بـرزان شيخموس
مع دعوة وزير خارجية العربية السعودية عادل الجبير الهيئة العليا للمفاوضات إلى التحضير لعقد مؤتمرٍ ثانٍ لأطياف المعارضة السورية، تحت مسمّى (مؤتمر الرياض الثاني) أثناء لقائه مع رئيس الهيئة رياض حجاب “لإعادة هيكلتها وإعادة تفعيل دورها وتوسيع نطاقها. بغية توحيد الجهود وجمع الصفِّ ووحدة الكلمة استعداداً لخوض جولة جنيف المقبلة” وفق بيان الهيئة الرسمي، تعالت أصوات كرُدية بضرورة مشاركتهم ضمن وفدٍ مستقلٍّ، أسوةً بمنصّتي موسكو والقاهرة، والمزمع قبولهما في مؤتمر رياض المقبل.
لا شكَّ أنّ تلك الدعواتِ تنبع من مشاعرٍ نبيلةٍ، تدعو وتطمح إلى مشاركةٍ فعليةٍ وحقيقيةٍ لأحد أهمّ مكوّنات الشعب السوريّ في المؤتمر المزمع عقده، وفي صفوف المعارضة، كونه خاض معترك النضال منذُ بزوغ الدولة السورية، وكان له نصيب الأسد من مظالم الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد.
بالإضافة إلى خضوعه لسلسلةٍ من القوانين والمراسيم الاستثنائية التي استهدفت وجوده كشعبٍ أصيلٍ يعيش على أرضه التاريخية، عسى أن ينال ما يستحقّه من تعويضٍ يتناسب وتضحياته الجسام، ليكسب حقوقه القومية المشروعة أسوةً بالشعب الكرُدي في العراق خلال فترة التسعينيات، مستشهدين بما حقّقته الأحزاب الكرُدية في مؤتمري صلاح الدين ولندن، كون سوريا تمرُّ بنفس ظروف العراق في تلك الحقبة.
تلك الدعوات تبقى أمنياتٍ جميلةٍ. وأصحابها يعيشون أجواء مثالية رهينة أحلام وردية بعيدةً عن واقع حال الحركة الكرُدية، الذي لا يشابه حال أقطاب الحركة الكرُدية في العراق حينئذ، كونها كانت قوى شرعية تملك القوة السياسية والبندقية. وتبسط سيطرتها على بقعةٍ واسعةٍ من الجغرافيا الكرُدستانية الملحقة بدولة العراق، ممتلكة أدوات ضغط عديدة تستطيع من خلالها فرض نفسها وتأمين حقوقها المستقبلية. على النقيض من الحركة الكرُدية في سوريا والتي تشهد وهناً وضعفاً، بعد أن استطاعت الدول الإقليمية أن تباعد وتفصل بين الشرعية والقوة في الاستفادة من المعترك العراقي، منعاً لتكرار تجربة كرُدستان العراق في سوريا.
هذه اللحظة المؤلمة في تاريخ كرُد سوريا، ليست وليدة الساعة، بل استعدّت لها الدول الإقليمية المحتلّة لأرض كرُدستان، وخطّطت لها بعنايةٍ فائقةٍ. إلى أن جنت اليوم ضعف الكيان الشرعي المتمثّل بالمجلس الوطني الكرُدي ضمن معارضةٍ متعدّدة الأقطاب. أعدلها، أو أكثرها عدلاً، لا يرى حقوق الشعب الكرُدي، إلا في إطار المواطنة. مستفيدةً من ضعف المجلس وهوانه، بعد أن أُثقِلَ كاهله بطعنات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD جناح حزب العمال الكرُدستاني PKK في سوريا. والذي تنصّل من ثلاث اتفاقاتٍ كان بمقدورها أن تنصف الكرُد في هذه الحقبة الحساسة والفرصة الذهبية بجمع الشرعية والقوة في إطارٍ واحدٍ، يكون ضمانةً لركوع المعارضة والنظام أمام مطالب الشعب الكرُدي.
