مؤشرات القطيعة الأمريكية مع النظام السوري

فارس شمسي
يبدو ان فعلا ثمة تغيير في اتجاه السياسة الامريكية تجاه نظام بشار الأسد بعد الضربات الصاروخية على مطار الشعيرات ردا على انطلاق طائرة السوخوي منها وضرب أهالي خان شيخون بريف ادلب بغاز السارين  لتنحرف بوصلة سياسة الادارة الامريكية الجديدة بعد اوباما المتردد بزاوية 180 درجة من عدم الأولوية بسقوط الاسد الى الخروج بإعلان ان حكم الاسد وعائلته اقتربت من نهايته . وهذا ما خرج به مؤتمر دول السبع الصناعية الكبرى والتي تضم ( الولايات المتحدة ،فرنسا ، المانيا ، بريطانيا ، ايطاليا ، كندا ، اليابان ) وحمله ريكس تيلرسون وزير خارجية الأمريكي  معه الى روسيا ويتلوه تصريح للرئيس ترامب خلال مقابلة مع قناة (فوكس نيوز ) الامريكية  وقال ترامب أثناء حديثه عن الأوضاع السورية  “بصراحة، فلاديمير بوتن يدعم شخصا شريرا، وأعتقد أن هذا أمر سيء لروسيا وللعالم..
عندما ترمي الغاز أو البراميل الضخمة المحشوة بالديناميت وسط مجموعة من الناس، وترى الأطفال آنذاك بلا أطراف أو وجوه..”.  في دلالة واضحة على حالة القطيعة مع هذا النظام وهي حالة سبقته مؤشرات عدة أبرزها وأولها ان الضربة الامريكية قطعت كل الآمال وأفشلت كل المحاولات الروسية بتسويق هذا النظام على المستوى الدولي خلال سنوات الحرب السورية والاستعانة به في محاربة الإرهاب ومواجهة التشكيلات المتطرفة  واعتباره الخيار الوحيد الذي يمكن ان يدعم غربيا في مقابلة الجماعات المسلحة الاخرى  التي يمكن ان تشكل في المستقبل خطرا على المصالح الروسية والغربية .
ثاني هذه المؤشرات ظهرت في زخم التصاريح والكلمات للسياسيين الدوليين خلال الأيام الماضية فيما يخص المسألة السورية حيث أدلى بوتين بتصريح خلال لقاءه بالرئيس الايطالي ان الولايات المتحدة تحضر لهجمات كيماوية مزيفة في سورية والتذرع بموجبها للتدخل وضرب نظام الحكم فيها هي تعبير عن رسالة امريكية وصلت مغزاها  لسيد الكرملين بان قواعد اللعبة والاشتباك قد تغيرت في سوريا وهو ما كانت تسعى موسكو طيلة الشهور الاخيرة من حكم اوباما لتجنبه عبر تغيير المعادلة العسكرية على الأرض لصالج النظام السوري وهو ما تمثل بسقوط مدينة حلب وفرض مزيد من الهدن والمصالحات في المناطق المحيطة بدمشق تمهيدا لتفريغها لتقوية الموقف السياسي للنظام السوري في اتفاقيات وتفاهمات سياسية جديدة فيما يخص المسألة السورية ونظام الحكم فيها ، وكانت موسكو تعلم جيدا باحتمالية التغيير في المزاج السياسي للإدارة الامريكية المرتقبة تحت حكم ترامب وان قدرته بنسب ضئيلة .
ثالث هذه المؤشرات التي استشعرت بها موسكو هي حالة الانقسام الحاد في المشهد السياسي الامريكي بعد انتخاب ترامب والاستقطاب الحاد في هذا المشهد  بين وسائل الاعلام الأمريكية الكبرى مترافقة مع حملات الديمقراطيين حول التدخل الروسي في تغيير مسار نتائج الانتخابات لصالح دونالد ترامب والقلق لدى بعض الجمهوريين أيضا مما تسرب حول شبهة العلاقات بين مساعدي ترامب و موسكو خلال فترة الانتخابات والتواصل معها مما قد يعكس ليونة وتساهل حيال سياسات بوتين تجاه حلفاء الولايات المتحدة في أوربا والشرق الاوسط مما دفع بإدارة ترامب الى اتخاذ قرارات عملية للنأي عن إدارته مثل هذه الشبهات خاصة بعد قضية مايكل فلين  مستشار ترامب للأمن القومي  واتصالاته مع السفارة الروسية قبيل الانتخابات .
ورغم المؤشرات العديدة إلا أنه لا يبدو أن موسكو تريد ان تظهر للغرب بأنها يمكن ان تتخلى عن نظام الأسد من دون تفاهمات ومكاسب حقيقية لصالحها وأهمها رفع العقوبات الاوربية والامريكية والتي اثرت بشكل كبير في اقتصادها بعد التدخل في أوكرانيا وأخذ شبه جزيرة القرم  وضمان مصالحها وقواعدها في سوريا وإلى ان تتفق الدول الكبرى حول صيغة سياسية محددة للحل السياسي في سوريا سيبقى دم الشعب السوري يراق لشهور قادمة هذا إن لم تصل لسنين أخرى في لعبة البازارات الدولية   .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…