د.زارا صالح
بعد سبع جولات ماراثونية من مسلسل ” جنيف ” حول سوريا بين أطياف المعارضة والنظام وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة، خرج السيد ديمستورا بتصريح مثير للجدل حول قضية مشاركة الكرد بقوله ” يجب إشراك المكون الكردي في صياغة الدستور السوري ” وبأنهم جزء من النسيج السوري ومن العملية السياسية.
الدعوة واضحة في خطاب ديمستورا من أجل استكمال مشاركة جميع المكونات السورية في العملية التفاوضية وتحديد مستقبل البلد، لكن أهمية التصريح تكمن حول عدم وجود ممثلين حقيقيين لكرد سوريا في جنيف رغم وجود ممثلين من المجلس الوطني الكردي ضمن الائتلاف السوري. وهنا يتساءل الكرد السوريون عن حقيقة تمثيلهم وهل هم غائبون فعلا ؟
حضور كردي
منذ انطلاقة مباحثات جنيف هناك حضور كردي يتمثل بالمجلس الوطني الكردي المنضوي تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري بعد وثيقة التفاهم السياسية الموقعة بين الطرفين ( اب 2013 ) ووفق تلك البنود هناك تمثيل للكرد باسم وفد الائتلاف ضمن الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض أيضآ وقد شاركوا في معظم الجنيفات، ولكن ليس كجسم مستقل يمثل المكون الكردي. والأهم من كل ذلك هو رفض إدراج بند ” القضية الكردية ” ضمن جدول اعمال المفاوضات بسبب رفض المعارضة السورية و النظام اللذان يتفقان تماما في رفض أي وجود كردي تمثيلا وقضية.
ممثلي المجلس الوطني الكردي يتحملون مسؤولية غياب القضية الكردية ومستقبل الكرد على طاولة جنيف،بسبب تواطئهم مع الائتلاف وتركيا وممارستهم الصمت ،واقتصار دورهم على الحضور الشكلي ومهاجمة حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل يومي للحفاظ على مقاعدهم ومصالحهم ارضاءا للمعارضة ولتركيا،وبسبب ضغوطات الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي ،فقط قامت الأمانة بارسال رسالة مباشرة للسيد ديمستورا في محاولة لادراج قضيتهم على طاولة المفاوضات، ولكن دون نتيجة بسبب رفض الهيئة العليا للمفاوضات التي هي مع الائتلاف وغيرها من قوى المعارضة السورية ما زالوا ينظرون للكرد كقطيع يجب أن يقبل بما يمليه عليهم المعارضة العربية، تحت حجة مناقشة حقوق الكرد لما بعد اسقاط النظام . وجرى التعامل معهم وفق مبدأ ” المواطنة ” وكجسم موجود دون هوية بين قوى الائتلاف السوري ، ومن هنا جاءت إشكالية التمثيل وتصريحات المبعوث الأممي خاصة وأن الحضور الكردي لايتمثل فقط بالمجلس الوطني الكردي، بل هناك حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب التي تشكل الأساس لقوات سوريا الديمقراطية والحليف المعتمد لأمريكا و التحالف الدولي ضد الإرهاب وضمن استراتيجية محاربة داعش ولكنهم أيضا غائبون تمثيلا عن المباحثات بسبب رفض المعارضة وتركيا.
لماذا الكرد غائبون حسب تصريحات ديمستورا ؟
لاشك ان هذا الإقرار من قبل السيد ديمستورا بغياب الثمثيل الكردي يطرح تساؤلات عديدة ويفهم من سياق كلامه:
أولا- أن الوجود الكردي في جنيف والمتمثل بالمجلس الوطني الكردي هو غير موجود عمليا لأنه لا يعبر بشكل مستقل عن الشعب الكردي د، بل هو مثل بقية الأطراف والشخصيات المعارضة المنضوية تحت مظلة الائتلاف وبالتالي هو مختزل باسم الائتلاف السوري ولايستطيع الحضور أو الإدعاء بتمثيل الجانب الكردي بعد ان حل نفسه ضمن الائتلاف، صامتا ومتمسكا بالبقاء داخل الائتلاف رغم ان الائتلاف هيئة وقيادات واعضاء لا يعترفون بالكرد كقومية وكقضية شعب ويرفضون حتى الفدرالية ، ويحصرونها في اللامركزية الادارية.
ثانيا- السيد ديمستورا لاينكر الحضور الكردي في جنيف ولكنه يؤكد في الوقت نفسه من خلال كلامه بأن القضية الكردية غائبة عن جدول المباحثات وأهمها مسألة الدستور التي وفق رؤيته بأن يشارك كافة المكونات السورية في كتابته. ولكن عدم إدراج بند خاص بالشعب الكردي وخصوصيته ووجوده القومي كمكون أساسي يضع النقاط على حروف الغياب الكردي، والذي جسده المجلس الوطني الكردي الذي فشل في تحقيق المطلوب منه بعد سبعة جولات من مفاوضات جنيف وهذا ما جعل الشارع السياسي الكردي وأنصار هذا التيار أن تتسائل و تعيد النظر حول حقيقة بقاء هذا المجلس ضمن الائتلاف السوري بعد تنصله من كافة الاستحقاقات.
