اسماعيل بيشكجي
الترجمة عن الكردية: ابراهيم محمود
تنويه :
ربما كان هذا المقال الطويل نسبياً، أحدث ما كتبه عالم الاجتماع التركي الأصل، والصديق الأكثر وفاء للشعب الكردي اسماعيل بيشكجي، ونظراً لأهميته، بغضّ النظر عن محتواه أو طابعه القيمي، وجدت في ترجمته إلى العربية فائدة كبيرة واستثنائية، كونه، كما هو، معلوم يتعرض لعملية الاستفتاء في إقليم كوردستان، وهي وجهة نظر لا يمكن تجاهلها، بقدر ما تفتح أمام قارئه آفاقاً ومجالاً رحباً للمناقشة والحوار.
نص المقال
في السنوات الأربع الأخيرة، جرت لقاءات، وحوارات في جنوب كوردستان حول مستقبل إقليم كوردستان. وقد تضاعفت هذه الحوارات حول هذا الموضوع بعد آذار 2017، وانطلاقاً من كركوك، إثر القرار الصادر من المحافظة برفع العلم الكوردستاني على عموم مباني المؤسسات الرسمية.
واليوم، سواء على مستوى إقليم كوردستان، أو في أمكنة مختلفة من العالم، تتم مناقشة هذا الموضوع على نطاق واسع: في الجامعات، الصحافة، مؤسسات المجتمع المدني، المؤسسات الدولية. في العالم، وفي كل الجهات، تنعقد مؤتمرات، ندوات ذات صلة بـ” الاستقلال، التسهيلات، العقبات ..”. إذ يسهل أن يجد المرء نفسه ضمن مؤتمرات، ندوات، دراسات كوردستانية بصدد موضوع اللغة الكوردية، الأدبيات الكوردية، التاريخ الكوردي، والموسيقا الكوردية في مدن مثل: باريس، لندن، روما، برلين، واشنطن، موسكو، كوبنهاغن، شتوتغارت، أنقرة، وستانبول. وحول موضوعات مثل:اللاجىء واللجوء، الشتات ، الأطفال، تعليم الأطفال، التعليم بلغتين، والنساء الكورديات، يتم انعقاد جلسات، مؤتمرات، وندوات. كما في الندوة التي جاءت تحت اسم ” من الفيدرالية إلى الاستقلال “.
نجد أن الأشخاص المعتبَرين في عالم المعرفة والسياسة، والثقافة يعبّرون عن آرائهم ويتحاورون. ولقد كان ذلك قياساً إلى ” 15- 20 ” سنة الأخيرة جهداً مبذولاً له انعكاساته في كوردستان. وفي قناعتي، فإن هذا الوضع الذي يفرض نفسه عن قرب ويتصدر واجهة الاهتمامات، له صلة بالاستقلال. والسبب الجوهري لهذا الوضع الذي لم يكن موضوع بحث في السنوات” 15-20 ” الأخيرة هو التالي: هذا المسار الجديد يرتبط بهجوم داعش على الموصل والذي حدث في حزيران 2014 ، ومن ثم احتلالها، ومن ثم متابعة هذا الهجوم على كوردستان، كان وراء تقدم الوضع ذاك. لقد نبّه هجوم داعش الكورد، بقدر ما أيقظ فيهم مشاعرهم القومية، وفي هذا المنحى فإن الحشد الشعبي يؤدي إلى أن يبني الكورد دولتهم.
إن شبكة الدراسات الكوردية شديدة الأهمية، وهي تشير إلى هذا التحول. فاليوم، وفي مدن مثل: باريس، لندن، ستوكهولم، كوبنهاغن، واشنطن، روما، موسكو، وبرلين، تجري فعاليات من قبل الجامعات، عن طريق الصحافة، وفي مؤسسات المجتمع المدني، ومن قبل الأكاديميين، والكتاب، والعاملين في الصحافة، حول الكورد وكوردستان. وتزداد وتيرة هذه الفعاليات يوماً بعد يوم. وهؤلاء الأكاديميون والكتاب، إنما يعرّفون بأنفسهم من خلال شبكة الدراسات الكوردية. حيث يتم طلب المساعدة من الأكاديميين والكتاب ممن يمارسون فعاليات كهذه. وبناء على تصريحات هؤلاء الأكاديميين والكتاب…الخ، أو الأكاديميين والكتاب..الخ، ممن يمكنهم تقديم المساعدة، فإنه تنتظم العلاقات، وبالطريقة هذه تصبح شبكة الدراسات الكوردية مركزاً يستقطب الأكاديميين والكتاب…الخ، ممن يتوزعون في أنحاء مختلفة من العالم.
