وماذا عن حق كردستان في تقرير المصير

وليد حاج عبدالقادر * 
بداية لابد من التأكيد على أمر هام حول خصائص الكتابة الديبلوماسية، وعباراتها التي قد تُحمّل بمدلولات عديدة كالتهديد مثلا ،حتى وأن غُلّفتْ بعبارات لطيفة ، ولعل رسالة د . أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية الى رئيس اقليم كردستان العراق السيد مسعود البرازاني ، هي واحدة من هذه النماذج، والتي كان يفترض أن تكون رسالة تهنئة بمناسبة انتصارات العراق على داعش، لولا إصرار الذي صاغها / الرسالة /  على أن يحمّل عباراتها بجمل أفصحت عن مكنوناتها بوضوح تام وغير موارب ويوقع عليها معالي الأمين العام للجامعة العربية وهو يدرك بأننا سنفهمها بوضوح نحن ابناء شعب كردستان وسنتحسر أيضا  على هذا الموقف وكيف مرّ على معاليه وهو الدبلوماسي المخضرم ووزير خارجية  أسبق لمصر ، تلك العبارات التي ستوقفتنا كشعب كوردي وأثارت فينا جملة من الأسئلة يمكن اختزالها كلها في هذا المقطع من الرسالة الذي جاء فيه : 
( تحرص الجامعة كل الحرص على وحدة أراضي الدول العربية وعدم تفتيتها أو تجزئتها ، فهي تبدي حرصاً مماثلاً على حث جميع الدول الأعضاء على الوفاء  بالتزاماتها في تطبيق المفاهيم العصرية للمواطنة والمساواة في الحقوق بين جميع ابناء الشعب الواحد ) *  وفي قراءة أولية للمقطع أعلاه من الرسالة ،ومدلول المواقف الواردة فيها ، والتي لم تسبر أغوار  حقائق التاريخ والجغرافيا التي رسمت وانطبعت على خلفيات متغيرات جرت وعانينا منها كشعب كردي كثيرا في – الأقطار – التي تطبعت عروبياً لا عربياً، وانعكست بؤساً حتى على عربها أنفسهم ! 
وهنا ، نتساءل: أليس من حقنا ووفق نسق هذه الصياغة أن نستغرب حرص معالي الأمين العام على  لصق صبغة المواطنة العروبية / ومن جديد لا العربية / وبصرامة شديدة فيقول  أراضي الدول العربية  .. وللمواطنة والمساواة في الحقوق بين جميع ابناء الشعب الواحد / فيسقط بذلك وببراعة لغوية تسجل لمن دون له الخطاب / الرسالة الاختلاف القومي والصراع العِرقي، الذي يكاد  يكمل قرناً من الزمان ، والذي ايضاً تشارك على أساسه  الكرد والعرب في مفهوم الدولة المزاح منها  التعريف القومي إن بصبغته العربية أو غيرها  مثل الحالة العراقية بعيد ضم ولاية الموصل الى ولايتي البصرة وبغداد وتشكل ما عرف بالعراق الحديث ، تلك الكلمات والمصطلحات التي تم انتقائها، واكتمل معناها وكان لا بد لها أن تؤثر في الشعب الكردي الذي تعايش في نطاق دولتين قوميتين بعثيتين خرجتا من رحم عفلقي واحد، ولم  تشفع لهما بالمطلق كل الماكياجات وعمليات التجميل المقرفة ، وكان لابد من العودة الى مفردات سايكس بيكو وما تلاها من وعد بلفور وتشكلات الدول العربية ، وما يعنينا هنا ، العراق وسوريا كدولتين تأسستا اصلاً على مبدأ القص واللصق باقتطاع وضم جزأين من كردستان إليهما، بعد سجالات وصراعات تلتها تفاهمات أممية، ولم تستطع كل وسائل الطمس والتهميش إلغاء خصوصية ذلك الجزأين ، وما أعقب ذلك من ثورات ونضالات الشعب الكردي في هذين الجزأين، سواء تلك الثورات المسلحة، أو النضال السياسي السلمي،والتي هدفت للتصدي لتلك الجبرية الإلحاقية وكمثال : ثورة محمود الحفيد ضد الإنتداب البريطاني، وإعلانه مملكة كردستان  في الجانب العراقي سنة ،١٩١٩ وكذلك وثيقة المائة وواحد من الشخصيات والفعاليات المجتمعية للشعب الكردي في الجزء الكردي الملحق بسوريا، والتي قدمت لسلطات الانتداب الفرنسي في سوريا في ثلاثينيات القرن الماضي، وطالبت بالحكم الذاتي للشعب الكردي في سوريا ، ولم تكن الحرب العالمية الثانية قد انتهت.
 ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية حتى وقتنا الراهن ، وعلى الرغم من الفظائع التي مارستها نظم الدولتين المؤسستين لهذه الجامعة ، وصلت في حالات كثيرة الى عمليات إبادة جماعية ، ومحاولات الاقتلاع التام من الوجود وسط صمت مطبق أو تغاض من جامعة الدول العربية وبشخوص امنائها العامين المتتالين 
هي إذن نفسها المواقف التي تعود بنا الى السرد التاريخي  لا سرد نزعة مظلومية استدامت، أو لمجرد السرد، على الرغم من أهميته لكون القضية الكردية واحدة من أهم القضايا في منظومة عالمية متأزمة، لاتزال تنتج إشكالاتها هذه الأزمات التي تعرف بالمسألة الشرقية، والتي لاتزال نتائجها تعصف دمارا وحروبا في أكثر من مكان بسبب من عجز الأمميات الدولية عن إيجاد حلول ناجعة،وبالتالي ظلت تتراكم على الرغم من حربين عالميتين، والثالثة التي نعيش طليعتها الآن، وتدار بطرق متعددة لتتزايد تأزماتها العائدة في الأساس للعنة تلك الخرائط الخبيثة  ابتداءً من أوكرايينا والقرم وحكايات المياه الساخنة الى النفط الذي غطى بسواده على البحر الأسود 
  هي كانت ذاتها المسألة الشرقية وبالتالي فأن العرض التاريخي هنا له أهميته بالرغم من أن القضية القومية الكردستانية  هي واحدة من نتاجات لابل لعلها من تراكمات تلك المسألة بمتوالياتها وخصائصها وبالتالي فإن العرض وكأمانة تاريخية هنا يلزمنا أن نقف على بدايات الرسم الجغرافي للخرائط التي تشكلت أساسا على أرضية سلسلة من مفاوضات الحل والربط من جهة وبعض المساعي التي أدت الى فكفكة الإمبراطورية العثمانية العتيدة بعد أكثر من خمسة قرون ، والتي لانزال نراوح في امكنتنا عجزاً أو اختلافاً في تسميتها…هل كانت فتحاً  أم احتلالاً ؟ تلك الإمبراطورية التي زحفت من الأناضول،وحرقت في طريقها الأخضر واليابس، وكلنا يتذكر الصورة المقدمة تاريخياً  التي كرّست مدرسيا بموجب اتفاقيات ثقافية وتعليمية وضعتها الجامعة العربية وعممته كمنهاج تدريسي معتمد من قبلها، ولكنها – للأسف الشديد – مارست  انتقائية ممنهجة حيث أخفت وتجاهلت بقصد الكثير من الحقائق التي من المفترض بأن معالي د . احمد ابو الغيط قد قرأها ، وباختصار شديد هنا ، لابد من التذكير بحقائق مفترض لها أن تكون الأرضية التي نشأت الدول اصلا عليها وفي إطارها النظري / الخرائطي تاريخيا وجغرافيا واعني بها محادثات فيصل – كليمنصو والمتبوعة لاحقا بمراسلات حسين – مكماهون وعلى اساسها عمل مشرط المفاوضين على رسم الحدود التي فتكت بالعديد من الشعوب والأوطان ، ومن هنا ، فأن تلك الجملة الطنانة واللاغية بالمطلق لأية أرض غير عربية في أية دولة عربية / ويهمني هنا سوريا والعراق / هي لعبة لغوية هلامية باهتة استخدمت في رسالة معالي د . أبو الغيط بصفته العامة فتم شطب كردستان الوطن واستلب معها التاريخ والجغرافيا اللتين واكبتا تشكل هذه البقعة الجغرافية الواضحة بأهلها وأسس وجودهم القديم قدم التاريخ ؟! وهنا ، هل علينا ان نتصور بأن الجامعة العربية التي هي المنهل الثقافي والتعليمي والركيزة ثابتة لكل البرامج التعليمية لدولها، غافلة عن تلك الاتفاقيات والوثائق بدءاً من سايكس بيكو ووعد بلفور إلى مناقشات ما قبل الثورة العربية الكبرى و الاتفاقات المتعلقة بكردستان التاريخية جارتها الرئيسة وحليفتها في الصراع ضد  الإحتلال العثماني ؟! 
أيعقل بأن الجامعة لم تسمع او تقرأ اتفاقية “سيفر” وما تلاها من بنود اتفاقية “لوزان” المشؤومة ؟! 
