كيف تسرّب موروث «البعث» إلى «العمال الكردستاني»؟

هوشنك أوسي
“بالروح.. بالدم.. نفديك يا أوجلان” هذا الشعار أو الهتاف، لم يكن يردده أنصار ومؤيدو حزب العمال الكردستاني في مظاهراتهم واعتصاماتهم ونشاطاتهم قبل عام 1986. هذه الطريقة في الهتاف: “بالروح بالدم…” هي بعثيّة بامتياز. ذلك أن انصار حزب البعث في سوريا والعراق كانوا يرددونه تعبيراً عن ولائهم المطلق والأعمى لحافظ الأسد وصدام حسين وبشار الأسد. طيب، والحال هذه، كيف وصلت هذه الصيغة والطريقة في الهتافات إلى العمال الكردستاني؟!.
قبل اختطاف واعتقال أوجلان، كان الأخير وحزبه ينتقدان بشدّة مصطفى كمال أتاتورك والأتاتوركيّة. لكن، لا يمكن للمرء أن يزعم بأن العمال الكردستاني خلّص ونظّف نفسه تماماً من الموروث الأتاتوركي مئة بالمئة. لماذا؟. لأن كل مؤسسي العمال الكردستاني درسوا في المدارس والمعاهد والجامعات التركيّة التي كانت تدار وفق ذهنيّة ومناهج التربية والتعليم الاتاتوركيّة. 
ومعروف لدى القاصي والداني؛ الوسائل والطرائق التي استخدمها الأتاوركيون لغرس الاتاتوركيّة في عقل ووعي المجتمع التركي، سواء عبر مناهج وسلك التربية والتعليم، الإعلام (التلفزة، الإذاعة، الصحف والمجلات…)، الثقافة، الدراما والسينما…الخ!. وبالتالي، تغلغلت الكماليزم أو الأتاتوركيّة – الكماليّة حتى ضمن فصائل المعارضة اليساريّة التركيّة أيضاً. وهذا ما دفع أوجلان ورفاقه إلى الانفصال عن حركات اليسار التركي بتهمة الموروث الكماليزمي الموجود فيها. بمعنى آخر، تركيا من 1923 ولغاية 1978 كانت متمرّغة في مستنقعات الاتاتوركيّة، وبالتالي، كيف يمكن للمرء القول: إن العمال الكردستاني بريء ونظيف من موروثات الأتاتوركيّة مئة بالمئة؟!. فضلاً عن ذلك، أوجلان بعد اعتقاله، صار يمدح أتاتورك. وفي أماكن عديدة من تصريحاته الصادرة من سجنه، حاول تبرئة أتاتورك من عداوة الكرد وكردستان، وذكر بما معناه أن “أتاتورك شخص جيّد، لكن المحيطين به كانوا فاسدين وسيئين”!.
المقصد؛ أن الطرائق والأساليب والأشكال التي استخدمها الأتاوركيون في نشر وغرس الاتاتوركيّة في المجتمع الكردي والتركي داخل تركيا، هي نفسها الأساليب والطرائق والأشكال التي أعتمدها البعثيون في نشر وغرس فكر وآيديولوجيّة البعث داخل المجتمعين السوري والعراقي.
في سنة 1985-1986 العناصر الكرديّة السوريّة المنتسبة للعمال الكردستاني كانت تعدّ على أصابع اليد. لكن في سنة 1987-1988 بدأ الشباب والصبايا الكرد السوريين ينتسبون بالمئات للكردستاني. وهكذا لحين وصولنا إلى سنوات 1990-1991-1992 التي تعتبر سنوات الانفجار الجماهيري للعمال الكردستاني في كردستان سوريا، حيث انضم الآلاف من الشباب والفتيات إلى صفوف هذا الحزب. كل هؤلاء الكوادر، درسوا في المدارس والمعاهد والجامعات التي تدار وفق مناهج التربية والتعليم في دولة حزب البعث. يعني، مثلما لا يمكن نفي الموروث أو التأثير الاتاتوركي على كرد تركيا، عبر الأساليب التي تم ذكرها، كذلك لا يمكن نفي الموروث البعثي عن كرد سوريا. وعليه، عشرات الآلاف من الكرد السوريين الذين انضموا إلى صفوف العمال الكردستاني، اخذوا معهم، ولو القليل، من موروثات ثقافة البعث أيضاً. والأمثلة على هذه الظاهرة أكثر من أن تحصى. ويمكن أن نورد بعض الأمثلة في قطاع الإعلام والفن والموسيقى:
1- غزارة وكثرة الأغاني عن الزعماء هو موروث بعثي بامتياز. ذلك أن هنالك آلاف الأغاني التمجيدية التي قيلت في حافظ الاسد وصدام حسين وبشار الأسد. وحين نعود إلى أرشيف فرقة المقاومة: “Koma Berxwedan” التابعة لحزب العمال الكردستاني، نجد أنه حتى قبل 1987 لم يكن هنالك أغنيات خاصة تمدح أوجلان. وفي أفضل الأحوال، يمرّ اسم أوجلان ضمن أغنية ما، بشكل عابر. وفي ما بعد بدأ اسم أوجلان يظهر بشكل اكبر تمجيداً في أغاني هذه الفرقة. وأوّل اغنية في هذه السياق كانت للفنان جمال تيريج: “Here em bi te re”. بالاغنية واللحن والكلمات والأداء كان لكرد سوريين.