وتقدَّم المعلومات تبعاً للبرامج الموضوعة من قبل شبكة الدراسات الكوردية، حول الكورد وكوردستان في بلدان متفرقة من العالم. معلومات على صلة بمكان وزمان انعقاد مؤتمرات، جلسات، ندوات… الخ، ومن هم المشاركون فيها، وعبر مسارات من هذا القبيل، يتم إعلام من لهم علاقة بها. وهذا يعزز وجود فضيلة كبرى تخص مؤسسات كهذه في مسيرة بناء القوميات. وفضيلة/ قيمة شبكة الدراسات الكوردية في هذا الموضوع كبيرة طبعاً.
خارج هذا المسار، هناك تسارع في حركة الفعاليات والمنشورات المتعلقة بالكورد وكوردستان أيضاً وبشكل لافت. بقدر ما نشهد تسارعاً ملحوظاً في الفعاليات والمنشورات في نطاق التاريخ، اللغة، الأدبيات المختلفة، الموسيقا…الخ. وبالمقابل، فإن هناك تزايداً في أعداد الجرائد، المجلات، القنوات التلفزيونية والإذاعات تلك التي تُبثُّ بالكوردية كذلك. وبالتوازي معها تتشكل مؤسسات جديدة ذات صلة مباشرة بالكورد وكوردستان تباعاً.
والقرار الذي اتخذه إقليم كوردستان بخصوص الاستفتاء المزمع إجراؤه في ” 25 ” أيلول 2017، باعث على الغبطة، وثمة مكسب كبير يترتب على هذا الاستفتاء، دون أن يكون هناك تراجع عنه. وربما يكون هناك استفزاز وتهديد في الشرقين الأدنى والأوسط من قبل دول مثل: تركيا، إيران، العراق وسوريا في مواجهة هذه المسيرة. سوى أنني لست من النوع الذي يعتقد بجدّية أو نجاعة التهديدات . المهم هنا هو كيفية دعم الكورد بطريقة حاسمة من أجل هذه المسيرة. ومن هذه الناحية فإن إجراء الاستفتاء في تاريخ ” 25 ” أيلول كما هو مقرَّر، في غاية الأهمية، وعندما تكون نسبة التصويت في المحصّلة حولي ” 80-85 ” بالمائة، فإنه لن يكون هناك أي طرف أي قوة بقادرة على سد الطريق في وجه الكورد.
استئصال جذور النظام الدولي المعادي للكورد” أنتي كورد ” من الساحة:
في عام 1920، إبان جمعية الأمم، كان هناك نظامان معاديان مترابطان للكورد. الأول، النظام الدولي المعادي للكورد، والذي تكوَّن من قبل القوى الامبريالية في عهد بريطانيا العظمى وفرنسا، إثر انهيار الامبراطورية العثمانية واقتسامها. ففي الشرقين الأدنى والأوسط، سنة 1920، تشكل النظام الجديد، سوى أن هذا النظام لم يمنح الكورد، لم يمنح كوردستان أي كيان سياسي. إذ حتى لو كان هناك مستعمَرة، ومن مستوى متدن أيضاً، إلا أن الكورد وكوردستان لم تكن حتى في نطاق وضع المستعمَرة بالمقابل.
ومما لا شك فيه أن القوى الامبريالية مثل بريطانيا العظمى وفرنسا، كانتا تدعمان هذا النظام بالتعاون مع الدوائر التركية، العربية والفارسية في الشرقين الأدنى والأوسط. بالرغم من أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كان يدافع بجلاء عن حق تقرير المصير القومي، ودعم هذه العملية أيضاً. وكذلك الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال حماية مبادئ ولسن الأربعة عشرة، فإنهما هنا وهناك، لم يدعما كفاح كوردستان ومطالب الكورد.
لقد تم اقتسام أرض الامبراطورية العثمانية في ميزوبوتاميا، أرض العرب ما بين بريطانيا العظمى وفرنسا واللتين انتصرتا في الحرب العالمية الأولى. فالعراق ظهر بوصفه مستعمَرة لبريطانيا العظمى، وسوريا حدّدت كمستعمَرة لفرنسا، أما الأردن وفلسطين فكانتا مستعمَرتين لبريطانيا العظمى، ولبنان كان من حصة فرنسا.
