المعارضة السورية في نفق مظلم

علي شمدين
في (22/1/2014) وخلال ترأسه الوفد الكردي إلى مؤتمر جنيف2، ناشد الأستاذ عبد الحميد درويش في مداخلته المبعوث الدولي آنذاك الأخضر الإبراهيمي الذي كان يهدد بالاستقالة من عمله احتجاجاً على سير المفاوضات ومستواها، أن يبذل جهده من أجل إنجاز الحل السلمي المنشود وعدم ترك البلاد فريسة بين أيدي تجار الحرب في جبهة المعارضة، وأمرائها في جبهة النظام، فهما ليس من مصلحتهما إيقاف هذه الحرب التي لايدفع ضريبتها إلاّ الشعب السوري، مؤكداً بأنه لايمكن لحوار أن ينجح بالشتائم والإقصاء.
لاشك إن المتابع لمسار الأحداث في سوريا خلال هذه السنوات السبعة التي عاشتها البلاد من دمار وخراب وتهجير، بات يدرك بسهولة حقيقة هذه المناشدة المخلصة ولكن بعد فوات الآوان، ويرى بإنه ليس هناك أيّ بصيص من الأمل في نهاية النفق الذي أدخل فيه الشعب السوري مخدوعاً بشعارات الحرية والكرامة التي خرج من أجلها سلمياً إلى الشارع منذ (15/3/2011)، ليزج به ومن حيث لايدري في أتون حرب أهلية طاحنة لم توفر الأخضر واليابس.
وعلى ضوء التحضيرات الأخيرة الجارية في الرياض والآستانة لتوحيد وفد المعارضة وإعادة صياغة خطابها بما يتلائم والمتغيرات السياسية والتطورات الميدانية على جبهتي الصراع القائم، من اجل تحرير اجتماعات جنيف من دوامة النقاشات العقيمة التي لم تنجح بعد سوى في سرقة الزمن لصالح الجهات المستفيدة من إستمرار هذا الصراع، فقد باتت شروط ما تسمى بالمعارضة للحوار المباشر مع النظام مرفوضة من جانب المجتمع الدولي والإقليمي، كما بات مكشوفاً للرأي العام الوطني التناقض المميت الذي تعيشه هذه المعارضة المتشتتة في مطالبتها الحوار مع النظام ورفضها في الوقت نفسه الجلوس معه وتشبثها برحيله.
لاشك بأن هذا التناقض في مواقف المعارضة لم يأت من فراغ، وإنما بسبب اختطاف ثورة الشعب السوري المسالم من جانب الفئات العروبية الشوفينية والاسلامية المتطرفة، التي دفعتها بمهارة نحو طريق مسدود عبر ممارساتها السياسية المرهونة بأجندات الدول الخارجية الممولة لها، وبتصرفاتها الميدانية المحكومة بإرادة المجاميع الإسلامية المسلحة التي خيبت آمال الشعب السوري في هوية الدولة القادمة وحصرها في الهوية الاسلامية العروبية وفقاً لوثيقة المعارضة التي قدمها رئيس هيئة التفاوض رياض حجاب في لقائه بمجموعة دول الاتصال في لندن بتاريخ (7/9/2016)، وتنكرها للمكونات القومية والدينية الأخرى وفي مقدمتها الشعب الكردي الذي يشكل ثاني أكبر مكون قومي في البلاد، وترسيخها لشكل الدولة المركزي ورفضها التعايش المشترك في ظل نظام إتحادي فدرالي يحقق الحرية والعدالة والديمقراطية لعموم الشعب السوري بمختلف مكوناته القومية والدينية، بعيداً عن سياسات القهر والظلم والتمييز. 
  ومن هنا وللخروج من هذا النفق المظلم، وتحقيق طموحات الشعب السوري في بناء نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي يضمن له الحرية والكرامة بعيداً عن الشعارات الخلبية والعنتريات الفارغة، لابديل عن الضغط باتجاه القبول بانطلاق اجتماعات جنيف وإيقاف هذه الحرب المجنونة من دون شروط مسبقة، وذلك من خلال إخراج زمام المبادرة من بين يدي المتطرفين والشوفينيين والمجاميع الإرهابية المسلحة التي تتلاعب بمصير هذا الشعب الأعزل، وإعادة تركيب صفوف المعارضة الوطنية من جديد وتوسيع مشاركة المكونات القومية وتمثيلها فيها بشخصيتها الإعتبارية المستقلة المعبرة عن حقيقة وجودها التاريخي ودورها الميداني المؤثر، وخاصة المكون الكردي الذي بدونه لايمكن لهذه الأزمة أن تأخذ طريقها إلى ايّ حل ديمقراطي عادل.
29/8/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…