د. محمود عباس
رسائل أردوغان لترمب لم تقف منذ تولي الأخير إدارة البيت الأبيض، وفي كل مرة تحمل أوجه متنوعة، ولا تخلى واحدة منها دون إثارة القضية الكردستانية، وجميعها تحت سقف الإرهاب، وهذه الأخيرة، التي تمت بعملية عسكرية وليست دبلوماسية، شملت جزأين من كردستان، لتصل صداها بقوة إلى الأمريكيين والروس، والتي وبالتأكيد كانت بموافقة الطرفين، وسينافقون على المنصات الدبلوماسية قريباً، والرسالة في الواقع ترسيخ لسابقتها الدبلوماسية والتي حملت ثلاثة صيغ، واحدة لترمب، الذي سيتم اللقاء به في 15 من الشهر القادم، والثانية ل ب ي د قبل ال ب ك ك والمد الشيعي، والثالثة لروسيا وما حولها، ولا نستبعد بأنها موجهة في شق له إلى الإقليم الكردستاني على خلفية كركوك ولن نتعرض لهذه الأن.
لإدارة ترمب
1- تريد تركيا من أمريكا في اللقاء القادم أن تكون قضية جنوب غربي كردستان من أحد القضايا الرئيسة في المحادثات، وتحت شروطها:
أولا أن تتخلى أمريكا عن مساعدتها لقوات الحماية الشعبية، وسوريا الديمقراطية، إن لم يكن الأن فليكن بعد تحرير الرقة.
والثانية أن تسلمها ملف المنطقة الكردية، إن كانت تحت صفة منطقة آمنة، أو شمال سوريا الذاتية.
والثالثة ألا ترقى سوية علاقتها الحالية إلى الحيز السياسي، وتوقف احتماليات التوجه نحو الاعتراف بها كمنطقة فيدرالية ضمن سوريا لا مركزية.
والرابعة، أن تدرج بعدها، وبشكل رسمي حزب ال ب ي د ضمن المنظمات التابعة ل ب ك ك وبالتالي تصرف كحزب إرهابي.
ومقابلها لا يستبعد أن تتنازل تركيا عن الكثير:
وأولها، عن دعمها لأطراف من داعش. وثانيها، ستعود إلى أحضان الاستراتيجية الأمريكية بدون شروط مسبقة، وتقلص من استراتيجيتها السياسية دون الاقتصادية مع روسيا.
ولا يستبعد أن تقوم تركيا بتنازلات أكثر وفي مجالات أخرى، اقتصادية وإعلامية، وتفتح المجال للتحركات العسكرية الأمريكية خارج قواعدها، وقد أصبحت مثل هذه الاحتمالات واردة على خلفية التغيرات العديدة والسريعة في سياسة أردوغان، الخارجية والداخلية، والجميع على معرفة بالتنازلات التي قدمتها لروسيا، بدءً من تخليها عن المعارضة السورية المعتدلة العسكرية والسياسية، إلى السكوت البشع أمام تدمير مدينة حلب الرهيب وقتل الروس للشعب الآمن فيها، من أجل السماح لها بدخول سوريا واحتلال المنطقة الكردية، والكل يتذكر كيفية تحريرها لجرابلس من يد داعش، وبدون جريح واحد، أو عطب آلية عسكرية، ومن ثم التلكؤ أمام مدينة الباب للضغط على الأوربيين والروس، ودون أن يظهر تصريح سياسي أو دبلوماسي أو تقرير رسمي عن القوى الكبرى، حول كيفية تحرير المدينتين بهذه القلة من الخسائر العسكرية، والتي كان يجب عرضها لتأخذ أمريكا وروسيا الخبرة منها في حربهما ضد المنظمات الإرهابية، من داعش إلى النصرة وغيرها، فيما إذا كانت فعلا تركيا وروسيا وأمريكا جادين في حروبهم ضد الإرهاب!؟
لـ ب ي د
2- الصيغة الأخرى في رسائل أردوغان ومن ضمنها القصف الأخير على كردستان، موجهة إلى ال ب ي د قبل ال ب ك ك:
أولا، وهي أنها وبهذه الانفرادية في العمل، لن تتمكن من حشد الدعم الدولي لصالحها، وبأنها ليست سوى أداة بيد القوى الكبرى، وكذلك الإقليمية التي تصمت أمام اعتداءاته المتكررة.