في الفترة تلك، وفي جنوب كوردستان، كان هناك نضال من أجل كوردستان المستقلة بزعامة الشيخ محمود برزنجي. ولقد كان الشيخ محمود برزنجي يخاطب بريطانيا العظمى قائلاً ” أنا ملك كوردستان، ومَلكيتنا هي أن تعترفوا باستقلالنا “. بدورها، نجد أن القوى الامبريالية وقتذاك مثل بريطانيا العظمى وفرنسا، أبقت كوردستان على وضعها، ولم تسمح حتى ببناء كوردستان كمستعمَرة كذلك. ولعله سؤال خطير ومهم، أن يطرَح بخصوص تلك الفترة، حيث وجِدت مستعمِرات، هي:العراق، الأردن، فلسطين، سوريا ولبنان، وهو: لماذا لم تبن كوردستان مستعمَرة آنذاك؟
هذا الاتفاق الدولي المعادي للكورد” أنتي كورد “، استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية هذه، خرجت بريطانيا العظمى من العراق، وفرنسا من سوريا، وقد كانت بريطانيا العظمى قد انسحبت سابقاً من العراق سنة 1932، حيث منحت العراق استقلاله. سوى أن جنودها كانوا متمركزين فيه. وهنا لا بد من القول عن أن وجود جيش بريطانيا العظمى في العراق قد استمر حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الاتفاق المعادي للكورد في المنطقة:
مما لا شك فيه، أن الاتفاق الدولي المعادي للكورد قد استمر حتى بعد الحرب العالمية الثانية.
سوى أن الاتفاق الثاني والمعادي للكورد، تمثَّل في الاتفاق الإقليمي المعادي للكورد الذي بدأ بتقوية نفسه أيضاً. ومن المؤكد أن الاتفاق الإقليمي المعادي للكورد والذي تشكل من قبل تركيا، إيران، العراق وسوريا، كان يتلقى الدعم والإسناد بالمقابل من الاتفاق الدولي المعادي للكورد. ومع الزمن كان الدعم يتم من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي أيضاً .
وإبان الحرب الباردة، كان للاتفاق الإقليمي المعادي للكورد مفعوله المدمر. إذ إنه في الفترة هذه، كانت تركيا وإيران تدوران في الفلك الأميركي، أما العراق وسوريا فقد كانا يدوران في الفلك السوفيتي، ومن جهة الكورد، فإنهم في هذه الفترة كانوا في وضع يرثى له، سوى أنهم تنفسوا الصعداء، عندما تراجع الاتحاد السوفيتي، وظهر اختلال التوازن بين كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية.
بصدد الاتفاق الإقليمي المعادي للكورد، ثمة هذا المثال: في نهاية عام 1999، كانت اجتماعات الدول المجاورة للعراق، تنعقد تحت رعاية تركيا، كان الإجماع فيها هو في كيفية تطويق الكورد وكتم أنفاسهم. وهي الاجتماعات التي أحالت دون مشاركة الكورد، إذ لم يكن يُسمَح للكورد بذلك، سوى أنه في عموم هذه الاجتماعات كان الحديث يتناول باستمرار كلاً من الكورد وكوردستان، وكان القرار المتخذ إزاء الكورد وكوردستان هو في عدم البت في أمرهم، وبحيث كانت تشترك في هذه الاجتماعات كل من تركيا، إيران، العراق، سوريا، الأردن، السعودية والكويت .
وفي حزيران 2014، مع احتلال داعش للموصل، ومن ثم مع غزو داعش لكوردستان، وإدراك أن داعش ليس خطراً يتهدد الكورد وحدهم، إنما ربما ضد العالم، ضد ألمانيا، فرنسا، انكلترا، اسبانيا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا كذلك…الخ. نجد أن الاتفاق الدولي المعادي للكورد من جهته اعتمد سياسة أخرى. إذ في هذه الفترة والحالة، ظهر الحديث عن لزوم تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي للكورد، لأن ما ظهر إلى العلن هو أنه سواء في العراق أو في سوريا، كانت القوة المشهود لها بالانتصار على داعش ونضالها ضده تتمثل في الكورد. ولا بد أن القصف الجوي لقوات الحلفاء مهمة تماماً، إلا أن القوة الحاسمة على الأرض والبرية كانت كوردية.
