ماجد ع محمد
«وداوِ بالتي كانت هي الداءُ»
مع بدء اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار قصف النظام السوري فجر اليوم الجمعة، بعشرات الصواريخ من طراز “توماهوك” مستهدفاً عدداً من المواقع الحساسة في مطار الشعيرات بريف حمص الشمالي، وذلك رداً على الهجوم الكيماوي للنظام على بلدة خان شيخون، تذكرت مادة كنت قد كتبتها في 3/9/2013 ولم أنشرها لأسبابٍ ما وهذه هي المقالة تلك.
بما أننا كشعوب متخلّفة أولاً وكسوريين ثانياً، وقد بيّنا للعالم من خلال الوقائع وليس التوقعات، بأننا غير مؤهلين لامتلاك هذه الترسانة العسكرية المهمة والخطرة والموجودة بحوزة النظام البعثي القاتل في الوقت الراهن على أقل تقدير، طالما لم تترسخ في هذه المجتمعات إلى الآن أية أرضية من الأسس والمعايير والقيم الإنسانية التي تجعل الإنسان من خلالها أهم من كل الاعتبارات الأخرى كالعشائرية، والطائفية، والقومية، والدينية، فتكون غاية مفكريها وسياسييها البحث عن أفضل السبل لارتقاء الشعب ورفاهيته، لا العمل جاهداً إلى قمعه وإذلاله وإهانته، وحيث لا تزال المزاجية والعصبية والاحتقانات المتراكمة والصور الذهنية المتوارثة هي التي تتحكم بسلوكيات بطارقة السياسة ومتخذي القرارات في بلدنا إلى هذه اللحظة، لأنه حتى لو تخلصنا من بشار الأسد فلدينا عشرات النسخ الجاهزة عنه، وذلك سواء في جيش النظام أو حتى في الجيش الوطني المزمع تأسيسه لاحقاً، ولكن ربما لم يحن الوقت لتظهر تلك النسخ المعدّلة عن الكيماوي السوري بشار، أو ربما لم تسمح الظروف لبروزها على الساحة بعد، فنرى بأن أي واحد منهم ـ من حاملي تلك السمات ـ لو تسنم مقام رئيس الدولة يوماً قد يفعل مثله أو ما هو أفظع، إذن فمشكلتنا ليست محصورة في رئيسٍ دموي يعاني من الأمراض السيكولوجية أو الفيزيولوجية، إنما هي مشكلة كامنة في البنية الثقافية للمجتمع السوري بكل مكوناته، ثقافة مجتمعية قائمة على العنف المتجذر والمشبعة حتى السُكر بأخلاقيات النبذ والإلغاء، فهي أبداً لا تخص عوائل أو طوائف أو فئات بعينها كما يحلو للكثيرين تنسيبها أو تصورها، إنما الذي ساهم في تقييح البنية الثقافية والفكرية للمجتمع السوري هو حزب البعث العفن.
لذا فإن تدمير هذه الترسانة لن تنقذ السوريين وحدهم من الرعب الذي يعيشونه، إنما هي لصالح كل الشعوب المجاورة للحدود السورية، ومن مصلحة تلك الشعوب أن لا يمتلك جارهم الطائش هذه القوة التدميرية، لأن من يستخدمها ضد شعبه لن يتورع عن استخدامها ضد جيرانه أيضاً، بما أن تاريخنا الحديث مليء بتجارب مماثلة ومنها تجربة قريبة جداً وهي تجربة طاغية العراق صدام حسين مع شعب ودولة الكويت.
وأهمية الضربة العسكرية بالنسبة للسوريين هي أنها ستخلصهم من السلاح الثقيل كالطائرات والصواريخ والمدافع التي يستخدمها النظام ضد المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء، ومن أثرها يُعتقد بأن يتخلص السوريين من طوابير الشبيحة الملتفين حول أجهزة الدولة باعتبارها قوية، لا حباً بها طبعاً، إنما حباً بقوتها التي يستطيعون من خلالها ممارسة السطوة على الناس، بما أنهم الفئة الأكثر تعطشاً لممارسة العنف والبطش بعباد الله.
