الفكاك من تحمُّل المسؤولية

صبري رسول
السؤال الملحّ الذي يستفزُّ بريقُهُ ضميرَ كلَّ كرديّ في سوريا وبات مشروعاً طرحُهُ الآن: مَنْ يتحمَّل مسؤولية خروج الكُرد السوريين من ركام الحرب بلا أدنى حقوق؟
يحملُ الكرديّ السّلةَ فارغةً من أي غلال بعد إن دفع الغالي والنفيس متّجهاً إلى نهاية الحرب، حصدَ من سنواته الأدخنةَ والفقر والتشرّد. لاننكر أنّ الشعب السوري كلّه دفع الثمن، كأفراد وجماعات في المدن والأرياف؛ لكن، في نهاية هذه الحرب القذرة سيعودُ كلّ شخصٍ إلى بيته ولملمة جراحه، هنا الحديث عن الكرد كقومية وليس كأفراد. ماذا حقّقوا ؟ من يتحمل مسؤولية الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، وضياع المسألة الكردية؟
يعرف الجميع أنّ المجلس الوطني الكردي استقطبَ شرائح اجتماعية وشبابية ونسائية واسعة أثناء اجتياح المظاهرات المدن والبلدات الكردية، وكانَ يشكّل القوةَ السياسية والاجتماعية التي تمثّل الكُرد في سوريا، أما (ب ي د) ومجلسه الشعبي فلم يكن يشكّل شيئاً أمامه ، فكان يطلب تمثيل 30% من المجلس الذي منحه 10% كسائر الأحزاب، إلا أنّ التفاهمات العسكرية بين (PKK) والنظام أدّت إلى تقوية جناح الأخير وتسليمه المناطق الكردية مقابل قيامه بقمع المظاهرات وتصفية قوة المجلس سياسياً وعسكرياً والتحكّم بالشعب الكردي ومناطقه بقوة السلاح، فأراد (ب ي د) من اتفاقية هولير ربط المجلس وقواه السياسية بالعسكرة ومدّ (ي ب ك) بالشباب، لصالح النظام قبل كلّ شيء. الاتفاقية تلك كانت مدخلاً إلى تصفية القضية الكردية بآلية غفل المجلس عنها، وتواطأ بعض أحزابه مع (ب ي د) والنظام لنسف وجوده كاملاً.
امتلك المجلس قوةً شعبية ما يكفي لشقّ طريقه لامتلاك القوة العسكرية والاقتصادية وتغيير المعادلة على الأرض، لكن، كان ذلك يتطلب اتّخاذ قرارات جريئة ومدروسة، لم ترتقِ القيادة السياسية إلى مستوى دراسة القرارات واتخاذها بمسؤولية لإنقاذ الوضع الذي اتّجه إلى الانحدار الكارثي نهاية 2012م، والسبب يكمن في عدة أمور:
– كانت بعض أحزاب المجلس متواطئة مع مشروع (ب ي د) لارتباطه المباشر مع النظام بعد نجاته من عدم التدخل المجتمع الدولي لإسقاطه كما في ليبيا.
– وجود قياداتٍ ضعيفة سياسياً وفكرياً وثقافياً لم تمتلك الجرأة في لعب دورها والقيام بمسؤولياتها القومية، لجأت إلى الاحتماء بمفهوم «النّأي بالنفس» والابتعاد عن الشرّ.
– عدم إخلاص قيادات عدة في المجلس للمشروع القومي، والتظاهر بالحيادية والعمل لتوحيد الصّف الكردي، ولم تنقطع اتصالاتهم مع الجهات المتحكمة بالمنطقة.
– الهروب، الاستسلام، التخاذل، التماهي مع مشاريع النظام، عناوين اختزلت نضال الكثيرين منهم.  
المسؤولية تتحمّلها قيادتا المجلس الوطني الكردي، وتف دم بأحزابهما وشرائحهما المختلفة أولاً، وكذلك النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية خارج الإطارين.
—————————   
جريدة كردستان: 1/9/2017م  العدد 567 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…