الاتفاق المعادي للكورد حيث يريدون بناءه في مواجهة الكورد:
يمكن القول راهناً أن الاتفاق الدولي المعادي للكورد قد فقد تأثيره . إذ مع ضعف الاتفاق الدولي المعادي للكورد، ضعف الاتفاق الإقليمي المعادي للكورد بالمقابل. ولهذا فإن اجتماعات الدول المجاورة للعراق يجري عقْدها. إنما يجب أن تستوعَب هذه أيضاً، وهي أنه في الوقت الذي فقد الاتفاق الدولي المعادي للكورد قد انعدم تأثيره، وأن الاتفاق الإقليمي المعادي للكورد قد تداعى، فإن العمل باتفاق جديد معاد للكورد يجب ألا يتم تجاهله، وهو المتمثل في الاتفاق الكوردي الذي شكَّله الكورد في مواجهة الكورد . حيث إن كُوران فرع من الاتحاد الوطني الكوردستاني، وثمة أحزاب إسلامية، PKK/ KCK…تسعى جاهدة لأن تكون مستقلة في مواجهة كوردستان.
إنها تتحدث عن وحدة العراق. وتدعم الحشد الشعبي التابع لإيران حيث تعتمد سياسة معادية للكورد/ كوردستان. إنها لا موقع لها لدى الكورد، وبالمقابل لها مكانتها لدى الذين يريدون استئصال ما له صلة بالكورد وكوردستان، ومما لا شك فيه أن ذلك من التداعيات الخطيرة جداً. وتبعاً لقناعتي، فإن إجراء الاستفتاء في ” 25 ” أيلول في نطاق تحقيق نتيجة إيجابية، لا بد أن يمحو كل أثر للاتفاق الجديد والمعادي للكورد، والذي يواجِه الكورد بالكورد بالمقابل.
التأثيرات السلبية لليسار واليمين التركيين على بنية الذهنية الكوردية والسياسة الكوردية :
في الأزمنة السابقة، كان هناك قسم كبير من الكورد، عندما كان يؤتى على ذكر المشكلة الكوردية، وعندما كان يجري الحوار حول موضوعات مثل: اللغة الكوردية، الإدارة الذاتية، الفيدرالية، كانوا يقولون ليس المهم أن يكون هناك كورد، ترك، عرب، إنما المهم هي الإنسانية.
وهي تتحدث عما هو أممي لديها، خصوصاً، الكورد الذين يتعلمون في الجامعات والمعاهد، ومن المعلمين…الخ. والذين كانوا متأثرين باليسار التركي كانوا الواحد فيهم يقول” أنا أممي “. وهذا الحالة كانت شديدة الشيوع بين الكورد الذين تعلموا في مدارس الدولة. سوى أن الذين تعلَّموا في المدارس كانوا يعيشون موقفاً كوردياً.
إن الكورد الذين ظلوا تحت تأثير اليمين التركي من جهتهم يتميزون بتوجه من هذا النوع أيضاً. فهم كانوا يقولون بالمقابل ” ليس المهم أن يكونوا تركاً، كورداً، عرباً، فرساً، إنما المهم هي الإنسانية”، كانوا يقولون ” إن الأخوة الإسلامية، أخوَّة الأمة سوف تحل كل المشاكل .”. وفي الواقع فإن ذلك كان هروباً من الكوردية، وهذا الشعار كان يغطّي التهرب من الكوردية، لأن الذي يعيش تحت وطأة التهديد، تمثَّل في اللغة الكوردية، الكوردية تماماً. إذ عندما كانت تتم حماية اللغة الكوردية، ويتم التطرق إلى الكورد، وكذلك الكوردية،فإنهم كانوا يواجهون مباشرة المخالفات الإدارية والعقوبات الثقيلة الوطء من قبل الدولة. وبقولة ” أنا اشتراكي، أممي “، ” داعم للأمة الإسلامية”…الخ، وعندما كانوا يبقون بعيدين عن الكورد والكوردية، فإنهم ما كانوا يتعرضون للمخالفات الإدارية والعقوبات بالمقابل مباشرة.
وهنا توجد مشكلة بنيوية لا بد من دراستها، وهي: إن الذي لا يستطيع أن يكون كما هو ويتهرب من ذاته، ويسعى جاهداً لأن يكون كالآخرين، كيف يمكنه أن يصبح إنساناً؟ هل عدم حماية شخصيته كشرط بنيوي لها صفة إنسانية ؟ تُرى إذا كان يتهدد على قيم هويته، لئلا يحمي هذه القيم، ولكي يتهرب منها، والسعي لأن يكون شخصاً آخر، أين تكون الإنسانية ؟
في الأزمنة الفائتة، عندما كان الكورد يواجهون الدولة والحكومة بمطالبهم القومية، كان الجواب الذي يتلقونه هو: لا تفريق في التركية، لا فصل موجوداً باسم الترك- الكورد، ففي وسع أي كان أن يصبح معلماً، وأن يصبح قائمقاماً كذلك، ومحامياً، ومبعوث دولة أيضاً، في وسعه أن يصبح في أي مقام وظيفي في تركيا، يعني أن يصبح وزيراً، رئيس حكومة…الخ.
