رودوس خليل
هزة سياسية أرضية وقعت في الشارع السياسي الإيراني بعد اعلان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عزمه على الترشح في الانتخابات الرئاسية وهو الذي أعلن في العام 2016 أنه لا ينوي الترشح أو دعم أي مرشح أخر من خلال نصيحة قدمها له المرشد على خامنئي بعدم تسجيل اسمه في قوائم وزارة الداخلية لخوض التجربة الرئاسية مرة أخرة لكي لا تتشتت أصوات المحافظين ومن المعلوم في إيران أن نصائح المرشد تعتبر الزاماً وغير قابل للطعن والمناقشة.
أحمدي نجاد الذي انتخب فترتين متتاليتين لرئاسة الجمهورية (2005-2013) وتسبب في الفترة الثانية عام 2009 باضطرابات عارمة في إيران بعد اعلان النتائج بخسارة مير حسين موسوي واندلعت اشتباكات بين مؤيدي موسوي ومهدي كروبي من جهة وقوات مكافحة الشغب من جهة ثانية تحولت إلى ثورة عارمة وسميت الثورة الخضراء قمعتها السلطات الإيرانية بوحشية وانتهت بتدخل المرشد لصالح أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية واعتقال كل من موسوي وكروبي ووضعهم في الإقامة الجبرية إلى يومنا هذا.
لا يحبذ تيار المحافظين الذي يقوده المرشد عودة احمدي نجاد إلى الحياة السياسية التي تسببت سياساته في تصاعد حدة التوتر مع الأصوليين وحاول إقصاء الموالين والمقربين من خامنئي من مؤسسات الدولة الذي قرر في العام 2011 ألغاء قرار نجاد بإقالة حيدر مصلحي وزير الاستخبارات وهو ما دفع أحمدي نجاد للاعتكاف في منزله لمدة عشرة أيام احتجاجاً على قرار خامنئي.
كما سعى أحمدي نجاد إلى تصعيد بعض الشخصيات القريبة منه ودفعهم إلى الواجهة السياسية على غرار أسفينديار رحيم مشائي مدير مكتبه وصهره الذي شكل تياراً يروج بالعودة القريبة للأمام الغائب والتي تعني في المقام الأول انتهاء الحاجة لمنصب المرشد الأعلى وولاية الفقيه. هذا فضلاً على الإجراءات الاقتصادية الفاشلة التي تسببت في زيادة معدلات التضخم والبطالة وانهيار العملة الوطنية بسبب الحصار الذي فرضته القوى الكبرى بسبب البرنامج النووي الإيراني وظهور حالات فساد لشخصيات مقربة من نجاد.
أحمدي نجاد ومنذ انتهاء فترته الرئاسية الثانية يتجول في عموم إيران ويزور المناطق المهمشة والأرياف ويخطب في الناس وأقنع الكثيرين بأفكاره وأشهر خطاب له كان في الأحواز عندما قال: إننا اليوم في إيران لا نحتاج إلى سلاطين أي أننا لا نعيش في سلطنة وكان يقصد من حديثه محاولة المرشد توريث ابنه مجتبى لولاية الفقيه بعد إصابته بسرطان البروستات واعتلال صحته وأن رحيله قد يحدث في أي لحظة بعد سبع وعشرين عاماً في الحكم وابنه هذا يتمتع بنفوذ وصلاحيات واسعة بين المحافظين والأصوليين ومفاصل الحكم في البلاد.
ولو أمعنا النظر في هذه المتغيرات على الساحة السياسية الإيرانية نجد أن هناك عدة احتمالات يجب الوقوف عندها:
أولاً: لماذا قبل أحمدي نجاد بنصيحة المرشد في عدم الترشح وخالفها في النهاية أعتقد هنا أن لم يكن هناك ضوء أخضر من خامنئي لما تقدم نجاد بأوراق ترشحه وهي رسالة إلى الولايات المتحدة ودونالد ترامب بأننا نمتلك متشدداً إلى حد التطرف في حال وصول العلاقات إلى مرحلة صعبة وربما كان هناك اتفاق مخفي بين المرشد ونجاد فأحمدي نجاد يتمتع بشعبية لا بأس بها ولكنه منبوذ من قبل مفاصل الحكم والتي تقع تحت نفوذ المرشد والذي يحضر ابنه مجتبى لخلافته في ولاية الفقيه كما ذكرنا سابقاً وضرورة وضع الرئيس في صورة الموافقة.
ثانياً : أحمدي نجاد يظهر نفسه كالمتمرد على ولاية الفقيه وأنه يحمل مشروعاً لإيران ويقولها صراحة أننا لا نحتاج إلى سلاطين وهو يحاول أن يشكل خطاً سياسياً بعيداً عن المحافظين والصلاحيين يجمع بين الإسلامية والثورية والقومية وربما يفكر في مشروع إيراني أردوغاني لتغير نظام الحكم في إيران لذا قام هو والشخص المقرب منه حميد رضا بقائي بتقديم أوراق الترشح للرئاسة معاً لأنه يعلم أن مجلس صيانة الدستور الذي يقف على أهلية المرشحين ربما يرفض طلبه عندها يكون حميد رضا بقائي مرشحه ويؤمن له النفوذ السياسي المطلوب فيما بعد.
غلطت الأوراق كثيراً في الانتخابات الإيرانية بعد ظهور نجاد من جديد وستشهد سخونة لا مثيل لها والمنافسة ستكون في حال تمرير جميع الترشيحات من قبل مجلس صيانة الدستور بين مرشح المرشد الأعلى إبراهيم رئيسي صاحب محاكم الموت سنة 1988 والرئيس حسن روحاني الذي يتعرض لانتقادات لاذعة بعد الاتفاق النووي مع الدول (5+1) وتيار نجاد المتمثل بشخصه وحليفه حميد رضا بقائي أي أننا سنشهد جولة إعادة بين مرشح الاصلاح والمحافظين وستكون هناك مساومات سياسية تنتهي بانسحاب أحد الأطراف.