حوار مع الموت على تخوم عفرين

عنايت ديكو
لقد راهنا كثيراً على الأحلام، وحاولنا وبكل الوسائل المتاحة والموجودة في قاموس البراغماتيا الكوردية أن نحافظ على ” عفرين ” كحالة ستاتيكٍ هادئة وساكنةٍ تعلو المَشاهدَ الحربية والقتالية المباشرة على جغرافية الأرض السورية، لكن للأسف لم نستطع فعل شيء. ووضعنا أمامنا أيضاً، ضخامة حجم التناقضات الرهيبة والكبيرة والمميتة بين الأطراف الكوردية السورية، لنستقي منها الدروس والعبر، وحاولنا قدر الإمكان أن نستعين بجوهر الموجودات الروحية والقومية في قاع الذاكرة والفكر والسياسة، لنُحافظ على ” كورداغ ” كرأسمالٍ ومكامنٍ استراتيجية في كوردستان سوريا، لكننا لم نفلح. ولقد حاولنا أيضاً القيام بخلق بيئةٍ وظيفيةٍ إسعافية وسط موجات القتال والدمار التي تجتاح الوطن، لتجنب ” عفرين ” من نار المعارك والحروب، والحفاظ عليها وعدم الزَّج بها في آتون المصالح والتكتيكات القاتلة .!!! … للأسف لم ننجح بذلك أيضاً. 
وفي الأخير … سقط الرهان على تلك الحالة الانسجامية المتناقضة من تآلف وستاتيك الأضداد، التي كانت موجودة وسارية المفعول بشكلٍ من الأشكال بين جماعة الأمة الديمقراطية والمجلس الوطني الكوردي الـ ” ENKS ” في عفرين. وسقطت معها كافة التوازنات البينية التي كانت تتحكم بمفاصل العلاقات المتوترة بين الطرفين الكورديين المتصارعين. ووقعت عفرين اليوم أسيرة تحت وصاية التطورات والتناقضات والصراعات الكوردية – الكوردية القاتلة والحارقة، وجاء القصف التركي ليؤكد لنا عمق هذه الأزمة التي يعيشها الشعب الكوردي بين الطرفين، إلى جانب التخلّي الروسي عن عفرين وتركها في العراء والسكوت الأمريكي المقصود والاقتراب البعثي الإيراني الخطير من كورداغ، فبات الكورداغي بين فكّي كماشة ، ولا حول له ولا قوة، وخاضعٌ فقط لثقافة الكباش والتناطح المميت والمستمر والدائم، وبكلمة أخرى، لم نعد نستطع نحن الكورد وبالشكل الجمعي والكلّي من ادارة التناقضات والصراعات الكوردية – الكوردية بشكلٍ لائق والتحكم بها ودفعها الى حالةٍ مخاضية وكمونية وتطويعها لخدمة المصالح الكوردية العليا.
السؤال الكورمانجي هنا: ماذا يجري لعفرين وحولها من تحضيرات عسكرية تركية واقترابٍ بعثي واضح المعالم من المنطقة، والسماح بدخول العناصر الأمنية البعثية خلسة إلى كورداغ والترحيب بها.؟ فهل ستحتل تركيا منطقة كورداغ فعلاً … ولماذا لا تتجه المعارضات العروبوية الوطنية (( إن كانت وطنية )) إلى النبّل والزهراء وغيرها من القرى الشيعية بدلاً من قصف عفرين وقراها .؟ وهل سيكون قدوم البعث خيراً من الاحتلال التركي كما يُروج له البعض من كومبارسية عفرين سرّاً وعلناً؟ وكأن البعثي الذي سيأتي … سيكون أكثر رأفة وإنسانية وضميراً ووطنيةً من الاحتلال التركي.؟؟!!  فما هو هذا السرّ والتناغم الدقيق بين النظامين السوري والتركي لقضم منطقة عفرين رويداً رويداً وبرعاية روسية .؟؟ فمَنْ الذي يَتحمل المسؤولية هنا عن هذا الانحدار الخطير في العلاقات البينية المباشرة في المعادلة الكوردية – بشكلٍ عام- وفي كانتون عفرين- بشكلٍ خاص.؟ أليس اعتقال المناضل “عبد الرحمن آبو” الأخير هو الترجمة الصريحة والواضحة لطبيعة الحالة والعلاقات التناطحية القاتلة بين الطرفين الكورديين. هذا الاعتقال الذي له مدلولات سياسية كبيرة وخطيرة ويختلف هذه المرَّة عن سابقاتهِ شكلاً ومضموناً.!!