ثالثا- يفهم من كلامه أيضا إقراره الفعلي بالوجود العسكري على الأرض وخاصة وان هناك أكثر من مسار سياسي يجري العمل وفقه بين أمريكا و روسيا بعيدآ عن محادثات جنيف واستانة، وهي الأهم والتي سترسم مستقبل سوريا وبما ان قوات حماية الشعب تحقق انتصارات على داعش في الرقة وغيرها من المناطق فإن ذلك حسب رؤيته بحاجة لتمثيل سياسي أيضا ويعتبر المشاركة الكردية في هذا الجانب مقتصرة على قوات سوريا الديمقراطية واقراره بذلك وعدم إعتراف بالمجلس الوطني الكردي بتمثيل الشعب الكردي، والا لماذا يقول علنا بأنه يجب إشراك الكرد في المفاوضات رغم وجود ممثلين كرد ضمن الوفد المفاوض ؟
حقيقة الأمر أن قضية التمثيل الكردي أيضا يعتبر إحدى الإشكاليات بين الأطراف السياسية الكردية وأنصارهم لأسباب كثيرة داخلية وكذلك نتيجة تأثير الأجندات الإقليمية والخارجية ، وبكل تأكيد لايستطيع طرف معين الإدعاء بقضية أحقية تمثيله للكرد لأنها مسألة نسبية وتخضع لاعتبارات وعوامل متعددة تعكس حالة الوضع السياسي الكردي والخلافات القائمة. ان ما صدر من السيد ديمستورا بخصوص الحضور – الغائب للكرد وضعت القضية على مسار جديد فيما يخص العلاقة الكردية- الكردية وكذلك علاقة الأطر السياسية الكردية المختلفة(سواء المجلس الوطني الكردي أو حزب الاتحاد الديمقراطي ) مع هيئات المعارضة السورية في تناولهم وفهمهم لمسألة جوهرية تتعلق بحقوق شعب ومكون أساسي يعيش على أرضه وضمن جغرافية وطنه وهذا يعتبر جسر العبور لمستقبل سوريا والعلاقة بين مكوناتها، وكذلك قضية التعايش السلمي المشترك وموضوع الدولة الفيدرالية و الحكم الذاتي لكرد سوريا في خطابات واشنطن وموسكو، فيما يظل التقسيم قائما على الأرض في خرائط ترامب وبوتين، مع افتقاد القوى السياسية الكردية المتناحرة لمشروع سياسي يحقق مصير ومستقبل كرد غربي كردستان.
من هنا فإن دعوة ديمستورا للكرد هي جرس إنذار ودعوة لتمثيل كردي مستقل كي يكون الكرد موجودون كممثلين عن أنفسهم، وليس ضمن عباءات الانحلال والتبعية الصامتةداخل أطر المعارضة اللاديمقراطية. ديمستورا والقوى الدولية تعترف بكافة منصات المعارضة من القاهرة وموسكو والرياض واستانة ونساء ديمستورا، للتشاور والحوار على مائدة جنيف، فلماذا لا توجد منصة كردية قائمة بذاتها لكافة الكرد السوريين تمثلهم في المفاوضات، وعندها لن يتم تجاهل الكرد وسيكون لهم تمثيل حقيقي لهم للمشاركة في رسم ملامح سوريا القادمة دستوريا وسياسيا.
بكل تأكيد الأزمة السورية لن تحل إلا وفق التفاهمات الدولية وأولها بين أمريكا وروسيا، ولن يكون بمقدور الأطراف السورية سواء المعارضة أو النظام فرض رؤيتها ونظرتها النمطية والاحادية الجانب فيما يتعلق بمستقبل سوريا وحقوق الكرد والأقليات الثقافية والدينية لأن الاستراتيجية المرسومة في مرحلة ما بعد هزيمة داعش والتطرف باتت تظهر خطوطها حول ضرورة عدم تهميش المكونات وضمان حقوقهم دستوريا والبحث عن صيغ وأشكال التعايش أما في إطار الدولة الاتحادية أو إدارات ذاتية تلغي الدولة المركزية، والعمل وفق ثقافة التشاركية والتمثيل السكاني والسياسي لثاني أكبر قومية في سوريا، ولعل تجربة وقف إطلاق النار والهدنة في الجنوب السورية بداية تمهيد لفدرلة سوريا والحلول التدريجية ضمن استراتيجية الكبار في رسم الخرائط وفق مصالحها اولا ورسم شكل الدولة السورية . فهل يستوعب الكرد أنه عليهم طرق أبواب الدول العطمى كنافذة لهم لتحصيل حقوقهم ومستقبلهم،بدلا من حلم صيد السمك في مياه المعارضة الملحة والميتة، وأنهم قوى تمثل شعب بالملايين ،وقضية استراتيجية في حسابات اللاعبين الدوليين الكبار لرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد.