هل نحن الكرد عملاء1/2

 د. محمود عباس
نحن الكرد، ودون التمعن، أو الانتباه للماضي القريب، حيث هيمنة السلطات الشمولية الاستبدادية على مقدراتنا الثقافية، والاقتصادية والسياسية، وتحكمهم في نضوجنا، وحتى في علاقاتنا الاجتماعية، وتعاملهم معنا وعلى مر العقود كشعب من الدرجة الدنيا، وإرضاخنا لمتطلباتهم بتسليط المربعات الأمنية، ننهض بعشوائية لنقفز فوق مسيرتنا الكارثية تلك، وغالباً ما نتناسى معها واقعنا وظروفنا المؤلمة، فنخون بعضنا دون معرفة الحيثيات، ونخلق مصطلحاتنا حول العمالة الكردية، ونقدمها للقوى الإقليمية وكتابهم ومثقفيهم وسياسييهم مطبوخة. بل ونسوق الأفكار الفاسدة بين مجتمعنا، ونكرسها كمفهوم، ونطبقها على بعضنا، فنسهل للمتربصين تناولها والتشهير بنا، وبنفس صيغنا وكلماتنا، فقط هم يقومون بإعادة صياغتها على المقاييس العالمية، بحيث تصبح سهلة المضغ عند الدول الكبرى.
والغرابة أننا وعندما نجد هذه التهم والمصطلحات في كتابات الأعداء، نعود ودون أي اعتبار لخلفيات الظهور إلى محاربتهم وبطريقة ألية، معتبرين أنها من صنعهم. ودون أن نحاول توعية بعضنا والتحرر من المخلفات الموبوءة، نقوم بفرز طرف كردي في خانتهم، وبها نزيد من منطق العمالة والخيانة الكردية، وفي هذه الجدلية لا تتخلف جهة كردية عن الأخرى من التهمة.
   فالجميع وبسبب الصراع الكلي بيننا، ننساق معا إلى خانة الخيانة والعمالة، ولمن؟ لنفس الذين يستغلوننا ويتحكمون بإرادتنا، ويتهموننا ومن مصطلحاتنا، وبذلك نصبح أدوات سهلة الاستخدام، وعملاء برغبة أو دونها، وبها نسهل لهم تسخيرنا لأجنداتهم، وإن تمرد أحدنا ووقف في وجههم، وبين عن نضوج فكري-سياسي، فلا يجدون الصعوبة بتكوين البديل من ضمن المجتمع المحتل ثقافيا واقتصاديا، أو من أحد أطراف الحركة الكردية، فهل نحن فعلا عملاء؟ أم إنها مفروضة علينا؟، وهل سنبقى عملاء عندما تزول الظروف المفروضة علينا؟!.
  وللأسف فالمجتمع الكردي، ربي على منطق الصراع الداخلي كحل لقضاياه القومية والوطنية، وتدمير الأخر كدرب افتراضي لبلوغ الغاية، ومعظمها نابعة من المفاهيم المغروسة فينا من قبل المحتلين، والواضحة من خلال اقترابنا من معضلاتنا وخلافاتنا، وإن استمرينا في هذا المنحى الفكري فسنبقي على مجتمع كردي ببيئة متربية بمقتضى مصالح الأعداء، مولدة لتنمية العشرات من المجموعات الممكن تسخيرها واستخدامها كأدوات.
   فبدراسة سريعة للمواقع الكردية والكردستانية، والاستماع إلى إعلامنا، وقراءة الجملة المختصرة في المواقع الاجتماعية، وتحليلات كتابنا، وتصريحات الحزبيين أو السياسيين، نجد أننا جميعا نحن الكرد عملاء لطرف أو لآخر، لا يوجد نقي بيننا، نخون بعضنا، أو نتلاسن إلى حدودها، أو في أفضل حالاتنا نتهم بعضنا بشكل أو آخر بإشكالية قريبة من العمالة لبعض القوى الإقليمية، والغريب أن أفضل التحليلات وأعمقها هي التي تفرز بأنها تمكنت في إثبات العمالة والتخوين على الطرف الأخر، وجلبت أكثر عدد من القراء وانتباه المجتمع، وهي بالتأكيد ستكون أكثر الكتابات المعتمدة من قبل الأعداء كمصادر لاستخدامها في ملفاتهم القادمة حول تخوينهم الشعب الكردي عامة، ولربما سيعود نفس الكاتب لمهاجمته، متناسيا بأنها مفاهيم عرضها سابقا في السياقات الجزئية الحزبية، والعدو يطرحها في السياق الكردي الكلي.
