د. آلان كيكاني
آمنا بصحة تعدد الرؤى واختلاف وجهات النظر بين أبناء الأمة الواحدة. وأقررنا بالتعددية السياسية والحزبية، ونظرنا إلى كثرة الأحزاب على أنها حالة صحية وتعبير عن الإيمان الراسخ بروح الديمقراطية، ولكن أن يتحول كل ما سبق إلى حالة متفشية من العداء بين الناس فهذا هو السم القاتل للأمة بأسرها.
كم أتألم عندما ينبري آبوجي يلغي كل ما يتعلق بالبارزانية بجرة قلم وهو في صميم نفسه يعرف ما هي البارزانية، وما هي تضحيات ونضالات هذا التيار، وماذا تعني البيشمركة وبطولاتهم في الدفاع عن حق الشعب الكردي المضطهد.
وكم أتألم عندما أرى أحد فطاحلة أحزابنا الكردية وبكل سهولة ويسر يخوّن الآبوجيين ويبيعهم وتضحياتهم وشهدائهم وقادتهم بفلس واحد، وهو يعرف في قرارة نفسه ما قدمه هذا التيار من قوافل الشهداء رغم الأخطاء التي ارتكبها والكبوات التي تعرض لها. وهل من طرف كردي لم يرتكب الأخطاء ويتعرض للكبوات منذ أن وجدت القضية الكردية؟
كم أشفق على فرد يقوم بطلب الصداقة مني على الفيسبوك فأرحب به. ومن ثم يقوم بإبداء إعجابه بما أكتب. ويراسلني على الخاص شاكراً ومقدراً ومسدياً لي صنوف المديح والثناء. فأزور صفحته لأجدها تتزاحم بصور آبو والكريللا ووحدات الحماية فأحترم قناعاته ولا آخذ عليه شيئاً. إلا أنه وبعد نشري لأول منشور أنتقد فيه قيادة العمال الكردستاني أو الإتحاد الديمقراطي أراه وجه نيران أسلحته عليّ بقذائف لا تخلو من الشتائم فأضطر إلى طرده من صفحتي.
وكم أشفق على آخر يضيفني إلى قائمة أصدقائه فأتقبله وأرحب به، ثم أزور صفحته فأجدها بارزانية الهوى والعقيدة، وأستشف من خلالها أن الأخ عضو في احد الأحزاب الكردية فأحترم توجهاته السياسية وأقدرها، ويقوم هو الآخر بالتفاعل إيجابياً مع ما أنشر حتى يصطدم هو الآخر بما لا يستطيع بمخيلته الركيكة وفكره الضحل تقبله في منشور أثني فيه، مثلاً، على مقاتلينا الأبطال الذين يواجهون داعش في كوباني والجزيرة. فأراه وقد انسل من صفحتى وأنزوى إلى زاوية كناية عن أن الرجل آخذٌ على خاطره.
الكردي لديه مشكلة في الرؤية، فهو لا يرى من الألوان إلا الأبيض أو الأسود دون أن يميز مساحة رمادية بينهما. الكردي إما آبوجي لاعن للبارزانية، أو بارزاني شاتم للآبوجية. الكردي إما خائن أو وطني. لا مجال للحيادية في دستوره.
قل مديحاً في الكريللا يحكم عليك البارزاني بالإعدام. قل ثناءً في البيشمركة يقيم عليك الآبوجي الفرمانات. امدح كليهما يتهمك الأثنان بالنفاق والعمالة. كن آبوجياً يكرهك البارزاني. كن بارزانياً يكرهك الآبوجي. كن حيادياً يكرهك الأثنان.
هكذا هو الكردي. ينسى الأرض والعرض، ينسى المجازر، ينسى الجوع والمعاناة، دون أن ينسى الحزب والقائد. وبهذه العقلية فإن وطناً لا يستحقه، وإنما خير ما يليق به هو زريبة عليها حارس أجنبي.