ومن المتوقع أن توقف الضربة مد النزوح إلى دول الجوار، بما أن من أهم أسباب فرار المواطنين هو خوفهم من الصواريخ والطائرات والمدافع، فعندما يتم تدمير الأسلحة الثقيلة لن يكون هناك موجات نزوح كبيرة، إنما العكس فالكثير منهم سيعود إلى دياره عقب انتهاء ونجاح الضربة المحتملة.
كذلك من نتائج الضربة تلك أنها ستجبر أغلب المعارضين السوريين في الغرب أو دول الجوار من التوجه إلى الداخل السوري، ليعملوا على الأرض من أجل التأثير على المسلحين، والحد من تدخلهم السافر في شؤون المدنيين، والمساهمة في تقليص نفوذهم وإعادة تفعيل وتنشيط المؤسسات المدنية في الداخل.
كما أن الضربة القاصمة ستساعد في التخلص من الكثير ممن امتطوا ظهر الثورة عسكرياً وبالتالي التخلص من مبرر جود مئات المسلحين الذين التحقوا بصفوف الثوار لا لأهدافٍ نبيلة إنما لغاياتٍ سافلة وأهدافٍ منحطة، حيث عمل الكثير منهم كما كانت تفعل الفصائل العسكرية في لبنان أوان الحرب الأهلية، أي “نقل البارودة فقط من كتف إلى كتف” من غير أي تغيير في نهجه وفكره وشرعه وثقافته وسلوكه.
ثم قلنا حينها بأن الضربة لو حدثت ستكون مفيدة لتركيا، أولاُ للتخفيف من عبء النازحين إليها، كما أنها ستتخلص من تهديدات جارها الذي يمتلك الكثير من الملفات التي تخص الدولة التركية، والتي من خلالها يتدخل في شؤونها، ويستطيع الولوج عبرها إلى عمقها، فمنها ما يخص ملف حزب العمال الكردستاني وأبعاده الإستراتيجية، وكذلك ملف لواء اسكندرون الذي سيتأجل بدوره عقب الضربة إلى أجلٍ غير مسمى.
وكذلك فالضربة ستكون من الحتمي لصالح مستقبل دولة إسرائيل لأنها ستريحهم طويلاً من وجود هذه القوة على حدودهم والتي ستبقى مهددة لأمنهم إن بقيت، وذلك في أي وقتٍ كان، فإن لم يكن في زمن حكم بشار، ربما أوان حكم غيره من القادة القادمين لقيادة البلد في المستقبل.
وكان طلاب الحرية والديمقراطية وعموم الليبراليين والعلمانيين في سوريا يتوقون حينها ويقولون: ـ أي في 2013 ـ بأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لو باشر بالضربة حينها ولم يتركها لإدارة الرئيس ترامب، لحقن دماء عشرات الآلاف من السوريين العزل، ووفر ضرب النظام على دول الجوار السوري والدول الغربية مصاريف وتبعات آلاف اللاجئين، كما كانت هواجسهم تتأرجح بين التأمل والتوقع بأن تشمل الضربات إلى جانب النظام المجرم، مواقع وجيوب عشاق الفردوس الموعود الممثلين اليوم بداعش والنصرة وعشرات الفصائل المماثلة لهم في السلوك والنهج والتصرفات، باعتبار أن تلك الصورايخ ستوصلهم إلى هناك بأقصى سرعةٍ ممكنة، وعلَّها ستساهم في تحقيق أحلام وأماني المتطرفين المنشغلين بإعمار وتنمية الآخرة، لينتهي بهم المطاف في حُجر الإماء، أولئك الذين يراهم الحريصون على نضارة الثورة بأن هؤلاء سيكونون في يومٍ ما حجرَ عثرةٍ أمام أية حكومة من الحكومات المقبلة في سوريا الجديدة، لذا فمن المهم جداً تأمين مستقبل مشرق لهؤلاء الأخوة الراديكاليين من الآن، وذلك عبر تسفيرهم مع ترسانة الأسد وطاقمه السياسي والعسكري وميليشياته عبر الكروز أو التوماهوك تباعاً إلى ديار الحق، لكي يستأنفوا حياتهم بعيداً عن العلمانيين الكفرة وكل أعوانهم من أتباع الدنيا، فيكونوا وحدهم بجوار الرفيق الأعلى وهم مغمورين بما طاب لهم من الملذات في النعيم بأحضان الجواري والحسان والغلمان.