وتؤكد أن مجمل الحركة الكردية والكردستانية، غارقة في هذا المستنقع، والأمثلة العامة التالية نطرحها كنموذج عرضي، وهي منتشرة على مواقع القوى الإقليمية وفي إعلامهم المعادي للكرد أكثر مما هي بين الكرد ذاتهم، والغريب أن معظمنا يتلذذ بنشر غسيله الوسخ أمام الأعداء.
   وخير مثال على المقال، الصراع الجاري المغلف بالتخوين والعمالة، بين شريحة السياسيين والكتاب الكرد، من المؤيدين والمعارضين لعملية الاستفتاء في جنوب كردستان والذي حدد بتاريخ 25-9-2017م. فتحت تأويلات سياسية وصيغ كلامية تصل حدود الابتذال، وتمر من قنوات العمالة والتخوين، يوجه المعارضون انتقاداتهم لحكومة الإقليم ورئيسها الكاك مسعود البرزاني، والمساندون لمسيرة الاستفتاء، يغلفونها بغطاء الوطنية العراقية، أو خيانة الشعب الكردي، وبأنه لا يزال غير ناضج للمرحلة! وغيرها من الطروحات، التي تنتظرها القوى الإقليمية المعادية للاستفتاء، مستندين بشهادة الكردي على نفسه بالعمالة إن كان شفهيا أو كتابياً.
  كما ويتناسى هؤلاء ومن خلال هذه الانتقادات يوثقون ادعاءات الأعداء لتخوين ليس فقط حكومة الإقليم، بل الشعب الكردي والمسيرة الكردستانية، ولا يستبعد بأن هؤلاء المعارضين، قد يضطرون قريبا في البحث عن مخرج لإنقاذ ذاتهم من المستنقع الذي أسقطوا نفسهم فيه، ولتنظيف ما ألصقوه من التهم الرخيصة بحق المؤيدين للاستفتاء، خاصة عندما يدركوا ضخامة الخدمات التي قدموها للأعداء، وكما نعلم جميعا فإن تاريخنا يحمل في طياته أمثلة عديدة تعكس نماذج مشابهة، والتي لعمق تأثير دعاية الأعداء على تفكيرهم، وخلق الأحقاد فيهم تجاه الكردي الأخر لا يميزون بين الصالح والفاسد للقضية الكردية والكردستانية، فينشرون انتقادات سافرة قد تكون في عمقها مبثوثة من قبل المغرضين. والبعض من هؤلاء يحسبون ذاتهم مستقلون، لكن الأحزاب المؤيدة للاستفتاء، وسياسييهم ومثقفيهم يركزون على أن أغلبية المعارضين يتبعون حزب التغيير-goran، بذريعة الاعتراض على تعطيل البرلمان، وتجميد عمل البعض من الوزراء، وهم في هذا يقدمون عذرا، لكن المبان في منطق التخوين الذي يتلقفه المتربصون تخرج إلى حيث الصراعات الإقليمية وموجة العداء للكرد، وضرب مكتسباتهم، كما ويوجهون أصابع الاتهام إلى شريحة من الكتاب يهتدون بنهج منظومة المجتمع الكردستاني، ومعظمهم يسكنون في مدن الإقليم، والغريب أن إعلام المؤيدين للاستفتاء في عموم كردستان يضعونهم في حقل سياسي متناقض، حول هذه القضية، لأنهم في مواقفهم هذا يلتقون والتكفيريون الإسلاميون الكرد، وأدوات الهلال الشيعي! وبالتالي فالعمالة للقوى الإقليمية، والخيانة للجهات الخارجية تطال الطرفين، وكل سياسة أو دبلوماسية لا تمر من أبوابهما. ورغم تصاعد هذه التهم فلا غوران ولا المنظومة أصدرت بيانا أو توضيحا حول كتابات مثقفيهم وسياسييهم التخوينية، علما أن هؤلاء الكتاب والسياسيين لم يطرحوا حتى الأن بديلا منطقيا عن عملية الاستفتاء، أو حول مصير الشعب الكردي.