لا وجود لكل من الكوردي- التركي، لا وجود لحالة التوازي بينهما، إن وطنية أتاتورك حداثية..
إزاء ذلك قبل عشر سنوات، قال أوميد فرات بصدد نقد موقف الدولة والحكومة هذا، وتقديرها، ما يلي ” في وسع الكورد أن يمارسوا أي مهنة في تركيا. معلمين، قائمقاميين، محامين، مبعوثين، وزراء، رؤساء حكومة، رؤساء جمهورية…في وسعهم أن يصبحوا أي شيء إلا أن يكونوا كورداً ..”.
هذا يعني أن الذي لا يحمي الهوية الكوردية، أن الذي لا يطالب بحق الكورد، بالحرية، وألا يعترض على الهوية التركية المفروضة على الكوردية، يمكنه أن يتسنم أي وظيفة، وأن يرتقي في الوظيفة هذه، سوى أنه مع حماية الهوية الكوردية، وبممارسة النضال من أجلها، لا يمكن له أن يتسنم أي وظيفة. ومن المؤكد أن هذه سياسة عنصرية، ووفق العنصرية هذه ” أنت لا تشبهني، إن جلدك أسود، فعش في أمكنة مختلفة، عش في الأمكنة المختلفة عن الأمكنة التي أكون فيها ..”. إن عنصرية ” عش معي، إنما عش شبيهاً لي، وانس هويتك، وأحِب هويتي، أو أنك لن تعيش ..”، عنصرية في منتهى الهمجية.
وثمة طرق شتى للتهرب من المشاكل الحقوقية. مثال ذلك، أنه في عام 1920، في عام 1940، سواء من جهة بريطانيا العظمى، أو من جهة الاتحاد السوفيتي، بغية التهرب من المشكلة الكوردية / كوردستان، كانوا يستعملون أساليب متشابهة، فبالنسبة للاتحاد السوفيتي ولكي لا يدعم الكورد، ولكي يطمس مشكلة الكورد/ كوردستان،، كان يردد ” إن مصطفى بارزاني حليف للانكليز …”، وبريطانيا العظمى بالمقابل، عبر مقولة ” مصطفى بارزاني شيوعي ..”، كانت تبتعد عن مشكلة الكورد/ كوردستان، هذه الأساليب المتضادة هي في واقع الحال متشابهة .
ومن بين التأثيرات السلبية لليسار التركي، حول بنية الذهنية الكوردية كذلك، في مضمار شعار ” إن كل أشكال القومية مضرة “، يعرّف بنفسه، ومن المؤكد أن القومية التركية، العربية، والفارسية مضرة. لأن القوميات الثلاث هذه تعادي الكورد، ولأنها مجتمعة تمارس الصهر القومي، واستعمارية تكون. والثلاث تحاول طمس الحضور الكوردي، والكورد ليسوا ضمن عملية مثل احتلال أراضي الآخرين، إذ إن هدفهم الرئيس هو في كيفية إبراز اللغة الكوردية التي تعيش تهديداً، وتقوية الكوردية. ومن الناحية هذه، نجد أن تشابه قومية التركي، العربي والفارسي مع تلك الخاصة بالكورد خطأ. من بين ذلك هو ممارسة الطرق غير المشروعة بغية إمحاء الهوية الكوردية وكوردستان، ولأنها تريد التحرر من هذا التهديد تبذل محاولات، ولا بد أن هذين الإجرائين مختلفان.
السياسة البنيوية للدولة: الصهر القومي :
إن السياسة البنيوية للدولة في مواجهة الكورد: الصهر القومي. صهر الكورد في بوتقة التركية. وقد ظهرت هذه السياسة وتم تثبيتها في نهاية الدولة العثمانية، في عهد الاتحاد والترقي. وإبان الحرب العالمية الأولى، فترة نفي اليونان- البونتوس، وإبادة الأرمن أيضاً في عامي 1916-1917، تم إخراج أكثر من ” 700 ” ألف من الكورد من كوردستان، حيث وجِهوا إلى مدن الغرب، وأجبروا على السكنى في الغرب تالياً،وبداية مباشرة سياسة الصهر القومي. وهنا ثمة سؤال خطير يجري طرحه:كيف أمكن لـ” الرجل المريض ” القيام بكل ذلك وهو مريض ؟
سوى أن السياسة الرئيسة للصهر القومية قد جرى تنفيذها فعلياً في عهد الجمهورية. حيث إن التنكر للكورد، للكوردية، التقليل من شأنهم، فرض الهوية التركية، التركية، الثقافة التركية كان من أساسيات سياسة الصهر القومي هذه. وبغية نسيان الكوردية من قبل الكوردي، ونسيانها كلياً، كان يتم اعتماد إرهاب الدولة بالتوازي مع مؤسسات مثل الدولة، المدارس، المخافر، الصحافة، العائلات والدين.
