المثقف في المعادلة السياسية.. أيضا..!

دهام حسن
المثقف هو المطّلع على الواقع، والمتفهم لحاجات ومطالب الجماهير الشعبية، والقضايا الاجتماعية، وهو المعبر بالتالي عن وجدانها، حتى أن أحدهم يعطي الأولويّة للثقافة أكثر من الاقتصاد لما له دور في التغيير الاجتماعي..لكن مما يؤسف له بالنسبة للمثقف في واقعنا السياسي، وسواهم من السياسيين كما يرى لينين من أن (فيض المناصب الرابحة…. ينطوي على خاصية التسبب بعمىً خاص سياسي) فضلا عن واقع التخلف الاجتماعي، والآثار السلبية لمحاكاة الثقافة الغازية، ناهيك عن طبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة، والسعي لتدجين الثقافة والمثقف بغرض إدامة الحالة، والنفور من البحث والتنقيب باتباع ما هو قائم وسائد، فالسلامة في الاتّباع والخطر في البحث بتعبير الإمام الغزالي، فالفكر المتطلع للأمام لا بمكن أن يوجد إلا بقدر تأثير الواقع فيه ودفعه إلى أمام، إن الفكر ينطلق من الواقع وبتوجهاته، واهمٌ من يعتقد بحيادية الفكر..
إن المثقف عادة يتسم بخصلتين، الوعي بقضايا مجتمعه، والدور والنشاط الذي يبديه مما يقتضي ويتطلب منه ذلك، وبالتالي فالمثقف هو القادر على التفكير واستنباط الآراء، والسعي لتمتين القدرات الذهنية، والخروج بتحليلات وتصورات، والسعي دوما لتقوية البنية الفكرية، المثقف هو الإنسان الذي لا يتعالى على مجتمعه، ولا يعيش في غربة عن الواقع، فالعالم بتعبير أحدهم تحكمه إلى حد ما الأفكار، وكثيرا من الصراعات تحسم ببناء الأفكار وليس هناك من بديل آخر… 
من هنا تتبين أهمية الأفكار والثقافة في الشأن السياسي، فالثقافة والفكر يغنيان الإنسان بالمعرفة وبالتالي فغاية المعرفة بتعبير(فرانسيس بيكون) هي المنفعة.! لكن علينا التنبه هنا من أن المثقف الذي تقوده مصالحه، لا يمكن له أن يكون تقدميا، وبالتالي لن ينشد مجتمعا ديمقراطيا، ولن يكون مع حقوق الآخرين، بالمقابل لابد أن تفسد أخلاقه عندما يمتلك ثروة بتسوّله السياسي،، بالمقابل فالفقير الذي لا يمتلك شيئا لا يشعر بانتمائه للوطن،ولن يدافع عن الوطن الذي يعيش فيه إذا ما تألبّ عليه الأعداء..
إن المثقف الحقيقي يرى أن قضيته المقدسة هي رفع الحظر عن قلمه فيما يكتب ويعلل ويناضل، وهو بالتالي لا يعدو مثقفا إذا لم ينخرط مناضلا في قضايا شعبه ولو بقلمه، مع تفهمه لمسار التاريخ السائر أبدا على أمام، المثقف هو المرتبط عاطفيا بشعبه، معبرا عن تطلعات الجماهير الشعبية، فلا يتعالى عليه، وتتطابق خياراته النضالية ونظمه الفكرية  مع ما يستنّه من سبل النضال، والسلطات التي تقيد المثقف بما تملي عليه هو من أسوأ أنواع النظم والأحزاب، إذ لابد من تفاعل إيجابي بين الحاكمين والمحكومين، ليس من المنطقي أن يواجه الفكر بالمدفع، بالمقابل يتوجب على المثقف أن يكون ابن مجتمعه، لا يتعالى عليه، وينتقد الواقع الاجتماعي معرفيا، وجرّاء التفاعل بين الثقافة والبيئة الاجتماعية تتولد بيئة مهيأة للسموّ والتطور والبناء..
إن الثقافة في احد معانيها (عمل يبذله الإنسان لغاية تطويرية..)كما يقول توماس هوبز.. من هنا ينبغي على المثقف السعي لترسيخ كثير من القيم والمبادئ في نفوس الخلايا الاجتماعية..
أخير لابد من بناء مجال حيوي بين الثقافة والسياسة، بين المثقف والسياسي، بحيث ينفتح أحدهما على الآخر، لا بد أن يلتقيا إذا كان يصران على خدمة المجتمع ليتعايشا كتوءم يكمل أحدهما الآخر في خدمة الواقع الاجتماعي والسعي لتحسينه دوما وأبدا، وعلى سياسيينا أن لا يتحسسوا من قلم المثقف ومنطقه، فلا نضال سياسي ولا جدوى من المساعي بدون قلم ثقافي واعي..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان من الدولِ مَن صوتها يعلو وهي صامِتة ، تُسْمِعٌ عنها كلَّ أنباءٍ مُفْرِحة ، عملاقة لا تهتم بمن دونها مع الأفضل أفكارها مُعلَّقة ، متطلٍّعة للمزيد ما دام الرقي يُكتسَب عن إرادة غير مُصَنَّعَة ، حافظة أصلٍ بالابتكار الطبيعي المُباح نتائجه بالقبول الحسن مُشبَّعة ، مهما بلغ التطوُّر مِن تطَور به دوماً بجذوره مُشبَّهة ، وُجِدَت…

صلاح عمر لا أفهم، بل في الحقيقة، يصعب عليّ أن أستوعب هذا الإصرار العجيب – وهذا الإمعان في السخرية والتقزيم – من بعض أبناء جلدتنا، من أولئك الذين يتفاخرون بثقافتهم العالية و”نضجهم” السياسي على منصات التواصل الاجتماعي، تجاه أي خطوة تُحاول، ولو متعثرة، أن ترمّم البيت الكردي المتهالك… وآخرها، الهجوم المستغرب على محاولة انعقاد كونفرانس كردي موسع، يضم تحت مظلته…

اكرم حسين يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى حول جدوى نقد “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، في ظل انقسام واضح بين من يعتبرها مشروعاً سياسياً واجتماعياً ضرورياً لإدارة المنطقة وحمايتها ، وبين من يراها نموذجاً سلطوياً يتزايد ابتعاده عن قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ، والسؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل ما زال النقد مُجدياً ؟ وهل يمكن أن يُسهم في…

تصريح صحفي نعلن اليوم أنه تم التوافق على موعد انعقاد كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي رسميًا يوم السبت الموافق ٢٦ نيسان الجاري، كخطوة هامة ، واستحقاقًا سياسيًا يعكس طموحات شعبنا الكردي في سوريا. وقد جاء هذا الانجاز كتعبير عن إرادة أبناء شعبنا الكردي، وجهود دؤوبة بذلها المخلصون من مناضليه، وبدعم كريم من الأشقاء والأصدقاء وخاصة فخامة الرئيس مسعود بارزاني والاخ…