جناية استفتاء الاستقلال ونهاية التاريخ الكردي «3»

ابراهيم محمود
أتحدث في هذه الحلقة عن مسعود البارزاني الرئيس، أو الرئيس مسعود البارزاني. وسأسعى جاهداً إلى الحديث عنه كباحث، بعيداً عن أي مجاملة أو مديح مجاني، إذ لا أظن الرجل بحاجة إلى مديحي أو مديح سواي، إلا لمن له ” غرض “. أسمّيه فيما هو عليه وفي ضوء الواقع المعيش، وفي هذا التوقيت الزمني الصعب” المفصلي “، والحديث عن الاستفتاء يتنامى، وهناك من يقول” يحكي كلام أكبر منه “، ولا أدري كيف يكون كلام الرئيس، لا أدري من أين جيء بهذا المعيار؟ كما هم رؤساء الدول المجاورة التي تعيش أوضاعاً كارثية ومخيفة أو تحت وطأة الانفجار في أي لحظة، بينما ، هنا في الإقليم وفي أشد الأوقات خطورة، لم يشهد الإقليم، حيث أقيم أنا وعائلتي ، أي خطورة من هذا النوع، بالعكس، فأنا، ومن خلال متابعتي أستطيع القول أن إقليم كردستان من بين أكثر المناطق في العالم أماناً، ربما أولاها.
 أين موقع الرئيس في ذلك؟
أعلينا أن نسمّي رؤساء الدول المجاورة وتلك المجاورة لهذه؟ لنجر مقارنة في ضوء الواقع، أي نتيجة تتحصل لدينا، من خلال الإمكانات المتاحة؟ والضغوط القائمة ضد الكرد عموماً والإقليم خصوصاً، وما يمكن الحصول عليه الآن، وجملة السياسات التي تعتمدها حكومة الإقليم للتنفس وتأمين ما يلزم، وما تعنيه هذه الممارسات السياسية من مرونة لافتة في الاتصالات الجانبية !
هل نريد، من خلال الحساسية الكردية الزائدة لدى بعض الكرد، أن يكون الإقليم في نطاق ” المدينة الفاضلة ” وفي المنطقة الواسعة النطاق كم هائل من المدن ” الجاهلة- الضالة “؟
أم علينا إثبات أننا كرد متخلفون Em kurd in hov in، وإبراز كم نحن أعداء لبعضنا بعضاً وأمام الأعداء: على مرأى ومسمع من الأعداء، بإنزال الشتائم المقذعة، ودون أي حساب للنتائج وتداعياتها؟
لنحسبها من ناحية ثانية:
من المستفيد من وراء زعزعة الإقليم ؟ هل حقاً أن الكرد المنادون بالديمقراطية، بالطريقة هذه، واعون لنوع الديمقراطية المسماة، وفي الجوار انفجارات واغتيالات ومخاوف تترى ؟
هل علينا أن نبحث عن حجة معينة، من باب أن ما يحضَّر له في غير محله، كمن يضحي بالكل من أجل جزء هو ذاته لا ينفصل عن بنية هذا الكل؟
فلأسمّ مسعود البارزاني عشائرياً وعن أنه ابن عشيرة، ولأسم كل ما يحيط به عشائرياً. حسن، إنني أقول ذلك من وجهة نظر منطقية، ودون أن أنسى ما يحدث على أرض الواقع هنا وهناك؟
لا أنفي وجود بنية عشائرية في الإقليم، وهذا ليس اكتشافاً، سوى أن الحديث عن ” بارزان ” لا يحيلني إلى مفهوم عشيرة بالمعنى الضيق، إنما ما يشكل مجموعاً عشائرياً موحداً من خلال قرية توسعت وأخذت مداها القيمي والاجتماعي والتاريخي. إزاء ذلك، هل يمكن التذكير بنظام من الأنظمة المعروفة في القرن العشرين، وحتى الآن، وبغضّ النظر عن الاسم، إذ المحتوى هو المطلوب، لا يعاني من تصدعات وخروقات أمنية ومشاكل أمنية مريعة، في الدول المجاورة وأبعد؟ هل يهمني تحقيق الأمان، أم مجرد الاسم، ولكم قتلتنا الأسماء الجاهزة !
تُرى، ماذا فعلت، أو تفعل الأنظمة التي تتشدق بالحداثة، أو العصرنة، أو السلوكيات السياسية القانونية في المنطقة لشعوبها؟ ألأنها ادعت عن أنها تقبل التغيير الشكلي متقدمة ؟
وبهذه المناسبة، فإنه في الوسع مراجعة هذه الجوانب الخاصة ببارزان والبارزانيين، وأوجه النقد، دون أي تردد ، وأنا أشير إلى كتب متفاوتة في عملية التقييم، بين كل من :
معروف جياووك: مأساة بارزان المظلومة
وبي ره ش: بارزان وحركة الوعي القومي الكردي” 1826- 1914 .