   ومن حيث المنظور الفكري والسياسي، استخدام النقد كمعول للهدم، دون عرض البديل، تخرج على صيغة التهجم المبطن، تفيد الأعداء، وتعيق توعية المجتمع الكردي، وتدمر المسيرة السياسية ومستقبل كردستان، فمهما تفنن المتخاصمون الكرد في النقد لا يستطيعون كبح الكراهية الحزبية، خاصة ومن خلال كتاباتهم المتتالية لا يكتفون بالنقد المنطقي والذي يجب ألا يغيب عن مجتمعنا، وهي من أحد الأسس التي تبنى عليها الأوطان الديمقراطية. لكننا نادرا، وعلى خلفية البيئة الاستبدادية التي تربينا فيها، ونهلنا منها ثقافتنا الأولى، لا نقف عند حدود النقد المنطقي، فما بين مقطع وآخر، لا بد وأن تطفوا التهجم العشوائي، وتظهر الكلمات المبتذلة، والتهجم السافر، فنخلط الحابل بالنابل، الوطنية بالحقد والكراهية، وهنا لا تمييز بين الشريحتين السياسية والثقافية، حتى وأن بعضنا تجمدت بهم الأفكار بعدم القدرة على الإتيان بقضية أخرى أو موضوع آخر، رغم ضخامة الصراعات الجارية في المنطقة، إلى أن أصبح عالمهم آل البرزاني وحكومة الإقليم، أو أوجلان والأوجلانية، أو قادة قنديل أو الطالباني أو قادة الاتحاد أو غوران، وعن المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية وال ب ي د، حدث ولا حرج، إلى حدود انعدام الإيجابيات في نظرهم، ولًيْتهم يقدمون البديل الأفضل، ومعظم هذه التهجمات تسيل لتصب في أحواض المناوئين، كسلع رخيصة. فالتخوين والعمالة لإيران وتركيا والمربعات الأمنية السورية والعراقية جردت الكل من التفكير والمقاربات السليمة، ونادرا ما حللنا خلفيات أخطاؤنا السياسية والظروف التي مرت بها حركتنا، من التخوين إلى العمالة، إن كانت هناك عمالة حقيقية!
   وفي هذه الفترة بالضبط تركز القوى الإقليمية على تصعيد الخلافات بيننا، لهدر طاقاتنا، وإلهائنا، لإضعاف عملية الاستفتاء، ومن جانبهم يقومون بضخ موجات التخوين والعمالة الكردية لإسرائيل، وأمريكا. وكرد فعل، على ما تظهر على الساحة من التهم، ذكرناها سابقاً، لا تقل عن منهج المعترضين، يقوم كتاب وإعلاميون من أو تابعون للديمقراطي الكردستاني، ضمن الإقليم أو خارجه، إما كدفاع أو هجوم بالمقابل، فيخونون المنظومة، إما بالعمالة لإيران أو لأرغنكون التركية، والبعض يجردونهم من الجنسية الكردية، إما بتهم العمالة للأخرين أو أنها منظمة خلقت بيد الدولة التركية العميقة، وفي أفضل حالاتها يقدمون خدمات للهلال الشيعي، كأدوات دون إرادة. وهذه التهم تظهر بين فينة وأخرى، وعند كل موجة من موجات إثارة الصراع. ونادرا ما تظهر كتابات وتحليلات منطقية من البعض أو على المواقع الاجتماعية، ولا يخلطون فيها الأوراق بين تحالفات الأحزاب الكردية بدءاً من الديمقراطي الكردستاني إلى الاتحاد أو غوران، أو منظومة المجتمع الكردستاني وما بين العمالة لإيران، أو لتركيا أو للسلطة السورية، وبين أن تكون هذه بداية علاقات دبلوماسية قد تتطور إلى مستوى الهيئات الدولية، ولربما لعدم خبرة الكرد السابقة في العلاقات الدولية، سيسقطون في الحفر التي تحفرها لهم القوى الإقليمية، ونحن عوضاً أن نساعد بعضنا بالنهوض وتنوير الدروب، نزيد من تعمية بعضنا بالتخوين والعمالة …
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
6/7/2017م
منطقة المرفقات

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…