جناية استفتاء الاستقلال ونهاية التاريخ الكردي «4» «لا خدمة عسكرية إلزامية في إقليم كردستان»

ابراهيم محمود
يمكن لأي كان أن يلاحظ وجود مؤسسة عسكرية بشكل مكثف في إقليم كوردستان، في تفرعاتها المختلفة، كما يمكن لأي كان ألا يلاحظ وجود أي مؤسسة عسكرية في إقليم كوردستان. كيف يحدث هذا؟ لعل الكلمة الضائعة هي في عدم وجود خدمة عسكرية إلزامية في الإقليم .
في وسع أبسط متابع الرد قائلاً: ووزارة البيشمركة، والأسايش والزيرفان، والفروع الأخرى من أجهزة الضبط الإيديولوجية للسلطة في الإقليم كيف تقيَّم هنا؟
ربما كان الجواب أبعد مما تقدَّم، وأعمق مما أشير إليه، رغم إمكان الحديث عن التواجد العسكري في إقليم كوردستان، أنّى التفت المرء. إنما من أين يكون الأمان دونه ؟
ما يجب التنويه إليه، هو أنه يكاد المطبَّق في الإقليم على صعيد البناء المؤسساتي العسكري فالأمني، يختلف عن مجمل الأنظمة العسكرية في الدول المجاورة، لا بل وأنظمة الشرق الأوسط مجتمعة إجمالاً، على مستوى الصلات بين المجتمع الذي كثيراً ما يشار إليه في مكونه العشائري، وهو موجود طبعاً، وأفراد المجتمع بالذات، أي ترك المرء حراً في خياراته: أن يذهب إلى الجيش ” البيشمركة : البديل “، أو أن يتطوع، حيث الخيار مفتوح، ولكن النظام العسكري مختلف، ولعل السؤال المباشر هنا، هو: كيف يمكن لإقليم يتعرض لتهديدات مستمرة، من الدول المجاورة، ولا يلزم ممن بلغوا سن الخدمة ، من الذكور قبل كل شيء، بوجوب أداء ” خدمة العلم ” لزمن محدود، كما يقال ؟
ذلك سؤال يتطلب الكثير لمعرفة جوابه، إلا أنه، وبعيداً عن الاسترسال في القول، يمكن التأكيد على أن هذا الخيار يقرّب المرء أكثر من مجتمعه، من وطنه، ومن مفهوم: الدفاع عن البلد، ولا أدل على ذلك من طابع الأمان الموجود، ومن اليقظة الأمنية اللافتة لحماية المجتمع، وربما تقدير هذا الجانب فوق كل تقدير في ضوء الراهن طبعاً.
وربما الذي يعيش مثل هذه الحالة هو الأٌقدر على تشخيصها وإضاءتها من الداخل قيمياً.
ذلك يحفّز على السؤال عما يمكن لأي منا أن يقوم به، أن يفكّر فيما يجري وهو أكثر مرونة، أن ينظر فيما حوله في البلدان المجاورة، وطريقة التعامل مع بالغي مثل هذا السن، وكيف يتم السَّوْق، وما في ذلك من ضغط نفسي، وتداعيات نفسية وغيرها.
ذلك، يقرّب المجتمع في هذه الناحية من المجتمع المدني، ذلك ينشط في النفس الكثير من القوى التي تشد المرء إلى المكان، إن حكّم ضميره، أو وجدانه، ذلك يستدعي النظر فيما يجري، واعتبار المحقَّق، رغم إمكان القول بوجود سلبيات، من المكاسب الكبرى، وأن ترجمة الحرص على بقاء هذه المكاسب تمر عبر بوابة وعي على مستوى الإقليم وأكثر، والسعي ما أمكن إلى الارتقاء به. وأظن أن الاستفتاء يمثّل التعبير الأوفى عن هذا الانتماء، وعن هذا الرابط الروحي مع المكان وأهل المكان، وهو حرص أعتقد أنه يتأكد أكثر لمن يحتفظ ولو بقليل من النباهة، وهو ينظر في محيطه الجغرافي والتوترات الحاصلة، أليس كل ذلك مدعاة لأن يمثّل المنتمي إلى الإقليم، ومن يرى في نفسه تلك الرابطة الكردية عموماً. أن يمثّل مثل هذا الحرص الذي يعنيه قبل أن يعني وطنه، بلده، مؤسسته، مورد رزقه، ويعمّق هذا الأمان القائم، أم تراها القوة المفروضة من فوق، كما الحال هنا وهناك، هي التي تعلّم كيف يكون الارتباط بالأرض بمن عليها وما عليها، كيف يبقى الوطن محمياً وأكثر استقلالية ومضاء سيرة في العالم ؟
دهوك، 21-7/ 2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…

قمع النّظام الانتفاضة بمنتهى القسوة، وبلغ عدد المعتقلين نحو سبعة آلافٍ من الفتية والشباب وكبار السّنّ وبينهم نساءٌ.. وقد مارس معهم أشدّ أنواع التعذيب مثل: تكسير الأسنان، وقلع الأظافر، والصعقات الكهربائية، وتوفي بعضهم تحت التعذيب كالشهيد الشاب فرهاد محمد صبري. وجلب النظام قواتٍ عسكريةً كبيرةً بقيادة ماهر الأسد إلى الجزيرة، وطوّق الجيش والأمن قامشلو وبقية المدن والبلدات الكردية، وقامت بفصل…

إلى كل من يحاول عبثًا تغيير مسار التاريخ بأساليب رخيصة وبالية، تدين لجنة إحياء ذكرى الأمير إبراهيم باشا المللي، بأشد العبارات، الجريمة النكراء التي استهدفت قبر الأمير، في اعتداءٍ لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة بائسة لتشويه إرثه، والإساءة لتاريخ الشعب الكردي، وإشعال الفتن بين مكونات المنطقة عبر خطاب الكراهية والتحريض. لقد كان الأمير إبراهيم باشا، المعروف بلقب “مير ميران…

نظام مير محمدي*   تُغرق الأخبار المتعلقة بالمفاوضات النووية النظام الإيراني في دوامة من الأزمات الداخلية والخارجية. هذه الأزمات لا تقتصر على فئة معينة في الحكم، بل تشمل النظام بأكمله، وتتفاقم مع مرور الوقت. يمكن رؤية دلائل هذه الأزمات في خطب أئمة الجمعة، وردود فعل نواب البرلمان، والتناقضات في تصريحات المسؤولين.   التحدي الكبير للنظام حدد النظام الإيراني هويته…