ماجد ع محمد
لغوياً استقلَّ البلَدُ يعني استكمل سيادَتَه، وانفرد بإدارة شؤونه الداخليّة والخارجيّة، وأن البلد لا يخضع في ذلك لرقابة دولة أخرى، أو سلطة أخرى، وهو تحرُّر من أيّة سُلطة خارجيَّة مباشرة، وللاستقلال عيد سنوي لدى معظم شعوب المعمورة، وهو اليوم السنوي الذي تحتفل فيه الدّول التي نالت استقلالها من الاستعمار أو الوصاية الخارجيّة، أو الإنفصال عن شريكٍ لا يلبي شروط الشراكة، أو الإنشقاق عن أخٍ مفروض أو مفترض يخل بشروط الاخوة كما هو حال العلاقة بين اقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد، وتتمّ عادةً إقامة احتفالات كبيرة بهذا اليوم في معظم الدول أو لدى معظم الملل لتذكير الشعوب بأهميّة الوطن والتضحية التي قدّمها أسلافهم للوصول إلى حريّة بلادهم، كما يهدف هذا العيد إلى تذكير المواطنين بقيمة الحرية والعرفان للآباء والأجداد الذين رخصوا دماءهم وكانوا مداميك حقيقية في بناء الوطن.
والاستقلال يعني السيادة والإرادة والقدرة على الدفاع عن الذات كشعب وأمة، وهذا الدفاع يكون ذاتي وكذلك بغطاء دولي بما أن الدولة المستقلة تصبح عضوة في الأمم المتحدة، وتحظى بالحماية الدولية إذا لزم الأمر ضد المعتدين على شعبها أو سيادتها، والدولة التي تنال الاستقلال معنية بحفظ كرامة الذين يشغلون تلك البقعة الجغرافية، والاستقلال يحد من تدخل الدول أو الشعوب المجاورة في شؤونها.
وعن الاستقلال نورد ما كتبه محمد مروان قائلاً: “إن نهاية احتلال بلد معين لبلد آخر يسمى بالاستقلال بسبب استقلاله بحق تقرير مصيره وإرادته السياسية والاقتصادية، فيصبح متحرراً من أية قيود تفرضها عليه الدولة المحتلة ويصبح قادراً على إدارة نفسه بنفسه وحكم نفسه بالطريقة التي يرتضيها، وقبل خروج المستعمر من الأراضي للإعلان عن إنهاء الاحتلال يتم توقيع ما يعرف بوثيقة الاستقلال والتي تهدف إلى الإعلان عن نهاية الاحتلال وبدء حقبة جديدة من عمر هذه الدولة”، وكذلك يشير الكاتب أحمد إسماعيل شكري إلى أن: “الاستقلال هو التخلص من أى تبعية أو مؤثرات خارجية مع اتخاذ قرارات أو القيام بأعمال نابعة من قناعاتك الداخلية ومبادئك محققا طموحاتك وأهدافك”.
ومعلوم أنه حين تستقل الدول من الاستعمار أو تتخلص من الوصاية الخارجية تسعى بشكل مستمر نحو استقلالها الاقتصادى والاعتماد على مواردها المادية والبشرية، كما أنها تسعى لفرض سيادتها الكاملة على أراضيها، ولعل هذا هو المرتجى في استقلال كوردستان والذي تمثل بعضه بما ورد في سياق نص كلمة نيجرفان بارزاني رئيس وزراء اقليم كوردستان خلال مراسم افتتاح المؤتمر العلمي لجامعة أربيل والذي قال فيها: “في الوقت الذي لن نرجع إلى هذه الأوقات الصعبة التي مررنا بها، علينا ان نسخر كامل قدراتنا لنظهر بأننا سائرون باتجاه صحيح، ويكون النمو الاقتصادي هو الهدف الذي سيتمخض عنه نمو متزايد، وأن أي مشروع اقتصادي جديد سيجلب ورائه آخرٌ ليتنافس معه أو يكمله، وأن عودة أي شخص سواءً أكان رجل أعمال أو أي شخص آخر من اللاجئين الكورد في الخارج سيحفز شخصاً آخر للعودة الى إقليم كردستان ويؤدي عملاً يفيد نفسه والآخرين”.
