الملوحين بأندروير الحرية

ماجد ع  محمد 
“ازدواج الشخصية اضطراب نفسي حقيقي حيث يظهر الشخص بأكثر من شخصية 
كان يسمى اضطراب تعدد الشخصية  وأصبح الآن يسمى اضطراب الهوية الانشقاقي” 
د. وائل فاضل علي
لا مراء أن ما من إنسانٍ عاقل يدعو إلى الجمود والثبات الكلي، طالما كان يؤمن بما قاله هيراقليطس وهي أن الحياة في تجددٍ دائم كمياه النهر، إلا أن ذلك لا يعني البتة بأن ما من ثوابت في هذا الكون، لأنه لولا الثوابت الكونية لغرقت الكرة الأرضيه أو تشظت أو تفتقت بمن عليها، فثمة قيم فيزيائية ثابتة معبر عن الكثير منها بقوانين طبيعية دقيقة جداً، مثلا بُعد الأرض عن الشمس بمسافة دقيقة هو ثابت كوني مهم جداً للمحافظة على الحياة على الأرض،
 وظاهرة الضبط الدقيق تشير للخصائص الكونية الضرورية لتكون الظروف المؤاتية لنشوء الحياة و بقاءها، وذلك من النواحي الرياضية والفيزيائية، كما أن القيَم التي جاء بها الرسل والشرائع التي أرسى أسسها الفلاسفة الوضعيون، وكذلك ما جاء في شرعة حقوق الإنسان والأمم المتحدة هي أيضاً قيم غير متقلبة بتاتاً كما يحلو للبعض جعل العالم كله في تقلبٍ دائم بناءً على مصالحه الشخصية، وذلك بهدف التبرير لكل ممارساتهم وأقوالهم المتقلبة كتقلبات الحرباوات عبر إنتقالهن من تربة إلى أخرى. 
إذ أن الناظر لأوضاع الكثير من أبناء الشرق المتقلبين كتقلب الريشة في العاصفة، وفوقها محاولاتهم الحثيثة لتبرير الانقلابات البنيوية لديهم والذي يجعل المرء في ذهولٍ تام، هو أن بعضهم وخلال أيامٍ أو شهورٍ قليلة يود أن يظهر نفسه للأقران في البلد وكأنه مع رهطه المتأورب غدوا غيرهم بفضل استنشاقهم الصاروخي لهواء واكسير الحرية في حدائق أو بارات الغرب، وحيث أن الكثير من رافعي راية الحرية نسيوا بأن واحدهم كان حتى يوم أمس يتضايق من مجرد وقوف جاره على الشرفة، وكان كثيرهم مستعد لأن يتشاجر يومياً مع أحدهم لأنه وقف بالفانيليا أمام باب الدار، وأن اقتراب شابٍ من اخته بغرض طرح سؤالٍ عابر في الشارع كان كفيلاً بأن يُخرج كل حيوانيته بوجه الشاب دفعةً واحدة، فكيف إذن وبلمح البصر صار ممن يسمح لابنته أو اخته بأن تُنكح في الشارع وهو مبتسم متفاخر بذلك المشهد حتى يُظهر نفسه من خلاله على أنه غدا كائن سوبر فري، كأي كائنٍ طلق العنان من كائنات البراري.
عموماً يبدو واضحاً من خلال الميول والاهتمامات أن الكثير ممن قصدوا أوروبا بدايةً باسم اللاجئين، هم ضمنياً قصدوها من أجل الحصول على مغانمها وملذاتها الآنية والتمرغ بأهوائهم على أديمها الذي كان السبب المباشر في سيلان لعاب خيالاتهم قبل الإنتقال إليها، وأن آخر ما قد يلفت انتباههم هي صروح الحضارة، وربما لا يهم الكثير منهم معرفة ماذا يفعل علماء ومخترعو تلك الدول، ولا لديهم الشغف لمعرفة أولئك الذين يقدمون أفكارهم وتصوراتهم ومجهوداتهم لتطور وارتقاء شعوب تلك البلاد، إنما جل ما يشغلهم ويثير فضولهم ويلفت انتباههم في أوروبا هو العري والتعهر، لأنه وفقاً  لعلم النفس أن ما يُشغل الإنسان هو جزء رئيسي من اهتمامه وتفكيره البنيوي.
وبهذا الخصوص فمن جميل ما تركه لنا الشاعر العربي الكبير أبو تمام قوله ” أن اختيار المرءِ جزءٌ من عقله” فكل امرءٍ يختار الذي يشبهه، يميل إليه، ويسعى ليكون جزء منه أو متمم له، باعتبار أن الإنسان يبحث عما ينقصه ويحاول بشتى السبل تلبية جوعه الفاتِك، لذا ترى الكثير من المثقفين الشرقيين واضعين كل مجهوداتهم ليقتدوا بالعاهرة الأوروبية عوضاً عن مخترعيها ومفكريها وعلمائها، طالما كانوا فاشلين في اقتفاء أثر العلماء والمخترعين، علماً أن التعري ليس بحاجة للثقافة أصلاً لأن أكثر المتخلفين الأفريقيين في أدغال تلك القارة لا يزالون عراة حتى الآن كما كان عليه آدم وقرينته حواء منذ آلاف السنين، والعري بالأصل لا يحتاج إلى صكوك أو شهادات أو مراتب علمية، ولا إلى ثلة من الكتاب والفنانين والمثقفين حتى يروجوا له، لئن بمقدور أية عاهرةٍ كان أو أي تافهٍ أو تافهة من قاع المجتمع خوض تجربة التعهر والتعري أينما كانوا سواءً في الشرق أم في الغرب. 
