المجهول الاسم: الكُردي الإيزيدي في سنته الثالثة

ابراهيم محمود
ربما على الكردي الإيزيدي أن يتحمل ألماً أكثر من غيره، وأن ينزف أكثر من غيره، وأن يعيش مراتبَ الخوف أكثر من غيره، وأن يتنقل بين أيدي اللاهين بمصيره أنى كان أكثر من غيره، ليس لأن الذي فيه إنسانياً ليس في سواه، ولا لأنه طالب حق الانفصال عن باقي البشر، إنما لأنه حتى اللحظة هذه وحتى إزاء نسبة معلومة من كرده، يعيش في وضعية المجهول الاسم: اعتباره الكردي الإيزيدي، وغالباً الإيزيدي دون الكردي، لجعل الطّعان فيه أكثر إيلاماً.
سنة ثالثة، وقبلها كانت سنوات وسنوات، وربما ستكون هناك سنوات وسنوات، وهذا المجهول الاسم سيشير إليه أكثر من غيره، مطلوباً في لحمه ودمه وعظمه وشاربيه وبياض ثوبه وطرق الاعتداء عليه ممن يتفقهون بأنهم أقرب إلى الواحد الأحد أكثر من غيرهم، ومن في إثرهم، كما لو أنه مذ ولدته أمه، لم يُرد لاسمه حضوراً في سجل بشرية يتعايش أفرادها معاً.
الإيزيدي، ربما هو الزائد، رغم أنه أكثر من هذه التسمية في فهم العلاقة بين الخالق وما دونه، في فهم الشر أكثر من غيره، ليكون التعريف به بالطريقة هذه إثارة فضيلة ” اشتهائه ” على مدار الساعة، فلا يسلم فيه من اعتداء حتى أقرب مجاوريه، لا جسمه، لا عرضه، لا ماله، لا بيته، لا دجاجه، لا غنمه، لا حماره، لا كلبه، لا حجره، ولا حتى الروث الذي ينتشر في محيطه، كأن له معنى آخر، ليكون كل هذا الضغط عليه، وهذا التركيز المميت عليه .
وفي السنة الثالثة من الموت الجماعي في الفرمان الرابع بعد السبعين بالتمام والكمال، ومن الإبادة الجماعية، ومن المطاردة الجماعية، ومن التشفّي الجماعي، ومن التربص الجماعي بكل ما ومن ذكرتُ أعلاه إيزيدياً. لا يسع الإيزيدي إلا أن يعيش إيزيديته وهو في وضعية المصدوم مما يجري، حتى إزاء خالقه، عن هذا الذي يلاحَق عليه، ويذبَح عليه، وينتهك في عرضه عليه، ويحارَب في نسله عليه، كما لو أن خالقه أراد ه كبشه البشري والدائم الذبح، كأن على الإيزيدي أن يكون المرمى السهل لكل هؤلاء المعزَّزين بالله إلى يوم رؤية الله، وتحت سمع وبصر الله، وما في هذه المشاهد المريعة من المجازر الجماعية، والمطاردات الجماعية، والانتهادات الجماعية والسبي الجماعي المثمَّن الجماعي، وهو الأكثر طلباً عليه من سواه، فقط لأن ما يؤمن به أكثر دعوى إلى التوحد مع الطبيعة والاستجابة إلى البساطة والخبر، كأن عقيدته خروج بالمطلق من دائرة عقائد الآخرين من أخوة النسب أو الدم والدين في الجوار، وإيذان بأن من شأنه بلبلة الكوني، أو كان وراء بلبلة ألسنة البشر من حوله، ودق الأسفين بين المأخوذين بالقتل المتبادل والعنف المتبادل والاستخفاف المتبادل حتى بالدين ورمه في الجهات الأربع، ولهذا يكون أكثر اشتهاء من قبل الذين سجَّلهم التاريخ في لوحه الدموي البغيض قبل داعش وربما بعد داعش سيكبر هذا اللوح بأسماء ضحاياه والخرائب التي تشرَع هنا وهناك.
ربما على الكردي الإيزيدي أن يتفهم حقيقة كونه إيزيدياً ليكون في عراء الآخرين، الشاهد المجروح والشهيد بدمه المسفوح واقعاً، وإن كان كردياً، أن يعد الثواني وملؤها المكابدات، ونزوات موجهة هنا وهناك ومن ألسنة لا يخطئها فقه تاريخ سفك الدماء، وأن يحصي الدقائق، وأعداد الضحايا فيها، والساعات ونسبة الرعب النازل فيه ، في عائلته، في أهله، ولالشه وطاووس ملَكه، والأيام وهو الشروق والغروب، والأشهر وهول الدائر، والسنوات وفظائع الذاكرات والسجلات في جهاته غير المحمية، والعقود من السنين وهي تزيد في طرحه أضحية على مذبح شهوات من لا يشبعهم قتل على العقيدة أو الاسم أحياناً، والمظهر أحياناً أخرى.
وفي السنة الثالثة من الجينوسايد الإيزيدي مازال شنكال مدمَّى بكل جنباته وذراه وشعابه.
في أعلاه يشاهَد الإيزيدي، بشاربيه المعقوفين، وهو بكامل زيه الإيزيدي مستقيماً كقامة الحقيقة، رغم نزفه المتواصل !
دهوك، في 3-3/2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…