وهنا، هنا توجد فائدة في المتابعة، وباختصار، من أجل نضال الكريلا، من أجل فكرPKK وأنشطته، ومن أجل بنيته الذهنية. كان يجب على الكَريلا ومنذ البداية، أن يقف في وجه الصهر القومي، والتكلم بالكوردية، وكذلك الكتابة بالكوردية، وحماية الكوردية، ونشرها. لكن ذلك لم يحصل. إذ إن PKK، بدءاً من عام 1985 وفيما بعد، كان يلقن الكريلا من الشمال، من الجنوب، من الغرب والغرب دروس التركية، أما عن الكوردية فلم يجد ضرورة في ذلك . في وادي بقا Beqa، في قنديل، تم افتتاح الدروس بالتركية، سوى أنه من أجل الكورد الذين لم يعرفوا الكوردية أو لا يعرفونها كفاية، لم يفتتح دروساً بالكوردية. وبالتالي، فإن الدروس، المؤتمرات، الرسائل، الصحافة والإعلام …الخ، مجتمعة تكون بالتركية. ذلك يتم ما عدا مساعدة سياسة الصهر القومي للدولة، حيث تتم شرعنة سياسة الصهر القومي ولا شيء آخر…ونحن ننتقد الدولة في موضوع سياسة الصهر القومي وتثبيته، ومن هذه الناحية يجب انتقاد PKK/ KCK كذلك.
وربما توجد اليوم أوضاع متغيرة،وربما ستعطى أهمية للكوردية في الحالة هذه، إلا أن الوضع الذي شوهد في سنوات 1980، 1990، 2000، لا يمكن إبعاد دون التفكير فيه.
إن دراسة وسائل الصهر التي اُعتمدت في التغيرات المختلفة التي طرأت على العالم الحسي والفكري لسلوكيات الكورد، والتغيرات النوعية الأخرى في عالمهم اللغوي مهمة جداً. إن دراسة وبحث وسائل الصهر القومي في مجرى الزمان والمكان، والذي بوشِر به بدءاً من إعلان الجمهورية، والتي تتقدم بصورة لافتة، مهمة أيضاً. في الفترة التي كان يجري التحدث بالتركية وسط الكورد، في بعض المناطق، في بعض الأوقات، في عملية الصهر القومي، وكذلك يفكرون بالتركية، وكان النشاط ذو القيمة مثل الأتراك، حل الكورد في وضع كهذا، بحيث إن هؤلاء كانوا يخجلون من التحدث بالكوردية، ويخجلون من اللباس الكوردي، ومن أي نشاط كوردي يخجلون، ومن طريقة جلوسهم وقيامهم كانوا يخجلون. في هذه الفترة، كان كل ما يظهر قبيحاً، حسناً، صواباً أو خطأ، كل ذلك يكون من قبل الدولة. وفي مؤسسات مثل المدارس، المخافر، والصحافة، كان الذي يؤكد عليه تعليمياً عن أن المؤسسات الكوردية منزوعة القيمة، وليس لها أهمية. وفي طقس كهذا، نجد أن كوردياً حين يحل في وسط مثل أنقرة، إزمير وستانبول…فإنه يعيش شعور أجنبي وقد حل في بلد غريب، ويتم التعامل معه تعامل الغريب.
من جهة الدولة، إظهار أي شيء له قيمة، وأي شيء ليس له قيمة، عملية مهمة. الدولة في المدارس، في الكتب التعليمية، في المخافر، عبر إظهار هذه، وهي ازدواجية، ناحية أساليب متناقضة، تكون في وضع مكشوف. يجب إبرازها، حيث إن هذه العملية أيضاً تتم في نطاق العملية الدعائية التي يجري فيها التنكر للكورد، والكوردية واستصغارهما، ومن ثم محوهما، لتكون تركية أي كان، محترم، فيستحق التقدم لذلك. وفي هذا المناخ، مثال ذلك، إن الجيش مؤسسة بذاتها. وفي الجيش يتم تعليم الطاعة، ويجري تعليم الناس عماذا يجب على الإنسان التضحية من أجله، وهناك تكون التركية للكورد، وتعليم اللغة التركية، ومن هو ضروري التضحية من أجله يجري تعليم الكوردي به، ويُشرّع لكل ذلك في المؤسسات القضائية. أما عن الصحافة فهي تتولى أمر تطوير وتعميم هذه العملية.