2- سنة 1993 أدّى الفنان خمكين بيرهات أغنية تمدح وتمجّد أوجلان بعنوان: “Bilin Apo.. mezin Apo… serok Apo… Apê me” هذه الأغنية في الأصل، لحناً وكلمات وأداء، لفرقة آغري، الموالية للعمال الكردستاني، في مدينة عامودا الكردية السوريّة. وقد نشرت فرغة آغري هذه الاغنية سنة 1991، قبل أن يعيد تسجيلها خمكين بيرهات سنة 1993.
3- أغنية “Hoy Hoy Apê me” للفنان بيوان آرجين (كردي سوري من قامشلو وعضو فرقة برخودان) قبل أن يعيد تسجيل هذه الاغنية في أوروبا سنة 1995، غنّاها الفنان بيوان في قامشلو سنة 1990.
4- أغنية “Can Apê me” التي أغنّاها الفنان جومرد في كوما برخودان، هذه الأغنية في الأصل لفرقة آغري.
5- أغنية “Serokê min” للفنان الكردي السوري المعروف بنكين (حكمت جميل) التي غناها على خلفية اختطاف واعتقال أوجلان، اللحن والكلمات والاداء هي لأكراد سوريين.
وبالتالي، قبل أن يتجه الفنانون الكرد من تركيا الى تأليف الأغاني عن أوجلان وتمجيده وتأليهه، فعلها الفنانون الكرد السوريون الموالون للعمال الكردستاني. وغالب الظنّ انهم فعلوا ذلك تحت تأثير الموروث البعثي.
6-  يجب ألا يغيب على البال وجود زعيم الحزب ومعسكراته في سوريا على امتداد 18-19 سنة في لبنان وسوريا. ويستحيل ألا يكون لهذا الأمر أي تأثير على أداء وفكر وسلوك العمال الكردستاني. عدا عن ذلك، وفي الكثير من الأماكن والمناسبات، كان أوجلان وحزبه يمدحان حافظ الاسد، الدكتاتور والطاغية المستبدّ، فقط لأنه كان يقدّم الدعم لهذا الحزب. وبل أن أوجلان وحزبه كانا ينظران إلى الأسد الأب على انه “صديق الشعب الكردي”، وأنه “يدعم حركات التحرر الوطني”… إلى آخر هذه الأوصاف والالقاب المجّانيّة. ذلك أن أوجلان كان يعرف أنه هنالك ما يزيد عن 2،5 مليون كردي سوريا غير معترف بهم كشعب، وحقوقهم مهضومة، ويتعرّضون للقمع. وبالتالي، كيف يمكن أن يكون حافظ الاسد صديق الشعب الكردي في تركيا؟ وقامع ومضطهد الشعب الكردي في سوريا؟!.
نقطة أخرى، لا مناص من التعريج عليها، تشير إلى وجود الموروث البعثي داخل حزب العمال الكردستاني، وهي تشكيل الحزب وحدات عسكريّة فدائيّة سنة 2000، حملت اسم “فدائيي أوجلان”. تلك الوحدات العسكريّة، كانت تضمّ المقاتلين الجدد، شباب وصبايا ممن تتراوح أعمارهم بين 14 الى 16 سنة. وكان لهم معسكرات خاصة بهم، يُمنع على المقاتلين القدامى الاقتراب منها او الاحتكاك مع هؤلاء المقاتلين الاطفال، لئلا يتم التأثير عليهم وحرفهم عما تم تدريبهم عليه، وهي العمليات الانتحارية والفدائيّة. هذه الطريقة في إطلاق الاسماء على الوحدات العسكريّة، هي أيضاً طريقة بعثية صرفة. إذ سبق لنظام صدام حسين تشكيل هكذا وحدات، باسم “فدائيي صدام” سنة 1994، تمّ حلّها بعد إسقاط نظام صدام سنة 2003.
قصارى القول: في حال تم إخضاع ظاهرة حزب العمال الكردستاني إلى التحليل والتفكيك على الصعيد والفكري والآيديولوجي والإعلامي من خلال السلوك والتركة الادبية والثقافية والسياسيّة التي خلّفها، يمكن أن نلحظ الموروث الستاليني، والموروث الأتاتوركي، وكذلك الموروث البعثي في هذه التجربة. ومع ذلك، يقدّم الحزب نفسه على انه الانموذج الفكري والسياسي الأرقى بين الكرد وفي منطقة الشرق الأوسط على صعيد الديمقراطيّة والتعامل مع البيئة والحيوان وحقوق المرأة وحقوق المثليين!.
عن موقع قناة كردستان 24

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…