وثانيا، وهي أن تعامل أمريكا وروسيا مع ال ب ي د واقع مفروض مؤقت، ومحدود، وهي ليست مواثيق دولية بين دولة وشعب أو دولة وإدارة سياسية، وبالتالي هذه العلاقة لن تتوسع إلى سوية الحد من الاعتداءات التركية التي تعرضها على الدول الكبرى تحت حجة الدفاع عن مصالحها الوطنية، المتعرضة إلى الخطر من المنظمات الإرهابية، وهذا ما بينته اعتداءاتها الأخيرة على شنكال وقراتشوك وقرى في أطراف عاموده وكركي لكي، وعليه على الأغلب تم الصمت الدبلوماسي الأمريكي والروسي وحتى السلطة السورية ذاتها. وبالتالي هذه العلاقات العسكرية لن تتوسع ولن تصعد لتبلغ إلى سوية الاعتراف السياسي بالفيدرالية الكردية في روج آفا أو حتى تحت تسمية شمال سوريا، ولو بعد الانتهاء من تحرير الرقة أو التقرب من حصر داعش في الجنوب السوري.
المطلوب من الـ ب ي د
وبناءً على هذه النقاط وغيرها، لا محيض أمام ال ب ي د سوى تغيير تكتيكها ونهجها مع القوى الكردية والكردستانية الأخرى، وترك سياسية اللون الواحد، وأخذ العبرة من أعداء الكرد، الذين يغيرون سياساتهم بل واستراتيجياتهم وأيدولوجياتهم من أجل مصالحهم القومية والوطنية، كإيران التي تصعد من سقف علاقاتها الاقتصادية مع تركيا السنية عدوتها التاريخية إلى أكثر من 30 مليار دولار، وتجلس معها في جميع المؤتمرات، من آستانا إلى جنيف وموسكو ولربما ستذهب معها حتى إلى الجهنم! من أجل المصلحة الفارسية.
فالحنكة هي في الاستفادة من العدو ذاته، وخبرته، فتركيا كمثال، غيرت وتغير من أطوارها وسياستها واستراتيجيتها مرتين في كل شهر أو سنة! فلماذا لا تستطيع ال ب ي د أو العمال الكردستاني تطوير الاطار الجامد من التفكير، والتحرر من النهج الواحد، وتقوم بالتعامل والتحاور مع القوى الكردستانية، وتبدأ بتليين لهجة إعلامها، وتوقف التلاسن، وتحد من مهاجمة الكردي الآخر، وتقوم بإطلاق سراح السجناء الكرد المثقفين والسياسيين، وبدون شروط، بل وحتى الاعتذار عن الأخطاء السابقة، وإلا فالقادم كما يبدو أكثر قتامة من المتوقع، وأن استراتيجية تركيا ستكون هي الرابحة، وللحد من العنجهية التركية يجب الانتقال من السيادة الحزبية على روج آفا إلى السيادة الكردستانية، فالحركة الكردية في روج آفا لا تنحصر في المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب الكردي، فهناك قوى أهم منهما في الحيز الوطني والقومي وفي علاقاتها الخارجية، ولا بد من الانتقال إلى تطوير القوة العسكرية الحالية ذات صفة الإدارة الذاتية والمعروفة لدى القوى الكبرى، بأنها قوة حزبية، إلى كردستانية، والاعتراف بالعلم الكردستاني مع حق الاحتفاظ بالأعلام الحزبية، والتحاور مع الدول الكبرى على سوية النهج الكردستاني والتخلي عن شرح مفاهيم الأمة الديمقراطية والإيكولوجية كما حصلت في مقابلات مع الإدارة الأمريكية الغارقة في الإمبريالية والمعادية لمفهوم الأممية، وهذا ما قامت به البعض من وفود حزب ال ب ي د في محادثاتهم مع الأوروبيين والأمريكيين، وليعلموا أن الاستماع إليهم وببسمة دبلوماسية لا تعني الموافقة على أفكارهم، ونهجهم، بل العكس.
