هل استقلال كردستان مرتبط بكركوك؟

هوشنك اوسي
إحدى أبرز المشاكل والعقد التي اعترضت الاتفاق المبرم بين الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني والحكومة العراقية في 11/3/1970 كانت مدينة كركوك. وهنالك تفاصيل كثيرة بهذا الخصوص، لا تتسع هذه الأسطر لذكرها. بعد مرور 21 عام على ذلك الاتفاق، أيضاً تقرير مصير كركوك كانت النقطة التي اعترضت المفاوضات بين النظام البعثي والكرد سنة 1991. وبعد سقوط نظام صدام في نيسان 2003، وسيطرة الكرد على مدينة كركوك نهائياً، لكنهم لم يتعاملوا مع قضية هذه المحافظة الكردستانية المتنازع عليها بمنطق وضع اليد وفرض الامر الواقع، بل أرادوا أن يتم حلّها وفق القانون، على أن الحكّام الجدد في العراق لن يكونوا نسخة طبق الاصل عن النظام البعثي البائد. هكذا كان انطباع وأمل الكرد في شركائهم وحلفائهم العرب العراقيين، وقتذاك. ونجح الكرد في تثبيت الحلّ في المادّة 140 من الدستور العراقي والتي تقضي بإجراء استفتاء في المحافظة ومناطق اخرى متنازع عليها لمعرفة، لرأي وموقف السكّان وهل يريدون الانضمام الى إقليم كردستان الفيدرالي؟ أم البقاء ضمن سيطرة الحكومة المركزيّة؟. وطبقاً للسقف الزمني المحدد لانجاز هذه المادّة، كان من المفترض التطبيق والانتهاء منها سنة 2007.
ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي كانت كخواتم في أصابع طهران، ماطلت واستمرت في التسويف ولم تلتزم بتعهداتها حيال الجانب الكردي. وبعد 2008، بدأت أصوات تصدر من الجانبين الشيعي والسني تنادي ببطلان المادة 140، بسبب انتهاء صلاحيّتها، على أنه كان من المفترض أن يتم تطبيقها في 2007، ولم يتم ذلك. وعليه، فالمادة استنفدت صلاحيتها، وسقطت بالتقادم، ولا بدّ من شطبها نهائيّاً من الدستور العراقي!. وعليه، عبر استخدام إعطاء الوعود والعهود للكرد ثم المماطلة والتسويف والتمييع وهدر الزمن…الخ، تم خداع الكرد من قبل حكّام العراق الجدد، تماماً كما خدعم نظام صدام حسين – أحمد حسن البكر سنة 1970.
مناسبة هذا الكلام، هو طرح تساؤل: هل يمكن تحقيق حق وهدف وحلم الدولة الكردية بدون كركوك، على اعتبار ان الكثير من النخب والحكومات العراقيّة والعربيّة كانت تثير وتكرر كلاماً من قماشة: “إن إصرار الكرد على ضمّ مدينة كركوك الهدف منه إقامة دولة كرديّة”. وفي سياق الإجابة على ذلك التساؤل، باعتقادي؛ نعم، يمكن إقامة دولة كرديّة بدون كركوك. لماذا؟. لأن الكرد إذا تحوّلوا إلى دولة مستقلّة، بإمكانهم العمل بشكل أكبر وأفضل وأكثر فاعليّة في موضوع ومسألة كركوك وعرضها على المجتمع الدولي والمحافل الدوليّة. ذلك أن القوّة الوثائقيّة والقانونيّة التي يمتلكها الكرد (نتائج إحصاء 1985، الوثائق العثمانيّة، اتفاق 11 آذار 1970، المادة 140 من الدستور العراقي…) بالإضافة إلى القوّة الإداريّة والعسكريّة والسياسيّة والبشريّة الكرديّة الموجودة في كركوك، كل ذلك من شأنه تعزيز الموقف الكردي في كردستانيّة كركوك دوليّاً، لاحقاً. طبعاً، في حال كان الكرد دولة مستقلّة، وليسوا إقليميّاً فيدراليّاً في دولة مستقلة، كحالهم الآن. ذلك أن لغة الدول الكبرى والمؤسسات الدوليّة ستتغيّر في التعامل مع الكرد وكردستان في حال اصبحوا دولة مستقلة. فالعالم الآن دائماً يقول: “نأمل أن يتم حلّ المشاكل العالقة بين اقليم كردستان والمركز بالحوار بين بغداد وهولير/اربيل”. ولكن في حال أصبحت كردستان دولة مستقلّة، سيقولون: “نأمل ان يتم حل كل المشاكل العالقة بين الدولتين الجارتين بالحوار والسبل السلميّة”. فضلاً عن أن الوضع القانوني الدولي لكردستان سوف يتغيّر من إقليم لا وجود له في الامم المتحدة حتى على مستوى عضو مراقب، إلى دولة مستقلة وعضو أصيل، له كل حقوق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
معطوفاً على ما سلف، من المؤسف القول: إن الجانبين العربيين؛ السنّي والشيعي، تمرغا في دماء بعضهم البعض، وباتت هنالك استحالة ترميم ما تم اتلافه. وليس مطلوباً من الكرد الانتظار 1400 سنة أخرى، ضمن دولة مشلولة وفاسدة، حتى يتم حلّ المعضلة التاريخيّة بين الشيعة والسنّة. من جانبٍ آخر، إذا تم ترك كركوك، ولو بشكل مؤقّت، وعدم ضم المحافظة إلى دولة كردستان، بشكل فوري، فهذا سيفتح باب الصراع مجدداً بين الشيعة والسنّة على تابعية كركوك. ولن ينجح أي طرف في الاستحواذ عليها. وفي النهاية، سيصار إلى إعادتها إلى دولة كردستان، لأن الجانب السنّي صراعه مع الكرد هو صراع حدود، ولكن صراعه مع الشيعة هو صراع وجود. وهذا ما عبّر عنه “التيّار السنّي” في العراق بشكل واضح وصريح لا لبس فيه. وفي حال وضع السنّة بين خيارين؛ الكرد أم الشيعة، سيختارون الكرد. وإن لم يفعلوا ذلك، “سيتعرّضون للإبادة من قبل إيران”. بحسب تعبير أحد قادة التيّار المذكور في فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي. 