– فالآبوجية يريدون تصدير أزماتهم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والإنسانية إلى الخارج، ويحاولون وضع أكثر هذا الاخفاقات في حضن المجلس الوطني الكوردي، وتحميلهم الفشل السياسي الذي يحصل لهم. وعلى الطرف الآخر يحاول المجلس الوطني الكوردي الـ “ENKS” ترقيع وفشل جلَّ مشاريعه السلحفاتية وعمله التنظيمي والسياسي في رقبة النظامٍ والحكمدارية الآبوجية في كوردستان سوريا ويحاولون إخفاء سلبياتهم بحجة وجود نظامٍ ديكتاتوري متمثلٍ بالـ ” PYD “. لكن الحقيقة هنا والشارع الكوردي أيضاً يَعرف تمام المعرفة، بأن ما تعيشه منطقة كورداغ من حصار وضغطٍ وتهجيرٍ واحتلال وذلٍ وقهر وسجنٍ واعتقال، هو نتيجة غياب المشروع الكوردي السياسي الواضح.؟ 
أليس هو الرفيق الحكمداري … الذي جاء بالدّبِ إلى الكرم ؟ وهو الذي قام بفتح المجال أمام الكتائب العسكرية الروسية والترحيب بها وإطلاق الزغاريد بقدوم العربات والدبابات الروسية بحجة الدفاع وحماية كورداغ من الهجوم والقصف والضربات التركية ؟ أليس هو الذي دفع بالوضع إلى التقارب بين النظام السوري وتركيا … وهو الذي دفع بالكورد إلى أحياء سليمان الحلبي والصاخور والحيدرية والميدان والسليمانية وبني زيد والكاستيلو والمسلمية وغيرها ؟؟؟ فأين هي روسيا الشقيقة والصديقة واللصيقة من هذا القصف ومن هذا الهجوم التركي المُدان الذي أودى بحياة بعض الشهداء من الكورد في عفرين ؟ أليست روسيا هي التي تدير الأزمة والمعارك وتراقبُ فصل خطوط النار، أليست هي المسؤولة عن الأجواء في حلب وعفرين ؟ وأين هي الدبلوماسية الأيكولوجية النشطة ووزاراتها الخارجية والداخلية والأمن والدفاع والمالية ومكاتبها الدبلوماسية في العواصم الدولية والتي كانت تدير المؤتمرات والكونفرانسات والندوات والحوارات في موسكو وضواحيها.؟
– فإن ذهبت عفرين وأُحتلت وقُصِفَتْ … ولَعِبَ الرماد والغبار في شوارعها … وهُجر أبناؤها الباقون المتبقون… وأُحتلت من قبل الأعداء … وجاء النظام البعثي أو التركي أو الإيراني ..؟ فسيكون المسؤول الأول والأخير عن هذا الخراب هو النظام السياسي القائم من حكمدارية الأمر الواقع ومَنْ معه من جماعة الظل والكومبارس والمنحبكجية الذيلية .؟ لأن الذي يقول بأنني الوحيد الذي أمثل هذا الشعب وأهدافه، وأن الشعب قد انتخبني بنسبة 99% .؟ فسيكون هو الوحيد المسؤول عن كل هذه الجرائم التي تحصل لنا والتي ستحصل لكورداغ ولغيرها من المدن الكوردية الأخرى. ولأن الذي يتحكم برقاب هذا الشعب ويصادر قراره، ولديه السجون والمعتقلات والقوة والسلاح ويفرض الضرائب والاتاوات .؟؟ هو المسؤول الأول والأخير. 
ولماذا..؟
لأن الحكمدارية هذه ، قد ذهبت فعلاً بعنجهيتها وديكتاتوريتها إلى حدّ بتر الأخر وطمسِ معالمه وحرقه الى حدّ الموت والفناء والقضاء على آثاره وبنيانه، ولم تترك المجال حتى للحشرة بالعيش في الوطن، وقامت بنتف ريشها ووَضَعَتها خلف القضبان الديمقراطية والأيكولوجية ، وصادرت كل أنواع الحراك والعراك والحيوية والنشاط والحياة والحرّيات والكوردوارية في كوردستان سوريا، وباتت تخوض حروباً بالوكالة، حروباً هامشية ورمادية وضبابية لا علاقة لها بالكورد وبنضالهم ، لا من بعيد ولا من قريب. فما ذنب الكهل العفريني أن يذهب إلى الرَّقة والبوكمال ويترك جبله الكورداغي فريسة للبعث وتركيا وإيران وروسيا والمعارضات العروبوية والاسلامية.؟؟ أليس الدفاع عن كورداغ هو أهمٌ من الدفاع عن البادية وديرالزور وصحراء تدمر.؟ وأليس ترتيب البيت الداخلي للكورد هو أهم من بناء المعتقلات والسجون والزنازين وسراديب أسلحة الدوشكا وعربات الدفع الرباعي الروسية والايرانية وتخزينها في معسكرات كفرجنة وجبل هاوار.؟ 
نعم أنتم الوحيدون والمسؤولون عما يجري لمنطقة كورداغ وما سيجري لها.
وفي النهاية نستطيع أن نقول لحكمدارية الـ” PYD ” ولهذا النظام السياسي القائم والمتحكم برقاب أهلنا هناك: إن عفرين هي أكبر من صوركم وتماثيلكم وزعمائكم ورؤسائكم وزعيقكم اللامتناهي، فلم يبق شيء في جعبتكم السياسية والنضالية لتراهنوا عليه ولتضعوه على الطاولة وفي الميدان القومي وخاصة بعد تسليمكم أكثر المناطق المحررة للنظام في حلب وكانتون الجزيرة وغيرها، والتي كان مهرها وثمنها دماء خيرة شبابنا الكورد. لقد سلَّمتم كل الأوراق دفعة واحدة، فمنكم مَنْ تَحَوَّلَ إلى بيدق … ومنكم مَنَ تحوَّلَ إلى” برغي” في آلة الخضوع والخنوع … ومنكم مَنْ تَحَوَّلَ من ماردٍ إلى شاردٍ على الحدود والسدود . ومنكم مَنْ كان يُدافع عن الديكتاتورية وعن ظلمها وإرهابها وهرب إلى أوروبا مع أولاده وأحفاده وعوائله وأهله وخلّانه وترك الشعب هناك وحيداً فريسة للإهاب والقتل والتجنيد والضغط والموت والاعتقال والتهجير.
انتهى الحوار .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…