ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان – الجزء الثالث

د. محمود عباس
   بعكس وزارة الخارجية المتماهية مع الأجندات التركية، فإن وزارة الدفاع الأمريكية صعدت من سويات تعاملها مع الكرد، رغم الشكوك العديدة حول مستقبل هذا الدعم، لكنه ينجرف لصالح الكرد حتى اللحظة، فتعاملها مع تركيا لا تسير في نفس دروب وزارة الخارجية، وقد لا يستبعد بأنه تكتيك مؤقت، غايتها المصالح، وعليه كان الخوف من اللقاءات المكثفة التي جرت بينها وبين وزارة الدفاع التركية، وعلى أعلى المستويات وبشكل موسع، بينهم قادة الأمن، على مستوى هاكان فيدان، والمتحدث الرسمي باسم أردوغان إبراهيم كالين، وبقيادة قائد القوات الجنرال هولوسي آكار، وحسب جريدة السياسة الخارجية اليومية الأمريكية، لم تحسم النقاشات لصالح الأجندات التركية، علماً أن المباحثات جرت على الأمن في الشرق الأوسط، وعملية دحر الإرهاب ومنها داعش، في سوريا، وتحالفات الدولتين ضمن الناتو،
وكما ذكرت الجريدة فإن القضية الكردية وقوات الحماية الشعبية ستكون على رأس المواضيع التي سيتم التحاور عليه في البيت الأبيض عند لقاء الرئيسين، بل وأسخنها، خاصة وقد كانت في حوارات وزارتي الدفاع، وللضغط على إدارة البيت الأبيض في المحادثات القادمة، عرض أردوغان على فلاديمير بوتين قضية شراء منظومة الصواريخ س-400 علما أن مثل هذه الصفقة يستبعد إتمامها مع تركيا العضوة في الناتو، ولعدة عوامل، وبالمقابل فإن نفس المصدر يتوقع أن يواجه ترمب أردوغان بأنه سيدعم القوات الكردية -السورية المشتركة لتحرير الرقة، رغم المعارضة التركية. (تبين من اللقاء الذي جرى بين ترمب وأردوغان أن توقعات الجريدة كانت منطقية، ومبنية على رؤية ومصادر دقيقة وأن أردوغان لم يحصل على غايته، على الأقل هذا ما يظهر في الإعلام ومن خلال تصريحات إدارة أردوغان) ونحن بدورنا نرى أن هناك اتفاقيات بعكس ما يظهر في الإعلام، وبعكس اللقاء القصيرة وغياب البروتكولات الثقيلة، فإذا اتبعت التحشدات التركية على حدود المنطقة الكردية قصف ما أو هجوم عسكري حتى ولو كان جزئيا فهي دلالة أن اتفاق غير مصرح عنه قد تم حتى ولو اتبعه تنديد أمريكي بدون فعل، وستتوضح أكثر بعد معركة الرقة، وإلا فإن الكفة الكردية هي الراجحة، حتى ولو كانت لغاية المصالح الذاتية، وهذه تنجرف على الوجود الروسي في المنطقة الكردية.
  واعتمدت الجريدة على عدة مصادر موثوقة من الإدارة الأمريكية، بأنه وعلى هذا النهج فقد تم تقديم طلب من قائد القوات في الشرق الأوسط، قوات الوسط، إلى وزارة الدفاع لتسليح القوات الكردية-السورية بالأسلحة اللازمة الهجومية لتحرير الرقة، وعند توقيع وزير الدفاع ماتيوس على الطلب فإن البيت الأبيض سيؤيدها ويدعمها، وإن تم فهي بادرة آمل، ولإنجاحها لا بد من إتمام العامل الذاتي الكردستاني لقادم الزمن. (وفعلا فقد صرح المتحدث الرسمي عن البيت الأبيض أن ترمب قد وافق على تزويد القوة الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية بالأسلحة الثقيلة لتحرير الرقة، ومن جهة أخرى تم تطمين تركيا بأن تلك الأسلحة سوف لن تستخدم ضدها ولن تنتقل إلى أراضيها) وهذه دلالة، إما أنه رد على الضغط التركي المفتعل بطلب الصواريخ الروسية، أو فعلا سياسة وزير الدفاع تجري بعكس اتجاه الخارجية ووقع على الطلب، وأن موقفها يرجح على موقف وزارة الخارجية في العلاقة مع الكرد في البيت الأبيض.
