د. محمود عباس
بالرغم من فوز أردوغان في الاستفتاء، لم يرضخ حزب الشعوب الديمقراطية، بخلاف الأحزاب المعارضة الأخرى، كالحزب الشعب الجمهوري مثالاً، الذين قبلوا النتائج رغم شكوكهم، وهذه صفة أصيلة في الكردي وعلى مر العصور، فرغم كل الانكسارات، والخسائر في الحروب، والاحتلال، لا يرضخ، وهنا وفي حالة الاستفتاء التركي، برزت الخصلة بأسلوب حضاري، غلفت بإطار قانوني، وهو الطعن في نزاهته، وفي الواقع، يعني التشكيك في مصداقية الحزب الحاكم ولجان فرز الأصوات، التي هيمنت عليها حزب العدالة والتنمية، أي بما معناه مواجهة أردوغان واستبداده، أو جموحه نحو الهيمنة المطلقة، علما بأنه من حيث القوة لا أمل لحزب الشعوب الديمقراطية في إيصال هذا الطعن إلى المحاكم، ولا نظن بأنه سيصل إلى قاعة البرلمان، خاصة وأن عدد غير قليل من برلمانيي الحزب معتقلون في سجونه، ومن بينهم رئيس الحزب السيد (صلاح الدين دمرتاش).
بدأت بعض الدول الحضارية تلمح، بأن أردوغان بنجاحه، دفن الديمقراطية في تركيا، وشيعها بكلمة نعم، وهم يدركون أكثر من غيرهم، إنه نقل نظام عنصري إلى نظام استبدادي، كما ويعلمون بأن الديمقراطية في تركيا كانت مشوهة إلى حد القرف، حكومات، ونظاماً، ودساتيراً! ولولا أن الديمقراطية كانت ميتة منذ أتاتورك أو قريبة منها لما انتصر التيار الإسلامي الاستبدادي، والنحيب على النظام السابق، يشبه الضحك لانتصار المستبد، بغض النظر عن الصراع بين العلمانية والدين.
مع ذلك نرى أن التغيير في تركيا نحو النظام الرئاسي الاستبدادي من صالح الكرد. لعدة أسباب: وقد يكون هذا العرض السياسي غريبا عند البعض، خاصة وأن حزب الشعوب الديمقراطي حشد قواه ليقول (لا) للاستفتاء، والغريب هو أنه في هذا شارك أحزاب قومية تركية عنصرية أتاتوركية، ضد حزب ديني استبدادي!
1- على مدى القرن الماضي من الحكومات الأتاتوركية (البرلماني) لم يحقق الكرد مكسبا واحداً، بل بالعكس خسروا الكثير، ومن ضمنها كادوا يفقدوا لغتهم، والكثير من جغرافيتهم وديمغرافيتهم، وما ربحوه كان تحت حكم المستبد أردوغان، ليس حباً بالكرد، بل كان أسلوبا حديثا في دعم جمهوريته التركية في الأوساط الدولية، وكانت واحدة من عدة قضايا داخلية، تناولها بدراية للحصول على دعم من الرأسمالية العالمية لمشاريعه الاقتصادية، والتي فعلا ربحها وبجدارة وأوصل بتركيا إلى مصاف الدول الـ 20 الكبرى اقتصاديا.
2- إن درجت الحكومات التركية إلى الأسوأ فهي ستكون في صالح الكرد في الهيئات الدولية، وأمام الرأي العام العالمي، فالصراع سيكون هو ذاته، والحرب ستستمر، والتدمير لن يتغير في جغرافية كردستان، لكن مستقبلا يستطيع الكرد المطالبة بالحرية من السلطات التي ستقيمها العالم الحر بالاستبدادية، وليست بالبرلمانية الديمقراطية كما ادعت على مدى القرن الماضي بعكس ما كان الكرد يحاولون تبيانه. رغم أن الدول الكبرى كانت على دراية بحقيقتها، تمكنت الحكومات التركية من تحت خيمتها، حتى ولو كانت لها خلفيات سياسية اقتصادية ومصالح أخرى، إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن المنظمات الإرهابية!
