إلى عفرين «خذوني معكم»

 ابراهيم محمود
إلى عفرين خذوني معكم، والطريق الكردي إلى عفرين سالك بصعوبة، والدم الكردي مراق بسهولة. إلى عفرين خذوني معكم، ولا أدري ماذا تبقَّى مني لأمضي معكم، وأثقِل عليكم، أيها القلة القليلة ممن تعيشون آلام عفرين، كما كنتم تعيشون أوجاع كوباني بالأمس، كما كنتم تعيشون استغاثة شنكَال أول أمس، كما كنتم تعيشون ويلات الكردي في الكردي مذ وسَم شخص ما في بيداء الله الواسعة بالكردية. إلى عفرين خذوني معكم، إلى حيث أهلها وهي تكابد الكردية، وتندب حظها، لترّد عليها جبالها: الآلام، وديانها الجراحات، ينابيعها الدموع، سهولها القلوب المتقاذفة في عراء الدول الكبرى وعرّابيها المحليين.
إلى عفرين خذوني معكم، يا رفاق المسافات الدامية، ويا أخوة تراب التبس عليه اسمه على وقع نكأ الكردي لجراحات الكردي، خذوني معكم، وأنا معكم، كما أخذتموني معكم إلى سري كاني، مشارف دهوك، آمد…خذوني لأحسن تهجئة الاسم الكردي الكريم، والنزف الكردي المريع، والقلق الكردي غير المسبوق، مكحلاً عيني وهما على تخوم فقدان البصر بأخضر زيتونها المبارك المصدوم بمن يرددونها وهم ماضون في إيلامها، وأودِع لساني رشفات من مائها المستغيث بأسفل الصخور، لأكون أكثر كشفاً لحدود عفرين المنهوبة من أحذية شذاذ آفاق، تجار حروب، سماسرة يتكلمون لغات عدة، شركاء غفل من الاسم، موائد منصوبة في الهواء الراكد، وألسنة بابلية ترطن باسم عفرين على طريقتها:
 شرقاً غزاة لا يعرفون أنفسهم إلا غزاة كما ولدتهم أمهاتهم!
 غرباً، جناة لا يعرفون أنفسهم إلا جناة، كما درَّبهم آباؤهم!
 شمالاً عراة إلا من ورق توت على وشك فقدان صلاحية الاستعمال، ولا يعرفون أنفسهم إلا عراة، كما ولدتهم رغباتهم المدفوعة الثمن!
 جنوباً، طغاة متعددو المواهب في البطش والتنكيل والخداع، لا يعرفون أنفسهم إلا طغاة، وطغاة زناة، كما ولدتهم تواريخهم الثقيلة الوطء.
وعفرين في مباذلها الكردية، تدرك كم هو مطلوب الجمال الكردي دولياً وإقليمياً ومحلياً، كما يروّج له وسطاء سماسرة دخلاء عليها بأجور غير مستقرة، لصالح جهات لا تحصى، تدرك كما هو مطلوب اللحم الكردي، خصوصاً في مطلع فتوته وأنثويته، إيماناً من الذين اختبروا الكردي في حله وترحاله، السهلي فيه والجبلي، أن ليس كالكردي من بديل ليبقيهم معتداين بأنفسهم، والكردي ملل، نِحل،شِلَل، أقوام، طوائف، شعوب متنافرة، ألسنة متناحرة في مخارج الحروف، ونهاياتها، تغري كل طامع في لحمه البشري والحيواني وثرائه النباتي والمائي …الخ، في أن ييمم شطره، حيث يلتقيه أنّى تلفت، وفي كل دورة وقت ثمة مدينة، جهة كردية مرشَّحة لتكون عاصمة الاستباحة الكردية للآخرين، بنوع من الاتفاق الدبلوماسي بين كرد شديدي التباهي بأنفسهم، ومشتهي ما توفره لهم أيديهم الخدمية من أطايب لحم خاص، متع خاصة، فرص استمتاع خاصة في جغرافيا الكردي المعنّاة، وها هي اليوم عفرين محتفى بها، وهي في كامل زينتها، على مذبح شهوات الأبعد منها والأقرب إليها، وقد ألغت المسافة وحدة الغاية في الغفلة الكردية، وشماتة الكردي في الكردي، وعفرين لا حيلة لها في أن تقول لا لهذه المهزلة الدولية والإقليمية والمحلية، وبحضور أقرب المقربين إلى لغتها، والمختبرين في مذاقات لحمها ودمها وعظمها.
إلى عفرين خذوني معكم، لأكتب بعض الكلام المطلوب في حق الطيوبة والمنكوبة والمضروبة على ” قفاها ” عفرين، كما كان الحال مع مدن كردية كثيرة، وكما هو الخوف من أن يتسلسل الاستلام والتسليم جهة مدن كردية أخرى” بالدور “، مدن يجري تزيينها، وتعطيرها لزيادة فتح الشهية المريعة لدى المأخوذين بعنفهم الدموي في الجسد الكردي، كما هو المعهود في الكردي عموماً. إلى عفرين  خذوني معكم، يا من يرفعون أصواتهم عالية مثلي: إلى عفرين خذونا معكم، وتبقى عفرين في وحدة ألمها ووجعها، والأعداء بالجملة يتفردون بها، وكرد يهتفون عالياً ضدهم، وهم يديرون لهم ظهورهم.
دهوك، في 6-7/ 2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…

حوران حم واقع يصرخ بالفوضى في مشهد يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحركة الكوردية في سوريا، تتوالى المبادرات التي تُعلن عن تشكيل وفود تفاوضية موسعة، تضم عشرات الأحزاب والتنظيمات، تحت مسمى التمثيل القومي. غير أن هذا التضخم في عدد المكونات لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل يكشف عن حالة من التشتت والعجز عن إنتاج رؤية موحدة وفاعلة….