وفي إطار علاقات كهذه،نجد أن امرأة كوردية فقدت ابنها في فترة النضال، ولم تستطع المشاركة في تشييع جنازته أيضاً، وفي ندوة كان التهديد والظلم والإبادة الجماعية موضوعها، حيث كان الأكاديميون الأتراك بدورهم مشاركين فيها، لأنها لم تستطع التحدث بالتركية، ولأنها مضطرة إلى التحدث بالكوردية، صرحت قائلة ” أنا خجلى “.
هذه المرأة التي فقدت ابنها في القتال، هذه المرأة التي لم تشهد جنازة ابنها، في إحدى الندوات التي شارك فيها الأتراك أيضاً، وجرى فيها التطرق إلى الاعتداء والظلم والإيذاء الممارس ضد الكورد، الأن هذه المرأة لم تكن قادرة على التكلم بالتركية، ولأنها كانت مرغمة لأن تتكلم بالكوردية،صرحت قائلة” أنا خجلى “. تُرى، في مجرى النضال من أجل الكورد وكوردستان ما هو أفضل ما يمكن القيام به؟ لا بد أن تكون دراستها أيضاً مهمة. كونها لم تستطع التكلم بالتركية مقابل الأكاديميين الأتراك، هذه المرأة خجلت كونها اضطرت إلى التكلم بالكوردية، تُرى أي وعي منحها نضال الكريلا..
ذلك مهم جداً. بالنسبة للاستعمار، لكي يفرض في مستعمَرته، لغته، ثقافته، سيادته، فإنه ينشط بغية الدفع بشعوب مستعمَرته لأن تخجل من لغتها، من ثقافتها، من حديثها، من طريقة جلوسها وقيامها، كان يسيّر من أجل ذلك كل المؤسسات مثل: المدارس، المخافر، الجيش، الصحافة والقضاء.
وهنا، في هذه النقطة، كان يجب على الكريلا، PKK، بدءاً من عام 1980، مع إيلام الكوردية، وتعلم الكوردية وتعليمها، أن يناضل لكي يقتنع الكورد ممن يعيشون الحالة الكوردية، وهم يخجلون من التكلم بالكوردية، والتفكير بالكوردية، والتصرف كالكورد مثلاً. كان يجب أن يقبل الكورد من خلالهم، أن مؤسساتهم أيضاً هي لغتهم، وأن اللغة الكوردية بدورها ذات قيمة. لأنه في عملية الصهر، لم تكن التركية مجرد وسيلة فحسب، وإنما في الوقت نفسه، كانت سيرورة الإدارة الذهنية. ليحسَب أنه عندما يجري التحدث بالتركية، كان يجب التصرف كالتركي.
هؤلاء لم يعطوا أهمية للغة الكوردية، وكل أزمة كانت تضفي مشروعية على سياسة الصهر القومي للدولة، ليكون هذا الموقف في الوقت نفسه مميَّزاً بميزة التشجيع لعملية الصهر تلك. والحال أنه في موضوع الكورد وكوردستان، كانت السياسة البنيوية للدولة هي الصهر. ومن هذه الناحية يكون التحدث وكذلك الكتابة بالكوردية مهمين. لنقل، لقد تشكلت دولة كوردية، سوى أنها لا تتكلم الكوردية، إنما بـ: العربية، التركية والفارسية ….الخ. دولة كوردية بحيث إنها لا تتكلم بالكوردية..في واقع الحال ليست دولة كوردية، ومن هذه الناحية، فإن حماية الكوردية إلى جانب تعزيزها في غاية الأهمية.
إن مقدمة باريش اونلوي لكتاب يوكَن ويبري ” 1925-2007 “، والمعنون بـ” قرويون من أجل الفرنسيين، حداثة الريف الفرنسي ” 1870-1914 “،مهمة جداً من هذه الناحية، وقد ظهر كتاب يوكن ويبري في طبعته الأولى بتركيا، في أنقرة، آذار 2017، ص ” 13-19 “.