   نعرض هذه المعلومات العامة( وهي كانت محاطة بالتوقعات قبل لقاء أردوغان وترمب) لدراسة ما وراءها، والأسباب التي يؤدي إلى تضخيمها، في الوقت الذي لا يزال الكرد دون اعتراف سياسي، ولماذا هذا التناقض بين الاهتمام العسكري الإعلامي دون السياسي كتحالف، ولا شك يدرك قادة حزب ال ب ي د مركزهم السياسي الخارجي والدبلوماسي، والسوية التي يعاملونهم فيها الأمريكيون والروس، من خلال التصريحات المتنوعة، إلى جانب درجة استقبالهم، وطرق التعامل معهم في المؤسسات التي يستدعون إليها، أو التي يحاولون بلوغها، والمتناقضة مع الجاري على أرض المعركة. فحتى الشخصيات التي تمت دعوتهم إلى أمريكا لم يستقبلوا بأعلى من موظفين من الدرجة الرابعة في أعلى سوياتها، وإن جرت أحيانا على سوية، عضو في مجلس النواب، أو سيناتور، كانت مقابلات للحصول على معلومات من مصادرها، أي خدمة معرفية، وليست علاقة سياسية (وبالمناسبة ما تم في فرنسا كانت في آخر أيام خروج السيد هولاند من الحكومة، وعلى الأغلب استقبل فيه السيد صالح مسلم دون موقف سياسي من الإدارة الذاتية وسياستها)   
  على الأغلب التساهل من قبل قادة ال ب ي د مع هذه الحقيقة مبنية على، تلاعب الشريحة الانتهازية المتصاعدة بين ليلة وضحاها في قيادة الإدارة وممثليها في الخارج. والثانية على الأمل بأن تتغير الأمور في القادم من الزمن، أي بعد نجاحات ما على الصعيد العسكري قد تصعد العلاقات الدولية من مجال الخدمات العسكرية إلى التعامل السياسي. والثالث التشتت في مطالب وأراء الوفود الدبلوماسية لمجمل الحركة الكردية والتي تتعارض في الأروقة الدولية، ومعظمها حزبية أو مصالح ذاتية قبل أن تكون وطنية وكردستانية، وخاصة وفود المجلس الوطني ومجلس الشعب الكردي، وقد حاولنا في المجلس الوطني الكردستاني-سوريا عدة مرات، وآخرها قبل شهرين ونيف، توحيد صفوفهم والخروج ببنود لتعرض أثناء اللقاءات مع القوى الكبرى وخاصة الأمريكية، لكن وللأسف الطرفان وبتقصد أفشلا المخطط قبل بدء المباحثات، وكانت للإقليم الفيدرالي وأطراف إقليمية دور في منع التقارب. علماً أن مثل هذه اللقاءات أو التوافقات قد يؤدي إلى توسيع الفيدرالية الكردية في مناطق أوسع، وبناءً على تقديرات البعض من السياسيين الأمريكيين، والمراقبين الدوليين، وغيرهم، لا يستبعد أن يكون هناك مخطط لبلوغ البحر الأبيض المتوسط، وهي البوابة التي يجب أن تكون عليها جغرافية المنطقة الفيدرالية الكردية، والتي بدونها ستبقى أية إدارة كردية تحت رحمة القوى الإقليمية، وحسب توقعات وتحليلات العديد من المراقبين السياسيين، فإن هذه الخطوة ستلاقي صعوبات جمة وقد تفشل في حال لم تنتقل الإدارة الذاتية في المنطقة من سلطة حزب ال ب ي د إلى نظام ديمقراطي يعكس إرادة أغلبية الحركة وكلية الشعب.
  وللأسف ما يغيب عن الرؤية، أو لربما تجاهل مقصود، هو أنه أية تغيرات إقليمية أو تحولات سياسية في المنطقة يجب أن ترافقها تحولات في الواقع الكردي والكردستاني، وأولها توسيع الأرضية الديمقراطية لتقنع وتقتنع بها الدول الديمقراطية الكبرى ونقصد أمريكا، للتعامل معنا ككرد، عسكريا وسياسياً بنفس الدرجة، وليس بوجهين، بشكل أوسع أو أوضح، من مجرد (متمردين) يسخرونهم لأجنداتهم في المنطقة، أو مجلس كردي تابع لقوى المعارضة كالائتلاف أو الهيئة العليا للمفاوضات، التابعتين للسعودية وتركيا، إلى حليف سياسي في المستقبل، أو على الأقل اعتراف سياسي، ويقيمون كحركة شعب  يجب أن يناقشوا قضيتهم على الحيز الدولي وليس الداخلي السوري، ويتم استقبالهم بطرق رزينة في الأروقة الدبلوماسية. وعلى الأغلب فضعف دبلوماسيتهم لها علاقة مباشرة بالواقع الذاتي السياسي، لذلك فلابد من التغيير الداخلي، السياسي والعسكري، وبأساليب صحيحة ودون مواربة، أي ليست لإظهارها على الإعلام دون فعل، فالأمريكيون يعلمون ما وراء الستارة ويقرؤونها بشكل أوضح حتى من الذين ورائها، وأحكامهم وقراراتهم تبنى على مستشاريهم وليس ما يقدمه السياسيون الكرد. 
 علينا ألا ننسى لحظة، بأن معظم الأطراف الإقليمية ستقف ضد مثل هذه التغييرات، ونخصها الهلال الشيعي، أي إيران وسلطة بشار الأسد، ولا بد من البحث عن مخرج للتحرر من استبدادهم، والاستبداد التركي في نفس الوقت، وإملاءاتهما… 
يتبع… 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
2/5/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…