في حكاية تغيير العلم الكوردي والنشيد

د. ولات ح محمد
    صرح رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني بأنهم في دولة كوردستان المنشودة سيعملون على تغيير العلم والنشيد الوطنيين بحيث تعبران عن كل مكونات كوردستان. وكالعادة تحولت المسألة بين الكتاب الكورد إلى موضوع للخلاف حيناً وللمزايدات حيناً آخر وللاستغراب حيناً ثالثاً، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة للجميع. ولأن المسألة لا تحتاج إلى بحث عميق فإننا سنكتفي بالإشارة إلى مجموعة من النقاط بهذا الخصوص للتدليل والتوضيح:
1- كثير من الدول القائمة فعلاً والعريقة قد قامت تقوم بتغيير نشيدها أو علمها لأسباب معينة، خصوصاً بعد أحداث أو تحولات مفصلية في تاريخها كالثورات مثلاً أو تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري… إلخ، فعلى سبيل المثال غيرت إسبانيا نشيدها الوطني ثم عادت إلى الأول مرات عدة حتى استقرت عليه عام 1939م. 
قبل عامين قامت نيوزيلندا بتغيير علمها لأن أبناءها وجدوا تشابهاً كبيراً بينه وبين علم أستراليا، ولأن فيه رمزاً يذكرهم بالماضي الاستعماري. وفي العراق بعد صدام غير العراقيون شكل علمهم بإزالة النجمات التي تشير إلى حكم البعث وتغيير عبارة “الله أكبر” من خط يد صدام حسين إلى الخط الكوفي عام 2008م. أما مصر فقد غيرت علمها ثلاث مرات والعلم الحالي استقر فقط عام 1984م. أما العلم السوري الحالي فيعود تاريخه إلى عام 1980م فقط. وفي مملكة البحرين يعود تاريخ العلم إلى عام 2002م. في ليبيا غير القذافي العلم عندما انقلب على الملكية، ثم عاد الليبيون إلى علم المملكة عندما أزاحوا القذافي. في أفغانستان أعادت السلطات علم النظام الملكي بعد الإطاحة بنظام حركة طالبان التي كانت قد غيرت العلم بدورها. (يذكر أن أفغانستان غيرت علمها 25 مرة في تاريخها). وفي هذه الأيام تعتزم موريتانيا تغيير علمها كذلك، وربما غيرت فعلاً، والقائمة تطول. وفي يوليو تموز الماضي طلبت تركيا من قطر تغيير علمها بحيث يصبح مشابها للعلم التركي. وقد يكون التغيير أحياناً بقرار من الرئيس فقط.
   يحصل كل هذا في  دول قائمة فعلاً على أرض الواقع، فما بالك بدولة ستقوم؟!.. 
2- العلم الكوردي الحالي هو علم للكورد فقط، وإقليم كوردستان (دولة المستقبل) فيه قوميات أصيلة أخرى (من تركمان وعرب وكلدوآشوريين) وليست وافدة. وكوردستان القادمة ستكون دولة ديمقراطية ولكل مكوناتها. ولذلك ينبغي أن تعبر الرموز الوطنية (كالعلم والنشيد) عن الجميع وأن يرى الجميع حضوره في هذه الدولة من خلال تلك الرموز أولاً. 
3- التغيير يعني إضافة رموز إلى العلم الحالي تعبر عن تلك المكونات، بهذه الدرجة أو تلك، وقد لا يعني استبدال العلم كلياً. وقد اعترض الكورد على العلم العراقي بعد سقوط نظام صدام، وحاول العراقيون استبداله كلياً ولكنهم فشلوا في إيجاد البديل المناسب، وكان هذا هو السبب الذي جعل الكورد يتمسكون برفع علم كوردستان آنذاك رافضين رفع العلم العراقي (الصدامي) وحده في كوردستان.
4- النشيد القومي (أي رقيب) كان له زمنه وظروفه، وقد تغيرت الظروف الآن، وتغييره أمر طبيعي ومقبول. إضافة إلى أن النشيد يتحدث عن الكورد فقط. نعم، هو نشيد عظيم ويعبر عن نضال الكورد ومقاومتهم وتاريخهم، ولكنه لا يصلح لدولة فيها أيضاً تركمان وعرب وآشوريون وكلدان، إذ لن يجد أولئك ما يخصهم في هذا النشيد فيصيبهم ما أصاب الكورد من شعور بالغربة عن أوطانهم من خلال رمزيها النشيد والعلم قبل كل شيء. وإذا كانت تلك الأنظمة قد مارست الإقصاء والتهميش بحق الكورد فإن الكورد لا يريدون أن يعيدوا ذات التجربة مع مكونات دولة كوردستان، وهذا هو معنى كلام البارزاني عندما قال إن كوردستان لن تكون للكورد فقط، وهذا هو الدافع للتغيير.
   وفي هذا السياق نتذكر أن العراق غير نشيده الوطني بعد سقوط نظام صدام واختار النشيد الجميل (موطني) بصفة غير رسمية، وكانت هذه المرة الخامسة التي غير فيها العراقيون نشيدهم الوطني والسادسة على الطريق.
 5- تغيير العلم والنشيد الكوردستانيين سيكون بتوافق وطني وإقرار من مؤسسات الدولة وليس بقرار من شخص أو حزب.
6- المسألة ليست مسألة من قال هذا الكلام؟ وإنما ماذا قال؟ ولماذا؟ وفي أي سياق؟.
النشيد والعلم رمزان وطنيان وليسا مقدسين ماداما من وضع البشر، وهما قابلان للتغيير في أي وقت حينما تقتضي الضرورة. وبالمناسبة حتى العلم الكوردي تعرض لتغييرات كثيرة حتى استقر على شكله الحالي.
7- لو أن الكورد انشغلوا بمصيرهم وقضاياهم الكبرى مثلما ينشغلون بهذه الفرعيات وبنفس الدرجة من الاهتمام لكان لهم شأن آخر. 
    وعند هذه النقطة تذكرت حكاية تلك المرأة التي كانت في جلسة مع بعض أهل القرية في بيتها، وكانت تراقب انزياح كلابية سيد خليل عن سيقانه (وكان بلا ملابس داخلية)، وصارت تنبهه في كل مرة قائلة: “سيد خليل، كلابيتك انزاحت وصرتَ مكشوفاً”، فيعيد سيد خليل كلابيته (يجلّسها). وفي المرة الثالثة تعجبَ الرجل من اهتمامها الشديد بحركة كلابيته ولم يتحمل مراقبتها المستمرة له ومقاطعتها لكلامه وإحراجها له بين الجالسين فصاح: واااااه.. كم أنتِ مهتمة بسيقاني..!! والله لو كان اهتمامكِ ببيتكِ كاهتمامك بكلابيتي لكان عمود بيتك هذا من ذهب … !!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…