أسئلة كثيرة تراود كثيرا الشعب الكردي وهو يقرأ رسالة أمين عام جامعة الدول العربية الى السيد مسعود البرازاني رئيس اقليم كردستان إضافة طبعاً إلى العديد من المواقف الرسمية العربية  المشابهة ، هذه المواقف والآراء  تحفزنا دائما للرجوع والبحث في مواقف الجامعة العربية منذ نشأتها  من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكردي ، فنتذكر آلاف القرى التي دمرت والبساتين التي أحرقت وقطعان المواشي التي أبيدت و نتساءل أين كانت الجامعة وموقفها من “الأنفال” والتغييرات الديمغرافية وسياسة البطش التي توجت بالإبادة الجماعية واستخدام السلاح الكيميائي ؟ !
 أوليس من حقنا التساؤل : هل سمعت الجامعة العربية بكارثة مجزرة  بلدة كانت اسمها “حلبجة” ؟ 
أين كانت الجامعة العربية من تلك الحملة الهمجية وهي تستغل كلام الله لارتكاب أبشع قتل جماعي، ولمنهجة الجرائم المخزية وتدشين حفلات القتل الجماعي المعلن والمشاع والتي توالت خاصة بعيد عام ١٩٧٥ ؟
والسلسلة هنا بتساؤلاتها تتكرر لتنتج أسئلة حروفها دونت بدم ونقاطها وحركات تنوينها تشكلت من جثث نساء واطفال ، شيوخ ورجال دفنوهم بثيابهم المزركشة ا في مزارع أضحت كانتونات لمقابر جماعية مملوءة بحيوات  خطفت منهم  لمجرد أنهم رفضوا الإنسلاخعنن قوميتهم  والإنصهار في بوتقة الآخر جبراً ؟! 
.. نعم ، هو الجرح ما اندمل بعد ولكنه انتج بالفعل  صداميات وحلبجات جديدة في بيوت ومقاطعات وأقاليم أريد أن تفوح منها من جديد روائح القتل، منتقلين إلى سبي جديد تجسد في سنجار وتعتق بجرحه وكانت ملحمتا سنجار وكوباني ، وبعيدا عن الإسترسال وكشعب كردي عانى كثيرا في / القطر العربي الآخر / أيضا وباختصار شديد هنا نذكر معالي الأمين العام للجامعة العربية وبعيد حربي الخليج الأولى والثانية وسقوط الطاغية صدام والزحف الإيراني غير المقدس وتقمص المالكي شخصية الطاغية صدام !
 لمَ كانت الجامعة غافلة عن كل ذلك؟! أو ليس قطع المؤونة وتجفيف مصادر وسبل العيش من قطع للرواتب وعبث بالمداخيل المالية لمجموعات بشرية لممارسة ضغط سياسي هو جريمة بحق الإنسانية ؟! 
إن علمت الجامعة بذلك او لم تعلم بما فعلته حكومة المالكي من حقنا أن نعتبر ذلك لا مبالاة على أقل تقدير، فبأي حق تطلب الجامعة من خلال شخص أمينها العام ما تطلبه الآن من الشعب الكردي بنسيان كردستانه ؟
 خلاصة القول… اختزلها القائد التاريخي للشعب الكردستاني الملا مصطفى البرزاني في موقفه من عرض كانت حكومة العراق قد قدمته إلى  الوفد المفاوض للثورةالكردية حينها والعرض كان يشمل موافقة الحكومة العراقية على استقلال كردستان بمحافظاتها الثلاث / دهوك والسليمانية واربيل / عدا كركوك وكان من المقرر أن يجتمع المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ليرد على ذلك المقترح ، وفي طريقه المحفوفة بالمخاطر وفي استراحة ليلية التقى البرازاني ومرافقيه براع للغنم  قام بواجب ضيافتهم دون أن يعرفهم بشخوصهم الحقيقية فقط كان يعرفهم  كبيشمركة وكان قد سمع بشرط حكومة بغداد وفي وداعهم حملهم رسالة الى البرازاني ورجاهم فيها أن ينقلوا له رفض / حمه / الراعي القطعي لكردستان من دون كركوك !
 وهكذا نحن معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية : هو رأي الغالبية العظمى من شعب كردستان وان تعالت أصوات نشاز من هنا وهناك ممن  راهنوا منذ الأزل على أعداء شعوبهم ، هذا الرأي الذي – نتعشم فيكم – أن تبلغوه لإبن البرازاني .. نعم أخبروه للرئيس مسعود مصطفى البرازاني  بأننا ومن شتاتنا نرفع كلمات الراعي – حمه – وبأعلى أصواتنا نهتف ونرفض وتحت أية ذريعة العبث في ممارسة أو تفسير حق تقرير المصير .. وواثقون بأن الرئيس مسعود البرازاني سيكون مثل أبيه الملا مصطفى البرازاني الذي  فهم أكثر من الجميع مقولة الراعي – حمه – . 
….. 
* كاتب كردي سوري مقيم في دبي
* رسالة وجهها معالي د . أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية الى السيد مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان العراق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…