ابراهيم محمود
ليس هناك ما هو أثقل من الصخرة أكثر من التفكير بأنها لن تتزحزح من مكانها، ويمكن للكردي التفكير بأن صخرة التاريخ لن تتزحزح من مكانها ليتابع طريقه حيث ينتظره وجهه الآخر. قياساً على ذلك يُعرَف أن هيغل الألماني قبل أكثر من مائتي عام أعلن عن نهاية التاريخ، على وقْع سحْق نابليون للجيش البروسي ” الألماني “، لأنه رأى في ذلك تاريخاً جديداً، ربما يقظة ألمانيا الواعدة، ولا بد أن تقدير الكردي بأن الأعداء يهدّدونه من الجهات إيذاناً ببدء تاريخ موعود، ونهاية لتاريخه الذي كان يرسمه دون اسمه، وهو محكوم بالأعداء تاريخياً وجغرافياً.
يحق للكردي أن ” يحسبها ” من الجهات كافة، إنما التاريخ أكثر من كونه عملية حسابية: هناك ما لا يُتوقَّع: الهندسة، وما أدراك بالتفكير بمقياس هندسي! ولو أن الشعوب كانت تعيش حسابات على الأرض، وكما هو الواقع، وغطرسة الظلمة، لما تحررت من أعدائها أو جلاديها. إذ إن فعل التفكير المستمر في الليل الدامس، سينقلب إلى حساب نفسي، دون إشراقة النهار.
إنما في السياق ذاته، يمكن للحساب أن ينفع إذا نظِر فيه من الطرف الآخر: الوجه الآخر للقمر.
لكَم هدّد إقليم كردستان، لكم هُدّد الكرد من الأعداء في السنتين الماضيتين ربما بشكل غير مسبوق، وهو تهديد مصيري، ونحن نتذكر هنا ” تنظيم الدولة ” الإرهابي المزعوم، الذي لا يُشَك، ولو للحظة واحدة هنا أ[داً، أنه صناعة محلية إقليمية، أريدَ منه أن يكون الموجَّه الرئيس إلى الخاصرة الكردية، لئلا تقوم للكردي قائمة، لا بل، لئلا يعود هناك من يُسمى بالكردي.
أرأيت لكم ينفع التاريخ بالتاريخ نفسه ” وداو بالتي كانت هي الداء “: داعش الداء الموجه إلى الكرد أكثر من غيرهم، وإن كانوا آذوا غير الكرد، لكن وضع الكرد مختلف، بحيث يمكن التأكيد أن توقع القضاء على كل أمل للكرد بالظهور في كيان سياسي ما، ربما كان ينسي كل هؤلاء الذين تضرروا من داعش ضحاياهم وخسائرهم والدمار الملحق بدورهم وممتلكاتهم، جرّاء التعبئة الإعلامية والتاريخية التي أظهر فيها متقاسمو الكرد وكردستان أن ليس من عدو يتهددهم أكثر من الكرد أنفسهم، كونهم يسعون إلى ” طردهم ” من أرضهم، وليس استعادة أرضهم.
اندحار داعش كان مرتبطاً بفاصل زمني، والمخدوع وحده يمكنه الاقتناع بأن داعش ظهر ليبقى باسم داعش، فالذين أوجدوا داعش موجودون، وهم الذين تعرضوا لهزيمة نكراء، أي كان داعش الداء في منظورهم الدواء، لكن الفشل الذريع والمهين لداعش أودع الداء المميت في صدور صنّاعه، وهذا هو المقصود بيقظة التاريخ الكردي الآخر، ونهاية المختوم بالأعداء.
على خلفية مجزرة حلبجة والهجرة المليونية أصبح الإقليم الكردستاني واقعاً شبه معترَف به دولياً، وعلى خلفية الغزوة ” الفتوية ” الديرية الموجهة إلى قامشلو، كان بروز القامة الكردية التاريخية بشكل غير مسبوق، وقد أصبح تحت ضوء التاريخ الدولي صعوداً إلى يومنا هذا، وعلى خلفية الهجمة الداعشية ومن كانوا وراءها، هذا الانشغال الإقليمي والدولي بالكرد، ولعلها التهديد الأكبر الذي كان في التاريخ الحديث لعموم الكرد، ولا يعرَف ما إذا كان وراء هذا الاستنفاء الموجه ضد الكرد وطموحهم القومي المشروع، سيكون وعد محسوب على طريقة ” واحد ” باليد، يد دولية، ربما النظر في المحاولات المكوكية التي تبذلها دول المنطقة فيما بينها، وكل منها من جهتها، يعطي مؤشراً يسمّي ما يخشاه الأعداء بالجملة، وكل طرف بحسب شعوره بدرجة الخطر على حدود الإقليم وأبعد، وفي ذلك يكون الاعتراف الأكبر بأن هناك جغرافيا كردية يسمونها هم قبل الكرد، وبالتالي، فإن التقدم إلى الأمام خطوة استفتائيةَ العلامة مطلب تاريخي، يقر به الأعداء من حيث لم يحتسبوا، أي التخوف من ظهور ما لا يريدون التفكير فيه .
ربما من هنا، يستحق أعداء الكرد الشكر من الكرد في هذا المنعطف التاريخي، وإن كانوا لا يستحقون شكراً على أي خطوة يخطونها حتى الآن، كونها فرضاً عليهم، إنما وجه الشكر المقدَّر، وبحساب الكرد الآخر، هو أنهم بقبيح أفعالهم، حفَّزوا الكرد، وفي الإقليم بجلاء، على الظهور بمليح أعمالهم، وبين قبيح الفعل ومليح العمل فرق كبير، كما هو الفرق بين من يتخوف من الدخول في ليل التاريخ القارس والطويل وحسابه العسير، ومن يمنّي نفسه بشكل مشروع، بالدخول في نهار التاريخ الذي طال أمده، ومردوده كبير، أوله ابتداء تاريخ يسمّي الكرد واقعاً.
دهوك، في 16- 7/ 2017