كمال أحمد- عفرين
لا شك ، ومن خلال إستعراض تاريخ الإستعمار وأشكاله وأساليبه من قديمه ، إلى حديثه ومعاصره ، نجد أنّ هناك الكثير من هذه الأشكال والأساليب الإستعمارية ، ولكن رغم تباين وتمايز وإختلاف هذه الأشكال والأساليب ، إلآ أن جميعها تجتمع وتتفق على الغاية والهدف من الإستعمار، وهو الإستحواذ على الجغرافيا الحاضنة للموارد ، الإقتصادية منها والبشرية ، والهيمنة عليها وإستغلالها، ومن هذه الأشكال ،أن تقوم وتقدم إمبراطورية قديمة أو ناشئة ، على إستعمار كيان سياسي وإقتصادي آخر ،مثل الإستعمار الإخميني الفارسي ، للدولة الميدية الكردية الغنية بالموارد عام 550 قبل الميلاد ، وكذلك ، إستعمار الإمبراطورية الهيلسينتية ” اليونانية الشرقية ” بقيادة الإسكندر المكدوني ، للإمبراطورية الفارسية عام 331 قبل الميلاد بعد قهره لداريوس الأخميني ، في معركة غوغميلا قرب اربيل الحالية ، وكذلك إستعمار الإمبراطورية السلجوقية الناشئة ، للإمبراطورية البيزنطية في عام 1071 م بعد معركة ملاذ كرد،
هذا في العصر القديم نسبياَ، أما في العصور الوسيطة ،فلم تكن الحملات البحرية والبرية الإستكشافية ، لماجلان ، وكريستوف كولومبوس، و فاسكو دي غاما وغيرهم ، لم تكن هذه الرحلات ، إلآ بحثاَ عن جغرافيات الموارد ، تمهيداَ لإستعمارها ، وكان من نتائجها ، كان الإستعمار الإمبراطوري الإسباني للقسم الأعظم من القارة الأمريكية ، وكذلك الإستعمار البرتغالي والبريطاني ، والفرنسي ، والهولندي ، الذين طال إستعمارهم ، الكثير من جغرافيات الموارد ، في مختلف بقاع هذا الكوكب ، ولكن َ ما يعنينا ، من آشكال وأساليب ، ذلك الإستعمار ، والآثار التي ترتبت عليه ، هو جغرافية الشرق الأوسط
بداية ، وبما أنَ الهدف الرئيسي لأية قوى إستعمارية ، هو الإستحواذ على جغرافيات الموارد الإقتصادية منها والبشرية ، كما أسلفنا ، لذلك كان لزاماَعليها ، وبناءعلى نظريات السوق المبنية ، على معادلة ونظرية الربح والخسارة ، هوالحصول على هذه الموارد بأقل التكاليف والخسائر ، لذلك كان ، إضافة إلى القوة العسكرية ، التي تعتبر المحور الأساسي ، والعمود الفقري ، والأداة الرئيسية ، للهيمنة على الجغرافيات المستهدفة ، وإستعمارها ، وإستغلال مواردها ، بالإضافة إلى القوة العسكرية هذه ، كانت قواد ومخططي هذه الحملات الإستعمارية ، بغية إنجاح حملاتهم ، تستعين بالكثير من مصادر القوى الناعمة ، مثل علماء المساحة والجغرافيا ، وكذلك علماء الآثار ، وعلماء الإجتماع والأنثروبولوجيا ، وعلماء النفس ، وعلماءالتاريخ لمعرفتهم بتاريخ الجغرافيا المستهدفة إستعمارها ، والمؤرخين لتوثيق الأحداث المستجدة ، ، والمتخصصين بالثقافات المحلية ،والمكونات العرقية والدينية ، كل ذلك ليتم على ضوئها ، القراءة الصحيحة والبراجماتية لجميع أبعاد جغرافية المستعمرة ، بكل مكوناتها ، خدمة لأهداف الحملة الإستعمارية وهي الحصول على الموارد ، بأقل التكاليف والخسائر ، وهناك الكثير من الأمثلة الإستعمارية في المنطقة ،ة يمكننا إستعراضها ، مثل الحملة الإستعمارية الفرنسية لنابليون على مصر عام 1798 م وكذلك الإستعمار البريطاني لمصر والسودان والعراق والخليج ، والإستعمار الإيطالي لليبيا والصومال ، والإستعمار الفرنسي، للمغرب والجزائر وتونس، وسوريا ولبنان ،
ولكن سنقتصر بالإضاءة على القراءة البراجماتية ، للإستعمار الفرنسي في كل من لبنان وسوريا ، بعد إقرار معاهدة سايكس- بيكو – سازانوف ، بعد الحرب العالمية ، وتقاسم مناطق النفوذ في المنطقة بين بريطانيا وفرنسا ،
1- – القراءة الإستعمارية الفرنسية البراجماتية، للمكونات الإثنية والدينية والطائفية في لبنان :
دخلت القوات العربية بقيادة الملك فيصل ، مدينة دمشق يوم 30 أيلول من عام 1918 ، وفي 8 تشرين الأول دخل الجيش الإنكليزي إلى بيروت ، ثم دخل الجنرال البريطاني إدموند ألنبي سورية ، والتقى مع الجيش العربي في دمشق ، وفي 18 تشرين الأول خرج العثمانيون من طرابلس الشام و حمص ، وفي 26 تشرين الأول من عام 1918 توجهت القوات العربية ،و الجيش البريطاني ، شمالاً حتى التقت بآخر القوات العثمانية الخارجة من سورية بقيادة القائد التركي مصطفى كمال أتاتورك ، وقامت معركة عنيفة قرب حلب في منطقة سميت فيما بعد قبر الإنكليز ، وفي 30 تشرين الأول عام 1918 أبرمت هدنة مودروس ،والتي نصت على استسلام جميع القوات العثمانية ، وقبول الدولة العثمانية تخليها عن بلاد الشام و العراق و الحجاز و عسير و اليمن نهائيًا.
وأيضاَ بعد الاتفاق الذي كان قد تم بين فرنسا وبريطانيا على تقاسم التركة العثمانية ، وفق مبادئ سايكس – بيكو ، فقد إنسحبت القوات البريطانية من سوريا ولبنان ، ودخلت القوات الفرنسية لبنان ، بقيادة الجنرال هنري غورو ، في اكتوبر 1919 م ، الذي حكم لبنان ، حكماَمباشراَ بصفته (المفوض السامي الفرنسي ) وخلال فترة حكمه المباشر ، وكذلك ممن خلفوه في المفوضية السامية الفرنسية لحكم لبنان ، قامت الإدارة الفرنسية بدراسة تاريخية وسيكولوجية، لمكونات المجتمع اللبناني ، من الطوائف والإثنيات ، وما بينها ، من هواجس ، وإرتيابات ، وشكوك ، والتي تراكمت عبر تاريخ من الصراعات ، وحتى الحروب المحلية ، البينية ، مثل الصراع السني –الشيعي ،في العهود العثمانية ، وكذلك الصراعات المارونية – الدرزية ، أيضاَ ، وشعور الأقليات والمكونات الأخرى الأقل وزناَ ، بالتوجس والخوف ، من هيمنة الأغلبيات ، مثل الموارنة ، والسنة ،عليها ، ودرءاَ لإحتمالية طغيان الأغلبيات على الأقليات ،فقد أقدمت على إجراء، إحصاء سكاني وذلك عام 1932م ،شملت مكونات المجتمع اللبناني ، بجميع إثنياته وطوائفه ، الثمانية عشر مكوناَ ، وهي ( 1 – الموارنة 2 – السنة 3 – الشيعة 4 – الدروز 5 –الروم الأرثوذوكس 6 – الروم الكاثوليك 7 – الأرمن الكاثوليك 8 – الأرمن الأرثوذوكس 9 – السريان الكاثوليك 10 – السريان الأرثوذوكس11 – الكلدان 12 – اللاتين 13 – الإنجيليون 14 – العلويون 15- الإسماعيليون 16 – الأقباط الكاثوليك 17 – الأقباطالأرثوذوكس 18 – الآشوريون ). ، والذي على أساسه يتم التوزيع الطائفي للمناصب الرسمية والمراكز العليا إلي حين قيام اتفاق الطائف. والتي أسفرت عن النتائج التالية :
المسيحيون المسلمون م . سكان لبنان النسبة
إسم الطائفة عدد السكان النسبة المئوية إسم الطائفة عدد السكان النسبة المئوية — —
الموارنة 226,378 28.8 السنة 175,925 22.4 — —
الروم الأرثوذوكس 76,522 9.7 الشيعة 154,208 19.6 — —
الروم الكاثوليك 46,000 5.9 الدروز 53,047 6.8 — —
الأرمن وآخرون 53,463 6.8 — — — — —
مجموع المسيحيين 402,363 نسمة 51.2 مجموع المسلمين 383,180 نسمة 48.8 785,542 نسمة. %100
وبناء على النتائج السابقة تم االإتفاق على ماسمي ” بالميثاق الوطني” أوميثاق 1943 ، هو الاتفاق غير المكتوب ، الذي نشأ بعد المفاوضات بين القيادات الشيعية والسنية والمارونية ،و الذي نظم اسس الحكم في لبنان عام 1943 .، و سمح للبنان بالاستقلال عن الحماية الفرنسية. ومن بين نقاط هذا الاتفاق:
1 – يجب أن يكون رئيس الدولة اللبنانية مارونيا. 2 – ويجب أن يكون رئيس الوزراء سنيا.
