الكورد لن يعادوا إسرائيل، ولا يعادون العرب

إدريس سالم
«عندما قسّمت كوردستان بين أربع دول ديكتاتورية، لم تكن إسرائيل موجودة بعد في الشرق الأوسط. أنعادي إسرائيل الداعمة لكوردستان ونكسب من جديد ديكتاتورية هذه الدول؟»
هناك شعور متبادل بين الكورد وإسرائيل حيال إيمانهما المشترك تجاه الواقع المُفتت والصراع المَرير في الشرق الأوسط، وتعرّض الشعبين لعدوان مقيت مماثل من دول إقليمية، عدا أن الطابع العلماني المدني الكوردي رغم غالبيتهم السنّية، فإن للقيم العلمانية في الحياة السياسية والاجتماعية أولوية عن المعتقدات الدينية، لذلك فإن رفع علم إسرائيل خلال مهرجان الاستقلال بكولن لم يخلّف أيّ استياء كبير لأحد، ولم يكن استخفافاً بمشاعر الشعب الفلسطيني، فالكورد وقفوا طوال مسيرة حياتهم ضدّ الظلم والقمع، وغالبيتهم ومن مبدأ أخلاقي يتضامنون مع القضية الفلسطينية كقضية شعب له إنسانيته وكرامته وحقوقه. 
أتساءل: 
لماذا يحقّ للعربي السوري المعارض للنظام الأسدي أن يرفع علم تركيا «مَن قتل عشرات الآلاف من الكورد هي الدولة العثمانية وتركيا العلمانية بقيادة أتاتورك وحكوماتها المتعاقبة» وصور رئيسها رجب طيب أردوغان دون أن يحترم مشاعر الشعب الكوردي الذي قتل الآلاف منه تحت هذا العالم؟ ولماذا يحق للعربي السوري المؤيّد للنظام الأسدي أن يرفع علم إيران دون مراعاة مشاعر الكورد الذين يعدمون يومياً في إيران تحت هذا العلم فقط لأنهم كورد، بينما لا يحق للكوردي الإسرائيلي أو من أي بقعة أخرى من كوردستان أن يرفع علم إسرائيل التي أعلنت وتعلن دعمها للكورد؟ 
ثم ماذا فعلت إسرائيل بالشعب الكوردي حتى يتم معاداته كرامة واحتراماً بالقومية العربية التي مارست أبشع الممارسات والانتهاكات بحقهم «أنسي العربي السوري مشروع محمد طلب هلال الخاصّ بالحزام العربي؟ أيستطيع العربي العراقي أن يتجاهل وينسى مجزرة حلبجة والأنفال التي نفذها نظام صدام حسين البعثي؟ لماذا لا يتضامن السوري والعراقي ضدّ الإعدامات الميدانية الجماعية التي يقوم بها أتباع الخميني في إيران ضد الشباب الكورد؟!!». 
هل ارتكبت إسرائيل أي مجزرة كيماوية أو إبادة جماعية أو إعدامات ميدانية، أو نفّذت مشاريع التغيير الديمغرافي والتهجير القسري بحق الكورد؟
أهل الكورد مَن يوقّعون اتفاقيات لحماية إسرائيل وأمنها القومي ضد فلسطين العربية التي يحتلها ضمنياً حكّام وملوك العرب، ويساومون على قضيتها وحياة أبنائها؟
شعب يكنّ للكورد كل الاحترام والسلام، فلما يكنّ له الحرب من مبدأ أنه يحتلّ فلسطين؟
هذه الأسئلة والكثير منها هي برسم الإجابة للعرب الذين يشعرون بالغيظ لأن علم إسرائيل رفع بالأمس بجانب العلم الكوردستاني، وأيضاً برسم بعض الكورد الذين يخجلون من رفع هذا العلم، ويعتذرون لإخوتهم العرب عن رفع هذا العلم «العرب عندما تضيق عليهم الفواجع والكوارث يتدكّرون الكورد كإخوة لهم، وليدركوا أنهم لن يستطيعوا بعض اليوم التلاعب بعواطفهم»، لذا فالقضية باتت واضحة «الكورد غير مجبرون بمعاداة إسرائيل لكسب العرب الديكتاتوريين بغالبيتهم الساحقة»، ولا تحتاج إلى كل هذه المشاحنات والمزاودات الوطنية الفارغة، والتي الهدف الأول منها التلاعب بعاطفة الكورد وزرع الفتنة بينهم، وتفرقتهم هنا وهناك. 
هناك نقطتان، لا بدّ لي من الإشارة إليهما، الأولى: قد يكون الذي حمل علم إسرائيل حمله من باب العاطفة أو الحماسة أو التضامن أو التهوّر والغباء، أو ربّما يكون حامله كوردي يهودي، رغم أن هناك ناشط سياسي أعرفه جيداً وأخبرني بأنه حمل العلم من باب احترامه وإعجابه بالشعب الإسرائيلي، وله علاقات صداقة مع بعض الشباب الإسرائيليين في ألمانيا. 
النقطة الثانية: موقف المملكة العربية السعودية الداعم للاستقلال واضح جداً، فهو مبني على رفضها ورفض الكورد لتمدّد الهلال الشيعي الإيراني في سوريا والعراق واليمن، ناهيك عن عدم إرتياح إسرائيل أيضاً من تواجد إيران في تلك البلدان لكثير من الأسباب، لكن علينا ألا ننسى أن لإسرائيل مواقف مشرّفة مع الكورد في حروبهم ضد النظام العراقي، وأرى أن هذه المواقف ستستمر ببناء علاقات الصداقة المباشرة بين الشعبين أو البلدين في المستقبل، أضف إلى ذلك أن المملكة السعودية هي جزء من منظومة جامعة الدول العربية التي ترفض وتحارب قيام أي كيان كوردي في الشرق الأوسط. 
أخيراً.. إن الكورد مع أيّ موقف داعم لاستقلالهم وبناء دولتهم بالأساليب الحضارية، سواء على صعيد العلاقات أو المصالح، فإسرائيل ليس لها أي مجازر أو انتهاكات ضد الكورد على خلاف العرب والأتراك والفرس الذين مارسوا ضدهم كل أشكال الإرهاب والممارسات العنجهية، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه كربط في بعض الجوانب بقضية رفع العلم الإسرائيلي في احتفالية كولن للاستقلال «لماذا كانت الماكينة الإعلامية للمنظومة الآبوجية غائبة عن تغطية هذا الحدث الكوردي الأول من نوعه على مرّ التاريخ؟ إن كان ردّهم أن هذا شأن خاصّ بأبناء جنوب كوردستان ولا علاقة لهم به، فلماذا غطّوا بمواقعهم وإذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم انتخابات البرلمان التركي عندما شارك الكورد فيها على قائمة حزب الشعوب الديمقراطية، وكذلك انتخابات الرئاسة التركية ومنافسة صلاح الدين ديمرتاش لرجب طيب أردوغان؟».
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…