مؤتمر «الطروادة الكردي»

صبري رسول
الجزء الأول:
حذّر كثيرٌ من المراقبين بأنّ الدول الإقليمية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرار إقليم كردستان العراق في إجراء الاستفتاء الشعبي كأحد استحقاقات حق تقرير المصير، وبخطواته الثابتة لتنفيذه، وأكّدوا أنّ دولاً إقليمية مجاورة ستدفع بعض مريديه «الشرسين» إلى وضع العصي في عجلة قطاره جهاراً نهاراً، قبل الانتقال إلى «خطة ب» وكلّفت الآخرين إلى وضع أقنعةٍ توازي الرغبات العطشة للشارع الكردي ومطالباتهم في «وحدة الصف والقرار» في مسعىً حثيث لإفشال عملية الاستفتاء برمته وبالتالي نسف «الحلم الكردي التاريخي» في دولته القومية.
الخطوة التي راهن ولي الفقيه عليها في طهران بدأت من خارج الإقليم الكردستاني العراقي، من منطقةٍ تنزف ألماً ودماً، وجراحُه تنزع شفقة الغريب قبل القريب، من قامشلو، فبدأ الحزب العمال الكردستاني بتحريك مصنوعاته وتابعِيه هناك ليكونوا الممثلين البارزين على الخشبة، واكتفى لنفسه بالدور الخلفي والإخراجي.
لم تنجح لجنتهم المكلفة بتحضيرات المؤتمر في إقناع الأحزاب الرئيسة والمجلس الوطني الكردي من كردستان سوريا في المشاركة، وبكل تأكيد لو شارك المجلس في «المؤتمر الوطني» كانت مشاركته بمثابة الرصاصة الأخيرة على نفسه للانتحار. في أجزاء أخرى من كردستان لا علم لي بالتحضيرات و«الهرولة» كما في قامشلو، فركضت أحزابُ «زَبَد البحر» والباحثون عن ذاتهم في مرايا الآخرين ركْضَ الواهمين في قطفِ ثمراتٍ يانعات لـ«مُنتَظرِيهم». وأطلقوا على المؤتمر الوطني «الاجتماع التشاوري» حفاظاً على ماء وجه «التشاوري الفاشل» في «خلق الطروادة» وإدخاله إلى الساحة الداخلية تمهيداً لبدء نخر الجسم الكردي في الإقليم استغلالاً للشهرين المتبقيين للاستفتاء.
لم يسأل المشاركون من قامشلو أنفسهم: منذ سبع سنوات سلّم النظام سلطته وصلاحياته في المناطق الكردية لـ (ب ي د) من قوة وطاقات وموارد مالية، أو لنقل تقاسمَ معه، وليس هناك أي إنجازٍ سياسي حتى الآن عكس ما يروّجون له، والمنطقة أشبه بخراب عشّ الطير المهاجر. لم يسألوا أنفسهم: كيف سنقوم بهذه الخطوة وحدنا؟ كيف سنتجه إلى السليمانية وشركاؤنا في اتفاقيات الأمس مازالوا في سجوننا، كيف لنا أنْ نُنجزَ مؤتمراً قومياً يمثّل الكرد في أجزائه الأربعة ولا نملك صلاحية إطلاق سراح «مُختَطفٍ سياسي»؟. 
عقدوا اللقاء التشاوري في مدينة سياحية، وغيّروا طقْسهم قليلاً، وبكلّ تأكيد يسري في سريرة نفس كلّ منهم (ماذا حققْنا)؟ 

الجزء الثاني من هذا النّص يتناول بيان المؤتمر التشاوري، وبنوده الغرائبية. 
