الحزب الكوردي والديموقراطية

جان كورد
“ضع رأسك على صدر الشعب ولا تخف.” – فرانز فانون
لو نظرنا إلى الخارطة الحزبية في كوردستان، لوجدنا أن أغلبية تنظيماتنا السياسية تتبنى المبادئ والأفكار الديموقراطية، وقلة منها تتبنى الدين كمرجعية وحيدة أو أساسية، كما منها فئة أخرى تتبنى تعاليم الماركسية – اللينينية، والحمد لله ليس لدينا أحزاب ذات وجود واقعي على الأرض تتبنى الأفكار الفاشية أو العنصرية. إلا أن معظم تنظيماتنا بمختلف ألوانها واتجاهاتها وطموحاتها تعلن للأمة الكوردية أنها ستحكم بأسلوب برلماني ديموقراطي، مثلما تعلمها البشر من الديموقراطية اليونانية التي تعني: حكم الشعب من قبل الشعب نفسه. وهذه عبارة جميلة وضرورية ومناسبة لكل المجتمعات لأن الأحزاب ليست سوى وكيلات أو ممثلات لفئاتٍ معينة من الشعب، ومنها ما تزعم تمثيلها لكل فئات الشعب، وهذا مخالف للواقع والحقيقة. 
لا يكفي أن يتبنى حزب من الأحزاب أفكاراً ديموقراطية ويتحدث عنها في صفوفه وعلى الملأ، كما لا يكفي أن يطبّقها في تنظيمه قدر المستطاع، كما لا يكفي أن تكون علاقته مع غيره من التنظيمات والجمعيات والتحالفات ديموقراطية، وإنما يجب السعي المستمر للعمل ضمن المجتمع بكل السبل من أجلها، حتى يتربّى الطفل الكوردي مؤمناً بأن للآخر أيضاً حق ابداء الرأي مثله، ولربما يكون رأياً مخالفاً، وما دام النظام السياسي لا يسعى لدمقرطة المجتمع وبناء الشخصية الإنسانية المؤمنة بالديموقراطية في المجتمع، لا ينفع قرعه على طبل الدعاية لذلك، فكم من حزبٍ “ديموقراطي” في الشارع الكوردي/ الكوردستاني لا يمتلك من الديموقراطية سوى اسمه الرنان المزركش بألوانٍ وأقول معسولة! وكم من حزبٍ يزعم أنه عاملٌ لهذه الفكرة الإنسانية السامية وهو يدهس كل بادرةٍ تحمل بذور الديموقراطية معها، ونرى أن الماركسيين أنفسهم يتبرقعون بهذه الفكرة ويتلونون كما هي تعاليم أجدادهم المؤسسين بلون الأرض.  والتربية في المدرسة ومنذ الطفولة ضرورية، عن طريق تدريس مادة “الحوار” بين الأطفال وطلاب المدارس الابتدائية بشكلٍ يومي، حتى يتعلموا من خلال “الحوار العملي” سماع الآراء المخالفة لهم ومناقشتها بصدرٍ رحب مع زملائهم. 
ومن ناحيةٍ أخرى، على الحزب الكوردي العودة إلى الشعب في تقرير كل المسائل التي تهم الشعب، وهي سائر المسائل المتعلقة بحياته وبيئته واقتصاده وثروته، ومنها ما يتعلق بحقه في تقرير مصيره بنفسه، وذلك عن طريق “استطلاعات الرأي” في كل الأمور، و”الاستفتاء الشعبي الحر النزيه”، كما هو السعي الحالي الجاد في جنوب كوردستان للشروع في “استفتاء الاستقلال”، وعن طريق “الاجتماعات الحوارية” بين أهل الخبرات والمعارف، وبحضور المسؤولين الذين لهم مسؤولية فيما يتم التحدث والحوار بصدده، في الساحات العامة، أو في قاعاتٍ يحضرها الإعلام بشكلٍ مستمر، ويكون لأسئلة المواطنين مجالٌ واسع، ويكون الهدف الأمثل في هذه النشاطات المختلفة وضع القرار، على كافة المستويات وفي كل المجالات، في أيدي أصحابه الشرعيين، وهم المواطنون… 
هذه هي الديموقراطية، وليست تلك التظاهرات التي يتم التحضير لها حزبياً، فيكون بدؤها ومسارها وذروتها وانتهاؤها لصالح تعزيز ما تريده قيادة الحزب من التظاهرة، أو لخدمة زعامةٍ ما، أو لتمرير مشروعٍ ما تستفيد منه فئة معينة.    
الديموقراطية ليست مجرّد الإعلان عن اسم ديموقراطي برّاق، ولا تكتمل بدمقراطة الحزب فقط، وإنما هي تربية اجتماعية وسلوك مجتمعي قبل أن يكون ممارسة سياسية، وقبل كل شيء هي “حكم الشعب من قبل الشعب ذاته”، وهذا لا يتحقق إلاّ بالعودة إلى صاحب كل المشاريع وجميع المصالح، ألا وهو الشعب الكوردي. 
ولذا نقول للقيادات التي توافقت أو اتفقت على إجراء “استفتاء الاستقلال” في جنوب كوردستان: “حسناً ما تفعلون، هذه خطوة جيدة على طريق الديموقراطية التي تحفظ لمواطني الإقليم جميعاً، ولكل مكوناته القومية والدينية بالتأكيد، حقاً متساوياً في ابداء الرأي، يمكنكم البناء عليه سياسياً وأنتم على أرضٍ صلبة وأساسٍ قوي، وقد قال فرانز فانون سابقاً: 
“ضع رأسك على صدر الشعب ولا تخف.”
‏31‏ تموز‏، 2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…