعبة سحب الكراسي بين القوى الدولية المعادية لاستفتاء استقلال الإقليم وميليشياتها التي تحارب في العراق وسوريا قد بدأت بالفعل وبوتيرة متصاعدة «إيران تحتل الموصل، وتحكم العراق بعشرات الميليشيات»، 
وخاصة بعد أن صوّت برلمان إقليم كوردستان بالإجماع في أولى جلساته عقب تفعيله على إجراء الاستفتاء في موعده المحدّد، وسط مقاطعة متعمّدة من حركة التغيير والجماعة الإسلامية «الكتلتان أكدتا على حسم موضوع الاستفتاء عبر تفعيل البرلمان المعطّل، فلماذا غابتا عن أولى جلساته بعد التفعيل؟ وماذا تريدان؟»، بحجّة أن معظم المواقف والقرارات السياسية المصيرية تصدر في أروقة وقاعات الأحزاب، وتتناسيان أنهما تعملان بأوامر وتوجيهات خارجية، دون أن تدركا أن بناء أول حجر أساس لقيام الدولة الكوردية فوق أي اعتبار، حتى فوق حالة الفساد والمشاكل الداخلية المتعلقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية «التحزّبيات والمحسوبيات وإرضاء الأجندات لها الدور الجوهري في خلق الفساد وإثارة الفتن».
فيما اللعبة الثانية جاءت من الذين يحرّكون منظومة حزب العمال الكوردستاني، وعلى رأسها حركة حرية المجتمع الكوردستاني (KNK)، التي طالبت بمقاطعة الاستفتاء بنداء تحذيري من تداعيات الاستفتاء المستقبلية على الشعب الكوردي، يأتي هذا الموقف الخبيث والمخزي مع ترويج إيران أنها ستغلق حدودها، وتلويح تركيا إعلامياً بفرض عقوبات اقتصادية في حال نجاح الاستفتاء «تركيا تخشى من إغلاق معبر إبراهيم الخليل مع إقليم كوردستان، وإغلاقها للمعبر قد يسبّب أزمة بين كبار رؤوس الأموال والحكومة التركية»، فيما البديل الجاهز الذي تم إرساله إلى هذه الحركة المعادية لكل تطلّع وطموح كوردي، نصّ على تطبيق نظام في إقليم كوردستان على غرار النظام المطبّق في شنكال «نظام شكلي مؤقت وسيُعالج في الوقت المناسب» وشمال سوريا «الفيدرالية التي طرحها PYD مع القبائل العربية والمكونات الأخرى»، وأنه الضمان والبديل الوحيد لحقوق الكورد وجميع المكونات الكوردستانية «ما المقصود بالمكونات الكوردستانية، أهي من أفكارها الفلسفية أم التعليمات هكذا تقتضي؟».
في جزء آخر وتحديداً غربي كوردستان، حيث الصراع المستديم والعقيم بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي «لِـمَ يتلاعبان بعواطف وأحاسيس ومصير الكورد؟»، حيث لا قدرة لـ PYD على رفض أو اعتراض ما يؤمر به من أوامر وتوجيهات «لماذا يقبل أن يكون أداة بيد الغير؟»، وإنه من الحماقة أن يرفض أمر اعتقال العشرات أو المئات من مؤيّدي الاستفتاء، سواء كان هؤلاء المؤيّدين من أحزاب ENK-S، أو الأحزاب الخارجة عنه، أو حتى ممَن هم متعاطفون مع الإدارة الذاتية وزعيم حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان، ووضعهم في السجون دون أي تهمة تذكر، ولكن عندما يأتي دور المحقق الذي يعمل تحت مظلة وكلاء النظام السوري للتحقيق معهم، فإن التهمة ستكون واضحة وجاهزة، إما أنهم انفصاليون ويريدون اقتطاع جزء من الأراضي السورية، أو بتهمة العمالة لصالح الاستخبارات الإسرائيلية. 
والمصيبة تتفاقم وتتعقّد أكثر عند الأطرش الأعمى، صاحب المقولة الشهيرة والتي يردّدها في كل تفاصيل حياته «Bê serok jiyan nabe» أيّ “لا حياة بدون القائد“ ساكت أبكم على هذه الممارسات الشنيعة التي يرتكبها دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، «هل القائد يأمركم بأن تجرّوا خلفه كالقطيع؟ أستتوحّدون عندما يأمركم بالتوحيد مع العرب ضد الإرادة الكوردستانية؟ لماذا تقبلون بالتوحّد مع العشائر ضد قوت أبناء جلدتكم؟»، وبهذه الممارسات يكون دعاة الأمة الديمقراطية والفيدراليات الفارغة قد كشفوا عن موقفهم الرافض لعملية الاستفتاء، الموقف المتذبذب والمحيّر لدى الرأي العام، فأمام أنصارهم وفضائياتهم هم مع أي خطوة تلبي مطالب الكورد، وعلى الأرض كالأدوات الحادة يفتكون بكل مَن يؤيد الاستفتاء أو أي مشروع قومي. 
 
فالمتابع للتصريحات التي يدلي بها حزب الاتحاد الديمقراطي والممارسات التي ينفذها ضد خصومه يرى فيه الباحثَ عن مدخلٍ يمرّر من خلاله موقفاً حزبياً ضبابياً كنتيجة أولية، وهذا ما يفسَّر أن يلعب لعبته كالعادة، فهو ضمنياً ضدّ الاستفتاء «الاعتقالات الأخيرة تشهد بذلك» ولكن لا يعلن موقفه لكي لا ينحرج أمام مَن يتعاون معهم من الدول الإقليمية، وكذلك أمام أنصاره «تفجير دراجة نارية في قامشلو مثال نموذجي على رفض حلفائه للاستفتاء»، فيما جناحه العسكري “وحدات حماية الشعب“ فهو يرفض الاستفتاء، ليؤكد صدقيته وتمسكه بالعهود والمواثيق مع مَن يدعمه عسكرياً «الـ YPG تدخلت في حروب لا تعنيها كالرقة وقريباً دير الزور. لو واجه الإقليم أي تدخل عسكري فهل ستتدخل بشكل حقيقي وتدافع عن الوجود الكوردي؟».
في المقابل هناك مَن يراهن على تحسين أداء المجلس الوطني الكوردي، الذي طغى عليه حالة الولاءات والتحزّبيات العميقة وضرورة دعمه «على اعتبار أنه الإطار السياسي الوحيد الموجود على الساحة»، فهو إما واهم أو أنه يمارس السياسة بقلبه لا بعقله، فالمجلس لن يفعل شيئاً تجاه هذه الاستبداديات الموجّهة من الأطراف المعادية للكورد وتطلعاتهم، وليس بمقدوره فعل أيّ شيء، سوى بإصدار بعض من التنديدات والتهديدات عبر عويل البيانات والتصريحات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام «ENK-S ضد الاقتتال الكوردي – الكوردي، أما PYD فيشعله ولكن بأشكال وأساليب مختلفة ورهيبة»، فيما أنصار ENK-S أرى أنهم نسوا قضيتهم الأساسية والتهوا بتغريدات ومنشورات الناشطة المغربية مليكة مزان والناشط الإسرائيلي إيدي كوهين حول الحقوق الكوردية في الاستفتاء والاستقلال، وفتح العلاقات مع الشعب الإسرائيلي والأمازيغي «مليكة مزان نست قضية الأمازيغ والتهت بقضية الكورد من مبدأ العاطفة الفارغة وزاوية التحرّر الجنسي، فيما إيدي كوهين يلعب بمشاعر ناشطي الفيس بوك ويمرّر رسائل إسرائيل إلى دول المنطقة»، وانشغالهم هذا لهو دليل على نقص الوعي والإدراك السياسي، وأنهم يتعاملون مع قضاياهم المصيرية وفق الذهنية العاطفية وليس المنطق القائل أن الحقوق تؤخذ بالقلم أو البنادق ولا تعطى بقبلة أو لمسة. 
يبقى القول أن أفعال PYD عكس أقوالها، فهو أكثر حزب يدعو إلى الديمقراطية والحرية، لكن بالمقارنة مع الواقع هو أكبر مَن يمارس الديكتاتورية والقمع، فهو يقول بأن أي مكسب كوردي في أي جزء من كوردستان هو مكسب للأجزاء الثلاثة الأخرى، فيما ماكينته الإعلامية تروّج عكس الأمر، فهي حتى الآن لم تقم بتغطية أي حدث يخصّ الاستفتاء لا من بعيد ولا من قريب «لماذا إعلام PYD تجاهل تغطية مهرجان كولن للاستفتاء؟»، أضف أن سجونه ومعتقلاته مليئة بالسياسيين والمناضلين، ومشاريعه لا تتميّز بأي طابع كوردي، إذ يقنع أنصاره بأنه ضد النظام الأسدي وهو أكثر من قمع أنصاره ومعارضيه. 
أما ENK-S فهو ليس أفضل من PYD كممثل ومنقذ، فلو كانت الإدارة والقيادة من نصيبه لفعل مثلما يفعله خصمه بالشعب، وربما أكثر وأعنف، وجميع الذين تعايشوا مع أروقتهما سيدركان هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان الكثير من الناس. 
لقد كانت فعالية كولن الداعمة للاستفتاء بألمانيا محطة مهمّة في حياة الكورد السياسية، وكانت كافية لإيصال الرسالة للعالم، لكن المجلس الوطني لم تصله الرسالة، فأهمل قضيته، ونسي دوره في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية بشأن الأزمة السورية، وركض وراء تنظيم المزيد من المهرجانات في الدول الأوروبية وأيضاً لبنان وفي الإقليم نفسه «ENK-S كان سبّاقاً في تنظيم المهرجانات، لدرجة أن أثناء الاحتفالية كان غالبية مواطني الإقليم في أشغالهم وبيوتهم»، فلو بذل الجهد والوقت والمال الذي صرفه على بقية المهرجانات الأخرى من أجل دعم القضية الكوردية في غربي كوردستان ودعم كتلته السياسية في المعارضة السورية لتقدّم كثيراً، وخفّف الكثير من المعاناة عن الناس، فلو صرف ذلك للتعريف بالممارسات القمعية التي يقوم به PYD لاستطاع تقديم ملف عن ممارساته بحق الشعب والأحزاب للمحاكم الدولية، وسحب البساط من تحته أمام الرأي العام الدولي، إذاً فالاستفتاء من خلال أفعال PYD وأقوال ENK-S ينحصر فقط بإثبات وجودهما في الساحة وعلى حساب الشعب. 
أخيراً، إن المواقف المحلية الخبيثة المرتبطة بمواقف الأجندات الدولية التي استعرضتها تشير إلى أن الخلاف على مسألة إقليم كوردستان ليس شأناً محلياً فحسب، فالخطوة التي اتخذها برلمان إقليم كوردستان سوف تكون وسط محيط إقليمي من الدول التي تضم المكون الكوردي كإيران وسوريا وتركيا، وكل دولة من هؤلاء لديها من المواقف المتضاربة مع الكورد ما يكفي لإشعال فتيل الحرب وبداية حلقات من الصراع لا تُحمد عقباها، إذ أن هذه المواقف والتصريحات والممارسات المتناغمة والمرافقة لتصريحات أعداء الكورد وخاصة القم الإيراني في العراق والميليشيات الشيعية التي يديرها نوري المالكي «الرجل الذي سلّم الموصل لداعش» دليل كبير على دخولهم في عملهم وسياساتهم حتى العمق، وتوجيهها وفق مصالحها ومصالح حلفائها، وبذلك هم يروّجون للتخوّف ويرسّخون للجبن، وينصاعون لمطالب وأوامر مَن يدعمهم بالمال والسلاح ويديرهم بالقرارات والمواقف «على المواقع الافتراضية يروجون بدعمهم للاستفتاء، وعلى الأرض لا وجود لهم إلا بزرع الفتن والفوضى بين الناس»، لكن على هؤلاء الذين يحاربون قيام الدولة الكوردية وإعلاء شأن قوميتهم ألا ينسوا أن التاريخ سيحاسبهم على خياناتهم وحماقاتهم، وأنهم زائلون بشكل أو بآخر، فكل مَن يشرعن على أن زمن القوميات قد ولّى فهو سياسي أحمق، وشرعنته مجرّد تنفيذ الأوامر والتوجّهات.
كاتب وصحفي كوردي
kayaritasalem@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…