من الصعب أن يستطيع المجلس تأمين تواجدٍ ضمن وفد المعارضة الجديد بتمثيل مثالي كونه لا يملك أدوات الضغط التي كانت ستؤمّن له تواجداً مشرِّفاً، بعد أن جُرِد من القوة أو التمثيل الفعلي على الأرض في مشهدٍ تعيه وتدركه المعارضة جيداً على أقلِّ تقديرٍ في المناطق الكردية. بعد أن أُوكلت المهام الأمنية لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD من قِبل النظام ليكون شرطيها في المنطقة بتوجيهٍ من النظام الإيراني، واستغفالٍ مُصطنعٍ من قبل تركيا لسببين رئيسيين؛ أولهما منع امتلاك القوى الكرُدية الشرعية في السورية السلاح – المتمثلة في المفاوضات الآن – وتكون ضعيفةً ضمن المعارضة السورية -لا حول ولا قوة لها- متلقيّةً الصفعات والإهانات بشكلٍ دوريٍ. وتكون مطالبها محطَّ استهتار، خاصةً بعد أن تُحلَّ المسائل الإشكالية بين النظام والمعارضة. السبب الثاني؛ إن معظم القوى كانت تطمح أن تمتلك قوى كرُدية غير شرعية زمام الأمور في المنطقة، بحيث لا تستطيع القوى الكبرى والإقليمية التعامل معها، إلّا ضمن اتفاقاتٍ أمنيةٍ غير ملزِمة لتلك الأطراف في المحافل الدولية، تقوم بموجبها بتقديم خدماتٍ مجانيةٍ مقابل مصالحٍ آنية، لا تضمن حقوق ومكتسبات استراتيجية، كونه لا يملك مشروعاً قومياً، وهو محسوب على حزب مدرج على قوائم إرهاب الدول العظمى. هذا الحزب، لم يستطع لغاية الآن تأمين موضع قدمٍ له ضمن المفاوضات، رغم التضحيات الجسام التي قدّمها ويقدّمها، في مشهدٍ مناقضٍ لتجربة كرُدستان العراق في محاربة عدو الإنسانية المتمثّل بتنظيم “داعش” الإرهابي. إذ لم يقم الإقليم بالمحاربة والمشاركة في تحرير الموصل إلّا بعد اتفاقيةٍ واضحة لتزويد البيشمركة بالسلاح والعتاد وأمام عدسات الإعلام.
لغة منطق عالم السياسة في هذه الألفية تعدّت وقطعت أشواطاً كبيرة، تاركةً السياسات التقليدية خلفها بأميال. فتركيا التي يمكن الاستشهاد بها في هذا المقام، تمارس سياسة ماكرة ومتطوّرة للغاية، بإظهار مواقف استهلاكية إعلامية تخفي خلفها حرفنةً وحِنكةً قلَّ نظيرها. فمعظم تصريحاتها وادّعاءاتها بإضمار العداء لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD هي للاستهلاك الإعلامي. لأنها على دراية تامة أن الحزب هو الذي يخدم أجنداتها كونه، هو من أضعف الكيان الشرعي الكرُدي الممثل في المفاوضات الأممية بشأن سوريا، في شكل مخروط أجوف. بالإضافة إلى إنهاك الشعب الكرُدي في مناطق تواجده ليكون أقليّة، بعد أن شرِّد قسماً، ويساوم على القسم الآخر في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمال، سوى شرف المشاركة مع القوى الكبرى حسب تعبير قادة الحزب. مع تغيير ديموغرافي واضح المعالم بعد قطع الحزب سبل العيش الكريم والضامن لمستقبل مشرق، وإنهاء التعليم وأدلجته، وتفتيت البنية المجتمعية التي كانت قوية.
فمنذ انطلاقة الثورة السورية، كانت الدول الإقليمية مُدركةً للأمور، وتعي ما سيحدث. لذا كانت مستعدّة وأعدّت العدّة بشكلٍ مناسبٍ. استهدفت بأدواتٍ محليةٍ شرعية الكرُد في سوريا، لتنال ما سعَت إليه، والمتجسّد في واقع الشعب الكرُدي الذي لن يستطيع نيل مناه في لحظة محرجة يعيشها الآن هي أشبه بالكابوس من خلال معاشرة الواقع المؤلم والذي يتحمّل الجزء الأكبر من مآلاته جناح العمال الكرُدستاني في سوريا، وبعضه الأخر المجلس الكرُدي والذي سيكون مادة للموضوع القادم.
على ضوء ما سلف، كيف يمكن للكرد بشكل عام، والمجلس الوطني الكردي وبقية القوى الكردية الخروج من هذا المأزق، ومواجهة استحقاقات وتحديات المرحلة؟.
المركز الكردي السويدي للدراسات