حراك الريف و أزمة النظام

يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
في حين ما كنا نسمع أزليات حنكة النظام المغربي في تسيير كل العقبات التي يواجهها بتضخيم الخطابات و الإلتماس إلى سحر “وليام شيكسبير” الأسطوري، اليوم نرى أن الدولة بكل دجاليها و كذابيها و سحرتها  لم تستطع أن تموه الإعلام الأجنبي عن حقيقة مايجري في الريف الأمازيغية الصامدة، لقي الحراك الشعبي سخطا من الإعلام الممخزن السمعي و البصري و المقرؤ بٱعتباره ثورة إنفصالية و مرة مؤامرة أجنبية خارجية و أخرى عصابات بلطجية….، لكن سرعان مافشلت كل محاولات الدولة على طاولة التفاوض و الحوار بإصطدامها بالحقيقة الصامدة للريف من جيل مثقف حامل كل التراكمات التاريخية و السياسية للدولة على الريف، مالم يترك المجال لأي مسؤول دولة الحديث عن الأمر متيقنا من عدم مصداقية ما سيقوله لأن الحقيقة يعلمها العالم بأسره.
إن ما يزعج الدولة بشكل مباشر من حراك الريف هو حسه الأمازيغي المنبثق من جذور الأرض و الثقافة الأمازيغية لكونه حقيقة تاريخية و إجتماعية و إنسانية مطلقة لا يمكن طمسها إلا بتصفيتنا كأمازيغ من الكرة الأرضية بشكل كلي و رغم ذلك ستعاني الدولة من تاريخنا المحفوظ.
إن تحليل الدولة للحراك بإعتباره حركة إديولوجية أمازيغية هو تحليل يفتقر إلى العلمية ،ذلك بأن الأمازيغية ليست إديولوجية و لا يمكن دمجها كإديولوجية سياسية.
الأمازيغية هي هوية الإنسان الأمازيغي التي يستمدها من الأرض الأمازيغية التي ولد و ترعرع فوقها و يحمل لغتها و يتحمل مناخها و يتقاسم كل شيء معها، أما الإديولوجية فهي النظريات السياسية التي تنبني و تسير عليها الحركة و الحزب و المشروع السياسي، إذن فالريفيون هم أمازيغ بالهوية و الأرض و اللغة و الثقافة، و لا يناضلون تحت صقف حركة أو حزب أو نظام لذلك هم ليسوا إديولوجيين، حتى و إن كان بعضهم محزب وفق إديولوجية معينة، فإن حقيقتهم الهوياتية أمازيغية، و لا يمكن نقدها بالمطلق، لأنهم لم يختاروها لأنفسهم بل وجدوا أنفسهم عليها، كما وجد العربي نفسه عربيا، و الكوردي نفسه كورديا و اليهودي نفسه يهوديا……
إن المفهوم الحقيقي للإديولوجية لا يغير أي شيء في حقيقة و ماهية الإنسان، فكل الإديولوجيات المؤدية إلى تسويق الإنسان و بلع هويته و إستيلاب فكره و إنسلاخ ثقافته هي بمثابة خطط إستعمارية تم عولمتها و دمجها في كل مجالات الحياة بما فيها التعليم و الإعلام و السياسة…كنهج جديد لنوع من الإستعمار الغير المباشر يتناسب وفق ماهو عليه العالم الآن.
لقد حولت الإديولوجية اليسارية الستالينية الأمازيغ إلى آلات مبرمجة ، لا تؤمن حتى بنفسها من تكون ،و إلى أين تمضي، و على أي شيء تناضل، كما أن النصف الآخر إنصب تحت إديولوجية إسلامية تؤمن بالفقر على أنه قدر ،و النضال على الحق على أنه فتنة ،و المختلف على أنه عدو، و المسيحي على أنه كافر، و اليهودي على أنه مغضوب عليه، و الفئة الأمازيغية المتمسكة بوعيها القومي الأمازيغي تناضل تحت ضغط اليسارية بإعتبارها رجعية و الإسلامية بإعتبارها كافرة ، في حين أن اليسارية و الإسلامية لعبتين من صنع يد النظام.
كما لم نسمع عن ظهور “داعش” في الخليج العربي حيث هناك تعتبر مسألة العروبة أمرا مضمون و محسوما فيه، في حين أنها تظهر بقدرة قادر في البلدان التي تم غزوها و إستعمارها عربيا في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و السودان، تزامنا مع إقتراب الشعوب الأصلية في إيجاد نفسها و وعيها بتاريخها و قوميتها و أرضها و التمسك بهويتها الأم الحقيقية.
ما كان يطمح له المقتول “محسن فكري” هي لقمة العيش، و كل مايطمح له الريفيون هو رفع العسكرة على الريف و إسترجاع أراضيهم المنهوبة من طرف المخزن.
أوليسوا شعب مغربي و أبناء المقاومة المسلحة الريفية!! فلما كل هذا الحصار و القهر و التهميش؟؟.
فقط لأنهم أمازيغ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…