البنود الواردة في البيان هي أشبه ما تكون خربشات مبتدئين في السياسة منها إلى لغة الخطاب السياسي الرصين. أعتقد أنّ اللجنة التحضيرية للمؤتمر أدركت منذ الافتتاحية أنّ لقاءهم غير ناجح، ومصير بيانه الأخير فاشل، وأنّ جدول أعماله لا مضمون فيها للمناقشة، وبالتالي لن تكون هناك نتيجة يتمسّكون بها للعودة رافعي الرأس إلى قامشلو فجاءت البنود العشرة في البيان كسيحةً، ركيكة للغاية في خطابه السياسي، فارغة من أيّ مضمونٍ سياسي، عباراتها متكرّرة، ويمكن تلخيص البيان بأكمله في بضع عبارت باهتات: (الاستمرار في مناقشات النقاط الأساسية والوصول إلى مرحلة المؤتمر)
لكن كي يقتنع القارئ بأنّ هذا النص لا يفعل فعل التجنّي على البيان إليكم ملخص بنوده: البند الرابع لا شيء فيه أما الأول والثالث ملخصهما: 
((1-كافة الأحزاب الساسية، أبدوا آراءهم ومقترحاتهم.
3-يجب الاستفادة من النواقص والأخطاء السابقة وأخذ التجربة منها)).
هل يُعقَل أن يُصدَر هكذا بيان من «المؤتمر الوطني» الذي يرى نفسه ممثلاً لأربعين مليوناً؟ 
((4-بعد هذا اللقاء التشاوري، يجب مواصلة النقاشات حول المبادئ والأساليب والنقاط الأساسية للوحدة الوطنية، والوصول إلى نتائج، واتخاذ القرار بتمرير تلك النتائج إلى المرحلة الثانية.
5-مبادئ وأساليب الوحدة الوطنية ستكون مفتاح الوصول إلى تحقيق الوحدة الوطنية عملياً.
6-وكمبدأ، مثلما حققت المرحلة الأولى الكثير من التقاربات، يجب أن نسعى في المرحلة الثانية ضم كافة الأطراف الأخرى إلى اللقاءات التشاورية لتحقيق الوحدة الوطنية، 
7-ولتحقيق نتيجة إيجابية رأينا أن يستمر المؤتمر الوطني الكردستاني في قيادة المرحلة الثانية وتنظيمها أيضاً.))
البنود من الرابع إلى السابع تذكّر المرء بقصص الأجداد الجبليين في حديثهم عن الحياة وحكمها في الجبل. لم تُشِر هذه البنود إلى أي موقف سياسي ذي قيمة، هي عبارات «تدويرية» فارغة من أي مضمون فكري أو سياسي. ولا تُغني الكرديّ المكتوي بآثام «المُؤتمرِين» من جوع.
((8-وبعد تحديد المبادئ والأساليب والنقاط الأساسية للوحدة الوطنية، سيتم الخروج برؤية موحدة في المرحلة الثانية، سيتم تشكيل لجنة تحضيرية للقيام بهذا العمل.))
البند الثامن يضعُ القارئَ في عاصفة متاهية فضفاضة، بعد ساعاتٍ من التحليل يجدُ نفسه في الموقع نفسه. فأي مبادئٍ وأي أساليب ونقاطٍ يتحدّث عنه هذا البند؟
9-وباسم كافة المجتمعين في اللقاء التشاوري نرسل سلامنا وتحيتنا للمعتقلين السياسيين.
الأغرب والأقبح في بيان «أحصنة طروادة» البند التاسع. المجتمعون يُرسلون تحياتهم إلى المعتقلين السياسيين. بما أنّ الاسم جاء جمعاً مذكراً سالماً، ليتهم حدّدوا الصفة القومية للمعتقلين السياسيين. أم أنّ التحية لكل معتقل سياسي في العالم؟ وهل تشمل المعتقلين في سجون (ب ي د)؟
أليس عاراً على المؤتمر أنْ يتجاهلَ حتى مجرد الإشارة إلى مسألة الاستفتاء؟ بنود البيان شبيهة إلى حدّ «التوأم» مع بيانات جامعة الدول العربية؟ مع تقديري للشعوب العربية، أليست لغته الخطابية كلغة المراسيم السورية الصادرة من النظام والتعميمات الحكومية الغامضة والفارغة؟ (وفق تعبير كاتبة كردية). فالبيان لا يستحق حتى إضاعة الوقت في كتابة التعليقات عليه.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…