كورد الشرق :
في عام 1970، 1980، وبعد هذا التاريخ، عندما كان يشار إلى الكورد، كان يتردد، عن أن جنوب غرب كوردستان يتيم غير محمي . واليوم في جنوب غرب كوردستان، أي الغرب، يتردد الحديث عن الإدارة الذاتية، الفيدرالية، الكانتونات. إلا أن الصحيح هنا هو أن كورد الشرق، في نضالهم الذي يمارسونه ، ظل نضالاً يتيماً لا سند له. ويلاحَظ أن الشباب ممن يناضلون من أجل الكوردية، ومن أجل كوردستان، يجري إعدام ما بين ” 3- 4 ” منهم يومياً، إذ يعلَّقون على أعواد المشانق، ودون أي توقف، ولا بد أن التوقف عند تفهم إدارتيْ إيران والعراق في هذا المضمار مفيد.
بالنسبة لنظام صدام حسين، ارتكب ضد الكورد عمليات إبادة جماعية. والأنفال كانت إبادة جماعية. سوى أن صدام حسين الذي طبق هذه السياسة على الكورد، لم يتنكر للأنفال أبداً. إلى درجة أنه قال لو تسنت لي فرصة أخرى لأعدت العملية مجدداً.
أما عن سياسة إيران فإنها في هذه الموضوعات مختلفة جداً. فثمة تنام ٍ في حجم إرهاب الدولة ضد الكورد في إيران. سوى أنه في إيران، حين تتردد مقولة ” الكورد أخوتنا، وأن الدولة التي يعيش فيها الكورد بصورة أكثر استقراراً أكثر راحة هي إيران ..”، فإنها تتنكر لإرهاب الدولة دائماً. وبقدر ما كان صدام حسين بدوره يأتي على ذكر الأخوة العربية- الكوردية في بعض الأحيان، فإن إيران ومن خلال سياسة الأخوة، سياسة الإسلاموية، سياسة الأمة، كانت تعمد إلى إخفاء إرهاب الدولة بطريقة منتظمة.
واليوم، نجد أن كورد الشرق يعيشون في وضع مزر ٍ. وأن حركات مثل الاتحاد الوطني الكوردستاني، كُوران، ممن يسيطرون على المناطق الحدودية المتاخمة لإيران، تقيم علاقات مع إيران، وهذه الحركات السياسية مقرَّبة من الإدارة الإيرانية، إلا أنها بعيدة عن كورد الشرق ” في إيران “، بعيدة عن نضال كورد الشرق. و PKK/ KCK مقرَّبان في الشمال من إيران، وهما ضد نضال كورد الشرق. وPYD بدوره في جنوب غرب كوردستان، وفي الغرب يكون الوضع هكذا بالمقابل.
إلى جانب ذلك، فإن الكورد الذين انتقلوا من الشرق إلى مناطق مثل السليمانية، هولير، دهوك، يعيشون وسط الحرمان والتهديد والفاقة. ومؤسسات مثل YNK، كُوران، PDK، PKK/ KCK، والأحزاب الإسلامية… حيث كانت تقول للمثقفين الكورد من الشرق ما يلي “..إذا كنت تقبل بسياستي، وتأخذ مكاناً لك في مضمار سياستي، فسوف أقدّم مختلف أشكال الدعم، وإلا فإننا لن أكون لك سنداً. فابتعد عني.”. وربما لا توجه هذه الكلمة لأي مثقف كوردي كان، ولا لأي لاجىء، سوى أن الذي يعرَف هو أن الموقف على العموم يكون هكذا. ولقد كان صحبة في ستانبول مع مثقف كوردي ممن قدِم من الشرق إلى تركيا، وهو من أعلمني بهذه المسيرة بدقة.
والمطلوب هو أنه في إطار علاقة المثقف الكوردي الذي قدِم من الشرق إلى الجنوب، يجب أن تكون له علاقة كافية بكل من الكورد وكوردستان، ولا بد أن عمله الذي يقوم به خارجاً، بصورة جدّية بما يتناسب وواجباته، مهم هنا.
و” 25 ” أيلول من عام 2017 تاريخ مفصلي من أجل الكورد وكوردستان. وإجراء الاستفتاء في التاريخ المقرر مهم أيضاً. سوف يعبّد الاستفتاء طريق الاستقلال. وأنا على يقين من أن كوردستان المستقلة سوف تضمن مستقبل الكورد، وأنها سوف تحرّر الكورد من المواقف السلبية. أنا على يقين من أن كوردستان المستقلة سوف تمضي بوعي اللغة الكوردية، وعي القومية الكوردية، وعي كوردستان قُدُماً إلى الأمام.
الترجمة عن التركية: أحمد كاني