وفيما يتعلق بالرغبة والهدف والإرادة لدى المعنيين باستقلال الإقليم يرى الكاتب الكردي زاغروس آمدي بأنه “ليس هناك وقت مناسب أو غير مناسب لإستقلال كردستان العراق، إنما الأمر متعلق بوجود إرادة لدى قادة وشعب الاقليم أو عدم وجود تلك الإرادة”، وبخصوص تلك الإرادة فنرى بأنها موجودة لدى مختلف الأطراف السياسية والجماهيرية، وهي تترجم عملياً منذ أكثر من عام، وذلك من خلال الجولات التي قام بها رئيس اقليم كردستان إلى الدول الغربية والاقليمية معاً، وإطلاع تلك الدول على موقف حكومة وشعب كردستان من الاستفتاء المزمع إجراؤه هذا العام، وهو ما أكده عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني هوشيار زيباري، بقوله: “بأنه سوف يتم إجراء الإستفتاء في إقليم كوردستان خلال هذا العام، ولن نتراجع عن هذا الأمر، ونحن بإنتظار الأطراف الأخرى لكي يرسلوا ممثليهم ليشاركوا في لجنة الإستفتاء”، كما تظهر الإرادة جلية من خلال كلمة نيجرفان بارزاني والذي قال: “احد الجوانب المفرحة الذي يريحني جدا عند تحقيق الاستقلال لكوردستان، هو أن الاستقلال سيجمعنا جميعاً لنخطو معا نحو الأهداف المشتركة، الهدف من الاستفتاء هو توضيح أن الاستقلال بحد ذاته هدف مشترك لنا جميعاً”، وأردف بارزاني “نحن لا نقول أن الاستقلال سيكون حلاً سحرياً لكافة المشاكل غير أنه سيصبح بداية سفرٍ جديد صوب توجه صحيح”، وأضاف رئيس الوزراء “كوردستان قوية ومتراصة ومستقلة وبإمكانها أن تكون جزء من حل بعض المشاكل الاقليمية والدولية” وكما هو معروف فإن الظروف الدولية لم تتح للكرد للتعبير عما يخالج نفوسهم ويحقق أهدافهم بخصوص الحرية والاستقلال، ولم تسمح لهم الظروف الدولية ترجمة الرغبة والإرادة واقعياً وعملياً كما هي الفرصة سانحة الآن، خصوصاً بعد أن غدا الكرد القوى المعروفة في مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكد ذلك نجيرفان البارزاني في سياق كلمته بالقول: “إن الظروف الراهنة التي أتيحت لكوردستان لم تتح لها من قبل أفضل منها على مر التاريخ ليقرر مصيره بنفسه، وعليه فإن الاجيال القادمة سوف تحكم وتقرر علينا بموجب كيفية تعاملنا لانتهاز هذه الفرصة “، ويبدو أن نسبة المعترضين على استفتاء الاقليم واستقلاله عن العراق في تناقص مستمر باستثناء طبعاً الدول التي تقتسم جزءاً من كردستان كتركيا وسوريا وإيران فهي من البدهي أن تعارض أو حتى تحارب الاستقلال عبر وكلائها خفيةً ولو لم تجاهر بمعارضتها علناً، حيث أكد مدير الاستخبارات العسكرية الأمريكية(DIA) فينسنت ستيوارت، في جلسة لمجلس الشيوخ الامريكي، حول التفاهم بين أربيل وبغداد،” أن استقلال كوردستان سيتحقق وهو أمر وشيك، لكن الأمر مسألة وقت فقط”، وكان ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق يان كوبيتش قد عرض موضوع الاستفتاء في الإقليم على مجلس الأمن الدولي، حيث أبلغ رئيس اقليم مسعود بارزاني الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته الأخيرة إلى الاقليم قرار شعب كوردستان بإجراء استفتاء حول حق تقرير المصير، داعياً الأمم المتحدة التعاون مع الاقليم على إجراء الاستفتاء.