3 – يجب أن يكون رئيس المجلس الوطني شيعيا. 4 – يجب أن يكون نائب رئيس البرلمان اللبناني من الروم الأرثوذكس. 5 – يجب أن يكون نسبة نواب برلمان المسيحيين والمسلمين 5:6 على التوالي. 6 – وقبول المارونيين الهوية الوطنية العربية بدلا من الهوية “الغربية 7 – و تخلي المسلمين عن مطمح الوحدة مع سوريا.
ولم تقتصر عملية توزيع الوظائف على الوظائف السيادية في الدولة، فقد وضعت ما اصطلح عليه بـ “القواعد العرفية”، حيث عمل بها منذ الاستقلال، مثل رئاسة الجيش، والأمن العام ،ورئاسة مجلس الشورى، ورئاسة الجمارك، وحاكمية المصرف المركزي، وينسحب ذلك على معظم المناصب في الدولة اللبنانية
هكذا قرأت سلطات الإستعمار الفرنسي ، خريطة مكونات النسيج الإجتماعي اللبناني ، وبناء على القراءة السيكولوجية لها ، وبالتشاور والتباحث مع القوى المحلية ، وحتى لا يتم إستبعاد أو تهميش أي مكون ، تم وضع أسس الميثاق اللبناني المتعارف عليه ، ” ميثاق 1943 ” المبني على المتوالية ” 6 مسيحيين + 5 مسلمين أي ” 11 ” وبالنسبة نفسها يتم إضافة المناصب ، وعدد النواب في المجلس ، في حال زيادة عدد السكان ، وقد أصبحت النسبة بعد إتفاقية الطائف ، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين أي ( 5 + 5 )
– 2 – القراءة الإستعمارية الفرنسية البراجماتية، للمكونات الإثنية والدينية والطائفية في سوريا :
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، انسحبت القوات التركية وحلفاءها الألمان من سوريا ، وآخر إنسحاب كان من معسكرهم الرئيسي بحلب ما سمي وقتها” قشلة الألمان “في المنطقة الواقعة بين أحياء مساكن السبيل والسريان الجديدة والأشرفية الحالية ، وهو موقع عسكري تحول إلى ما سمي ” ثكنة طارق بن زياد “حاليا ،
و في شتاء عام 1918 ، دخلت من الجنوب قوات الثورة العربية التي تحمل راية الشريف حسين ، وبقيادة الشريف ناصر شقيق الشريف حسين وعم الأمير فيصل ، والمؤلفة من رجال عدة عشائر عربية أهمها عشيرة الرولا من فخذ عنزة ، بزعامة الأمير منير الشعلان ، وعشيرة الجبور بزعامة الأمير طراد الملحم والمتواجدة حتى الآن في حمص ، وعشيرة عنزة في وادي سرحان في العقبة ،بزعامة الشيخ عودة بن حرب وغيرها من القوات العشائرية ، وبقيادة غير مباشرة من الضابط البريطاني، الشهير بلورنس العرب .
ثم دخل الجنرال البريطاني اللنبي سوريا ، قادما من القدس ، بعدما صرح فيها تصريحه الشهير ( الآن انتهت الحروب الصليبية ) ، والتقى الجيشان في دمشق .، وتم تشكيل حكومة في دمشق ، بعد أن تم تنصيب الأمير فيصل بن الشريف حسين ، ملكاَ على سوريا ،هذه الإدارة التي لم تستمر طويلاَ ، وتنفيذاَ لإتفاقية سايكس-بيكو ، بدأت القوات الفرنسية بالزحف بإمرة الجنرال غوابيه (بأمر من الجنرال هنري غورو ) بإتجاه دمشق بتاريخ 24 تموز عام 1920 ، وإشتباكه مع القوات السورية في موقعة ميسلون ، بقيادة وزير الدفاع السوري ،الجنرال يوسف العظمة ، وبعد معركة إستمرت ثمانية ساعات ، دخلت القوات الفرنسية دمشق ، وكانت بداية الإستعمار والإنتداب الفرنسي على سوريا
لجأت فرنسا بعد سيطرتها على كامل التراب السوري ، إثر إنتصارها في معركة ميسلون في 24 تموز 1920، وبعد الدراسة التي أجرتها الطواقم المختلفة من القوات ” الناعمة “وهي كما أسلفنا ، مثل (علماء المساحة والجغرافيا ، وكذلك علماء الآثار ، وعلماء الإجتماع والأنثروبولوجيا ، وعلماء النفس ، وعلماءالتاريخ لمعرفتهم بتاريخ الجغرافيا المستهدفة إستعمارها ، والمؤرخين لتوثيق الأحداث المستجدة ، ، والمتخصصين بالثقافات المحلية ،والمكونات العرقية والدينية ، كل ذلك ليتم على ضوئها ، القراءة الصحيحة والبراجماتية ، لجميع أبعاد ديموغرافية المستعمرة السورية ، بكل مكوناتها ، خدمة لأهداف الحملة الإستعمارية ) ،والمرافقة للقوات العسكرية ” المسماة القوة الخشنة ” عمدوا إلى تجزئة سورية الى عدة دول أو كيانات مستقلة، ودافع الجنرا ل هنري غورو عن سياسته التقسيمية هذه ، أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بأن “هذه المكونات غير متمازجة مع بعضها البعض ، على ضوء الدراسات التاريخية ، التي أظهرت الصراعات ، والإحتكاكات التي كانت تحدث بين المكونات المتجاورة ، بين الحين والآخر مثال ( بين الدروز- والبدو السنة في حوران ) وبين ( العلويين والإسماعليين في مناطق القدموس ومصياف وريف طرطوس) وبين ( العلويين والسنة في مناطق سهل الغاب ) وبين( العشائر الكردية والعشائر العربية في مناطق الجزيرة السورية ) وبين( السنة والمسيحيين في مناطق السقيلبية ومحردة ) وخدمة لأهدافهم الإستعمارية أقدم الجنرال غورو على تقسيم سورية إلى ست دويلات مستقلة وهي:
1 – دولة دمشق (1920 إلى 1925).وتشمل مدن حمص وحماة ووادي نهر العاصي إلى جانب دمشق العاصمة)، وقد فقدت الدولة الجديدة أربعةً من أقضيتها الفرعية، التي كانت من ضمن دمشق في الفترة العثمانية وضمت إلى جبل لبنان ذي الأغلبية المسيحية من أجل تكوين دولة لبنان، والمقاطعات الأربع المنزوعة هي صيدا وطرابلس الشام وبيروت وسهل البقاع ، وتمثل اليوم محافظات بيروت والبقاع وشمال لبنان وجنوب لبنان والنبطية، وقد بقيت دولة دمشق ومن بعدها الدولة السورية تطالب بعودة هذه المقاطعات إلى سورية ، بالإضافة إلى معارضة سكان هذه المقاطعات لعملية الفصل.
2 – دولة حلب (1920 إلى 1925 إمتدت في مناطق الشمال السوري بالإضافة إلى منطقة حوض نهر الفرات في شرق سورية، وضمت عدة مدن مثل دير الزور والرقة والحسكة ،إضافة إلى حلب العاصمة،
3 – دولة العلويين (1920 إلى 1936 وتشمل محافظة طرطوس وبعض المناطق مثل سقيلبية وتلكلخ وجسر الشغور إلى جانب اللاذقية العاصمة،.
4 – دولة لبنان الكبير (1920 إلى 1926 و.ضمت ، بيروت العاصمة مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا)، فاتسعت مساحة متصرفية جبل لبنان من 3500 كلم مربع إلى 10452 كلم مربع وكان الجنرال غورو ، قد مهد لإقامة هذا الكيان بأن فك الأقضية المذكورة عن دمشق، في 3 أغسطس 1920 وإلحاقها بجبل لبنان.
ومن ثم إعلان دولة لبنان الكبيرفي 31 آغسطس 1920 ،
5 – دولة جبل الدروز (1921 إلى 1936).وضمت منطقة السويداء وفي البدايات أطلق عليها تسمية دولة السويداء وفي عام 1927 أستبدل الاسم، إلى دولة جبل الدروز، وحسب الإحصاء الذي نظمته سلطات الانتداب الفرنسي في الفترة ما بين عامي 1921 و 1922 شكل الدروز الغالبية العظمة من سكان هذه الدولة وبنسبة 84.4% والمسيحيون 13.8% والسنّة 1.4%
6 – لواء الاسكندرون المستقل 1921، وأعطيت الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية، تنفيذاَ لمعاهدة أنقرة وترسيم الحدود بين القوة الاستعمارية الفرنسية وتركيا.
