الكُرد في الموسوعة العربية: السورية

ابراهيم محمود
في المركز الذي أعمل فيه ” مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية، جامعة دهوك ” تصفحتُ المجلد السادس عشر من الموسوعة العربية  السورية الصادرة عن رئاسة الجمهورية” هيئة الموسوعة العربية ” في دمشق 2000، وهي عبارة عن مجلد ضخم، أنيق وملوَّن في ” 900 ص ” ونيف من الورق المصقول والناعم ، ما لفت نظري هو وجود مادة تحمل اسم ” الكُرد ” فيها، قرابة ثلاث صفحات ” 151-154 “، كاتبها الباحث والأركيولوجي الكردي السوري المعروف البروفيسور الدكتور فاروق اسماعيل. لم تخل المادة من دقة ووضوح وتكامل نقاط بحث معَدٍّ للموسوعة، سوى أن هناك ما يجب التوقف عنده، أحسب أن اسماعيل لم يشأ الخوض فيها لأسباب سياسية وأمنية، ونقاط أخرى لا صلة لها بالسياسة والأمن إجمالاً.
إنما قبل كل شيء، وبغية إنارة الفكرة هذه، لا بد من التأكيد على نقطة رئيسة، وهي أن مجرد نشر مادة بهذه الطريقة وتحت عنوان ” الكرد ” يُعد عملاً أكاديمياً ومعرفياً جسوراً، وفي بلد يتنكر للكثير من الحقوق السياسية والثقافية للكرد الذين يعتبَرون ” أكراداً ” كغيره من البلدان المتقاسمة لكردستان، فالسرد التاريخي والجغرافي والقِدَم التاريخي للكرد إلى جانب لائحة تاريخية بإماراتهم في العصر الوسيط فالحديث تالياً، وثوراتهم الداعية إلى كيان سياسي كردي، وتنوع لهجاتهم، ومن ثم خيبة آمالهم بتحقيق كيان سياسي لهم إثر معاهدة ” لوزان ” المشئومة 1923،  ثم سرد آخر بأعلام لهم، من فقي طيران، إلى كُوران، وفنانين وسينمائيين، كان دقيقاً إلى حد ما، ودون نسيان توزعهم كمجموعة عرقية بين أربع دول وتواجد أسر كردية في مدن كثيرة مثل دمشق وغيرها.
ما الذي يمكن إثارته من ملاحظات حول ما تقدَّم ؟
أولاً، من المؤسف أن البروفيسور الدكتور فاروق اسماعيل، وهو ضليع في العربية لغةً ودلالات، لم يتنبه إلى خطورة  مفردة مثل ” أقلية ، ص 151 “، بقوله عن الكرد بأنهم ” أكبر أقلية عرقية في كل من تركيا وإيران والعراق وسورية”، ذلك يجرّدهم من كل حضور قومي وشعبي وأمّتي ” من الأمة “. أما كان في وسع استخدم ” أكبر مكون بشري موزع بين….الخ “؟ أو  ” مجموعة بشرية عرقية موزعة بين…. “؟ أم علينا الحديث هنا عن إرادة المعرفة الدقيقة؟
ثاثياً، لا بد من تغيير النظرة إلى عبارة” الفتوحات العربية الإسلامية ” والتي يرددها المعنيون بها بالمفهوم العروبي أو الإسلامي العربي القومي، لأن ما جرى كان غزواً، وهذا ما ينبغي التركيز عليه، وفي ضوء الدراسات الحديثة بامتياز، بصورة أكثر.
ثالثاً، لحظة الحديث عن الإحصاء الموجه في سوريا سنة 1962، سعى اسماعيل إلى التخفيف من هذا الإجراء إضافة إلى خطأ ” ليس مطبعياً قط “، وإنما له صلة بموقف الكاتب وموقعه وهو يقول إثر حديثه عن زعم ” معالجة نتائج التعداد السكاني لعام 1960 ” ما هو مؤسف له بمحتواه جهة خطورته ” أما الأكراد المولودون في سورية فهم سوريون من كل الوجوه بموجب القوانين السورية النافذة. ص 153 “. لا أدري هل كتب اسماعيل عبارته هذه، وهو واعٍ لخطورتها، لعدم صحتها كلياً؟
رابعاً، بالنسبة للأدب الكردي، ما يعرَف عموماً هو أنه يرجع إلى القرن العاشر الميلادي، لكن التبحر في هذا المجال يعرّفنا بأصول أقدم، حتى ما قبل الإسلام، وجرى طمس هذا المَعلم لأسباب ” سياسية ” محضة، وبلغات آخرين.
ضمناً، كان ينبغي التذكير بعلم أدبي: شعري أكثر حضوراً في العالم العربي، إلى جانب عبدالله كوران، أي شيركو بيكه س في إقليم كردستان العراق،  محمد اوزون في كردستان الشمالية، عدا عن غرابة التذكير بعزيز نسين واعتباره كردياً في تركيا ” ص 153 “..
وفي سوريا، أما كان سليم بركات جديراً بالتذكير أدبياً، وبشار العيسى في الفن؟ أم تراها نزعة التقية السياسية هنا؟
خامساً، بصدد المراجع، أما كان هناك مراجع أخرى غير إشارة اسماعيل إلى الفارسي حسن عرفة، كأن يشير إلى لازاريف، توماس بوا، باسيل نيكتين…الخ؟
ثمة سؤال يطرَح في الختام المفتوح: كيف يقرأ البروفيسور والدكتور فاروق اسماعيل الآن ما بثه من معلومات في مجلد لا يعترف فيه أولو أمره به إلا بصفته منتمياً إلى أقلية عرقية، وليس مواطناً سورياً فعلياً بالمفهوم المدني ؟
دهوك، في 30-8-2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…