بين روسيا وأمريكا.. تتصارع الأقزام

أحمــــد قاســــــم
 منذ بداية الحراك الجماهيري في سوريا ( أي مع التظاهرة الأولى في درعا على خلفية إعتقال الأطفال وتعذيبهم من قبل الأجهزة الأمنية للنظام في دمشق ) تأمل الكثيرون على أن تتدخل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في الشأن السوري لإزاحة الأسد, وبالتالي كانوا يتمنون أن تمارس السلطة أبشع أنواع القمع والقتل لتحريك الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي, بما سيشكل ذلك ضغطاً على مراكز القرار ويدفع بمجلس الأمن على استصدار قرار للتدخل العسكري وحسم المعركة بين الجماهير المنتفضة والنظام.
 وهكذا تعقدت الأزمة في سوريا مع تصعيد النظام لحربها ضد المتظاهرين وعجز مجلس الأمن من استصدار أي قرار لإيقاف النظام ووضع حدٍ له في مواجهته المنتفضين. ومع إستعمال روسيا لحق النقض في أول جلسة لمجلس الأمن إطمئن النظام على أنه أحيط بصون و بأمان من جهة مجلس الأمن لوقوف روسيا معه, ومعها الصين, وهي التي تجاوبت مع الفيتو الروسي لتمارس بدورها حق النقض دعماً لموقف روسيا, وبالتالي, كان ذلك بمثابة ضمانة قوية للأسد دبلوماسياً وسياسياً, ودافعاً أيضاً لإستمراريته في قتل المتظاهرين بكل أنواع وسبل القتل والتهديد, مع فلتان الأمني الذي سمح لتشكيل العشرات, بل المئات من مجموعات ومنظمات إرهابية وعصابات منظمة للخطف والقتل والسلب والنهب والفتك بأعراض الناس ونهب ممتلكاتهم أمام أعين النظام من دون تعرضهم للمسائلة. كل ذلك كان يهدف إلى محاصرة المتظاهرين وإجبارهم للعودة إلى حظيرة النظام هرباً من ذلك العبث اللامحدود من قبل تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية بمقدرات وإرادة الشعب السوري.
 في الإتجاه الآخر, ( أي في مواجهة النظام ) تشكلت مجموعات من الكتائب من المنشقين عن جيش النظام تحت أسم (كتائب الجيش الحر) وكذلك, تحرك العديد ممن رأوا في أنفسهم على أنهم يملكون القدرة على التواصل مع الجوار الإقليمي لينصبوا أنفسهم الوجه السياسي للمعارضة, وذلك مع التحرك الإقليمي باتجاه المعارضة لدعمها بالسلاح والمال للنيل من النظام أولاً, ومن ثم دفع الأمور باتجاه تعقيدات لايمكن حلحلتها إلا بتدخل دولي لتمرير مشاريعهم التي تؤمن مصالحهم على حساب دماء السوريين.
 ومع تأزم الوضع وبروز دور ( تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” و جبهة النصرة ) ومع تراجع قوات النظام وميليشيات حزب الله اللبناني, تدخلت إيران بالعديد من مجموعاتها الطائفية المتعددة الجنسيات, إلى جانب التدخل الروسي إلى جانب النظام من جهة, والمد الغير محدود للتنظيمات الإرهابية على حساب الجيش الحر.. دفعت بالقوى الإقليمية إلى إتخاذ موقف ” إدارة الأزمة ” طالما أن أمريكا ( أوباما ) إتخذت موقفاً معلناً على أنها سوف لن تتدخل عسكرياً في الأزمة السورية, لكنها أخذت على عاتقها محاربة الإرهاب مع تسمية ” داعش ” وجبهة النصرة بعد المد الداعشي في العراق والسيطرة على ( موصل ) وذلك على رأس تحالف دولي. مما يؤشر على أن الأزمة لا يمكن حلها إلا في إطار دولي وعن طريق الحوار بين المعارضة والنظام.. وهذا ما رأيناه طوال سنين مضت في إطار خمسة دورات من اللقاءات في جنيف من دون نتائج تعيد الأمل للسوريين بعد مقتل ما يقارب نصف مليون مواطن وتدمير أكثر من مليوني مجمع سكني عدا عن البنية التحتية التي لايمكن ترميمها بمدة زمنية قد تتجاوز عشرين سنة إن توفرت الأموال, إلى جانب تهجير نصف سكان السوريين بين الداخل والخارج. 
 إن الخلافات التي تعمقت بين روسيا وأمريكا, وبالتالي سحبت على مناصريهما من الدول على المستويين الإقليمي والدولي, جعلت من الأزمة في سوريا ( أزمة إقليمية ودولية ) والتي أدت إلى إدامة وإطالة عمر الأزمة على حساب الدم السوري ومآسيه اليومية, والتي, إضافة إلى ذلك, تمنع من توافق وطني بين مكونات الشعب السوري, والتي يجب أن تكون أساساً لأي حل سياسي في سوريا ( لطالما أنه لايوجد حل عسكري بين النظام والمعارضة ) كون الإرادة الدولية لا تقبل بذلك, وهي تدعم طرفي الصراع بالمال والعتاد لإطالة أمد الحرب من دون الوصول إلى الحصم العسكري لكلا الطرفين. وهي تنتظر لحظة التوافق بين الدول المختلفة على مصير سوريا وطبيعة الحكم التي يجب أن تحكم سوريا بعد نظام الأسد ” إن تم إزاحته “. 