هكذا قرأت السلطات الإستعمارية الفرنسية ، لثقافات ، وسيكولوجيات ، ومخاوف ، وهواجس، وتطلعات ، جميع مكونات النسيج الإجتماعي السوري، الإثني منه والديني ، والطائفي،وما التحت الطائفي ، والقبائلي ، وما تحت القبائلي أي العشائري، كانت قراءة براجماتية ، بعيون واقعية ، أظهرت لهم الصورة الحقيقية ، لهذه المكونات ، بكل سلبياتها وإيجابياتها ، بعيدة عن المكيجة والتلميع ، وأيضاَ بعيدة ، عن الشيطنة والأبلسة ، وإستخلصوا منها، ما يخدمهم في رسم سبل وأساليب إدارتهم لهذه المكونات
– الشيزوفيرانيا الكامنة في شخصية النخب المحلية:
بداية، لابد من تذكير القارئ الكريم بما يعنيه مصطلح الشيزوفيرانيا، والذي يمكن تعريفه بأنّه ، الوهم والسراب في الأفكار والتي لا تمت للواقع بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، وبذلك أعطي هذه التسمية الحالية المتعارف عليها “Schizophrenia” ويسمى أيضاَ ” إنفصام الشخصية المتناقض” وهذا المصطلح مشتق من كلمتين “Schizo” ومعناها الانقسام و”Phrenia “ومعناها العقل ، ،ويقصد بهذا المفهوم ، ضعف الترابط الطبيعي المنطقي بالتفكير ،ومن ثم التناقض والضدية في السلوك والتصرفات والأحاسيس ، ويبدوعليه ، الشرخ الرأسي والعمودي في كيانه النفسي ، بجمعه شخصيتين متناقضتين ، فيمكن للشخص نفسه أن يتصرف ويتكلم ويتعامل مع الناس، وبطريقة قد تبدو طبيعية تماماً في بعض الحالات ،ولكنه يقوم ببعض التصرفات الغريبة ، وكأنه شخص أخر في أحيان أخرى ،
– أشرنا فيما سبق ، إلى القراءة الواقعية والبراغماتية ، للإستعمار الفرنسي ، لنسيج المكونات الإجتماعية في سوريا ولبنان ، وأجريت الدراسات من قبل طواقمه المتخصصة ، ومن ثم الإحصاءات السكانية ، والتي بموجبها ، تم تحديد أحجام وأوزان هذه المكونات ، وبالتالي توزيع موارد الثروة والسلطة بينها ، والتي هي أساس ومقومات الدولة الحديثة ، دون إلغاء أو إنكارأو تهميش أي مكون ،من النسيج الإجتماعي . وتهيئة الفرصة و إفساح المجال له ، للمشاركة في الفضاء السياسي ، والمساهمة في صناعة القرار ، وإدارة الشأن العام
– ولكن ،وبرؤية ونظرة موضوعية ، إلى القراءة الإستعمارية هذه ، لا شك ،و في الجانب الأول من هذه السياسة ، كان الهدف الأساسي منها ، هو التخفيف من الصراعات المحلية ، والتقليل من تكاليف وأعباء القوات العسكرية الإضافية ، وتسهيل إدارة المستعمرة الجديدة ، وذلك بتنظيم العلاقات بين مكوناتها ، خدمة لمصالحها الإستعمارية .
– و لكن أيضاَ وبالوقت عينه ،لا يمكننا أن نجزم ، بأن دولة مثل فرنسا ، وهي التي إنطلق منها ، شعاع الثورة الفرنسية عام1789 م ومستمدة مبادئها، من مفكرين و عباقرة عظام ، ك ” جان جاك روسو ” وغيره من الكثيرين ، والذين أرسوا ، قواعد ماسمي “العقد الإجتماعي ” بين الحاكم والمحكوم ، والذي كان له التأثير الإيجابي ، على تكوينات أنظمة الحكم، على المستوى العالمي ،
لا يمكننا الجزم بأنهم ، إعتمدوا هذه الصيغة ، وهذا النمط من الإدارة لشؤون الدولة ، وهي التشارك وفق أسس التوافق بين المكونات ، الإثنية والدينية والمذهبية المحلية ، وهو ما تم رسمه وتضمنه ، ما سمي ” ميثاق 1943 ” في لبنان ، و نظام الدويلات في سوريا
لا يمكننا أن نجزم، بأن القوات الإستعمارية الفرنسية ، قد أغفلت ، أوتغافلت ، عن مبدأ المواطنة ، في إدارة شؤون الحكم ، وهوالمثال المرتجى والمنشود ، من بين أنظمة الحكم ، ولكن على ضوء قراءتهم لواقع المكونات ودرجة الوعي الثقافي والإجتماعي ،وحيث أنّ دولة المواطنة ، وسيادة القانون ، والمساواة في الحقوق والواجبات ، تتطلب شروطاَ ومقومات متقدمة ، و درجة معينة من النضوج في بنية المكونات المحلية ،، وبالضرورة إبتداءاَ ، وهو الشرط اللازم ، توفر وإنتشار ثقافة الإعتراف بالآخر ، بعيداَ عن الثقافة الإقصائية والإلغائية لهذا الآخر ، والتي لم تكن متوفرة حينذاك، هذا كان من العوامل الأساسية ، والأسباب الوجيهة ، التي دفعت بهم ، إلى اللجوء ، إلى أسلوب ونظام الحكم التوافقي ، بدلاَ من دولة ” المواطنة ”
ومع الكثير من الأسف ، -أنّ ثقافة المواطنة لم تتوفر حتى الآن في مجتمعاتنا . ومازالت الهواجس والمخاوف المتبادلة بين المكونات المحلية ، كامنة في أذهان الكثيرين ، من هذه المكونات
– شيزوفيرانيا النخب المحلية :
بداية ، وبغية إجلاء وإظهار الآثار الشيزوفيرانية ، الكامنة في شخصيات النخب المحلية ، الحاكمة منها ، والمعارضة ، يجدر بنا تفكيك وتحليل ، مفهومين ومصطلحين ، لما لهما علاقة بورقتنا هذه ، للإستناد إليهما ، والبناءعليهما ، في فهم الشخصية الشيزوفيرانية لنخبنا الثقافية والسياسية ، وهما مصطلحي ، القبيلة ، ونظرية المؤامرة ،
-ولفهم بنية المؤسسة الإدارية، ” ماقبل نشوء كيان الدولة الحديثة ” في منطقة الشرق الأوسط ، يعد النظام والعرف العشائر ي ، أو كما يعرف بـ(السنينة) او الاعراف القبلية، او اي مسمى اخر ، يعد من أقدم التنظيمات الاجتماعية ،التي عرفت بها قبائل العرب المنتشرة في عموم رقعة شبه جزيرة العرب، بدءاَ من ساحل اليمن جنوبا وحتى العراق وبلاد الشام شمالا ودول الخليج شرقا والمملكة السعودية غربا، وتشمل معها جميع مكونات دول شمال افريقيا العربية ، مثل مصر والمغرب وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا ، إضافة للسودان والصومال ، فجميع هذه الدول الناطقة بالعربية، ولغات اخرى تمتثل لقانونين رئيسيين، وهما القانون الوضعي لادارة الدولة ، والقانون العشائري ،الذي تراه يطغى على الاول في بعض الدول، ومحدد في مجتمعات اخرى ، حتى انّ الكثير من القوانين الوضعية ، تستمد الكثير من أحكامها ، من ” السنينة ” أو ما يسمى ب ” الأعراف القبلية ” وهذه الأخيرة ، هي التي تتحكم بشكل ، أو بآخر ، المباشرمنه ، أوغير المباشر ، في تسيير شؤون المجتمع ، سواء، من خلال تسسلله وتسربه ،إلى القوانين الوضعية ، أوإلى الفقه والتشريع ، عبر التراث المعتمد على النقل ، بعيداَ عن المحاكمة والمناطقة والعقل.
– وفي هذا السياق ، يجدر بنا تفكيك وتحليل “مؤسسة القبيلة ” بداية : 1 – القبيلة : تتكون من مجموعة من العشائر المتحالفة ، 2 – العشيرة : وتتكون من مجموعة من الأفخاذ ، 3 – الفخذ : تتكون من مجموعة من البطون ، 4 – البطن : ويتكون من مجموعة من العائلات القريبة جداَ في النسب 5 – العائلة المتسيدة : وهي العائلة المتميزة ضمن البطن الواحد ، التي تتمتع بثرائها النسبي ، ، وحينذاك كانت ،تنحصر بعدد النوق والخيل وقطعان المواشي الأخرى، وشيخها وزعيمها ، المتمتع بالحضور المتميز ، والوجاهة، والكرم ، والشجاعة وغيرها .
– وأيضاَ ، لا بد من الإشارة إلى نظرية المؤامرة ، السائدة في أذهان الكثيرين من نخبنا السياسية ، والتي بموجبها ، وبالإستناد إليها ، يتنصل السياسي من أي مسؤولية ، أومساءلة ، من شعبه ومحكوميه ، عما يرتكبه من أخطاءوخطايا تجاهه ، وهذه النظرية ، تتيح له أيضاَ ، بأن ينسب لنفسه ، جميع الإيجابيات الناتجة عن نظام حكمه ، وإلقاء جميع السلبيات ، والإرتكابات ، والمظالم ، وما يمارسه من فساد وسوء إدارة ، كل ذلك يلقيها ، وفق نظرية المؤامرة ، على عاتق القوى الإستعمارية ، والأمبريالية ، والصهيونية ، وكأنّه ، أي الحاكم المحلي ، هو ” الولي الفقيه، المعصوم والمنزه عن الخطيئة والأخطاء ، وكونه صاحب السلطان المطلق ، يشعر أحياناَ شعور نمرود وفرعون ” ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )ويعتبر ،أي تمرد ، أوخروج عليه ، أو أي حركة شعبية ، تطالب بهامش ، ولو كان صغيراَ ومحدوداَ، من حرية الرأي والتعبير ، والإحتجاج على المظالم والإنتهاكات ، والمطالبة بتحسين ظروف المعيشة ، يعتبرها الحاكم ، مؤامرة ، أمبريالية ، صهيونية ،ورجعية، تستهدف أمن وسلامة الوطن .
