ماجد ع محمد
عمن يخدمون مَن لا يُقدّرون خدماتهم، ومَن يضحون في سبيل مَن حتى كلمة الشكرِ لهم يستكثرون، هذا عدا عن احتمالية وصم المضحي بأشنع الصفات، وذلك تعبيراً عن اللؤم والبغض الكامن، أو تأكيداً على أن ناكر المعروفِ معمَّد منذ الصغر في أجران فلسفة الجحود، وفي هذا الصدد سبق أن كتبتُ في مكانٍ ما: بأن مَن لا يقدر على أن يغث ملهوفاً في حياته، ولا سجيته تحضه على أن يرحم مسكيناً مهجّراً من سكناته، أو يرأف بحال نازحٍ في شتاته، ولا خصاله تدفعانه لأن يسمح لطائرٍ غريبٍ جائعٍ بأن يتغذى من بعض نباته، ليس مطلوبٌ منك بأن تكون كالحاتم حيالهُ، كأن تنضح بالجودِ طعناً بصفاته، وأيقن بأن التاريخ ومدونوه لن يشكروك إن غدوت يسوعياً خالصاً وانهمرت عليه بالعفو والرحمة والغفران من جميع جهاته.
وما ذكّرني بالذي أوردته في المقدمة السالفة الذكر هو أولاً التهنئة التي وجهها نائب رئيس الجمهورية العراقي نوري المالكي يوم الاحد إلى المرجعية الدينية العليا والشعب العراقي عموماً بمناسبة تطهير الموصل من رجس الإرهاب، بينما لم تتضمن برقيته أية إشارة إلى قوات البيشمركة في إقليم كوردستان التي شاركت بكل بسالة في تحرير عشرات القرى والمناطق وليس فقط في تحرير الموصل، إذ أن السيد المالكي ذكر جميع القوات المشاركة في الحرب على داعش في مدينة الموصل عدا البيشمركه!؟
وثانياً ذكّرني المكتوبُ أعلاه بما قاله يوم أمس إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكردي عن وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المكروه عملياً من المعارضة والنظام على حدٍ سواء، رغم المحاولات الدؤوبة للحزب وعسكره لكسب رضا جميع الجهات على حساب مصالح وقوت ودماء الكرد، إذ أن قادة الحزب المذكور مع وحداتهم العسكرية كثيراً ما راحوا يتفاخرون بأنهم يحررون قريةً تلو قرية ومنطقة تلو منطقة من تنظيم داعش في المناطق العربية، بينما من خلال تصريحاتهم وحضهم الشارع الكردي مؤخراً للوقوف بوجه تركيا وأدواتها يُظهرون للمراقِب بأنهم عاجزون عن حماية مناطقهم!
أما فيما يتعلق بالتهديدات التركية والفصائل الاسلاموية المحسوبة عليها وقصة شوقهم المحراق لغزو منطقة عفرين، يقول الكثير من العفرينيين الذين يعاينون المشهد ويقرؤون التصريحات النارية بأنهم لم يجدوا جهة ثورية سورية أو جهة سياسية عربية استنكرت التهديدات التركية، باستثناء فصيل أحفاد صلاح الدين وهو أحد الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات “درع الفرات” المدعومة من تركيا، فهو الفصيل الوحيد الذي أعلن بأنه لن يشارك في أي هجوم على عفرين، حيث أكد محمود خلو قائد الفصيل في تصريح لموقع ARA News أن فصليه لن يشارك في أية عمليات عسكرية قد تقوم بها قوات المعارضة بالتعاون مع الجيش التركي بالهجوم على مدينة عفرين بريف حلب شمالي سوريا، ولكن يبدو أن سبب رفضهم هو ليس لأن العدل الإسلاموي هو مَن يمنعهم من المشاركة، أو أن منطق رفض إنزال الظلم بأحد هو ما يدفعهم لاتخاذ ذلك الموقف، إنما وبكل بساطه اتخذ الفصيل المذكور ذلك الموقف لأنه فصيل كردي فحسب رغم إسلاميته.
وعدا عن موقف الفصيل المذكور أعلاه فلربما العكس تماماً هو ما يتمناه أغلب المنضوون في الفصائل المحسوبة على تركيا، إذ يرى الشارع الكردي بأن العشرات من الاسلاميين يشحذون سكاكينهم وأضراسهم ويتمنون غزو منطقة عفرين ليس اليوم إنما ومنذ سنوات، وذلك بحجة محاربة وحدات الحماية الشعبية أو حزب الاتحاد الديمقراطي، بينما يخمن العفرينيون بأن لُب القضية هي الرغبات الدفينة لهؤلاء الإسلامويين في النيل من أعراض نساء المنطقة وإذلال رجالها، وذلك ليس من باب الإثبات لتركيا بأنهم جنودها الأوفياء كما كانوا من قَبلُ الجنود الأوفياء لآل الأسد، إنما ما يدل على أن ثمة ما هو أعمق من المواقف السياسية والعسكرية الراهنة، وأن الغِل المعبّر عنه حالياً ليس وليد الساعة، إنما هو كامن في الجوفِ، وله علاقة بالتربية العقائدية التي تشربوها في ظل حزب البعث العنصري، الحزب الذي نهل من ضرعه المعارض والموالي السوري على حدٍ سواء.
ولكي أكون مختصراً اليوم بعض الشيء أختم المقالة بذكر ما كان يستشهد به في بعض الجلسات الشاعر الكردي محمد حمو في لقاءاتنا المتكررة بمكتبة بدرخان في حي الأشرفية بمدينة حلب قبل انطلاق الثورة السورية في 2011، حيث كان يسرد فصول مقتضبة من حياة شخصٍ عُرف باسم kurd ehmaq أي الكُردي الأحمق، فكنا نسأله وما أبرز دلائل الحُمق لدى المذكور يا أبا حمو فيرد حمو: هو الرجل حقيقةً وحسب العارفين بأمره والمطلعين على سيرته، خدم الكثير من الوافدين إلى أوروبا، ولم يبخل في إعمار بيوت عشرات اللاجئين، كما هيأ ظروف حياة الكثيرين ويسَّر أمورهم في البلد الجديد، وساهم في تحسين الأحوال المعيشية للكثير ممن قصدوا ألمانية من عشرات السنين، إلا أنه لم يفكر قط في أن يُحسن حالهُ، أو يعمل على بناء بيته وتحسين ظروفه الشخصية، ما يعني بأنه قضى عمره في إعمار بيوت الآخرين ناسياً بأن بيته أبدى بالبناء، وأنه بعد أن أوصل العشرات إلى رأس النبعِ بقي وحده بدون ماء!.