ابراهيم محمود
الذين يتجنبون الالتفاف على الكلام، واللعب بالعواطف، أول ما يتم تجنبه، لا بل والسعي دون التذكير به من قِبلهم، هو : القَسَم/ الحَلَف، والذي لا يُلجَأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى ” في المحاكم، مثلاً “، عند الإدلاء بشهادة ما، كما هو معلوم.. غير أن الاستخفاف به، في مجتمع مثقَل بالأعراف والتقاليد، وأوجه التخلف المختلفة، صار بمثابة ” الملح في الطعام ” وأكثر، فثمة من يتجنبه لأسباب وقائية. وللكرد/ الأكراد ” القدح المعلَّى/ السهم الأوفر ” في ذلك، فلدى الكردي ما يشبه القاموس الكامل في قسمه: أيمانه المغلظة، بدءاً، من ” والله، وبالله، وتالله ” إلى رأس أولاده، وتربة أجداده، وشرفه..؟؟!
يقسِم الكردي كثيراً كثيراً كغيره بالله ، فلماذا ” القسم الثلاثي به وهو واحد ؟ ” رغم أن الدلالة غير واحدة، بالنسبة إليه، ولمن يتعامل معه. إلى درجة أنه ما أن يتكلم حتى يستهل كلامه بقولة عموماً ” والله/ Bi Xwedê “، كما لو أن قسماً مألوفاً كهذا بمثابة المدخل إلى أي كلام، في الحديث اليومي، ودونه لا يعود للكلام من معنى.
Bi Xwedê – Ez xêrê ji zarokê xwe nebînim- Bi serê zarokê min û te
وليس من نبي أو رسول، إلا ويكون له حضور ما في جلوسه وقيامه، ولو في موضوع عادي جداً، كما تقدم أيضاً، إذ، كما يظهر، يجب على النبي أو الرسول أن يكون شاهداً على أن صاحب القسم صادق طالما أنه يلجأ إليه.
وليس بصاحب كرامة ” كرامات الأولياء ” إلا وله بالمقابل حظوة مكرمة وتصريف قيمة لديه: عموم المشايخ حاضرون هنا، من الشيخ عبدالقادر الكيلاني، إلى أي شيخ محلي” قدس الله سره ” مرواً بالشيخ جبر…ليكونوا شهوداً على مدى ورعه وتقواه.
وضمن البيت ثمة مراتب للقسم: رأس الكبير في الواجهة ” الابن الذكر بامتياز “، أو عموم الأولاد، في حال إذا كان غير صادق ” – Ez xêrê ji zarokê xwe nebînim ” ثم:
Bi serê zarokê min û te ، أو بنفسه، وحين يدعي عليها إذا كان كاذباً:
Ez xêrê ji xwe nebînim, ez ji vir ranebim, ez lotnedim, bi namûsa min, bi nekeh….
تصورا، حتى النكاح بدوره لم يحرَم من القسم !
وما يخص المجلس ” Bi xêra vê civatê “، ليمتد القسم إلى الخارج: Bi vê rokê .
وليتوسع نطاق القسم، ليشمل كل ما صلة بالوطن: أرضه وعلمه وشرفه هو الآخر، والأحدث في الضبط والمواجهة:
BI xwîna şehîda. ومنذ متى كان دم الشهيد رخيصاً إلى هذه الدرجة، ليكون ملفوظاً بمناسبة ودون مناسبة؟ منذ متى كان الشهيد مطروحاً بدمه في بورصة المزايدات، ليكون أداة قسم، وهو من يجب الحفاظ عليه، وأن يكون بعيداً، ويبقى حيث يكون، وقد ضحى بروحه ؟ أم أننا زيادة في الإيضاح، وفيما هو مستباح، نثبت أن دم الشهيد لا يكتسب قيمته إلا بإدراجه قسماً ؟ أم لنثبت في الجانب المضاد عن أنه خير وسيلة يمكن الاعتماد إليها لتحقيق شر غاية يمكن الدفاع عنها وتداولها تجاوباً مع أهواء طرفية وغيرها، ودون وجود معترض؟
طبعاً، ليس الزعيم” وما أكثر الزعماء الكرد في الحالة هذه ” ببعيد عن نوْل حصة له في موضوع القسم، إذا كان ميتاً: باسمه، بتربة ضريحه.. برأسه إذا كان حياً.. بأي شيء يذكّر به وهو راحل…الخ، وتحديداً بحضور من يُعتقَد أنهم معنيون به، لجعل ” فاتورة غنائم معينة أكثر دسماً “. أليس هذا ما نعيشه في أوساطنا الاجتماعية ومجالسنا، ما نراه ونسمعه ونسمع به؟ وتحديداً إذ ووجه مسئول ما عما يحصل، ويشعر أنه في مأزق، فيقسم بالأيمان المغلظة: دم الشهيد أو رأس زعيم ما، أو تراب الوطن وشرفه، أو بشرفه هو، أو بأولاده الغالين عنده أو….الخ ، أي يكون هنا امتياز لأولاده، كما لو أن أولاد محاسبيه ليسوا كذلك .
تُرى، في أي منهج بحثي، جامعي، تاريخي، تربوي، سياسي فاعل، شُدّد على أهمية قسم من هذا النوع ؟
من أين جيء بلائحة الأقسام هذه، وهي تقل أو تكثر، وتتنوع من جهة لأخرى، تجاوباً مع تفتح قريحة أولي أمرها، ومن يرون في ضروب قسم مما تقدم الأسلوب الأفضل للتواري وراء حقيقتهم، أو لتغطية سوأتهم ؟
هل نحتاج حقاً إلى مثل هذه المتنوعات من القسم ؟ أم أن الذي يجري هو تنامي النخر في الوجدان الكردي بالنسبة الذين يتولون إدارة دفته، هو العجز المستفحل، والكذب المملّح والمحلى والمزركش المثاب عليه عملياً، هو سوء التقدير للآخر، هو مسوخية الذات الزعاماتية ومن يتظلل بها وراء كل ما تقدم؟ لهذا نمضي من وضعية سيء إلى ما هو أسوأ منها !
إن مجتمعاً حياً، شعباً حياً، لا يحتاج لكل هذه الأقنعة، إلا إذا كان الذين يريدون التحكم به وإيجاد مبررات لأخطائهم وأفشالهم وموبقاتهم واختلاساتهم وصنوف مكرهم في شعبهم، يرون فيما تقدم ضمان سلامة لمواقعهم ونزواتهم، والإبقاء على المجتمع دون اسمه إلا بالشكل فقط !
دهوك، في 10-7/ 2017