– ولإلقاء الضوء على الظاهرة الشيزوفيرانية ، وتفشيها في مجتمعاتنا المحلية ، من خلال الكثير من الدراسات التي أجريت ، من قبل العديد ، من مراكز الأبحاث ، حول التحليل السيكولوجي لأهم شخصيتين ، في المنطقة ، وأسلوبهم ونهجهم ، في الحكم ، وإدارة شؤون البلاد ، وهما ، صدام حسين ، وحافظ الأسد ، والتي إستعانت ( مراكز الأبحاث والدراسات ) بالكثير ، من شهادات شخصيات هامة، سواء من العراقيين ، بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في 09 / 04 / 2003 ، أو من الشخصيات والنخب من الطائفة العلوية ، التي إنشقت عن النظام السوري ، بعد إندلاع الإنتفاضة السورية ، في 15 / 03/ 2011 م ومنهم (د.عارف دليلة .. أكثم نعيسة ..عبد العزيز الخير .. عادل نعيسة ..عماد شيحا ..نزار نيوف ..عبد الكريم اصلان..وجيه غانم..حبيب صالح .. لؤي حسين ..,ومنذر خدام… وسواهم)
ووفق تلك الدراسات والأبحاث المذكورة ، لو تم تناول الشعارات، التي كانت ترفع، كغطاء لسياساتهم بإسم حزب البعث العربي الإشتراكي ، في كلا البلدين ، العراق ، التي يحكمها صدام حسين ، وفي سوريا التي يحكمها حافظ الأسد ، كانت تعبر عن الجانب الأول من شخصياتهم الشيزوفيرانية ، حيث كانوا يزعمون بأنهم يمثلون ، ويمتثلون ، لقيم الخير والإنسانية بمعناها الواسع والشامل ، ويحكمون ، تحت يافطات وشعارات براقة وملفته ، بإسم مبادئ، دولة المواطنة ، والدولة العلمانية التي تعني حيادية أجهزة الدولة ، تجاه جميع مكونات الدولة، القومية منها والإثنية ،(بعيداَ عن العنصرية والطائفية )، ومبادئ ، دولة المساواة أمام القانون ، والعدالة الإجتماعية ، وتكافؤ الفرص في التوظيف ، وإشغال المناصب العليا في الدولة ، وكذلك رفع شعار “تحرير فلسطين قضية العرب الأولى ” كشعار جاذب وبراق وملفت ، لدى النخب العربية ، أي بعبارة إيجازية ، مبائ وشعارات وقيم لا تراها ، إلآ ، في جمهورية أفلاطون قديماَ ، أو في الكانتونات السويسرية ، أو في مملكة السويد في العصر الحديث، هكذا كان الجانب الأول من شخصيتهم ، أما الجانب الآخر ،من شخصيتهم ، والذي كان مصدر سلوكهم وسياساتهم في إدارة شؤون البلاد والعباد، على صعيد الواقع ، فكانت غير ذلك
ويظهر ذلك ، من خلال المسار العملياني ، والسلوك والنهج ، في إدارة شؤون الحكم والإدارة ، الذي اتبعاه هاتين الشخصيتين ، على الصعيد السلوكي والممارساتي العملياتي.
– ولد صدام حسين في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح، وينتمي إلى عشيرة ” البيجات ” السنية إحدى فخوذ ” قبيلة أبو ناصر” المشهورة والتي كانت مهيمنة في منطقة تكريت. وفي الثلاثينات كانت القبيلة معروفة بفقرها أيضا وبميلها إلى العنف، وكان زعمائها يفاخرون بتصفية أعدائهم لأتفه الأسباب، وقد كانت” صبحة ” والدة صدام حسين تعاني من العدم والفقر، فقد كان عملها الوحيد قراءة الطالع، والكثير من سكان تكريت يذكرونها ، كإمرأة بملابس سوداء دائما على الدوام، وجيوبها مليئة بالأصداف، التي كانت تستخدمها في مهنتها تلك، وكانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله طلفاح ، الذي كان يسكن في تكريت.
– كان صدام حسين من البعثيين الذين أنيط بهم عام 1964 م مسؤولية إنشاء الجهاز الأمني للحزب، ويعتبر مؤسس المخابرات العراقية وعقلها المدبر الأول ، حيث إقترح على القيادة ،وعلى شخص الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر إنشاء جهاز (أمني واستخباراتي) للحفاظ على بقاء وديمومة (الحزب والثورة) على حد قوله، والذي أطلق عليه إسم ” جهاز حنين” وذلك بعد انقلاب عام 1963 م والذي أدى إكتشافه إلى الزج بقادة البعث المتبقين بمن فيهم البكر في السجن،
– وبقى صدام على رأس هذا الجهاز، الذي إستطاع بواسطته ، أن يهيمن على جميع مفاصل السلطة ، حيث أن إسناد وتعيين الكوادر في جميع المناصب في الحزب ( أمين فرقة – أمين شعبة – عضو قيادة فرع – أمين فرع – أعضاء قيادة قطرية – ) جميعهم كان صدام يتحكم في تعيينهم من خلال تقارير التزكية لهم – أو تقارير عدم الأهلية ، لإستبعاد غير المرغوبين منهم
– وكذلك ، وحيث أنّ جميع وظائف ومناصب الدولة العراقية المفصلية والهامة ، العسكرية ، والأمنية ، والمدنية ،وفي النقابات والإتحادات الرياضية، والعمالية، والطلبة، والشبيبة، والنقابات المهنية وعلى صعيد حميع الأنشطة ، كان يشغلها أعضاء في حزب البعث ، بعد إستيلائه على السلطة، وتعينهم ، وإسناد المناصب إليهم ، كانت تعتمد ، على تقارير” جهاز حنين الأمنية ” ، والتي طورها صدام حسين ، إلى شبكة مخابراتية عنكبوتية ، مرتبطة به ، وهي مثل 1 – جهاز المخابرات التابع إلى رئاسة الجمهورية. 2 – مديرية الاستخبارات العسكرية العامة التابعة إلى رئاسة الجمهورية. – 3- جهاز الامن الخاص المسؤول عن أمن الرئاسة والمناطق الرئاسية والتابع إلى وزير الدفاع.4. مديرية الامن العام التابعة إلى سكرتير رئيس الجمهورية عبد حمود التكريتي.
5 – إستخبارات وزارة الداخلية التي تضم مديريات الشرطة بمختلف التخصصات.
6 – جهاز مراقبة الكفاءات العلمية في خارج العراق وهو جهاز سري وله ارتباط مباشر برئاسة الجمهورية ولقد اشرف عليه العديد من الاكاديميين العراقيين .
– وقد حدت النزعة القبلية، والعائلية ،والطائفية ، للرئيس صدام حسين في عام 1981 الى تعيين شقيقه برزان إبراهيم التكريتي كقائد لجميع هذه الأجهزة ، التي زرعت الرعب في أوساط الشعب العراقي ، ومن ثم إستبدله فيما بعد، بشقيقه الآخر ، سبعاوي إبراهيم التكريتي وثم أستبدله بإبن عمه ، علي حسن المجيد ، وبعد ه إستعان أيضاَ بالبطانة العائلية الطائفية ” الضيقة ” الموالية واللصيقة به
– وفي عام 1979م بدأ ت المباحثات بين البعثين العراقي والسوري ، التي كانت ستقود إلى الوحدة بين الدولتين. وسيصبح الرئيس السوري حافظ الاسد بموجبها ، نائباً للرئيس في ذلك الإتحاد ، وحيث أن الطائفة الشيعية ، تشكل الأغلبية من الشعب العراقي ، شعر صدام حسين ، من أن الوحدة العراقية – السورية ، تشكل خطرا على هيمنة الطائفة السنية على مقاليد السلطة ، ولكن قبل حدوث ذلك. جمع قيادات حزب البعث في 22 يوليو عام 1979م بقاعة الخلد ببغداد، وبدافع طائفي ، وخلال الإجتماع الذي أمر بتصويره، قال صدام بأنه وجد جواسيس ومتآمرين ضمن حزب البعث، وقرأ أسماء هؤلاء الذين كانو ارتبطوا سراً مع حافظ الأسد. وكانوا بغالبيتهم من الطائفة الشيعية ، وتم وصف هؤلاء بالخيانة وتم إقتيادهم واحدا تلو الآخر، ليواجهوا الإعدام رمياً بالرصاص خارج قاعة الاجتماع وعلى مسامع الحاضرين .