لـ بوتين
3- أما الصيغة المعنية بها روسيا، هي بأن تنتبه إلى أن تركيا بإمكانها العودة إلى استراتيجيتها السابقة مع أمريكا وحيث الحرب الباردة، وأن مساعدتها في أفشال المسرحية الانقلابية، لن تشفع لها بأكثر من الإبقاء على المصالح الاقتصادية، ولا حتى عداوتهما المشتركة لأوروبا. وديمومة التعاون غير كافية، وحصر قواتها على أطراف مدينة الباب، دون السماح لها بالتمادي في غربي كردستان أو شمال سوريا إلى ما تتطلبه مصالحها القومية بالسيطرة في روج آفا، والتي قننتها روسيا، حسب مستجدات اللحظة، لن توقفها من تغيير استراتيجيتها والعودة إلى سياسية من سيدفع الأكثر.
على مدى نصف قرن اختصرت وحاصرت السلطات التركية الكرد وكردستان في مباحثاتها وعلاقاتها الدبلوماسية العالمية ومع القوى الكبرى بحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي أدخل في قائمة المنظمات الإرهابية يوم كانت تركيا الحليف المهم لأمريكا وأوروبا أثناء الحرب الباردة، والتي كانت جميع المطالب التركية تلبى دون كثير نقاش أو اعتراض، ومن المعروف التغيير في العقود والمواثيق الدولية تحتاج إلى عقود من الزمن أو صدمة عسكرية أو دبلوماسية على مستوى الحيز الاستراتيجي، وهي ما تكاد أن تصله العلاقة ما بين بعض الدول الأوربية وتركيا، فيما إذا لم يتراجع أردوغان عن سياسته، وهي متوقعه على خلفية تنقلاته المكوكية الخارجية، ما بين روسيا وأمريكا، والتغييرات الشاذة في علاقاته مع المقربين له في حزبه.
القصف التركي
على شنكال في جنوب كردستان، وقراتشوك وكركي لكي وقرى في أطراف مدينة عاموده وسابقا في ريف عفرين، حيث روج آفا، جنوب غربي كردستان، المناطق التي لا تزال ويلات هجمات داعش موجودة في كل مكان، وخاصة في شنكال، تحت حجة قصف مقرات العمال الكردستاني، ومعسكرات ال ب ي د، بالطريقة التي تم، ليس سوى قصف على كلية كردستان وشعبه، وتعكس سياسة خبيثة، لتوسيع شرخ العداوة بين الشعبين التركي والكردي، بل وجر الكرد إلى حيث الصراعات المذهبية في المنطقة والتي لايزالون حتى اللحظة خارجها. فأردوغان وبهذا الأسلوب يستطيع خلق حجج لقصف كل مكان في كردستان، بأن يقول: إنه هناك خلايا للعمال الكردستاني في كل مدينة كردستانية، ويحق له قصفها!
المطلوب من الكرد
تركيا لا تزال تسير على النهج العدائي للكرد كشعب، وعلى جغرافية كردستان كوطن قادم، ترعبها صعودها، مثلما ترعب معظم القوى الإقليمية، وشراسة العداوة وبربرية السلطات الإقليمية تؤكد هذه الحقيقة، ولهذا فعلى القوى الكردستانية وخاصة المتهمين على خلفية القصف، بالتعامل مع هذا الحدث بل والأحداث الوطنية الأخرى بمرونة، ومنها الخروج من شنكال وتركها لإيزيدييها، وقبول الكردي الآخر في غربي كردستان، لمواجهة الأخطار، والاعتماد على قوة الشعب الهائلة، واستغلالها بدراية وحنكة، وليس على الحزب والموالين له، وبمساعدة الشريحة النيرة من الشعوب الأخرى في المنطقة، سيكون من السهل الوقوف في وجه السلطات الاستبدادية، والحد من عبثتيها وجرائمها.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
25/4/2017م