وبما أن طائفة لا بأس بها من الشرقيين لم تقصد أوروبا للتخلص من التخلف الفكري لديهم، ولا راحوا ليتطهروا من كذبهم ونفاقهم وأسقامهم السيكولوجية، ولا ليتعرفوا على بُناة الحضارة الأوربية وكيف تم بناؤها ليقتدوا بهم في البناء، إنما قصدوها لأجل استكمال حياتهم كأناس اتكاليين يسترطبون المكوث في ظلال أشجار الغيرِ، ويستلذون بمنجزات الآخرين، ومن خلال الميول والاهتمامات نلحظ بأن ثمة طائفة لا بأس بها منهم ربما جل ما يشغلهم هو الاستمتاع الليلي بالهسيس الصادر عن تضاريس راقصات التعري في البارات، لذا وباستغرابٍ نقول: لماذا يا ترى أنفق هؤلاء الأنفار كل تلك المصاريف للوصول إلى المحروسة أوروبا؟ ولماذا عرضوا حيواتهم وحيوات عوائلهم للخطر، طالما أن كل ما راحوا لأجله هو متوفر عملياً وبكثرة في الشرق ومن ضمنها في تركيا تحديداً، فمثلاً ووفق تقرير لمنظمة “دير سفكات” صدر في 2013 وهي منظمة غير حكومية، وقد جاء في تقريرها “أن في تركيا مهنة الدعارة تحت إشراف الحكومة كما هو الحال عليه في معظم الدول الغربية، وحسب وسائل الإعلام أن مستوى تركيا هو العاشر عالمياً في الاستفادة من مهنة الدعارة، وحيث تستفيد تركيا من مهنة البغاء سنوياً أربع مليار دولار، وفيها 3000 آلاف بائعة هوى مرخصة و30 ألف عاهرة قيد الترخيص أو ينتظرن الترخيص وفيها 15 الف بيت مرخص رسمياً من الدولة كبيوت دعارة، وكذلك ففي عام 2010 افتُتِح فندق ادبيرن جولمر للعراة في شبه جزيرة داتكا على ساحل البحر الاسود، فلماذا إذن أهدروا كل  تلك النقود وركبوا البلمات لأجل الوصول الى مضارب التعهر في أوروبا؟ طالما كان بمقدورهم التعفر في تركيا بالذي راحوا لأجله. 
وفي الختام بودي أن أمرر حادثة عن أحد هؤلاء المطبلين لقصة التحرر الجسدي وهو عملياً فرد، ولكنه يمثل فئة لا بأس بها من المجتمع الشرقي في تلك المضارب، الذين لا يختلف حال بعضهم كما كان عليه حال البطل الشبق مصطفى سعيد في روية الطيب صالح (موسم الهجرة الى الشمال)، إذ من بين ما أذكره أننا كنا في بيت أحدهم بمدينة حلب في التسعينات، وصادف أن جاء ابنه الصغير إلى غرفة الجلوس عارياً فراح على اثرها يتغنى الأب بزب ابنه الصغير في الغرفة أمام الضيوف، ومن باب المعارضة ودفع الرجل ليظهر حقيقة ما يكنه أو ربما كان الهدف من الإعتراض آنذاك هو إحراجه، فقلت حينها: ماذا لو كانت ابنتك هي التي اقتحمت الجلسة عاريةً فهل كنت ستتغنى بفرجها كما  تفتخر وتتغنى بزب الصبي؟ وهل كنت ستسمح لها بأن تتبختر عاريةً جيئة وذهابا كما يفعل الصبي الآن، فتغيّر لون الرجل، وزم شفتيه، وعبّر عن امتعاضه مما قلت، وربما كان في دخيلة نفسه أن يقصف مواقعي بكل ما يملك من الأسلحة لو استطاع إلى ذلك سبيلا، لكنه تمالك نفسه وساد الصمت في الغرفة، واعتكر يومها صفوَ الجلسة والجالسين إلى أن انتهى الاجتماع، ولا أعرف حقيقةً إن كان قلبه قد صفي تجاهي إلى اليوم أم لا، وذلك بسبب تلك المجادلة التي كانت المحك بالنسبة له، ولكن الذي أعرفهُ أن الرجل بعد انتقاله الميمون إلى أوروبا وبعد استلامه الدوري لبعض النقود من مؤسسة السوسيال والجوب سنتر غدا كالمئات من أمثاله ممن كبّلت النقودُ أيديهم، أسبلت أعينهم، وأقفلت أفواههم، كحال مَن تم شراء ذممهم من قبل الأنظمة الدكتاتورية في الشرق، وصار كالكثير من المتثاقفين في أوروبا أحد الملوحين بأندروير الحرية من بعيد.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…