– هذا الشخص العروبي ، الذي كان يدعو إلى توحيد الأمة العربية ، من تخوم المحيط الأطلسي ، إلى البوابة الشرقية ، على تخوم الخليج العربي ، ورغم ما كان يحاط به ،من هالات القداسة والنزاهة والمثالية ، من قبل مؤيديه ومشايعيه ، وأنه بعيد عن الممارسات الطائفية ، كان يحكم بعد تسلمه السلطة ، بعقلية نظام ” السنينة ” أو العرف القبلي ، كانت الدائرة الأولى للإنتماء والولاء لديه هي ، العائلة المتسيدة ،( وهي نواة النظام القبلي )كما أسلفنا ، وهي عائلة” المجيد ” ولها بعض الأسماء الأخرى ، وكان منها معظم أعضاء الدائرة المقربة ،( على ضوء الكفاءات المتوفرة منها ) التي تصنع القرار السياسي ، وبيدها ، جميع مفاصل ومصادر السلطة والثروة ، وهم أهل الثقة ولهما الأولوية ، ثم الدائرة الثانية ، وهي البطن ، ثم الدائرة الثالثة وهم أهل الفخذ ، ثم الدائرة الرابعة ، وهم أهل العشيرة ، ثم أهل القبيلة أي قبيلة البو ناصر ، ثم تحالف القبائل السنية ، ثم يأتي دور المواطنين ( الرعية – القطيع ) من النخب والدرجة السابعة والثامنة ، من الشيعة والأكراد وغيرهم من مكونات المجتمع العراقي ، وكان أحياناَ يلجأ إلى تزيين الصورة الإعلانية ، والبروباجاندية ، ببعض من صور هؤلاء البائسين ، من مكونات الدرجات المتدلية بأسفل القوائم السابعة والثامنة والتاسعة ، هكذا كان ، الجانب الثاني من الشخصية الشيزوفيرانية ، على صعيد السلوك والممارسة اليومية ،في أداء مهام الحكم
– اما النزعة الطائفية لدى العروبي ، حافظ الأسد ، للإضاءة عليها ، لابد من الإشارة ، بأنّ الكثيير من السوريين لا يميزون بين أبناء الطائفة العلوية، ويعتبرونهم جماعة واحدة منسجمة، تقاتل مع نظام الأسد الذي شحنها طائفياً ليحوّل مسار الثورة السورية، المطالبة برحيله إلى حرب طائفية بغيضة. وهذا بالطبع غير صحيح، وهو ما كشفت عنه الثورة السورية بشكل واضح. ومع ظهور “حركة أحرار العلوين” التي بدأت تكتب منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مميزة بين فرق العلويين: الحيدريين والكلازيين ، تزايدت التساؤلات حول من هم العلويون وما هي فرقهم؟
ولإظهار البعد الطائفي لدى حافظ الأسد، يجدر بنا ، أيضاَ الإضاءة على البنية القبلية والعقدية ، لدى الطائفة العلوية في الساحل السوري ،
– البنية العقدية : مؤسس هذه الطائفة ،هو أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري ( ت 270ه ) الذي عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة، وهم علي الهادي( العاشر ) والحسن العسكري ( الحادي عشر ) والإمام ( المهدي محمد بن الحسن – الغائب ( المهدي المنتظر الذي إختفى في سرداب بمنزل أبيه في سامراء بالعراق). ) (الثاني عشر) و زعم أنه الباب إلى الإمام الحسن العسكري ، وأنه وارث علمه ، والحجة والمرجع للشيعة من بعده ، وأن صفة المرجعية والبابية بقيت معه بعد غيبة الإمام المهدي، وخلف(أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري) على رئاسة الطائفة محمد بن جندب ، ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني 235 _ 287 ه ، ثم الحسين بن حمدان الخصيبي ، الذي كان قد إستقر جده خصيب بن أحمد الخصيبي الحمداني التغلبي، في بلدة جنبلاء الواقعة بين واسط والكوفة ، وفيهاتعرف على السيد أبي محمد بن جنان الجنبلائي، وعندما إنتقل مركزالطائفة من حلب إلى اللاذقية ، صار رئيسها أبو سعد الميمون سرور بن القاسم الطبراني ، أما مركز الطائفة في بغداد فقد انتهى مع دخول المغول إلى بغداد،
– أما التمايز والإختلاف ، الذي طرأ على البنية العقدية للطائفة، فيعود إلى نتيجة الجدل والمناظرة الفقهية ،بين فريقين من رجال وفقهاء الطائفة العلوية ،أي بين ، القمريين ( الشيخ محمد بن يونس الكلازي القمري ، والشمسيين (علي الماخوس وناصر نصيفي ويوسف عبيدي ) والتي دارت ، حول مسألة تجلي “اللاهوت” أو مسكنه بشخص سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل هو القمر أم الشمس؟وقد توزع العلويون بناء على نتيجة هذه المناظرة إلى فريقين:
1 ـ القمرية: ، وهم الذين اختاروا رأي شيخهم ، في أن مسكن اللاهوت هو القمر، أو ما يعرفون الآن بالكلازية، نسبة لبلدة كلازو في ضواحي مدينة أنطاكية، والتي خرج منها شيخهم محمد بن يونس الكلازي الذي ولد سنة 1101هـ،1689 م وانتقل منها إلى اللاذقية وحلب ،ومن العائلات الكلازية اليوم في سورية عائلة جديد ومعروف ومخلوف وهواش وكنج وعباس وخير بك والأسد وغيرهم .
2 ـ الشمسية: وما يعرفون الآن بالحيدرية ، وهم الذين اختاروا رأي شيوخهم، في أن مسكن اللاهوت هو الشمس، (نسبة إلى علي بن أبي طالب الذي من أسمائه حيدر، أوحيدرة )،
3- كما أن هناك فرقة تسمى الغيبية: يقولون: إن الله تجلَّى ثم اختَفَى، والزمان الحالي هو زمان الغيبية،
4- وبعد أن أعلن رجل الدين الشيعي اللبناني السيد موسى الصدر أن العلويين فرقة من فرق الإسلام، وذلك سنة 1974م ، بدأت الحوزات العلمية الشيعية بالتغلل بين العلويين لتعليمهم أحكام الدين وفق المذهب الشيعي الإثني عشري ، وما زالت إيران تستثمر الكثير من الموارد ،في هذا السبيل
5- البنية القبائلية والعشائرية :
على عادة العرب ,ينتسب العلويون لقبائل وعشائر وأفخاذ وبطون :
1 – فرع القبائل اليمنية (العرب القحطانيين) من همدان وكندة.
. 2-فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ. الذين اعتنقوا المذهب الشيعي في وقت مبكر ثم انحرفوا عن التشيع إلى ما يسمى حاليا بالعلويين.
العشائر الكلازية الرئيسية وهي : الحداديون والنميلانيون والرشاونة والخياطيون، وتقسم كلّ واحدة من هذه العشائر إلى أفخاذ وبطون . ومن عشائرهم نواصرة وقراحلة ورشاونة ورسالنة، جروية، باشوطية ، ومقاورة،و كلبية ، ومهالبة.
العشائر الحيدرية :ويقطنون شمال اللاذقية.
وينقسمون,أحياناَ بأن يأخذوا أسماء ، مناطق سكناهم ،: ،و مثالاً على ذلك وليس حصراً, إلى: الكلبية, ويسكنون منطقة القرداحة. والقراحلة نسبة إلى منطقة حمام القراحلة,
و المحارزة, نسبة إلى قائدهم الأمير محرز الجيشي, وهم من بقايا الدولة الفاطمية ، وقد أتوا إلى الجبال الساحلية في سوريّا تلبية لنداء الأمير حسن المكزون عام 618ه- 1221م, وسكنوا قرية بشراغي (قضاء مدينة جبلة), ومن هنا أصبحت تسمية بشراغي مرادفة لتسمية محارزة. ), وعشيرة المتاورة نسبة إلى (حرف متور) في قضاء جبلة, أو الفقاورة نسبة إلى قرية (فقرو) جنوب مصياف, أو الدراوسة نسبة إلى قرية(دريوس) الواقعة غربي صلنفة مع العلم أنهم أتوا من سنجار مع الأمير المكزون, وكذلك الأمر سُمي من سكن جرود الجبال بالجردية, ومن سكن أو كان أصله منهم من قرية (رشّة) في جبل الشعرة فقد عُرفوا بالرشاونة.. الخ.
وينقسمون,أحياناَ بأن يأخذوا أسماء زعمائهم : الرسالنة نسبة إلى جدهم رسلان, و بنو الخياط, نسبة إلى الشيخ علي الخياط, وهم عرب غساسنة، أما بنو الحداد, نسبة للشيخ محمد الحداد ابن الأمير ممدوح السنجاري شقيق الأمير حسن المكزون، وعشيرة العمامرة نسبة إلى جدهم عمّار, من منطقة سنجار, وهي من ضمن العشائر التي أتت مع الأمير حسن المكزون 618ه – 1221م, ظهر فيهم الشيخ سلمان المرشد(1907م- 1946م) من قرية (جوبة برغال) .
– أسباب إنغلاق الطائفة على نفسها : من الجدير بالذكر ، وعدم إغفال الأسباب الموضوعية التي جعلت الطائفة ، تتكور على نفسها ، وإعتمادها ” مبدا التقية” وهو كتمان الدين عن الغرباء, المرتبط أساساَ بسياسات الإضطهاد التي مورست ضدهم ، خلال فترات طويلة ، ويمكن الإشارة إلى بعض النكبات والمآسي التي حاقت بهم .