3- مهما كانت النتائج القادمة، أياً كانت سوية الاستبداد، والتغيير في النظام، من الإدارة إلى الدستور، فلن تكون بأبشع من حكم تانسو تشيلر التي شكلت القوات الخاصة لتدمير كردستان، أو جدها أتاتورك الذي خط دستورا عنصريا بكل المقاييس، أو ديميريل الذي رفض حتى ذكر أسم الكرد، أو غيرهم. لذلك فإن أكثر المعارضين للتغيير هم القوميون الأتراك، ومنظمة الذئاب الرمادية (حزب القومي التركي) أحفاد هذه الحكومات العنصرية، وكان لا بد للكرد من أتباع منهجية أخرى في الاعتراض، وسنأتي عليها، رغم أنها متأخرة، لكن قد تكون تجربة للمستقبل.
4- لأول مرة في تاريخ تركيا يتم ذكر الفيدرالية التركية على لسان المعارضة ورئيس الجمهورية، وهي خطوة إيجابية أيا كانت خلفياتها، ولا شك أن التذكير بحد ذاته، حتى ولو في بعده المنفي، جاء على خلفية صعود الحضور الكردي الدولي، والنضال السياسي والعسكري الكردي في المنطقة، وعلى مدى قرن من الزمن. وكنا قد ذكرناها قبل أكثر من سنة، في مقال لنا، لو أردوغان يريد النجاح، وتطبيع المنطقة والحكومات الإقليمية والدولية، عليه تطبيق النظام الفيدرالي في تركيا، ونوهنا قبل أسبوع على قناة زاغروس، باننا نتوقع مثل هذا العرض من إدارة أردوغان رغم شكوكنا بمصداقيته، لكن وعلى خلفية تصريحه، لا نستبعد وفي ظل الاستبداد الرئاسي البحث فيه، حتى ولو كانت تحت تأثير القوى الكبرى ومجريات الأحداث الإقليمية، خاصة وأنه كان قد نوه بأنه لربما سيجعل من نظام الولايات كالنظام الأمريكي، ومن المعروف أن النظام الأمريكي نظام فيدرالي، ولا شك هنا ستظهر إشكاليات عديدة، جغرافية وديمغرافية، وغيرها. وإذا حاول التغيير في بنية الدستور الأتاتوركي، فستكون أول العقبات في كيفية مواجهة الاعتراف بالأخر، وفي مقدمتهم الشعب الكردي، كثاني قومية في تركيا، إن لم تكن الأولى فيما لو جردنا التركية من الشعوب الأخرى المستتركة، أو التي استتركت، كاللاظ واليونانيين، والبلغار، ومجموعة من الروس والأزريين، ولا ننسى قسم كبير من الكرد، وغيرهم.
5- من الأفضل للكرد النضال تحت النظام الرئاسي التركي باستبداده، وفي الواقع هو نظام مشابه للنظام الأمريكي، وهو نظام لا استبداد فيه، إذا طبقه أردوغان كما يدعيه، حتى وبتهميش البرلمان، والاستبداد يأتي على خلفية الشخص الحاكم وليس بنود الدستور، فالدساتير كثيرا ما تأول حسب رغبات المستبد. وكثيرا ما كانت ديمقراطية لكنها سخرت لتطبيق أقسى أنواع القوانين الاستبدادية، وهناك دساتير استبدادية طمست لتمرير قضايا ديمقراطية، فعلها كرباتشوف كديمقراطي، وأتاتورك والسادات، حصلا على الدعم الأمريكي، تحت الصفة الدولة الديمقراطية. وهنا القضية تقف على ثقافة المجتمع، ووعيه، ووجود توازن في القوى السياسية في الدولة، وبين المجتمع، فحتى دولة مثل أمريكا أو في أوروبا، لولا التوازن السياسي والوعي الاجتماعي، والتراكم المعرفي، من السهل ظهور دكتاتور، وتسخير الدستور لقضاياه، أو التكتم على بنود تخالف نزعاته.
كان أولى بحزب الشعوب الديمقراطية، (مقاطعة الاستفتاء) وعدم الذهاب إلى صناديق الاستفتاء، أي الاعتراض على مشروعيتها بحد ذاته، تحت حجة: وجود أعضائهم البرلمانيين في سجون النظام، وأن الاستفتاء غير شرعي، وما دام رئيس الحزب وقيادته في السجن، فقرار الحزب هو رفض المشاركة في الاستفتاء، إلى أن تطلق سراحهم، وسراح الصحفيين. وهم بهذا كانوا سيكسبون في حالتي النجاح أو الخسارة، وبالتالي سيكونون قد حيدوا الحزب من الوقوف مع القوميين الاتاتوركيين أو الإسلاميين الأردوغانيين.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
17/4/2017م