وبالرغم من أن من بعض الوفاء للشهداء والمضحين هو العمل جاهداً لتحقيق ما كانوا قد رخصوا دماءهم لأجله، ألا وهو نيل الحرية والاستقلال، إلا أن ثمة مخاطر جمة قد تنتجها الحكومات المستقلة في بداية عهدها، وتجارب شعوب المنطقة تؤكد بأن ليس كل من نال بلده الاستقلال نال هو الآخر كمواطن حريته وكرامته المنشودة، إنما العكس قد يحدث، فثمة شعوب قد ذاقت مرارة الطغيان في ظل الأنظمة الوطنية هي عملياً لا تقل عن الذي كانت تعاني منه في ظل الإنتداب أو الاستعمار أو الاحتلال، وفي هذا الصدد يقول الكاتب مصطفى علوش عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل اللبناني في إحدى مقالاته: “أنه من الواجب سؤال الضحايا إن كانت العلاقة مع الأجنبي أفضل أو أسوأ من العلاقة مع الوطني، طالما أن القتلى لا يعرفون الفرق بين الموت على يد عسكري أجنبي أو على يد عسكري وطني، أما بعد الموت فإن ضحايا الأجنبي يصبحون شهداء ورموزاً وطنية ومدار فخر واعتزاز للعائلة والأبناء، أما ضحايا الوطني فهم أرقام بلا أسماء وعملاء وخونة ومرتدون وأعداء الثورة وإرهابيون وتكفيريون يعني بالمحصلة فإن ظلم عسكر الأجنبي قد يكون على الأقل له فوائد جانبية” إذن هناك الكثيرون ممن ندموا على ذلك اليوم الذي تخلصوا فيه من المستعمر الأجنبي لأكثر من سبب، والدليل أن هنالك الملايين من أبناء الدول المستقلة هجروا حياض الوطن، وتركوا خلفهم حكوماتهم الوطنية ورأوا الراحة في ظلال وديار الحكم الأجنبي، فها هم السوريون يفرون من الحكم الوطني وطغيان الحكم الوطني منذ ست سنوات، لذا يؤكد علوش “بأن منطق الاستقلال عند المواطن الفرد مبني فقط على حريته وكرامته الفردية، وطالما أنه لم يحصل عليها فإن الاستقلال الوطني يصبح من دون معنى للفرد مهما بالغ الحكام في استعراض المجموعات العسكرية، ومهما استغرق المدرسون في تلقين التلاميذ شيء عن حب الوطن، ومهما تنافس البعض في رفع صوتهم لترداد السلام الوطني، فالأصل هو حرية الفرد” وهذا الاستنتاج الذي خلّص إليه الكاتب اللبناني هو أشبه بما جاء به الكاتب النمساوي (فريدريك فون هايك) في كتاباته حول الحرية حيث يقول: “إن القانون هو أكبر ضامن للحرية، وأن الضامن الوحيد لحرية الإنسان هو القانون، لا تستطيع أية سلطة كيفما كانت أن تضمن حرية الناس، ولا يستطيع أي حاكم فرد القيام بذلك” وهو ما عبر عنه كذلك الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط بقوله: (الإنسان حر إن لم يكن بحاجة إلى أن يطيع أي شخص سوى القانون)، لذا فكردستان كما هي بحاجة ماسة إلى الاستقلال فهي بحاجة ماسة أيضاً إلى قانون يطيعه ويلتزم به الكل، ويطبق على الكل، ولا يُستثنى من تطبيقاته أية فئة أو جهة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية في عموم البلد.
ختاماً يبقى المهم الذي طرحه نجيرفان البارزاني عبر كلمته في جامعة أربيل والمعوّل عليه حقاً هو في قوله: “إن التلاحم والاستقواء بالداخل هو أولى خطوات الاستقلال، والاستقواء بالداخل يعنى إدراك أن قوتك فى قوة تلاحم شعبك وإيمان الشعب نفسه، وتشابك نسيجه” باعتبار أن التلاحم مع الشعب، والنضال من أجل الشعب، والعمل على إحداث تغييرات ملموسة لصالح الشعب هو الضمانة الوحيدة على أن الاستقلال لن يكون عبثاً كما هو حال معظم شعوب المنطقة مع أنظمتها الوطنية، والتي هي حقيقة لم تكن بأفضل من النظم الاستعمارية من ناحية التعامل مع شعوبها وما يتعلق بحقوق الإنسان في ظل ذلك الحكم المسمى بالحكم الوطني، إذ أن الاستقلال الناجم عن رغبة الناس، وعن الحاجة الداخلية لدى الشعب هو الذي يكون محط ترحيبٍ دولي وكذلك محلياً لدى معظم الفئات السياسة ومنظمات المجتمع المدني والمواطمون بوجهٍ عام، ومن المؤكد أن مشروعية الاستقلال القائمة على إنجاز آمال وأهداف الشعب وتحقيق طموحاته سيبقى من دون شك أهم من الاستقلال المفروض من القوى السياسية على المواطنين.