الهدف والمغزى من هذه الاسطر، هو أن موضوع الاستقلال يكتسب اهميّة استراتيجيّة أكبر من أهميّة ضمّ كركوك للدولة المستقلّة المرتقبة. وأرى أنه من الأفضل التركيز على تحقيق الاستقلال بالدرجة الأولى. وفي حال تحقق الاستقلال، فسيجلب معه أو سيساهم في إيجاد حلّ لمشكلة كركوك لاحقاً. وإثارة موضوع كركوك الآن، ربما يخلق مشكلة إضافية للمشاكل التي تعترض عملية الاستقلال والتحوّل إلى دولة. كما ذكرت، يمكن لكرد العراق تأجيل حل مشكلة كركوك قليلاً، لحين الانتهاء من ترتيبات الاستقلال. مع الحفاظ على الوجود القوي والفاعل والأصيل في كركوك، وعدم نيسان هذه القضية، أو جعلها أُضحية على مذبح الاستقلال. لا. ولكن، الاشتغال على موضوع كركوك بمزيد من الهدوء والروية والتخطيط. كون هذه المدينة ليست كردستانية او عراقية وحسب، بل تتقاطع فيها مصالح دوليّة أيضاً. وبالتالي، يمكن لكردستان أن تعلن استقلالها بدون كركوك حالياً. لأن الحق الكردي في الاستقلال وتشكيل الدولة غير مرتبط بوجود كركوك من عدمه. يعني، لو لم تكن كركوك موجودة، فهل هذا مبرر كافٍ لأن يتخلّى الكرد عن حق إعلان الدولة؟!. قطعاً لا.
إذا كان هنالك دولة كردية تحت شمس الشرق الاوسط والعالم، وتكون عضو في الامم المتحدة، من الطبيعي أن يكون لها مشاكل حدودية مع دول الجوار. ويمكن اعتبار كركوك أو شنكال ضمن هذه المشاكل الحدودية بين دولة كردستان ودولة العراق. وفي حال رفض الأخير حل هذه المشكلة بالحوار والسبل السلميّة، يمكن لدولة كردستان رفع هذه القضية إلى الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، كما ذكرت آنفاً. وهذا ما لا يمكن أن يفعله إقليم كردستان، طالما بقي ضمن دولة العراق.
كذلك يمكن ان يجد المجتمع الدولي حلاً خاصّاً بمدينة كركوك، بحيث تكون غير خاصة لسلطة دولة العراق أو لسلطة دولة كردستان. وأن تكون لها سلطتها الخاصة، تحت الوصاية الدوليّة مثلاً، كمرحلة انتقالية، وإجراء استفتاء عام فيها لمعرفة رأي وموقف سكّان المحافظة وهل يريدون البقاء في دولة العراق أو ضم محافظتهم إلى دولة كردستان؟.
مجدداً أكرر: آمل ألا يفهم كلامي هذا على نحو خاطئ، بأنني أدعو إلى تناسي كركوك، أو أن يصبح تقرير مصير هذه المدنية أداةً في البازار السياسي بين بغداد وهولير/ أربيل والمجتمع الدولي. ما أودّ التأكيد عليه هو أنه على الكرد بذل قصارى جهدهم لتذليل العقبات والتقليل من المشاكل التي تعترض عملية الاستقلال. ذلك أن الدولة الكردية المستقلة ستفتح طرق الحل السلمي أمام الكثير من القضايا والمشاكل الكردية العالقة، داخل وخارج العراق.
عن موقع قناة كردستان 24
http://www.kurdistan24.net/ar/opinion/151290d9-b896-4852-9064-1661ede49e57

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…