– الشيعة عموماً كانوا يعتقدون عدم استحقاق الحكام الأمويين، ومن بعدهم العباسيين، الذين استندوا إلى وسادة الخلافة ، وبأنهم إغتصبوا حقوق أهل البيت ، وأنهم كانوا يضطهدون الشعوب الاِسلامية باسم الدين ، ومن جملة هوَلاء العلويون ، فعمدت السلطة إلى قمعهم وتشريدهم وتعذيبهم ، ونشير فيما يلي إلى بعض محنهم ومعاناتهم :خاصة فيما بعد ، حين صدر الكثير من الفتاوي ، عن بعض الفقهاء والأئمة ، مثل ابو حامد الغزالي، و شيخ الإسلام إبن تيمية ، التي رمتهم بالكفر والمروق ، والإرتداد عن الإسلام ، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه المحن وهي :
1 ـ أيّام ” المتوكل على الله” الخليفة العباسي اشتد الضغط على أتباع أهل البيت عليهمالسلام ، فهاجر جمع غفير منهم إلى أقاصي البلاد كبلاد خراسان وبلاد الاَكراد ، وذلك عام ٢٣٦ هـ ، . وفي القرون التالية ، حيث أمر الخليفة المنتصر بالله، بقتل الشيعة حيث راح ضحيتها أربعون ألفاً. حين هجم الجيش العباسي بمعاونة جماعة من المتعصبين من حي الرصافة ببغداد، على حيٍّ آخر يسمى الكرخ ، فنهبوا الدور ، وأحرقوا المكتبات والمحلات التجارية والبيوت
2 ـ أيام السلطان المملوكي محمد بن قلاوون في عام ١٣٠٥ م أمر بتسيير حملة عسكرية عظيمة إلى جبال كسروان (جونيه حالياً بقرب بيروت) في لبنان لاِبادة الطوائف الشيعية هناك ، ومن جملة من فتك بهم العرب العلويون الذين كانوا في شمال لبنان ، ولا سيما في القنيطرة ،والعاقورة، ونواحي البترون ،وعكا، ثمّ امتدوا إلى كسروان ، والذين تخلّصوا من الموت رحلوا إلى الشمال ، أي جهات اللاذقية وانطاكية.
3 ـ أيام السلطان سليم العثماني، صدرت فتوى بطلب من السلطان ، اشتهرت بالفتوى الحامدية ، فقتل على إثرها عدد كثير من الشيعة في حلب وجبال العلويين ، هذا بالاِضافة إلى تعذيبهم ، وكان ذلك بعد الإنتصارالذيؤ حققه عام ١٥١٦ م في معركة مرج دابق ،على السلطان المملوكي ، قنصوه الغوري ، الذي كان متهماَ يالتشيع من قبل السلطان العثماني ، فزجّ السلطان بنصف مليون من الشعب التركي لمواجهة العلويين.
4 ـ حوالي نهاية القرن الثامن عشر وعلى أثر مقتل طبيب انكليزي إ ستحضر سليمان باشا ، الكثير من القوات ، وكان حينها والياَ عثمانياَ على ولاية طرابلس، في لبنان الحالية ، فقتل الكثير من العلويين.
5 ـ أيام ثورة الشيخ صالح العلي ، في شهر ايار عام ١٩٢١ م قام الفرنسيون بحرب دون هوادة ضد الشعب العلوي وقتلوا جمعاً غفيراً منهم ، وانتهت المعارك بانتصار الفرنسيين ، وقيام الحكم الانتدابي في البلاد.
– ولد حافظ الأسد في بلدة القرداحة،( في 6 تشرين الأول 1930 وتوفي في – 10 حزيران 2000) وظهرت النزعة الطائفية والعشائرية والعائلية لديه ، منذ أن تم تشكيل اللجنة العسكرية الطائفية في القاهرة ، بعدالوحدة المصرية – السورية في 22 / 2 / 1958 م
وأيضأَ من الجدير بالإشارة إليه ، وظهور النزعة الطائفية لديه ، هو، ما أورده ، الباحث الفرنسي ميشيل سورات في كتابه “الدولة البربرية ” أن المؤتمر العلوي الذي عقد في حمص عام 1963 بحضور حافظ الأسد إتخذ عدة قرارات أهمها:
1 – إقامة دولة علوية تكون عاصمتها حمص وتشجيع انتقال العلويين إلى حمص واللاذقية وطرطوس
2 – اختراق حزب البعث والسيطرة على المدارس العسكرية (كليات الضباط)
3 – إازاحة العناصر الدرزية والإسماعيلية من الجيش وبسط السيطرة على مختلف مفاصله الحساسة
الحقيقة أن اللجنة العسكرية التي تشكلت أثناء الوحدة بين مصر وسوريا من بعض عسكريي حزب البعث والتي بدأت بخمسة ضباط معظمهم علويون، وهم ( المقدم محمد عمران ) و( الرائد صلاح جديد ) و ( الرائد أحمد المير ) و( النقيب عبد الكريم الجندي ) و ( النقيب حافظ الأسد ) هي التي قادت انقلاب البعث في 8 مارس/آذار 1963 م ، إثر انقلاب 8 فبراير/شباط 1963 في العراق، وهي التي اختبأت وراء قيادة حزب البعث في البداية، ثم أبعدت الناصريين في يوليو/تموز 1963 من قيادة ثورة آذار، بعد أن هاجم الناصري جاسم علوان مبنى الإذاعة، وفشل في الانقلاب على البعثيين، وقام أمين الحافظ الذي كان وزيرا للداخلية آنذاك بحركة الإعدامات في عشرات المهاجمين على مبنى للإذاعة. والمشاركين في هذه الحركة .
ويمكن أن نعتبر أن هذا الإبعاد للناصريين هو أول إقصاء طائفي، لأن الناصريين كان معظمهم من السنة، وكانت طائفة السنة متوافقة مع الناصريين، ثم قامت هذه اللجنة العسكرية بتصفية الطوائف واحدة تلو الأخرى، فبدأت بإبعاد ميشيل عفلق عن قيادة البعث، وأبعدت معه الطائفة المسيحية من الحزب، ثم أبعدت الطائفة الدرزية، في عام 1966 عندما حاصرت جبل العرب، واضطر سليم حاطوم ممثل الدروز في حزب البعث، إلى الهرب إلى الأردن ثم تم إستدراجه ، ومن ثم إعدامه في عام 1967 بعد هزيمة يونيو/حزيران إثر القبض عليه في دمشق، ثم تغلبت اللجنة العسكرية على الطائفة الإسماعيلية، عندما انتحر عبد الكريم الجندي بتاريخ 2 / 3 / 1969 م ، ثم انقلبت اللجنة العسكرية على أمين الحافظ، الذي تولى رئاسة الدولة ، والذي كان آخر ممثل للسنة وإعتقلته في ربيع عام 1967، ثم أفرجت عنه بعد نكسة 1967 لتبعده إلى بيروت، ثم لينتقل إلى العيش بقية حياته في بغداد في كنف نظام صدام حسين.
بعد أن تخلصت اللجنة العسكرية من الطوائف الأخرى: السنة أولا، والمسيحيون ثانيا، والدروز ثالثا، والإسماعيليون رابعا، أصبحت الطائفة العلوية سيدة المشهد السوري، لكن حافظ الأسد صفّى منافسيه في قيادة الطائفة، فقتل محمد عمران في طرابلس بتاريخ 4 / 3 / 1972 م ، وسجن صلاح جديد إلى أن مات ، بعد مدة قصيرة من خروجه من سجنه عام 1993 م ، وقد تم له ذلك بعد الحركة الانقلابية ، التي قام بها في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، ثم إختزل حافظ الأسد الطائفة في أسرته، فأصبح هو وإخوته وأعمامه وأخواله حكام سوريا الفعليين، لذلك رتب الحكم على أن يرثه باسل الأسد، ورتب كل أمور الدولة حسب ذلك التصور، لكن وفاة باسل في حياة أبيه جعله يرتب أمور الحكم لابنه الآخر بشار، حتى أنه عندما خرج أخاه رفعت الأسد عن دائرة الولاء، عام 1984 م ، وشعر بأنه ينافسه في قيادة السلطة ، رشاه ورتب له ، ضمن صفقة ثنائية ، هي التخلي عن السلطة ، مقابل المأوى الهانئ والآمن ، وهما الحور والقصور ، في شانزيليزيه فرنسا ، وبرمايا إسبانيا
و كان يتوجس من الأقربين والأبعدين كليهما ، فيما يتعلق بالمساس بالسلطة ، أو تهديدها ، لذلك ، بدأت هذه التصادمات ، منذ الأيام الأولى من حكمه ، خاصة مع القوى الفاعلة ، حينذاك ، وهي القوى الإسلامية ،كان التصادم الأول ، أثناء الإستفتاء على الدستور عام ، 1973 ثم ، ثم بتدمير مسجد السلطان في حماة 7 / 4 /1964 م وإعتقال مروان حديد زعيم الطليعة المقاتلة الإسلامية ، ثم التصادم الذي وقع في المسجد الأموي في دمشق عام 1965، ، ثم التصادم الذي استمر عدة سنوات، وابتدأ في 16 / 6 / 1979 م بحادثة مدرسة المدفعية وانتهى بتدمير حماة عام 1982، وها هي الأوضاع تنفجر مرة أخرى في عهد بشار في 15/3/2011 نتيجة الفساد والظلم والاستبداد وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلخ،
ومع ذلك فقد أبقى حافظ الأسد حزب البعث أداة علنية لحكم سوريا، وقد وضع مادة في الدستور تعتبر أن حزب البعث هو القائد للدولة والشعب، وقد استبدل حافظ الأسد زكي الأرسوزي ،بميشيل عفلق في التنظير للفكر القومي العربي في حزب البعث، بعد إزاحته بالتعاون مع اللجنة العسكرية في عام 1966، وجاء هذا الاستبدال،من أن حافظ الأسد كانت تربطه علاقة خاصة بزكي الأرسوزي ،وهي أنه تتلمذ على يديه في المرحلة الثانوية من جهة، وأنه علوي الطائفة من جهة أخرى.