والكتاب الاستخباراتي لرجل استخبارات صدام حسين د. مصطفى البراك: مصطفى البارزاني: الأسطورة والحقيقة. في أكثر من ” 300 ” صفحة، وما فيه من أضاليل، ورغم ذلك، فإنه معروض في المكتبات ” على الأقل هو وغيره في مكتبة المركز الذي أعمل فيه في دهوك “، وهذا يعني أن ليس من خوف مما يقال أو يشاع، والواقع يقول شيئاً آخر. أم علي التأكيد عن أن الدول المجاورة تعيش الحالة هذه، وما يحدث منقول على الهواء مباشرة؟ تُرى، هل تعلَّم الكردي أن يحني رأسه أمام من لا يتكلم بلغته، ليتكلم هو بلغة ” سيده ” ويثبت أنه مدني خلالها؟
لنحسبها قومياً، ففي ضوء ما يجري، يمكن ” ومن جهة توجيه النقد إلى سلوكيات كثيرة جارية في الواقع تسيء إلى حكومة الإقليم ” كالفساد “، وهذا ليس اكتشافاً أيضاً، ولكن علينا ألا ننسى أن ما يضمه إليه الإقليم من خلال مئات الألوف من اللاجئين، المهاجرين، والمقيمين في كل جهاته، فوق قدراته، ورغم ذلك فقد تم اجتياز أحلك المواقف، ودون أن أنسى أنه حتى أولئك الذين يشْكون عوزاً أو بؤساً ممن يقيمون فيه مهاجرين أو لاجئين وبوصفهم كرداً لا يعدمون طرقاً كثيراً لإعالة أنفسهم، ومساعدة ذويهم، وحتى تحسين أوضاعهم المعيشية بشكل لافت وفي نسبة كبيرة منهم، إلى درجة إمكان القول أن الأغلبية منهم ليس في وسعهم إنكار أن تحسين الوضع المادي الذي حققوه يبز ما كانوا عليه حيث كانوا يعيشون، وبشكل لا يقاس، عدا عن أن كثيرين منهم أرسلوا أبناءهم وعائلاتهم إلى أوربا وغيرها، وتكلفة كل ذلك. ألا يعتبر ذلك حجة عليهم ؟ أم تراه علقم الغريب عسل، وعسل الأهلي علقم؟
لنحسبها من الناحية الأمنية: يعلم الإنسان العادي فينا قبل المتابع والمهتم بهذا المجال، أن التحدي الأكبر الذي يواجهه العالم هو التحدي الأمني، أو تحقيق الأمان، كما هو ملاحظ في مختلف دول العالم، ومقارنة بين سويَّة الأمن في الإقليم كما أعيش فيه والدول الأخرى ودون استثناء، يكون الإقليم في الواجهة. فليتخيل المقيم في الإقليم ومواطن الإقليم أنه يعيش ” مجرد ” ساعة ” كما الحال في العراق: بغداد وغيرها، كيف سيكون وضعه، وإلى أين تتجه الأنظار بعدها!
هذا يضع الكرة في مرمى كل كردي، داخل الإقليم وخارجه أن يتنبه إلى ما هو مطلوب، إذا أراد حرصاً على بيته، ووطنه هو بيته، إذا أراد سمعة حسنة لبيته، وسمعة وطنه من سمعة بيته، إذا أراد ارتقاء لبيته وكل من فيه، ووطنه من هذا القبيل، إذا أراد أن يثبت للأعداء أن مسألة استقلال كردستان ليست محصورة في شخص مسعود البارزاني، وليس هو الوحيد المنادي بها، وإنما كل من يرى أن استقلال الوطن المحلوم به امتداد لاستقلاله الشخصي، حينها سوف يرى أن ليس من مسافة فاصلة بينه وبين السيد مسعود البارزاني، لأن الاثنين ينتميان إلى المكان ذاته، وكل في موقعه، ونعم امرىء عرف وطنه وقدَّر ثمنه وأدرك قيمة رئيسه في الزمن الصعب والبالغ التوتر، وهو ينام نوم قرير العين هانيها، إذا أراد خيراً لنفسه قبل التفكير بجاره أو جار جاره ووطنه، ليستطيع الاستمرار على المنوال ذاته، ليدرك قيمة الأمان الذي يعيش فيه، حيث الآخرون يتخوفون حتى من الخروج من بيوتهم نهاراً فكيف بالنهار؟
أتراني مدحت مسعود البارزاني الرئيس أم سمّيت واقعاً لا يُسمَّى من دونه ؟
دهوك، في 19-7/2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…