شعوبٌ شاردة لأوطانٍ مفقودة

آزاد عنز*
يُرمَّم مكان إقامة الإنسان و مقره في الوقت الذي يهبه المنسوب إليه النفخ المُدرج في صلصاله صدقةً جارية ، و يُنقّح أيضاً عندما يزرع آدميته في يقين ترابه منحةً خالية من الضرائب لينتفع به ذاك المكان دورياً كي يبقى حياً أزلياً مدى الحياة ، تُرمّم الأوطان و يصلح رأبها متى فاضت بالانتماء و الانتساب ، فالوطن : هو تحصيل الجماعة رقعة ممتدة من التراب على البسيطة متى غَلظ و احتدّ حبل الربط بينه و بين المنسوب إليه أي الوطني و تهيأت نواة الجماعة أن تقدم سرّ  الله أي روحه و ما يطوّق هذا السر  معاً قرباناً خالصاً في سبيل المحافظة على إبقاء مزاولة عبور الهواء غريقاً إلى رئته، رئة الوطن ، هكذا تُرمّم الأوطان ، رمّمْ الوطن كي تُرمّم و تحيا بحضوره و جوده .
طاب نهارك سيدي:
رددها الكُرديّ بلسانه المُعرّب قسراً في دُور تلاوة العلم و المعرفة على أرضه الملحقة ، استحضر اللفظ المجازي بلسان الجدل العربيّ المُحتل للحنجرة الكُردية و المستولي على النطق و المنطوق الكُردي ، هكذا يستورد الكُردي الحروف المنطوقة عربياً إلى حنجرته الشاردة كوطنه الشارد بعد أن تُصدّرها الحناجر العربية إلى الألسنة الكفيلة بإبلاغ المسامع الكُردية نطقاً فصيحاً بليغاً لا لبس فيه .
و نهارك أيضاً :
تبسّمت شفاه العربيّ في رد التحية قبل المصافحة على أرضٍ ليست بعربية ولا كُردية ، أرض ما خلف البحار ، أرض المنفى المتأرجح بين البارد و الرطب ، الأرض المتواطئة في صياغة الخديعة قبل تقديمها للعربيّ و  للشريك الكُردي ، أرض المكائد الكبرى . تُحاك المصيدة المُعمدة على موائد الغرب بفطنة الزعيم الجالس في أقصى الغرب بتدبير منسّق قبل منحها لتزرع في أرض العربيّ و غير العربيّ ، أرض الكُرديّ و غير الكُرديّ ، الأراضي الخصبة ، أرض المصائد الكبرى . و لا تزال ابتسامة العربيّ معلّقة على شفاهه ، قاطعه الكُردي قائلاً : أريد وطناً مُشرق الجبين كوطني المفقود . تفوه الشريك بالرد : لكنني لا أهب الأوطان المفقودة أنا أيضاً مثلك منفيّ من وطن شارد إلى هذه الأرض الرطبة . أنا أيضاً سليل بلد مُنهك من الطعنات بعد فشل أداء الطعنة الأولى ، نحن كلانا نتمّم نسج الخدائع و كأننا صانعوها ، مهّدت حنجرته العربية خطاباً لتلقينه و لكن اللسان الكُرديّ المُعرب سبقها إلى بتر تلك الحروف قبل ترجمتها جُمَلاً و بدأ اللسان بالنطق : إذاً انحت لي وطناً على حجرٍ أخرس و لكن جُد عليه بلسانٍ كُرديّ لا تعريب فيه ، حجرٌ ينطق الكُردية فصيحاً .
تسلّل العربيّ النحات إلى غرفة المزاولة و بدأ الإزميل بلسع الحجر الأملس بتحريض من المطرقة بعد أن قام النحات بالرسم على الحجر الأصم الأخرس، الحجر الذي سيتصدق عليه العربيّ النطق لاحقاً لإشباع رغبة و توصية الشريك الكُردي الذي اشتهى نطقاً كُردياً فصيحاً لو لا أن الإزميل نكث العقد المبرم بين الشركين المنفيين في الغرب الواسع و بدأ بالنحت على ما يشتهيه اللاوعي الشرقي برمته ، لازالت المطرقة تحرّض إزميل النحت على أكل الحجر الذي كان سيؤول إلى المجسم الوطن على غرار الطعنات التي تأكل البلد الأصل ، كل مجسم نحت هو ظلّ وطن لمنفيّ تائه إلى أن يصلح الوطن الأصل من نزفه ، كل مطرود هو سجين الصور المعلّقة في مخيلته إلى أن يتعافى البلد من جُرحه السحيق ، و بينما الكُرديّ يتكفل بأسر دخان لفافة التبغ في رئته أحضر العربيّ المجسم النحت بعد تدليكه بورق الصنفرة ليكون أكثر أناقةً و تلاه نفخٌ من أعماق جسده لنفض الغبار و وضعه على الطاولة و قال بأعلى صوته لنلّعق معاً هذا الحذاء العسكري الجميل ، نخب الشعوب التي تُرمّم الأحذية بلسانها .
* كاتب كُردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…