– من خلال الإستعراض السابق ، للتاريخ السياسي لحافظ السد ، وفترة حكمه ، يظهر جلياَ نزعته الطائفية ،وخاصة فترة إنفراده بالسلطة ، بعد إنقلابه التي ، سميت فيما بعد ” بالحركة التصحيحية ” حيث عاد إلى أحضان أولاَ 1 – العائلةالمتسيدة، وهي عائلة الأسد ، كما هو في النظام القبلي ،حيث أسند إلى أخيه رفعت الأسد ، بإنشاءوتأسيس سرايا الدفاع ، وأسند إلى عدنان الأسد ، بتأسيس سرايا الصراع ،وكلاهما لحماية نظام حكمه ، وأسند لأخيه جميل الأسد ، بتأسيس فيما يشبه الحزب السياسي ، كرديف لحزب البعث ، وهي( جمعية الإمام المرتضى ) لإحتواء الأقليات التي لم تنضم إلى حزب البعث ، والإعداد والترتيب ، لإبقاء السلطة ضمن أبناءالعائلة ، وخاصة من أولاده ، ثم الدائرة الثانية وهي 2 – العشيرة الكلبية التي ينتسب إليها ثم الدائرة الثالثة 3 – وهي العشائر الكلازية من الطائفة ، ومن ثم الدائرة الرابعة ، 4 – الطائفة بشكلها العام بما فيها ، العشائر الحيدرية الشمسية ( مع الكثير من الحذر ) حيث كان يحال أي ضابط من هذه العشائر ، إما إلى التقاعد ، أو يحول إلى منصب هامشي ، عندما يصل إلى رتبة عميد ، ولا يتم ترقية أي منهم ،إسوة بالضباط من الطوائف الأخرى ، إلآ ما ندر ، إلى رتبة الضباط الأمراء ،( لواء ،فريق، عماد ، ) ثم الدائرة الخامسة وهي 5 – الطوائف الأخرى مثل ، الدروز ،والإسماعيلية، والشيعة الإثني عشرية ،والمسيحيين ، ومن ثم الدائرة السادسة وهم 6 – العرب السنة ، ومن ثم الأقليات التي يتوجس منهم مثل 7 – الأكراد ، الذين حاول أن يهادنهم و لا يستعديهم ، ما أمكن ،خدمة لنظام حكمه ، وأحياناَ إستخدامهم في معادلة ، صراعاته الإقليمية وخاصة مع تركيا ، مع إبعادهم عن القوات المسلحة ، وقوات الأمن
– الشيزوفيرانيا لدى النظام ونخب المعارضة:
على ضوء القراءة البراجماتية الإستعمارية لتركيبة وخواص مكونات المجتمع السوري، يمكن القول ، بأنّ النخب السياسية السورية أيضاَ ، كانت قراءتها حينذاك ، لمكونات النسيج الإجتماعي السوري أيضاَ قراءة براجماتية وواقعية ، ويمكن الإستدلال على ذلك من خلال الرواية التالية :
حين ذهب الوفد السوري الذي كان يضم ( سعدالله الجابري وفارس الخوري وهاشم الأتاسي) ، عام 1936 م ، إلى باريس للتفاوض بشأن استقلال سورية، نسقوا، قبل ذهابهم، مع خالد بكداش ( الشيوعي العلماني – الكردي ) ، كي يسبقهم إلى باريس بهدف إجراء محادثات تمهيدية مع الحزب الشيوعي الفرنسي. في باريس أثناء التفاوض ( مع العلم ، لم يكن خالد بكداش عضواً في الوفد) ، وفي باريس، سمع الوفد السوري أنباء من حلب عن اعتداء (ضرب بالأيدي)، تعرض له بعض من الأرمن والشيوعيين، رد سعدالله الجابري على هذا الاعتداء من باريس: ( نحن على استعداد لإلغاء معاهدة الاستقلال، إذا ظن البعض أنها طريق للغوغائية والفلتان) . وعندما وصل الوفد إلى حلب بواسطة قطار الشرق السريع، إلى محطة بغداد، خرج أهالي حلب لإستقبالهم، وعلى باب القطار دفع سعدالله الجابري خالد بكداش إلى المقدمة، وقال له: «من تقدم الوفد في باريس عليه أن يتقدمه في حلب»، وكأنه بذلك يسترضي الشيوعيين الذين تعرض رفاقهم للضرب.
– بهذا السلوك لم يكن سعدالله الجابري مدافعاً عن الشيـوعيين والأرمن فـقط، بل كان مدافعاً عن مبـدأ علمانية دولة الاستقلال القادمة، حيث تـتـطابـق حـدود علمانـيـتـها مـع حدود وطنيتها السورية، فكلتاهما تتضمن الحياد تجاه المعتقدات والأديان والأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة.
وهذا يظهر الإنتكاسة الكبيرة ، والمفارقة العبثية ، عندما ذهب وفد الفصائل المسلحة في مؤتمر آستانة الأخير إلى رفض مبدأ علمانية الدولة، وبالتالي رفض المسألة الوطنية السورية. بذلك، تصبح مفهومة الفوارق المعرفية والأخلاقية والسياسية بين مواقف وفد الاستقلال الأول، في دفاعه الحاسم عن الشيوعيين والأرمن، ومواقف جيش الإسلام من إعتقال سميرة الخليل ورفاقها في مناطق سيطرته.
– وغني عن القول أيضاً: إن المسار الشائك والمعقّد من إقرار مبدأ الدولة الوطنية في معاهدة الاستقلال ، إلى رفض العلمانية في مؤتمر آستانة ، هو وليد المرحلة البعثية، التي قوامها النكوص عن الفكرة الوطنية السورية، وطرد مبدأ الدولة العلماني. فلم تكن «دولة البعث» سوى «دولة دينية» صرفة بقطع النظر عن كون «الدين البعثي» أرضياً وليس سماوياً، وقد تجلت «ثيوقراطيتها» في ثلاثة مناحٍ: المنحى الأول، فرض الأيديولوجيا البعثية على «الدولة والمجتمع» بواسطة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة والمنظمات والاتحادات الشعبية، والتمييز بين البعثي وغير البعثي، ومبدأ التمييز هو مبدأ ثيوقراطي. المنحى الثاني، و التمييز بين البعثي العلوي والبعثي غير العلوي، في مجالات القبول في الجيش والأمن والإدارة والتوظيف والبعثات التعليمية
وغيرها من المجالات.و المنحى الثالث، هو تحالفات النظام الإقليمية مع إيران أكبر «دولة» ثيوقراطية في المنطقة، ومع الميليشيات المذهبية، من دون أن ننسى، بالطبع، تصفية النظام السوري بالتعاون مع إيران للطابع الوطني للمقاومة اللبنانية وحصره بالطائفة الشيعية في الثمانينات.
– إذاً كان التفاوض حول معاهدة 1936 بين سلطة إستعمارية، لكن يقبع في خلفيتها الثقافية والسياسية تراث ليبرالي وتنويري، على رغم طابعها الاستعماري، وبين وفد سوري يدافع عن التعدد والاختلاف وعن الحداثة السياسية، فأفضى ذاك التفاوض إلى تأسيس الكيان السوري.
أما التفاوض في مؤتمر آستانة فكان ، بين ثيوقراطية بعثية متخلفة وسيئة ، وثيوقراطية إسلامية مذهبية مضادة، أي بين هويّات عصبوية متماثلة، فكلاهما لا يؤمن إلاّ بمنطق الغلبة و الإقصائية ، والإلغائية ، في حين أن الحوار الذي يفضي إلى بناء الدول والأوطان ، ينبني بين عقول حرة وبين نخب سياسية تجاوزت الهويّة كامتداد ، طائفي ، أو مذهبي ، أو قبائلي ، أو عرقي
– وليس العداء الذي تبديه الفصائل الإسلامية المسلحة ،وغير المسلحة للمسألة العلمانية، وتسايرها بذلك المعارضات السياسية السورية على اختلاف توجهاتها وأطيافها، في هروبها من العلمانية إلى مصطلح «الدولة المدنية» الملتبس والفضفاض والتلفيقي، والذي يعبر عن بله سياسي، سوى إطالة لأمد المحنة السورية، التي أصبحت الأكثر تأثراً عالمياً بتبعات الصراع السني – الشيعي، وبتبعات حركة النكوص العالمي الراهن إلى مرحلة ما قبل الحداثة. فالعلمانية هي حاجة حيوية سورية لبناء الدولة والاجتماع الوطني، وحاجة عربية وإسلامية، وستصبح قريباً مع ترامب وبوتين واليمين الأوروبي حاجة عالمية.