 وبما أن المعارضة السياسية حتى اللحظة ليست في موقع البديل, وأن النخبة السياسية من ممثلي مكونات الشعب السوري ” مغيبة أصلاً ” فإن الصراع الدائر العسكري والسياسي يدور في دائرة مفقودة للحل الممكن. حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية أكدت على ذلك في العديد من المحطات, وأن الجوار الإقليمي من الدولي هي أيضاً تبدو عليها أنها لاتتفاعل مع الأزمة إلا من خلال أجنداتها والسعي إلى تحقيق مصالحها بعيداً عن النخبة السورية التي لا تقبل إلا حلاً يحقق مصالح الشعب السوري في التغيير الديمقراطي بتوافق من ممثلي كافة مكونات الشعب السوري, والتي لا تتوافق مع مصالح الدول الإقليمية, وهي بالأساس على خلاف بين بعضها البعض على مصير سوريا بعد الأزمة. وبالتالي, فهي تحرك أقزامها من الأجندات على الصعيدين العسكري والسياسي, وتلعب بمصير شعب تائه بين تلك الأجندات وخلافات دولية وعلى رأسها ( الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ).
 أعتقد, أن ما جرى حتى اليوم في سوريا ” من بعد ستة أشهر الأولى من الحراك الشعبي والجماهيري على شكل إنتفاضة جماهيرية ” بعيدة كل البعد عن جوهر الصراع بين النظام والشعب, لطالما أن اللاعبين لايمتلكون أية قاعدة جماهيرية, وبالتالي, فإنهم لايمثلون إرادة الشعب بقدر ما يمثلون إرادة الدول الداعمة لهم بالمال والعتاد. وأن كافة المحطات التي مرت بها الأزمة تؤكد على ذلك من خلال ( توزيع وتقسيم الحصص فيما بينها ) وفقاً لتوافق إقليمي بين السعودية والإمارات والقطر وتركيا ومصر…ووو لأقزامها التي لاتشكل إلا بيادق على لوحة من مربعات الشطرنج.
 ولكن, لطالما هذا هو الوضع السائد, والشعب يُضرَب بأشد أنواع الأسلحة للقتل الجماعي, والتي منها محرمة دولياً ( كالأسلحة الكيماوية ) والتي تم إستخدامها في العديد من المناطق, وآخرها في خان شيخون أمام عيون ومسمع المجتمع الدولي.. هذه المنظمة الدولية التي تعجز عن إتخاذ قرار لردع الفاعل ( الذي تؤكدها كل المؤشرات على أن النظام هو الفاعل ) مما دفع بالولايات المتحدة إلى إتخاذ قرار من جانبها وبشكل أحادي توجيه ضربة إلى ذاك المطار الذي إنطلقت منها الطائرات التي قذفت بالقنابل الكيماوية على أهالي خان شيخون مؤخراً, والتي خلفت وراءها نوعاً جديداً من الخلافات, مساحبة بتهديدات متبادلة بين روسيا وأمريكا ( الترامب ) الذي وصف بالأمس بشار الأسد بالحيوان الشرس.
 أعتقد, أن الأقزام ستنتهي دورها في القادم الأيام مع شعور النخبة بالندم وتوجيه اللوم إليها من قبل الشعب. وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون أكثر جدية في محاربة الإرهاب, وستسرع وتكثف من عملياتها العسكرية ضد ” داعش ” وجبهة النصرة. وأن القضاء على الإرهاب, تعتقد أمريكا, أن اللعبة ستتغير بشكل جدي نحو المسار الذي يجب إتباعه من أجل وضع نهاية للحرب المجنونة في سوريا, وكذلك نهاية لكل من يستثمر الأزمة لغايات تؤذي السوريين في جميع المجالات. وبالتالي, أعتقد أن النخبة الممثلة لكافة مكونات الشعب السوري سترى طريقها إلى الظهور والصعود نحو أخذ المبادرة وتحمل المسؤولية التاريخية لإنقاذ شعبها من الإرهاب المزدوج ( إرهاب النظام مرافقة مع إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة والوحشية ),إلى جانب إزاحة الأقزام والمستثمرين السياسيين والعسكريين من الواجهة, وذلك عن طريق طرح مشروع متكامل وواضح يطمئن السوريون أولاً, وكذلك الجهات الدولية المعنية, والتي تسعى إلى إنتصار الديمقراطية في البلاد, وتحرير البلاد من الإستبداد. 
 ومن أجل تحقيق ذلك, لابد أن تتحرك القوى الفاعلة والعاملة من أجل الديمقراطية وتحرير البلاد وبالسرعة الكلية باتجاه تفعيل دور النخبة من ممثلي المكونات العرقية والدينية لعقد مؤتمر وطني شامل, ووضع مصلحة البلاد وشعبها نصب أعينهم لإدارة دفة العملية باتجاه مصلحة الشعب بدعم من الخيرين من الدول من خلال مطالبتها لدعم حقيقي يمكنها من جعل الفعل إنعطافاً حقيقية نحو المسار الذي ينقذ من خلاله ما تبقى من البلاد والعباد من وحشية النظام وعبثية وحشية الإرهابيين الذين يدمرون كل شيء حي في البلاد من ستة سنوات.
12/4/2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…