توافقت الرؤية الطائفية والعنصرية بين ذهنية حافظ الأسد ، و النظام المستمر بقيادة خلفه ، وبين نخب المعارضة ، التي تمثل الإنتفاضة السورية ، وتبين بأنّ كلاهما يسعيان إلى السلطة ، وكلاهما إلغائيان ، وإقصائيان ، ولكن النظام بلبوس طائفي علوي ، والمعارضة باللبوس السني ، ولكن الإضافة الجديدة للمشهد السياسي في سوريا ، ومازاد في الطين بلة ، هو أن العمود الفقري لقوى المعارضة ، تدعو إلى دولة الخلافة ، وإلى سلوك السلف الصالح ، بعيداَ عن الدولة المدنية ، أي كلاهما إستبداديان ، ولكن لكل منهما علمه ونشيده المختلف ،
– وعندما يتم الحديث عن الإدارة الفيدرالية في سوريا ، كحل لأزمة الحكم في سوريا ، ترى الرؤية ذاتها والخطاب عينه ، البعيد كل البعد عن القراءة الواقعية لمجمل الأحداث ، خلال السنوات الست ، التي مرت على الأزمة السورية ، حيث الوقائع تفصح عن نفسها ،و الشرخ الذي، أوجدته الممارسات الإستبدادية والطائفية للسلطة ، بين نسيج المكونات الإجتماعية السورية ، والذي كان متوارياَ وموارباَ وتحت الرماد ، بفعل القمع والكبت ، أصبح الآن واضحاَ وجلياَ ، لا يمكن إخفاؤه ، أو إنكاره ، وبالتالي لا يمكن حل هذه الأزمة المزمنة ، إلا بتفويض السلطات ،والفيدرالية
– ولو تم توجيه السؤال الإفتراضي التالي إلى العرب السنة من المعارضة ، هل تقبلون بأن يحكمكم أحد بشكل مباشر ، من الطائفة العلوية ، بسلطات مطلقة ، ومركزية ، وبنظام رئاسي ، كما عليه الآن، بعد كل ما أريق من دماء؟؟؟
ولو تم توجيه السؤال ذاته ، على أبناء الطائفة العلوية ، بعد أن تملكهم هاجس الخوف من الإنتقام، هل تقبلون بأن يحكمكم السنة العرب وفق السلطات المطلقة والمركزية ؟؟؟
ولوتم توجيه السؤال الإفتراضي ذاته ، على الأقليات الأخرى ، مثل الأكراد والتركمان والسريان والآشوريين ، والمسيحيين بشكل عام ، هل تقبلون ، أن تعودوا إلى بيت الطاعة لدى النظام ، وكأن شيئاَ لم يكن ، أوترضون أن يحكمكم ، دواوين الحسبة لدى دولة الخلافة ،وإستيفاءالجزية وأنت صاغر ، والخراج ، والمكوث ، وضريبة الرأس، ، والتعذير ( قص الرقاب في الساحات العامة ) أوجلد النساء والرجم حتى الموت وغير ذلك ؟؟؟
– الجواب المتوقع من لدن الجميع ، سيكون النفي ،
– مع ذلك ترى كلاهما ، النظام والمعارضة ، ما زالا يزاودان على بعضهما ، في سوق الشعارات، ويرددان المصطلحات البروباجاندية ، الشيزوفيرانية ، البعيدة عن الواقع وهذه الشعارات هي : ، المحافظة على الوحدة السورية أرضاَ وشعباَ ، المحافظة على الهوية العربية ” للجمهورية العربية السورية ” ” سوريا جزء من الأمتين العربية والإسلامية ” كلاهما يرى بأن الفيدرالية هي تقسيم لسوريا ، وليست نظاماَ للإدارة وتفويض السلطات ، ضمن الوطن الواحد ، والدولة الواحدة ، وحينما يتم طرح حقوق الأقليات ، كلاهما يحاجج بالسياسة الرشيدة ،فسلطات النظام يبشرونك بدولة المواطنة وجمهورية أفلاطون الفاضلة ، والإسلاميون في المعارضة يبشرونك بحكومة الخلافة الراشدة ، وسلوك السلف الصالح ، في إدارة شؤون الرعية ، وقضاءحاجات المؤمنين ، في دواوين المظالم ، بعد مرور اربعة عشر قرناَ عليها ، والمفارقة أنّ الناشطين و المعارضين العلويّين لا يسلمون من تخوين زملائهم في المعارضة، بسبب إنتمائهم المذهبيّ، وهم يتعرّضون، في الوقت عينه، لأذى مضاعفٍ من أبناء جلدتهم، ومن النظام بوصفهم “خانوا” الطائفة ، وهي سياسةٌ درج النظام على انتهاجها بحقِّ معارضيه من العلويّين
– والآن هل سنظل نلعن الإستعمار ، ونلقي بكل شيئ ،من موبقاتنا ، واخطائنا ، وخطايانا ، على عاتقه وكواهله ، ونستعين بنظرية المؤامرة ، لتبرئة أنفسنا ، مما إرتكبته إيدينا ، وما جنيناه على أنفسنا ، بأنفسنا ،
– والآن أيضاَ سنطرح هذا السؤال الإفتراضي ، على كل من النظام والمعارضة ، هل كان الإستعمار متآمراَ علينا ،عندما أوجد النظام التوافقي في الحكم وفق ميثاق 1943 م في لبنان ، ونظام الدويلات ( دولة دمشق ، دولة حلب ، دولة العلويين ، دولة الدروز ) في سوريا ،؟؟؟
ألم يكن قراءته الإستعمارية لواقع المكونات في سوريا ولبنان ، أكثر واقعية وصدقاَ ، من قراءتنا الشيزوفيرانية ، المعارضاتية والنظامية على حد سواء؟؟؟ هذه القراءة الواقعية التي عجزنا عنها
في حين أنّ ، النظام مازال متمسكاَ بكرسي الحكم ، ويحلم بالحكم المطلق والمركزي والرئاسي ،على عموم الجغرافيا السورية ، والمعارضة أيضاَ تحلم بالإستيلاءعلى السلطة ، والإنتقام لدماء الشهداء،من المرتدين والكفار ، والثأر للضحايا ، وإستعادة الحقوق المسلوبة طيلة سنوات حكم النظام ، وتدعو لحرب عبثية ثأرية لن تنتهي أوارها إلى يوم الدين ، دون أن يرد بخلدهما ، بعد كل ما جرى ، التلاقي في منتصف المسافة ، والإعتراف المتبادل بالآخر ، والتساكن والتعايش ، في ظل دولة مدنية ، وتحت ظل دستور يكفل حقوق جميع المكونات ، بعيداَ عن الإلغاء والإقصاء
وأخيراَ لو أعاد النظام والمعارضة في رؤيتهما وتفكيرهما الشيزوفيراني ، و إعادة قراءة الواقع السوري ،وبرؤية جديدة ، وضرورة الوفاق والتوافق على الحل الأمثل ، وهو إيصال كل صاحب حق من جميع المكونات ، إلى حقوقه ، بنظام إداري يضمن تفويض السلطات المحلية ، إلى أبناء المكون ذاته ، بعيداَ عن المركزية ، والسلطات المطلقة في الحكم ، تحت أي مسمىّ كان ، سواء أكانت فيدرالية ، أو إدارة ذاتية ، أو حكم ذاتي موسع ، ولكن بشرط أن يكون تفويضاَ حقيقياَ للسلطات ، وتوزيعاَ عادلاَ ، ومنصفاَ ، للثروة والسلطة ، بعيداَ عن الإستئثار ، وليس بناء ديكورياَ وصورياَ ،كما كان يروج له ، مثل نظام الإدارة المحلية فيما يخص الإدارة ، ونظام الجبهة الوطنية التقدمية فيما يخص المشاركة السياسية ، كما كان المتبع .خلال سنوات الحكم السابقة . ألا يكون ذلك مدخلاَ لإنهاء هذه التراجيديا العبثية ، في سوريا ؟؟؟
كمال أحمد
المصادر والمرا جع
– تاريخ العلويين : لمحمد أمين غالب الطويل
ـ هاشم عثمان : العلويون بين الاَسطورة والحقيقة
ـ راجع في كتاب الغيبة لأبي جعفر الطوسي،
ـ عارف تامر : معجم الفرق الاِسلامية : ١٢٨ فمابعد
ـ انظر كمال ديب، تاريخ سورية، ص 45 وما بعد. — جريد الحياة اللندنية
ـ انظر: حسام سلامة، “العلويون ثاني أكبر الطوائف في سورية”، الشرق الأوسط، العدد 11808، 28 مارس/آذار 2011.
ـ راجع كتاب البعث الشيعي في سورية، تأليف مجموعة مؤلفين.
ـ في نقد المتمنطقين باسم العلويين، كتاب منشور على الإنترنت في موقع المكتبة الإسلامية العلوية.
– سليم الدحداح: “تنصر الأمراء الشهابيين واللمعيين في لبنان”، المشرق، مجلد 18 (1920)،
– إيليا حريق: “التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث”، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1982،
– إدمون رباط، “التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري”، ج.1، تعريب حسن قبيسي، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2002،
– الجمهورية اللبنانية، الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار 1926 مع جميع تعديلاته، بيروت، 1991.
— كمال الصليبي، “بيت بمنازل كثيرة؛ الكيان اللبناني بين التصوّر والواقع”، تعريب عفيف الرزاز، نوفل، ط. 4، بيروت، 2007.
– ميشال سورات، سوريا: السلطة البربرية، ١٩٧٩ – ١٩٨٢، المطبعة الجامعية الفرنسية، ٢٠١٢،
— روبيرت لوي، شاتهام هاوس، الاكراد السوريين، اكتشاف شعب، شاتهام هاوس، ٢٠٠٦
— حنّا بطاطو، فلاحو سوريا، والمتحدرون من الاعيان القرويين الصغار، وسياساتهم، مطبعة برنستون، ١٩٩٩،